صفحة الكاتب : نزار حيدر

عْاشُورْاءُ السَّنَةُ الثَّامِنةُ (٨) [الجَبانُ يمُوتُ مرَّتَينِ]
نزار حيدر

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

الجبنُ هوَ أَحدُ أَقبح وأَخطر الأَمراض المُدمِّرة التي تُصيب المُجتمع.

يصفُهُ أَميرُ المُؤمنينَ (ع) بقولهِ {الْبُخْلُ عَارٌ وَالْجُبْنُ مَنْقَصَةٌ وَالْفَقْرُ يُخْرِسُ الْفَطِنَ عَنْ حُجَّتِهِ وَالْمُقِلُّ غَرِيبٌ فِي بَلْدَتِهِ}.

فهوَ منقصةُ دينٍ ومنقصةُ رجُولةٍ ومنقصةُ حظٍّ ومنقصةُ عقلٍ!.

ولذلكَ لا تجدُ صاحبُ دينٍ جبانٌ أَو ذو شهامةٍ جبانٌ أَو عاقِلٌ جبانٌ أَو ذً مروءةٍ جبانٌ أَبداً.

وإِنَّ أَخطر أَنواع الجُبن هوَ [الجبنُ السِّياسي] الذي يمنع المُجتمع من مُكافحةِ الفَساد الذي يبدأ عادةً من شريحَتَينِ هُما رأس الهرمِ في كُلِّ مُجتمعٍ كما يصفهُما الحديثِالشَّريفِ {صِنفان مِن أُمَّتي إِذا صَلُحا صَلُحَ النَّاس؛ الأُمَراء والفُقَهاء} أَو مُواجهة طُغيان السُّلطة والتصدِّي للظُّلم وانتهاكِ الحقُوق العامَّة والخاصَّة.

والجبانُ يعرِفُ الحقيقة جيِّداً فهوَ يعرِفُ أَنَّ هذا ظلمٌ وذاكَ تعدٍّ وذلِكَ تجاوزٌ، وإِنَّ هذا ظالِمٌ وذاكَ مُتجبِّرٌ يفرُض الأَتاوات على النَّاسِ وذلِكَ خرِفٌ أَهبل مجنٌون لا يصلُحللزَّعامة.

هو يعرفُ كُلَّ ذلكَ، ولكنَّهُ جبانٌ لا يقوى على مُواجهةِ النَّفسِ الخاضِعة والخانِعة ليجهرَ بقَولِ الحقِّ.

ومِن أَجلِ أَن يتستَّرَ على جُبنهِ فلا يُتَّهم بالخَوف تراهُ يُبرِّر للظُّلمِ ويُفلسِف التَّقاعُس ويجد الأَعذار لهرُوبهِ مِن الواقعِ ويتناسى ويتجاهل ويفعل كلَّ ما مِن شأنهِ أَن يُشرعنبهِ هرُوبهُ من المَسؤُوليَّة الدينيَّةِ كانت أَو الأَخلاقيَّة.

وهيَ الحالُ التي عاشها المُجتمع عهدَ الحُسين السِّبط (ع) عندما قرَّر رفض البَيعة للطَّاغيةِ يزيد.

وعاشها كبارُ [الصَّحابة والتَّابعين والقُرَّاء] الذين برَّرُوا جُبنَهم بأَلفِ عُذرٍ وعُذرٍ أَشدَّها تفاهةً خَوفَ الفِتنةِ {وَمِنْهُم مَّن يَقُولُ ائْذَن لِّي وَلَا تَفْتِنِّي ۚ أَلَا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا ۗ وَإِنَّجَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ}.

يتذرَّعُونَ بالفتنةِ وهُم يرَونَ طاغيةً كيزيدٍ يعتلي الخِلافةَ! فهل هناكَ فتنةٌ أَعظمُ وأَشدُّ منهُ على الدِّين وعلى الأَخلاقِ وعلى مصيرِ الأُمَّةِ؟!.

والجبانُ يمُوتُ مرَّتَينِ؛

مرَّةً عندما يسكُت عن الظُّلم وهو لا يفعلُ شيئاً، وفي أَحيان كثيرة يضطر لمُشاركة الظَّالم في ظُلمهِ ليُبعِدَ عن نفسهِ الشُّبهة والرِّيبة والتُّهمة!.

ومرَّةً عندما يصلُ إِليهِ الدَّور فيحتزَّ الظَّالِمُ رقبتهُ وهو يتفرَّج لا يقوى على فعلِ شيءٍ بعدَ أَن خسِرَ نفسهُ وخسِرَ ثِقةَ النَّاسِ بهِ وبمواقفهِ وتبيَّنَ لهُم بأَنَّهُ جبانٌ.

فلِماذا يجبنُ المَرءُ؟!.

لا أُريدُ أَن أَتحدَّثَ هُنا عن عواملِ الوِراثةِ والتَّربيةِ، والتي أَشارَ إِليها أَميرُ المُؤمنينَ (ع) عندما طلبَ من أَخيهِ عقيل أَن يبحثَ لهُ عن امرأَةٍ {ولدتها الفحُول} قائلاً لهُ {فإِنَّالعِرقَ دسَّاس} فلذلكَ موقعَهُ وتخصُّصهُ، إِلَّا أَنَّني أُريدُ الإِشارة إِلى طريقةِ تفكير الجَبان والتي تًحرِّضهُ على السُّكوت والخضُوع.

١/ فالجبانُ يتصوَّر أَنَّهُ لا يمُوتُ إِذا سكتَ عنِ الباطِل! فالتصدِّي للحَقِّ يَزيدُ مِن فُرَصِ المَوت ويُسرِّع في هلاكهِ!.

يتصوَّر أَنَّ الأَمرَ بالمعرُوفِ والنَّهي عن المُنكرِ يُعجِّل بأَجلهِ!.

يقولُ أَميرُ المُؤمنينَ (ع) {وَإِنَّ الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيَ عَنِ الْمُنْكَرِ لَخُلُقَانِ مِنْ خُلُقِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَإِنَّهُمَا لَا يُقَرِّبَانِ مِنْ أَجَلٍ وَلَا يَنْقُصَانِ مِنْ رِزْقٍ}.

ويردُّ القرآن الكريم على هذا التصوُّر المُنحرف بقولهِ {الَّذِينَ قَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا ۗ قُلْ فَادْرَءُوا عَنْ أَنفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ}.

هو لا يدري أَنَّ الشُّجاع يموتُ والجبانُ يموتُ، وإِنَّما الفرقُ في طريقةِ موتِ الإِثنَينِ، فبينما يموتُ الشُّجاعُ واقِفاً يموتُ الجبانُ راكِعاً! وبينما يموتُ الشُّجاعُ مرفُوعَ الرَّأسِيمُوتُ الجبانُ مُنكَّس الرَّأس.

طبعاً كِلاهُما يخلُدان، إِلَّا أَنَّ الشُّجاع يخلُد بمواقفهِ المُشرِّفة فيما يخلُد الجبان بموقفٍ مُخزي واحد هو مَوقف التَّخاذُل والإِستِسلام.

ولقد خلَّدت لنا كربلاء شُجعاناً ماتُوا واقفِين كقمرِ بني هاشِمٍ حامل لواء الطَّف العبَّاس بن عليٍّ (ع) فيما رمت جُبناء عبيدَ مصالحهِم ودُنياهُم في مزبلةِ التَّاريخ!.

الشُّجاع يختِمُ حياتهُ في أَحيان كثيرةٍ بالشَّهادة وهي أَعلى وسامٍ يحصلُ عليِه المرءُ للإِنتقالِ من حياةٍ تافِهةٍ إِلى أُخرى خالدةٍ {وَمَا هَٰذِهِ ٱلْحَيَوٰةُ ٱلدُّنْيَآ إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ ۚ وَإِنَّٱلدَّارَ ٱلْءَاخِرَةَ لَهِىَ ٱلْحَيَوَانُ ۚ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ}.

أَمَّا الجبانُ فيختِمُ حياتهِ عادةً بالذلِّ والصَّغار، لأَنَّهُ يهرب من المَسؤُوليَّة رغبةً منهُ، كما يصفُ ذلكَ أَميرُ المُؤمنينَ (ع) بقولهِ {أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ الْجِهَادَ بَابٌ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ فَتَحَهُاللَّهُ لِخَاصَّةِ أَوْلِيَائِهِ وَهُوَ لِبَاسُ التَّقْوَى وَدِرْعُ اللَّهِ الْحَصِينَةُ وَجُنَّتُهُ الْوَثِيقَةُ فَمَنْ تَرَكَهُ رَغْبَةً عَنْهُ أَلْبَسَهُ اللَّهُ ثَوْبَ الذُّلِّ وَشَمِلَهُ الْبَلَاءُ وَدُيِّثَ بِالصَّغَارِ وَالْقَمَاءَةِ وَضُرِبَ عَلَى قَلْبِهِبِالْإِسْهَابِ وَأُدِيلَ الْحَقُّ مِنْهُ بِتَضْيِيعِ الْجِهَادِ وَسِيمَ الْخَسْفَ وَمُنِعَ النَّصَفَ}.

٢/ يظنُّ الجبانُ أَنَّ هروبهُ من الواقعِ وعدمِ تحمُّلهِ مسؤُوليَّة التَّغيير تكفيهِ شرَّ الطَّاغوت، وهذهِ واحدةٌ من أَبلهِ وأَسخفِ التصوُّرات التي يحمِلُها الناس.

أُنظرُوا ماذا فعلَ الطَّاغوت بكلِّ مَن خذلَ الحُسين السِّبط (ع) بذريعةٍ من الذَّرائعِ؟!.

هل حماهُم جُبنهُم من انتقامِ الطَّاغوت بعدَ عاشُوراء؟! هل حمَوا أَنفسهُم من تعسُّفهِ وظُلمهِ وسحقِهِ لحقُوقهِم؟!.

ويتكرَّرُ المشهدُ! فالجُبناءُ ينتظرُونَ يومَ الإِقتراعِ ليُدلُوا بأَصواتهِم مرَّةً أُخرى للفاسدينِ والفاشلينَ!.

 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


نزار حيدر
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2021/08/17



كتابة تعليق لموضوع : عْاشُورْاءُ السَّنَةُ الثَّامِنةُ (٨) [الجَبانُ يمُوتُ مرَّتَينِ]
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net