صفحة الكاتب : علي بدوان

منطقة النقب ومعركة الوجود العربي الفلسطيني
علي بدوان

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 لمدة نصف قرن كامل، كانت اذاعة صوت فلسطين من دمشق تصدح مساء كل يوم مع افتتاح بثها بعدة عبارات نثرية هي أقرب الى أبيات شعرية قصيرة ومغناة وبالصوت الجهوري لصاحبها الشاعر الفلسطيني الراحل يوسف الخطيب، الذي رحل قبل عام مضى.


العبارات النثرية المغناة، كانت تقول في مطلعها:


«الى عرب النكبة عزة الثورة،الى الزاحفين غداً على بطاح الجليل وصحراء النقب،الى رافعي العلم العربي في سماء يافا وقمة الكرمل،إليكم صوت فلسطين من دمشق».


تلك الافتتاحية، كانت تطرب آذان المستمعين، كما كانت تترك نشوة غامرة وإحساسا وطنيا غير اعتيادي لدى سماعها من ابناء فلسطين في الداخل عام 1948، واللاجئين منهم في سورية، الذين كانوا يتوافدون الى مبنى اذاعة صوت فلسطين بدمشق الكائن في شارع النصر وبعد ذلك في ساحة الأمويين، طوال أكثر من ثلاثة عقود، لارسال رسائل صوتية الى ذويهم في فلسطين المحتلة عام 1948 قبل أن تتطور وسائل التواصل والاتصال. فقد كانت اذاعة دمشق وبرنامج صوت فلسطين هي المعبر وصلة الاتصال بين اللاجئين الفلسطينيين في سوريا وأقاربهم ممن تبقوا في مناطق الجليل شمال فلسطين وفي مدن عكا وحيفا ويافا واللد ومنطقة النقب.


في العبارات النثرية السابقة المقتطعة والمغناة، كانت كلمة النقب ذات رنين خاص ومعها يافا وحيفا. فالنقب، قطعة عزيزة، تشكل تقريباً ثلث مساحة أرض فلسطين التاريخية، وقد احتلت بمعظمها وبات أهلها الأصليون لاجئين في دياسبورا الشتات، بينما بقيت أعداد قليلة منهم صامدة هناك على أرض النقب، واستمرت تلك الأعداد القليلة في صمودها الأسطوري الى الآن متحدية مشاريع تهويد النقب، وقد وصلت بأعدادها نحو (170) ألف مواطن فلسطيني.


النقب وغول الاستيطان الزاحف


مناسبة الحديث عن منطقة النقب تأتي بعد أن أقرت حكومة نتانياهو قبل فترة قصيرة ما يعرف بمخططجولدبرغ، برافر، عميدور الذي يسعى لمصادرة (800) ألف دونم من أراضي منطقة النقب من أصحابها من المواطنين الفلسطينيين وتجميعهم على أقل من مساحة (100) ألف دونم في سعي حثيث لاستكمال تهويد منطقة النقب الواقعة في المناطق المحتلة عام 1948، في مخطط استعماري استيطاني هو الأكبر من حيث حجمه في استهداف ما تبقى من الشعب الفلسطيني داخل الأرض المحتلة عام 1948. فلماذا منطقة النقب، وماذا تعني عملية استكمال تهويدها ومصادرة أراضيها من أصحابها الأصليين من المواطنين العرب الفلسطينيين؟


في البداية نقول، منذ النكبة،بدأت عملية التهجير القسري الممنهج للبدو الفلسطينيين والتي ترافقت مع احتلال إسرائيل لبلدة بئر السبع والتدمير الكامل والتهجير لكل التجمعات السكانية الأصلية هناك، ومع أوائل الخمسينات، كان أكثر من (90) الف بدوي فلسطيني من أبناء منطقة النقب وعشائرها، قد أجبروا على الرحيل، وتحول معظمهم إلى لاجئين في المناطق المجاورة في قطاع غزة، ومناطق الضفة الغربية خصوصاً منطقة الخليل وضواحي القدس، وشبه جزيرة سيناء والأردن وبنسبة أقل الى سوريا. فقد لجأت غالبية بدو النقب إلى قطاع غزة وبنسبة أقل إلى الأردن وقد عرفوا بـ (السبعاوية)، فيما حطت أعداد منهم في التجمعات البدوية على امتداد الصحاري الشرقية للضفة الغربية حيث ما زالت العشائر البدوية المهجرة من بئر السبع وعراد جنوب فلسطين تعيش في بيوت بدائية من الشعر والصفيح والبلاستيك، كتلك التي عاش فيها ضحايا النكبة جميعهم. كما شكل في أبناء العشائر من بدو فلسطين نسبة لا بأس بها من اللاجئين الفلسطينيين الذين وصلوا إلى سوريا ولبنان والأردن من بدو الجليل والجليل الشرقي وغور طبريا وسهل الحولة في الشمال.


واستتبعت سلطات الاحتلال عمليات التطهير العرقي آنذاك، بالقيام بتجريد ما تبقى من البدو الفلسطينيين من ملكية الأرض، واتباع التهجير المنهجي الواسع وصولاً إلى قرار دولة إسرائيل بعدم اعترافها بالحقوق العشائرية العرفية لملكية الأرض، حيث تتعامل إسرائيل مع أراضي البدو باعتبارها أراضي دولة. حيث سنت عددا من القوانين الجائرة، ومنها قانون الأراضي حيث يشير الى أن الأرض لا تباع إلى الأبد، وهي القاعدة التي وجهت المؤسسات الصهيونية المعنية بقضايا التهويد والمسماة بـ «الكيرين كيميت ليسرائيل» لتطبيق سياسة انقاض الاراضي.


وفقا لهذا القول تمت صياغة البند الأول في قانون ما يسمى أساس أراضي إسرائيل الذي يمنع نقل الملكية لغير الدولة والقومية اليهودية، الذي يشير الى أن الملكية لا تنقل ان كان من خلال البيع أو بأي طريقة، حيث الدولة هي دولة القومية اليهودية وكذلك هو شأن الأراضي. وبالتالي فان العربي هنا خارج تعريف الانتماء القانوني والتاريخي للسيادة على الأرض، حيث لا حق له على الحيز المنطقي والتخطيطي، وليس له دولة لأنه ليس يهوديا ولا مواطنة حقيقية لأن المواطنة يهودية.


وباختصار شديد، يمكن القول بأن عمليات ترحيل السكان (التطهير العرقي)، والتجريد من الأملاك والقمع، تواصلت من خلال نظام الحكم العسكري الذي سيطر على العرب الفلسطينيين الذين تمكنوا من البقاء داخل حدود العام 1948 الى العام 1966، حيث حوصر فلسطينيو الداخل، وتم تعرض أبناء النقب للحصار بشكل منهجي وتم نقلهم قسريا، وحشرهم في ما يسمى بمنطقة السياج الواقعة في الركن الشمالي الشرقي للنقب، مباشرة إلى الجنوب من الضفة الغربية، وفي مثلث واضح في المنطقة الواقعة بين مدن بئر السبع، عراد وديمونا. فحاول الصهاينة بذلك إبعاد وتشريد البدو من النقب من أجل زيادة السكان اليهود، لذلك حرموا البدو من العرب الفلسطينيين من أبناء النقب من رخص البناء أو الاستقرار في المنطقة، واستمرت هذه السياسة منذ عام النكبة 1948 حتى الآن.


أهمية منطقة النقب


تعد منطقة النقب وعاصمتها بئر السبع من المناطق الحيوية الواقعة جنوب فلسطين المحتلة، نظراً لاتساع مساحتها نسبياً، وقربها من مصر عبر مجاورتها لحدود طويلة مع منطقة سيناء، ومجاورتها لشريط جنوب الأردن، وإطلالها على البحر الأحمر من خلال فتحة مدينة أم الرشراش (ايلات) التي تعتبر جزءاً من منطقة جنوب النقب. فضلاً عن اكتناز المنطقة للعديد من الثروات الباطنية التي لم تصرح عنها إلى الآن سلطات الاحتلال، فيما تذهب العديد من المصادر لتأكيد وجودها، بما فيها العناصر النادرة في الجدول الدوري الكيميائي كاليورانيوم وغيره.


إضافة لذلك تعد منطقة النقب من المناطق الرئيسية لتواجد القواعد الجوية الإسرائيلية، ومراكز التدريب والكليات العسكرية لجيش الاحتلال، إضافة لمفاعل ديمونا وملحقاته. فقد انتشرت في قضاء بئر السبع المنشآت العسكرية والمستعمرات التي تتزايد يوماً بعد يوم، التي تحول بعضها إلى مدن كبيرة مثل ديمونا وعراد، وإيلات، ونتيفوت، وافقيم، ويروحام، وسدي بوكر وغيرها.وفي هذا السياق، فإن تأكيدات عدة صدرت من جهات مختلفة، أشارت الى ان الجيش الاميركي نصب منظومة صواريخ مضادة للصواريخ الباليستية في منطقة صحراء النقب جنوب فلسطين التاريخية، في مهمة توفر الحماية الجوية من الصواريخ الباليستية التي قد تطلق باتجاه الكيان الصهيوني، إضافة لمواجهة طائرات خفيفة أو طائرات من دون طيّار. وأوضحت المصادر المختلفة بأن المنظومة الدفاعية مرتبطة بالسفن الاميركية في المنطقة، التي تحمل صواريخ مضادة لصواريخ أرضأرض باليستية. ووفق التفاهمات الأميركية المعلنة مع اسرائيل، فإن المنظومة ستبث إشارات في حال رصدها صواريخ معادية الى السفن الاميركية في البحر المرتبطة برادار سلاح الجو الإسرائيلي ليتمكن الجيش الإسرائيلي من اعتراض الصواريخ وفق اختياره.


معركة النقب معركة الوجود


في الاستخلاصات الأخيرة، وفي الوقت الذي ينشغل فيه الفلسطينيون على مستوياتهم المختلفة بإثارة ومواجهة عمليات الاستيطان الاستعماري الصهيوني الجائرة التي تجري فوق الأرض المحتلة عام 1967، فان عجلة الاستيطان والتهويد الإسرائيلية الصهيونية تواصل تقدمها داخل مناطق الاكتظاظ والتواجد السكاني العربي في فلسطين المحتلة عام 1948، وتحديداً في مناطق الجليل والمثلث والنقب، حيث تعمل الحكومة الإسرائيلية الحالية للانتقال إلى خطوة نوعية جديدة في هذا المسار من عمليات التهويد باتجاه استكمال خطة خلخلة الوجود السكاني العربي، فالمساحات الساحقة جداً من أراضي الجليل والنقب، هي أراض عربية مصادرة منذ عام النكبة، وجرت مصادرتها في إطار سياسة الاضطهاد القومي العنصرية الإسرائيلية الصهيونية ضد المواطنين العرب، حيث سنت دولة إسرائيل من أجل ذلك أكثر من أربعين قانوناً يفتقد للشرعية منذ العام 1948 . وعليه، فإن معركة الدفاع عن الوجود العربي الفلسطيني في منطقة النقب، معركة فاصلة على ما تبقى من أراض عربية داخل حدود العام 1948، بعد أن نالت المؤسسة الإسرائيلية الصهيونية ما نالته من أراضي الجليل شمال فلسطين، ومنطقة المثلث وسط فلسطين، والمدن الساحلية في الماضي. وهي معركة تعني كل فلسطيني، كما تعني كل عربي، وكل أحرار العالم وقوى الديمقراطية والعدالة والسلام.


ان أهلنا وشعبنا الصامد داخل حدود العام 1948، يخوض معركة الوجود العربي والفلسطيني ويقارع اسرائيل الصهيونية التوسعية بلا كلل، وبكفاح منقطع النظير وقد أسقط كل مقولات وسياسات التذويب والأسرلة والالحاق القومي، محافظاً على عروبته وعلى فلسطينيته بالرغم من الهوة الواسعة في ميزان القوى على الأرض، وبالرغم من سطوة وبطش الاحتلال.




قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


علي بدوان
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2012/04/11



كتابة تعليق لموضوع : منطقة النقب ومعركة الوجود العربي الفلسطيني
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net