صفحة الكاتب : الشيخ محمد مصطفى مصري العاملي

كربلاء عرش الله! سماحة المرجع الديني الشيخ الوحيد الخراساني حفظه الله تعالى
الشيخ محمد مصطفى مصري العاملي

 بسم الله الرحمن الرحيم

هذه أيام التعطيل في شهر صفر، وعليكم جميعاً أن تسعوا لتكون حياتكم مرآةً ومصداقاً للقرآن الكريم: فأيام التحصيل للتفقه في الدين، وأيام التعطيل لتبليغ شرائع الدين، هذه الحياة هي نهج القرآن.

﴿لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ﴾ هذا أولاً في أيام التحصيل، ﴿وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُم﴾ هذا ثانياً في أيام التعطيل، فلا تدعوا هذه الفرصة تفوتكم، واعرفوا قيمتها.

هذا الحديث محيرٌ للعقول، والسَّنَدُ محكَمٌ، أما المتن: فخطاب الله تعالى لموسى بن عمران عن أمرين، إن أتى بواحدٍ منهما فله أجرٌ يفوق عبادة مئة عام بصيام نهارها وقيام ليلها، قيامٌ بالصلاة من الليل للصباح، وصومٌ كلّ يوم!

أحد هذين العَمَلين في كفة، ومئة عامٍ من العمل بلياليه وأيامه في كفةٍ أخرى!

المخاطَب هو موسى بن عمران، والمخاطِب هو الله تعالى، إنّه أمرٌ محير، قال: ربي هناك عملٌ له هذا الثواب؟ بقيام ليله وصيام نهاره؟ جاء الجواب: نعم، سأل: ما هو؟ جاء الجواب:

1. رد الآبق: بأن يتوب العاصي.
2. رد الضال وارشاده: أن تُعَرِّفَ شخصاً على إمام زمانه.

نحن لم نعرف قدر العمر! وهذا التعطيل فرصةٌ لاستغلال هذه الجوهرة! وينبغي أن يكون برنامج كلّ سفرٍ أموراً ثلاثة:

الأول: إحكام العقائد، والثاني: تهذيب الأخلاق، والثالث: تعليم الأحكام، هذا هو العمل. 

أما الأثر والجزاء: فإنّ من أحيا نفساً فكأنما أحيا الناس جميعاً، قال تعالى: ﴿وَمَنْ أَحْياها فَكَأَنَّما أَحْيَا النَّاسَ جَميعا﴾، وقال الإمام عليه السلام أنّ تأويلها الأعظم هو أنّ تُخرِجَ نفساً: مِنْ ضَلَالٍ إِلَى هُدًى، وكلاهما نكرة: (ضَلَالٍ) و(هُدًى)، فقد يقال: (من الضّلال إلى الهدى)، لكن متن الحديث ليس كذلك، بل: (مِنْ ضَلَالٍ إِلَى هُدًى)، يعني أن تُعَلِّمَه مسألةً واحدةً من مسائل الصلاة أو العبادة أو المعاملات أو العقود أو الإيقاعات والأحكام.

كذلك أن يتوبَ عاصٍ، أيٌّ من هذا يصبح كعبادة مئة سنةٍ بقيام لياليها وصيام أيامها، وهذا هو برنامج التعطيل، لكن المهم هو أن عمرنا قد انقضى ولم نفهم أهمية ذلك وقدره!

المرحوم الحائري فَحلٌ، وهذه الحوزة إحدى ثمرات شجرة وجوده، كان في مجلس الميرزا الشيرازي يقرأ العزاء، والميرزا الشيرازي يلطم على صدره، هكذا كان الأمر ذلك اليوم، وهذا حال هذه الأيام!
للأسف لم نعرف سيد الشهداء عليه السلام.

إن فقه الحديث مهم، فرواية الحديث شيءٌ ودرايته شيء آخر، وقبل الحديث إقرؤوا القرآن لتعرفوا حقيقة الإيمان والمؤمن، يقول تعالى: ﴿إِنَّمَا المُؤْمِنُونَ﴾ وإنما تفيد الحصر:

1. ﴿الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ الله وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ﴾
2. ﴿وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آَيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ﴾
3. ﴿الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ﴾
4. ﴿وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ﴾: (أي ممّا علّمناهم يبّثون).

هذا الإيمان وهذه علاماته، فالمؤمنون الذي نزلت في وصفهم سورةٌ في القرآن: ﴿قَدْ أَفْلَحَ المُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ﴾ هذا أول أمرهم، أما آخره: ﴿أُولَئِكَ هُمُ الوَارِثُونَ * الَّذِينَ يَرِثُونَ الفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾. هذا المؤمن وهذا الإيمان.

والآن نطرح الرواية، وهي عن ابي محمد الحسن العسكري عليه السلام:

عَلَامَاتُ المُؤْمِنِ خَمْسٌ: صَلَاةُ الإِحْدَى وَالْخَمْسِينَ، وَزِيَارَةُ الأَرْبَعِينَ، وَالتَّخَتُّمُ فِي اليَمِينِ، وَتَعْفِيرُ الجَبِينِ، وَالْجَهْرُ بِ بِسْمِ الله الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ.

فزيارة الأربعين علامة الإيمان، والإيمان في القرآن هو ما تقدم، وهذه الزيارة لا قريب وبعيد فيها، كلُّكُم بعدَ هذا المجلس توضؤوا واذهبوا إلى مكانٍ مكشوفٍ مرتفع، وقولوا ثلاث مرات: صلى الله عليك يا أبا عبد الله، تصبحون من زوار الأربعين، ومن المؤمنين أصحاب علامة الإيمان.

لم يعرف الناس من هو الامام الحسين عليه السلام، وجملةٌ واحدةٌ تُحَيِّرُ العقول، وهي من كلام رأس ورئيس المذهب وهي: أَشْهَدُ أَنَّ دَمَكَ سَكَنَ فِي الخُلْدِ، وَاقْشَعَرَّتْ لَهُ أَظِلَّةُ العَرْشِ: والقشعريرة في اللغة رجفةٌ خاصة.
 
وَبَكَى لَهُ.. مَا يُرَى وَمَا لَا يُرَى‏: فما هي دائرة (مَا يُرَى)؟ كلُّ شيءٍ من السماء للأرض، من أعلى عليين إلى أسفل سافلين، أما (مَا لَا يُرَى): فلا أحد يعلم ما في ذلك العالم إلا الله، كلُّ ما يُرى وكل ما لا يُرى قد بكاه في ذلك الوقت، فمن زار الحسين بكربلاء كان كمن زار الله في عرشه.

هذه عاشوراء، وكربلاء صارت عرش الله، وزيارته صارت زيارة الذات المقدسة لله، هذه جملةٌ، وجملةٌ أخرى: أَشْهَدُ أَنَّ دَمَكَ سَكَنَ فِي الخُلْدِ، فأين منشأ هذه الجملة؟ منشؤها في رؤيا أم سلمة، لمّا سمع أهلُ المدينة صوت بكاءٍ يرتفع فجأة من بيت النبي صلى الله عليه وآله، فاجتمعوا جميعاً، وسألوا أم سلمة عن ذلك، قالت: رأيت الآن خاتم النبين في الرؤيا على حالٍ لم أره عليه أبداً، حاسِرَ الرأس والقدمين، يعلوه الغبار، وبيده زجاجةٌ من الدم.

قلت: يا رسول الله ما هذه الحالة؟

قال: هذه الزجاجة أعطاني الله إياها، فيها دم الحسين عليه السلام مِن محلّ قتله، أوصِلُها إلى أعلى عليين، ويقول سادس الأئمة عليه السلام أن النبي صلى الله عليه وآله وضع زجاجة الدم في أظلة العرش، ومنذ أن وُضِعَت هناك اهتزت قوائم العرش وستبقى إلى يوم القيامة.. هذا دمه.. وهذه كربلاؤه..

عَنِ الحُسَيْنِ بْنِ بِنْتِ أَبِي حَمْزَةَ الثُّمَالِيِّ قَالَ: خَرَجْتُ فِي آخِرِ زَمَانِ بَنِي مَرْوَانَ إِلَى زِيَارَةِ قَبْرِ الحُسَيْنِ عليه السلام مُسْتَخْفِياً مِنْ أَهْلِ الشَّامِ، حَتَّى انْتَهَيْتُ إِلَى كَرْبَلَاءَ، فَاخْتَفَيْتُ فِي نَاحِيَةِ القَرْيَةِ حَتَّى إِذَا ذَهَبَ مِنَ اللَّيْلِ نِصْفُهُ أَقْبَلْتُ نَحْوَ القَبْرِ، فَلَمَّا دَنَوْتُ مِنْهُ أَقْبَلَ نَحْوِي رَجُلٌ فَقَالَ لِي: انْصَرِفْ مَأْجُوراً فَإِنَّكَ لَا تَصِلُ إِلَيْهِ.

فَرَجَعْتُ فَزِعاً حَتَّى إِذَا كَادَ يَطْلُعُ الفَجْرُ أَقْبَلْتُ نَحْوَهُ حَتَّى إِذَا دَنَوْتُ مِنْهُ خَرَجَ إِلَيَّ الرَّجُلُ فَقَالَ لِي: يَا هَذَا إِنَّكَ لَا تَصِلُ إِلَيْهِ.

فَقُلْتُ لَهُ: عَافَاكَ الله، وَلِمَ لَا أَصِلُ إِلَيْهِ؟ وَقَدْ أَقْبَلْتُ مِنَ الكُوفَةِ أُرِيدُ زِيَارَتَهُ، فَلَا تَحُلْ بَيْنِي وَبَيْنَهُ عَافَاكَ الله، وَأَنَا أَخَافُ إِنْ أَصْبَحَ فَيَقْتُلُونِّي أَهْلُ الشَّامِ إِنْ أَدْرَكُونِي هَاهُنَا. 

قَالَ: فَقَالَ لِيَ: اصْبِرْ قَلِيلاً، فَإِنَّ مُوسَى بْنَ عِمْرَانَ عليه السلام سَأَلَ الله أَنْ يَأْذَنَ لَهُ فِي زِيَارَةِ قَبْرِ الحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ، فَأَذِنَ لَهُ، فَهَبَطَ مِنَ السَّمَاءِ فِي سَبْعِينَ الفَ مَلَكٍ .

موسى عليه السلام يطلب حاجته، وبعد مدة يجيز الله له أن يأتي تحت قبة الحسين عليه السلام لتُستجاب حاجته، هذا سيد الشهداء.. فَمَن عرفه؟

تراب قبره آيةٌ من آيات القرآن، فالقرآن شفاءٌ وتربته شفاء، وتحت قبته إجابة دعاء الأنبياء والأولياء.

وخِتام الكلام فصلُ الخطاب في المحشر، ففي شدّة يوم الحساب التي تصل إلى حدِّ أنّ الجميع من آدم إلى عيسى بن مريم، الجميع يقولون: وانفساه.. في هذا اليوم ينزل جبرئيل على خاتم النبيين صلى الله عليه وآله، ويأتي مع رسول الله صلى الله عليه وآله إلى قبر الصديقة الكبرى، ويخرجونها من قبرها، ويُركبونَها على هودجٍ ظاهره عفو الله، وباطنه رحمة الله، ويحضرونها إلى يمين عرش الله، فتُخرِجُ قميصَهُ القديم الملطّخ بالدم وتضعه على رأسها. فصل خطاب المحشر في هذه الكلمة.

في اليوم الأول الذي جاء فيه للدنيا أخذته الصديقة الزهراء عليها السلام ووضعته في حجر خاتم الأنبياء صلى الله عليه وآله، فكان النبي صلى الله عليه وآله يضع لسانه في فمه فيكتفي به ولا يحتاج الحليب، وبمهده أعيد لفطرس ريشه وجناحه حتى عرج إلى السماء وصعد للملأ الأعلى! هذا يومه الأول.

أما يومه الأخير، فليس عندَ أحدٍ خبرٌ عن ذلك، المطلب يندرج في هذه الآية: ﴿يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ المُطْمَئِنَّةُ﴾ لكن إلى أي حَدٍ كان اطمئنان هذه النفس؟ إلى حدٍّ حَيَّرَ جبرئيل عليه السلام.

بعد ما جرى في نهر العلقمي، وبعدما وقف على نعش أشبه الناس خلقاً وخُلُقا ومنطقاً برسول الله، وبعد الصلاة على جنازة طفله ذي الستة أشهر، كان إطمئنان نفسه إلى حد قوله: رضاً بقضائك، وتسليماً لأمرك، لا معبود سواك، يا غياث المستغيثين! هذا اطمئنان نفسه.

اعملوا على تشجيع جميع الهيئات والمواكب للخروج أيام الأربعين، ففي خروج كل هيئةٍ وموكبٍ تسليةٌ لقلب إمام الزمان، وهو الذي يعلم ما الذي جرى على جده، حتى قال: 

فَلَئِنْ أَخَّرَتْنِي الدُّهُورُ، وَعَاقَنِي عَنْ نَصْرِكَ المَقْدُورُ.. لَأَنْدُبَنَّكَ صَبَاحاً وَمَسَاءً.. الليل بكاء! والنهار بكاء! لكن أيُّ بكاء؟!

لَأَبْكِيَنَّ عَلَيْكَ بَدَلَ الدُّمُوعِ دَماً: حتى لو نزل الدَّمُ بدل الدمع على رأسك المقطوع سأبكيك!

السلام عليك يا أبا عبد الله، وعلى الأرواح التي حلت بفنائك، عليك مني سلام الله ما بقي الليل والنهار.

أنتم يا زوار الأربعين، كلُّكُم في ضيافة الامام عليه السلام، اقرؤوا سورة ﴿قل هو الله احد﴾ في الطريق ليلاً ونهاراً.

 والحمد لله رب العالمين

من كتاب (أنوار الإمامة) ص391


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


الشيخ محمد مصطفى مصري العاملي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2021/09/27



كتابة تعليق لموضوع : كربلاء عرش الله! سماحة المرجع الديني الشيخ الوحيد الخراساني حفظه الله تعالى
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net