مفهوم الاختلاف - بين التباين والتأصيل
طارق فايز العجاوى
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
طارق فايز العجاوى
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
بداية المتفق عليه عند ارباب الفكر ان اللغة والمعتقد والتاريخ والتقليد والمنتجات بشقيها الذوقى والمعرفى تشكل السمات العامة لاى ثقافة فالاختلاف بين ثقافة واخرى تحددها هذه السمات وتشكل بمجملها ما يعرف بالظاهرة المحسوسة التى تميز هذه الثقافة عن تلك
بالضرورة مفردة الاختلاف شاع استخدامها واضحى لها مفهوما وذلك بفضل بعض العلماء وارباب الفكر واصبح لها دلالة معرفية ذات اهمية لا يتجاهلها الا غافل او تجاوزه قطار المعرفة وهؤلاء المفكرين لم يفعلوا ذلك دائما من خلال المفهوم ذاته او تحت مسمى الاختلاف فالدلالة التى اكتسبت بعدا اصطلاحيا شاع استخدامه وانتشر كان نتيجة لتلك الجهود لذلك اصبح على علاقة بمفاهيم رديفة تثريه بطريقة غير مباشرة نذكر منها التأصيل والتحيز اللذين كانا الشغل الشاغل للباحثين وعلى شتى مشاربهم ولكلا منظاره ورؤيته واساسه الثقافى بكل معطياته ولا شك ان هذا المفهوم على صلة وثيقة بمساقات بحثية شهدت رواجا فى الاعوام الاخيرة وشهدت تطورا ظاهرا مثل نظريات التلقى والدراسات والابحاث ما بعد الاستعمارية ........................ الخ
الى جانب علوم اصيلة عريقة كالدراسات الاجتماعية والنفسية بفروعها المعهودة وما افرزته من نظريات بابعادها وما نتج عنها من مصطلحات ومفاهيم وهذا كله ليس حكرا على ثقافة بعينها بل يشمل الثقافات الانسانية بقضها وقضيضها وبما انها فى المتعدد ثقافات ذلك يحتم ان لكل ثقافة مزايا وخصائص يجعلها مستقلة مختلفة بالضرورة عن الثقافات الاخرى اذن الامر منطقى بمعنى ان لكل ثقافة خصوصية واستقلالية وهذا يحتم ايضا اختلافها عن الاخرى من الثقافات اخذين بعين الاعتبار ان اختلاف الثقافات عن بعضها ليس بذات القدر وعلى العكس فقد يكون التجانس والتشابه والتقارب بين الثقافات ايضا ليس على نفس القدر والمسافة فدرجة التجانس بين الثقافة العربية والفارسية ليست كالدرجة ذاتها مع الثقافة الفرنسية
وعليه فالتباين بين الثقافات ضرورة لا بد منها ولكنه يضيق ويتسع نتيجة عوامل عديدة نذكر منها الثقافى والتاريخى والجغرافى اذن بالمجمل ان هذا التباين والتجانس ليس بثابتان بل متغيران نتيجة للعديد من العوامل والظروف
هذا الاختلاف اشبع بحثا ومن جوانب مختلفة وكانت نتيجة ذلك البحث المتعدد تراكما معرفيا وعلميا يشار له هنا (( ثقافة الاختلاف )) ويقابله (( الاختلاف الثقافى )) الذى يشكل موضوع تأمل ودراسة لثقافة الاختلاف او تلك الثقافة الناتجة عن دراسة الاختلاف وحقيقة ان هذه ممكن ان تكون علما قائما بذاته الا انه فى الوقت الحاضر له عواقب ومخاطر وهى ايضا مغامرة غير محسوبة النتائج الا انه غير مستبعد ان يصبح علما فى المستقبل تفرضه ضرورات المرحلة
على كل الاحوال ان استعمال كلمة ثقافة فى ثقافة الاختلاف ذو دلالة للثقافة غير تلك المستعملة فى الاختلاف الثقافى وضمن هذا الاطار اطلق عليه العلماء - ثقافة عالمة - وهى بالتالى حاصل معرفى ناتج عن التأمل والاستنتاج والبحث
اذن هى ثقافة تتأتى من الادراك المدقق والتعرف وبالمحصلة هى ثقافة ناقدة وهذا المعنى تحديدا نرمى اليه حين نصف احدا بانه مثقف وهى ليست ثقافة ناتجة عن نشاط انسانى جمعى وشعبى وجماهيرى كما هو احد المعانى الاساسية لمفهوم ثقافة المعنى المستعمل هنا فى عبارة الاختلاف الثقافى
الواقع ان وجود اختلاف ضرورة لانتاج ثقافة الاختلاف والمقصود هنا ليس الاختلاف بالمعنى الذى نعلمه جميعا او المعنى البديهى للكلمة كاختلاف لغة عن لغة او قوم عن قوم ولكن المقصود هنا هو ذلك الاختلاف الذى تعدى النواحى الواضحة الجلية وفيه ايضا تبرير لوجود قطائع ثقافية ومعرفية على صعد مختلفة وصور متعددة
فاذا كان من المسلمات الاختلاف الحاصل بين الثقافات كاختلاف الثقافة الانجليزية عن العربية مثلا فان قيام الشبه بين الثقافات هو ايضا حاصل لا محالة وذلك بحكم الانتماء للعائلة البشرية جمعاء كالثقافة العربية ومدى قربها من الثقافة الايرانية مثلا
على كل الاحوال البعد والتشابه بين الثقافات ليست محل نقاش وجدال ولكن ما هو محل النقاش والبحث والجدال هو القول ان اوجه الشبه او اوجه الاختلاف هى من الاهمية بحيث تعدل بالاوجه الاخرى المقابلة الى حد قولنا ان دراسة ثقافة من الثقافات ينبغى ان تنطلق من ما علمناه من الاختلاف او التشابه والعكس ليس صحيحا فان هناك من يراى ان اوجه الشبه بين الثقافات والمجتمعات البشرية هى اكثر من اوجه الاختلاف نظرا للجبلة البشرية وان ذلك يجب ان يكون المنطلق للبحث والمعرفة وللمشاريع الحضارية التى يجب ان تكون على هذا الاساس وهذا المبنى وعلينا ايضا ان لا نتردد فى تبادل تلك المنتجات الثقافية على اختلافها بحكم ارتفاع المعدل فى التشابه الانسانى
وبالمقابل هناك من يرى عكس ذلك تماما ويعتبر ان الثقافات الانسانية هى متباينة اكثر منها متقاربة وان هذا التباين ظاهرة صحية وليس اقل اهمية من التشابه وعليه فان التبادل الثقافى او الحضارى عليه ان يبنى على هذه القواعد والاسس وليس العكس
اذن فان المحاورة والسجال بين التيارين لم يكن مبنى على اساس معرفى او علمى بصورة خالصة وانما خالطه الكثير من النزعات والميول سواء كانت سياسية ام عقائدية وهذا حدى بهم الى الجنوح كلا مع هواه ومع ما يعتقد
الثابت والمثبت ان ثقافة الاختلاف تنتمى الى ذات البوتقة التى تحوى بمجملها مصطلحات ومفاهيم فى الثقافات المختلفة فعلماء الغرب بقيت تشغلهم قضية الاختلاف الثقافى على مر مراحلها المختلفة مما نالت من تطور حضارى ولم يكن ذلك محصورا بالعصور الوسطى --- كما يشير البعض ويعتقد --- فهى كانت على الدوام فى موضع المتلقى والمستقبل للمؤثرات الحضارية الاخرى اكثر من كونها المصدر لتلك المؤثرات وهذا يدركه كل قارىْ للتاريخ جيدا ويمكن الاشارة الى ذلك الاختلاف من باب التدليل لا اكثر
ففى العصر الحديث وهو ليس ببعيد عنا وهذا الشاهد يخص الفن وهو ما وقع من تباين بين النزعة التجريدية فى الفن الاسلامى والشرقى عموما والميل والنزوع الى المحاكاة فى الفنون الغربية وكذلك الاختلاف الاساسى بين ثقافتين كاليابانية والصينية من جانب والثقافات الغربية من جانب اخر والشواهد كثيرة لا يمكن اجمالها بمقال
اما شواهد الاختلاف فى الثقافة العربية الاسلامية ايضا كثيرة فقد عرفت حضارتنا الاختلاف وبرزت مصطلحات ومفاهيم كثيرة ولكن اشهرها ---- ادب الاختلاف --- و - فقه الاختلاف - وهناك علماء اجلاء تناولوا ذات الموضوع فى العصر الحديث نذكر منهم على سبيل المثال العلامة الدكتور يوسف القرضاوى فهو يضع فقه الاختلاف ضمن انواع خمسة من الفقه هى
**************** فقه المقاصد
*************** فقه السنن
************* فقه الاولويات ومراتب العمل
************ فقه الموازنة بين المصالح والمفاسد
وان الذين تناولوا هذا الموضوع فى اطار الطرح الاسلامى يقصدون بالاختلاف ما يحدث بين المسلمين من تباين فى وجهات النظر فيما يخص الدين اولا وفى موقفهم من الثقافات والاديان الاخرى ثانيا
فالاختلاف هنا هو اختلاف العلماء او اختلاف المذاهب والفرق الاسلامية تحديدا فى المسائل الفقهية وفى مسائل العقيدة وما يتصل بذلك من امور الدين والدنيا وعلمائنا اجمعوا على ان هذا الاختلاف على قسمين
الاول --- المذموم وهو ذلك الاختلاف المؤدى الى زرع الفرقة والتنازع ويشار عادة اليه بالخلاف دلالة على تمييزه عن الاختلاف
الثانى --- المحمود هو يصدر عن توافق فى الاصول ويرمى الى تحقيق ذات الاهداف ولقد تناوله ابن القيم رحمه الله فى كتابه اعلام الموقعين عن الاختلاف فقال ( وقوع الاختلاف بين الناس امر ضرورى لا بد منه لتفاوت اغراضهم وافهامهم وقوى ادراكهم ................. ولكن المذموم بغى بعضهم على بعض وعدوانه )
وعليه يدرك كل ممعن ومنعم للنظر ان شرعية الاختلاف - ما يخص حضارتنا العربية الاسلامية - عندما كانت فى اوجها باعتقادى كان الاختلاف مقبولا ولكن حين اصبحنا ضعفاء اضحى الاختلاف الداخلى غير مقبولا على الاطلاق وذلك لكى نقف صفا واحدا من المتربصين والاعداء
اما محاورة الاخر فضرورة وضرورة ملحة ولاسباب كثيرة يطول شرحها على اعتبار ان الاسلام فتح باب الحوار على مصرعيه وبارقى شروطه ومقوماته قال تعالى (((((((( وجادلهم بالتى هى احسن )))))))) على كل الاحوال ان موضوع الاختلاف الثقافى كان وما زال بصمة فى التاريخ الانسانى ويصعب التشكيك فيه وباهميته وهو فعلا بحاجة الى تقصى وتأمل وبحث وكافة الدراسات اجمعت على ذلك وسيبقى القضية الاشكالية بابعاده المختلفة وسيبقى بابه مفتوح على مصرعيه
والله من وراء القصد
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat