صفحة الكاتب : يحيى غالي ياسين

ظواهر بارزة في إمامة الحسن العسكري عليه السلام
يحيى غالي ياسين

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

تميزت إمامة كل إمام من ائمة أهل البيت عليهم السلام ببعض الظواهر والاساليب البارزة في اجراءات إدارة تلك الإمامة وأداء وظيفتها الربانية .. ويعتمد شكل ونوع تلك الظواهر والأساليب على طبيعة الظروف التي يعيشها الإمام ، السياسية والأمنية والاجتماعية والاسلامية بصورة عامة .. وكذلك تعتمد على الدور الذي يريد أن يقوم به الإمام المعين والأهداف التي تسعى إمامته الى تحقيقها ..

ومن أهم وابرز تلك الظواهر في إمامة الامام الحسن العسكري عليه السلام هي :

١. الاحتجاب : وهذه الظاهرة تميز بها كل من الإمام الهادي والإمام العسكري عليهما السلام ، ويشير المؤرخون الى أن الحكمة وراء هذا الأسلوب الذي اتبعاه عليهما السلام هو كجزء من متطلبات التمهيد لغيبة الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه ، قال المسعودي في اواخر ( اثبات الوصية ) : " روي ان ابا الحسن صاحب العسكر عليه السلام احتجب عن كثير من الشيعة الا عن عدد يسير من خواصه ، فلما افضي الامر الي ابي محمد عليه السلام كان يكلم شيعته الخواص وغيرهم من وراء الستر الا في الاوقات التي يركب فيها الي دار السلطان ، وان ذلك انما كان منه ومن ابيه قبله مقدمة لغيبة صاحب الزمان عليه السلام لتالف الشيعة ذلك ، ولاتنكر الغيبة ، وتجري العادة بالاحتجاب والاستتار " اثبات الوصية ٢٧٢ .

٢. نظام الوكلاء : كبديل موضوعي لأسلوب الاحتجاب أولاً ، وللتمهيد للامام الغائب ايضا ، ولإبعاد عيون السلطة ، ولاتساع الرقعة الجغرافية التي يسكنها الشيعة في عصر إلإمام العسكري عليه السلام .. كان لنظام الوكالات أهميته البالغة ودوره المميز في ادارة شؤون إمامة مولانا العسكري عليه السلام ، فاعتمد صلوات اللع عليه على شبكة من المعتمدين والوكلاء الذين اصبحوا حلقة الوصل بين الإمام والقواعد الموالية له ، وكان من بين الوكلاء الذين اعتمدهم الامام العسكري عليه السلام للنهوض بهذا الامر : ابراهيم بن عبدة النيسابوري ، واحمد بن اسحاق الاشعري ، وايوب بن نوح بن دراج ، وجعفر بن سهيل الصيقل ، وحفص بن عمرو العمري ، وابو عمرو عثمان بن سعيد العمري ، وعلي بن جعفر الهماني ، والقاسم بن العلاء الهمداني ، ومحمد بن احمد بن جعفر القمي ، وابوجعفر محمد بن عثمان بن سعيد العمري ، ومحمد بن صالح بن محمد الهمداني وغيرهم .

٣. المكاتبات والتواقيع : وهذا ايضا اسلوب تميز به الإمامين العسكريين عليهما السلام للتواصل مع القواعد ، وبلغت من الكثرة بحيث اصبحت مادة للجمع والتاليف من قبل بعض الاصحاب المعاصرين للعسكريين عليهم السلام ، ومما جاء ذكرهم ببعض كتب الرجال المهمة ( كالنجاشي وفهرست الطوسي ) : عبدالله بن جعفر الحميري الذي صنف (مسائل الرجال ومكاتباتهم ابا الحسن الثالث عليه السلام ) و (مسائل لابي محمد الحسن عليه السلام علي يد محمد بن عثمان العمري) و (مسائل ابي محمد وتوقيعاته) . وعلي بن جعفر الهماني البرمكي ، وله ( مسائل لابي الحسن عليه السلام) ، ومحمد بن الحسن الصفارت290هـ ، وله ( مسائل كتب بها الي ابي محمد الحسن العسكري عليه السلام) ، ومحمد بن الريان بن الصلت الاشعري ، وله (مسائل لابي محمد الحسن العسكري عليه السلام) .. وغيرها .

٤. كتمان الهوية : من الملاحظ ونتيجة للمخاطر التي تحيط بالمؤمنين الموالين لأهل البيت عليهم السلام من قبل السلطات الحاكمة ، كان الائمة عليهم السلام حريصين على سلامة أصحابهم وحفظ الثلة الصالحة المؤمنة وعدم تعريضها الى انتقام الطواغيت والظلمة وسفكة الدماء .. و هذا ما نجده واضحاً في حياة وسيرة الإمام العسكري عليه السلام .. فتارةً يأمرهم بكتمان توجههم الديني وتارة عدم السلام عليه ، او عدم التصدي لمن يسيء للإمام لكي لا يُكتشف مذهبه .. الخ .
روى علي بن جعفر عن أحد اصحاب الامام العسكري عليه السلام : اجتمعنا بالعسكر - اي سامراء - وقد صرنا لأبي محمد عليه السلام يوم ركوبه ، فخرج توقيعه : " ألا لا يسلمنّ عليّ أحد ، ولا يشير اليّ بيده ، ولا يومىء أحدكم ، فإنكم لا تأمنون على أنفسكم " الخرائج والجرائح ١/ ٤٣٩ .
ومن كلام للإمام العسكري عليه السلام لأحد اصحابه : " واذا سمعت لنا شاتماً فامض لسبيلك التي أمرت بها ، زإياك أن تجاوب من يشتمنا ، أو تعرّفه من أنت ، فإننا في بلد سوء ، ومصر سوء .. " مناقب ال ابي طالب ٣ / ٥٢٨ .

٥. ضبط عملية الانتقال من الإمامة الظاهرة المشهورة الى الإمامة الغائبة المستورة ، ولعل هذه من أثقل المهام التي كانت على كاهل الإمام العسكري عليه السلام وأنه ابتلى بها دون آبائه عليهم السلام وتطلبت منه اجراءات مشدّدة والتصرف يدقة متناهية ، بل تدّخلت يد الإعجاز الغيبي لمساعدته ، ابتداءً من ظروف التمهيد للغيبة وتطبيع القواعد الموالية على الشكل الجديد للإمامة ، مروراً بإخفاء حمل الامام المهدي عج في بطن أمه حتى عن أقرب الناس ، وكتمان أمر ولادته ايضا وعدم اطلاع الناس على وجود ولد للامام الا للخواص ، مثل أحمد ابن اسحق الذي قال له الامام الحسن العسكري عليه السلام : " يا أحمد بن اسحاق لولا كرامتك على الله عزّ وجل وعلى حججه ، ما عرضت عليك ابني هذا ، إنه سمي رسول الله صلّى الله عليه وآله وكنيّه الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً ، كما ملئت جوراً وظلماً ، يا أحمد بن اسحاق ، مثله في هذه الأُمة مثل الخضر ، ومثل ذي القرنين ، والله ليغيبنّ غيبة لا ينجو فيها من الهلكة إلّا من ثبته الله على القول بإمامته ووفقه فيها للدعاء بتعجيل فرجه " .
وحتى النص على إمامته والتصريح بغيبته ، وبدون أن يخرق ظروف الكتمان المشددة ، روى الشيخ الصدوق قدّس سرّه بسنده عن أبي علي بن همام قال : سمعت محمد بن عثمان العمري قدّس سرّه يقول : سمعت أبي يقول : سئل أبو محمد الحسن بن علي عليهم السلام وأنا عنده عن الخبر الذي روي عن آبائه عليهم السلام : " إنّ الأرض لا تخلو من حجة لله على خلقه إلى يوم القيامة ، وان من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية " ، فقال عليه السلام : " إنّ هذا حقّ كما أن النهار حق " ، فقيل له : يابن رسول الله ! فمن الحجة والإمام بعدك ؟ فقال : " ابني محمد هو الإمام والحجة بعدي ، من مات ولم يعرفه مات ميتة جاهلية ، أما إن لم غيبة يحار فيها الجاهلون ، ويهلك فيها المبطلون ، ويكذّب فيها الوقّاتون ثم يخرج فكأني أنظر إلى الأعلام البيض تخفق فوق رأسه بنجف الكوفة " كمال الدين ۲ : ٤۰۹ .

وهناك ظواهر أخرى ذكرتها المصادر التاريخية التي تعرضت لسيرته المشرفة ، منها سماحته وكرمه وعلمه وتصديه لمواجهة الانحرافات الفكرية والعقائدية .. وغيرها كثير تركناها اختصاراً ..


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


يحيى غالي ياسين
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2021/10/14



كتابة تعليق لموضوع : ظواهر بارزة في إمامة الحسن العسكري عليه السلام
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net