صفحة الكاتب : د . هاشم عبود الموسوي

أبرز أسباب ودوافع المستشرقين لمحاربة اللغة العربية
د . هاشم عبود الموسوي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

اهتمّ العرب والمسلمون كثيرا باللّغة العربيّة لمكانتها الرّفيعة في النفوس وقدسيّتها المستمدة من كتاب الله العزيز المنزّل بها؛ فبهذه اللغة استوعبوا أحكام دينهم وبها يفسّرون ما غمض من كتاب ربّهم وأحاديث نبيّهم المصطفى. وبسبب قدرتها في توحيد صفوف المسلمين ولمنزلتها الرّفيعة وأهمّيتها البالغة في فهم دين الإسلام فإنّها لم تنج من سهام الأعداء التي وجّهوها مرارا قاصدين والنّيل منها وتشويشها حتّى لا يفهمها أهلها فتصبح صعبة ركيكة منبوذة من أهلها المتحدثين بها قبل غيرهم.

ولما كانت نظرة الغرب إلى العرب تنطلق دوما من كونهم مسلمون يمثّلون خطرا حقيقيّا على الحضارة الغربيّة وعلى مثلها المادية المنحلة وإن دين هؤلاء المسلمين يسعى دائما لتقويض كل نظام أرضي لا يحكم بما أنزل الله، لذلك عمل مفكروا الغرب وما زالوا يعملون على محاربته بشتّى الوسائل والسّبل. وربما كانت محاولات ضرب اللّغة العربيّة على يد الناطقين بها من مستشرقيهم والحط من قيمتها في النفوس احدى الوسائل الفعالة لتحقيق ذلك.

وتشير الدراسات المتعلقة بالاستشراق إلى أن بدايات التوجه الاوربي في محاربة اللغة العربية يعود إلى بداية القرن 7هجري الموافق للقرن 13ميلادي ثم ازدادت المحاولات في دخول أوربا عصر النهضة ثم استفحلت هذه المحاولات مع بدايات حملات الاستعمار والهيمنة في القرنين 18و19ميلادي.

ولعل ابرز الأسباب التي دفعت المستشرقين إلى هذا الموقف المناوئ لا تعود إلى ما ذكرناه قبل سطور فحسب، بل هناك أسباب أخرى دفينة تتعلق بكينونة العربية الخاصة وقدرتها على أن تكون لغة عالمية لكل الطيف الاسلامي المتنوع والممتد من أسبانيا الى الصين، فهي لغة الدين والسياسة والعلم في كل هذه البلدان الشاسعة، ولا غرابة أن يذكر المستشرق الألماني (يوهان فك) صاحب كتاب العربية ذلك صراحة فيقول في إجدى صفحات كتابه المذكور: ( عندما رتل محمد (ص) القرآن على بني وطنه بلسان عربي مبين تأكدتْ رابطة وثيقة بين لغته والدين الجديد فكانت ذات دلالة عظيمة النتائج في مستقبل هذه اللغة ولا ينحصر هذا في الدور الذي لعبته العربية منذ ذلك الوقت في العالم الاسلامي كافة، حيث صارت لغة الدين والحضارة على الاطلاق).

ولإتمام مخطّطه لإقصاء الإسلام عن الحياة عمل الغرب الاستعماري (بريطانيا وفرنسا على الأخص) من خلال مؤسسة استشراقه العريقة على النّيل من هذه اللّغة (لغة الدين والسياسة والعلم) ودعا إلى نشر العامّيّات واللّهجات ووظّف مستشرقيه لذلك كـ”ولهلم سبيتا” و”دوفرين” وغيرهما للمناداة بهجر هذه اللّغة ووضع اللّهجات مكانها.

وقد كان هذا المخطط أشد شراسة في ممارسات الدول المستعمرة والناهجة نهجا ثقافيا في استعمارها كفرنسا التي سعت جاهدة للقضاء على العربية في الجزائر وتونس والمغرب ولبنان وسوريا وتشاد والسنغال وفي بعض البلدان الافريقية المتحدثة بالعربية، وقد قال الفرنسي (كامبغماير) عن سياسة بلاده في هذا النهج التدميري: ( إن الفرنسيين لا يريدون نهضة اللغة العربية في مراكش ولاسيما بين البربر، بل يحبون ويحب معهم صنعائهم وذيولهم أن تنهض اللغة البربرية والقبطية والسريانية والآرامية والآشورية من بين القبور والكهوف والحجارة المنقوشة على جدران المعابد الوثنية لتطرد العربية الفصحى إلى نجد والحجاز حيث جاءت!!!)

كما كانت فرنسا لا توظف في هذه البلدان من أهلها إلا من يتقن الفرنسية، ولا تسمح للمتحدث بالعربية فقط من الطلبة بالابتعاث للدراسة العلمية ولا بدخول الكليات الفرنسية في البلاد المستعمرة أيضا، ولعل الامر لم يكن أقل سوءا في بلاد الشام والمشرق العربي.

والغريب أن الأحابيل والحيل التي حاكها المستشرقون لزعزعة مكانة العربية في النفوس قد وجدت صدى لها عند بعض المستغربين من العرب والمسلمين الذين راحوا يرددون دعوات اساتذتهم من المستشرقين ويلكونها وكانها كتاب مقدس! إذ ظهرت في كتابات سلامة موسى وأتباعه دعوة إلى الفرعونية القديمة وإحلالها بدلا عن العربية، كما تعالت صيحات في لبنان إلى الفينيقية المنقرضة بدعوى أن اللبنانيين هم احفاد الفينيقيين وهم في الأصل ليسوا عربا، كما ظهرت دعوات في العراق إلى احلال البابلية والسومرية بدلا عن العربية على اعتبار ان العراقيين هم الاحفاد الحقيقيين للبابليين والسومريين صناع الحضارة العراقية القديمة.

كما ظهرت دعوات أخرى هي في الأصل ذات جذور استشراقية، وقد تمثلت من خلال الدعوة إلى إلغاء ظاهرة الإعراب في الكلام العربي واستبداله بالتسكين في آخر كل مفردة من التركيب الجملي، وهناك من نادى بإلغاء صور الإعراب في الكلام العربي بحجة التسهيل والتيسير على المتحدثين بالعربية، وهي حجة ملفقة وتهدف إلى هدم الصروح العظيمة التي قامت عليها هذه اللغة الفذة، ثم التلاعب بمرور الزمن بمقدسات هذه الأمة من خلال إلغاء المستندات والقواعد التي يحتكمون إليها في أمور دينهم ودنياهم، فنحو العربية الذي سنه وقعد أصوله أمير المؤمنين (عليه السلام) هو قانون اللغة وميزان تقويمها.

هذا فضلا عن الدعوة إلى العامية بدلا عن الفصحى، وهي أكثر هذه الدعوات تهافتا وأبعدها عن منطق الصواب بسبب عدم تلبية العامية لكل شروط الفصاحة والبيان وبسبب كون العامية لهجات متفرعة تفرق اكثر مما توحد، وبسبب أصولها المغرضة والمرتبطة بالمستشرق (ولهلم سبيتا) الذي أول من روج لها من خلال كتابه (قواعد اللغة العربية العامية في مصر المطبوع سنة 1880م).

ومن اللافت أن كل هذه الدعوات واجهت مصيرا واحدا تمثل في فشلها وعدم تجاوب قطاعات شعبية وثقافية واسعة معها! وذلك لسبب بسيط تجسد من خلال ارتباط هذه الدعوات بالمؤامرة على اللغة ومحاولة تدميرها، وهي محاولات معبرة عن الذهنية الأوربية الصانعة للاستشراق لغرض بسط الهيمنة والنفوذ بغية السيطرة وسرق الثروات وفرض السيادة والقناعات بقوة السيف وهو ما لا ترضاه ثقافة عريقة كالثقافة الاسلامية لا سيما وأن هذه الثقافة تؤصلها لغة أصيلة قاومت التذويب ومحاولات الصهر والإلغاء والتهميش على مر العصور.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . هاشم عبود الموسوي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2021/10/23



كتابة تعليق لموضوع : أبرز أسباب ودوافع المستشرقين لمحاربة اللغة العربية
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net