صفحة الكاتب : علي حسين الخباز

قراءة في... (قصيدة ابن زبيبة) للشاعر عودة ضاحي التميمي
علي حسين الخباز

 للشاعر عودة ضاحي التميمي خصوصية فنية صوراً ومشاهد شعرية بلغة خصبة، تكشف عن تجربة مليئة بالمثيرات الجمالية، تتميز بادراك باطني عميق بدءاً من العنونة (ابن زبيبة) عنوان مثير يجسد العمق التأويلي والمسعى القصدي لمثل هذا العنوان المؤثر والقادر على احتواء مفهوم مؤول يحفز المتلقي الى إيجاد معنى شعوري يمنح الشعور الدافق بالأسى، مستثمراً شهرة الاسم ومعناه المرسوم في ذاكرة المتلقي، ليعبر منها (لازمة) شعرية مزروعة في جسد القصيدة بشكل دقيق، جعلت البناء التكراري أداة فاعلة داخل النص الشعري مفردة (حين) التي أضفت البعد الجمالي, لازمة تعبيرية توضح مرتكز الفكرة:

(حين يكون الجو رائقا)

المستوى الاسلوبي, قيمة شعرية عالية، فإضافة الروقان الى الجو يمنحنا بنية التكوين الأولى، استطاعت الولوج الى تعاقبية الصورة لرسم المشهد الأول، اذ ارتبطت بصورة شعرية منحتنا المدرك الجمالي:

(الشمس تمشط ضفائرها)

واستخدام اسم فوق الظرفية على انحناءات الغيوم، هذه الجملة الشعرية صيّرها الشاعر مكاناً يمنح المشهد خاصية جمالية سمة التجلي الحر, اللغة الوصفية عند الشاعر لها قدرة تبديل شكل الواقع وتحريفه عن ثباته وخلخلة استقراره:

(فالمرابع باخضرارها حلي)

والحلي تشبه حلي النساء، فأصبحت المرابع باخضرارها نوعاً من الأنواع الجديدة، واقعاً مشبهاً يتوهج بروح المتلقي، جمالية وجدانية تنقلنا الى ذروة الاثارة بتعقيب اللغة الجميلة في تركيباتها التعبيرية الى حيث تكامل المشهد ليمنحه (الحين) الاستهلالية الى عمق الإحساس الهادئ:

(الحمائم تعود الى أعشاشها تحتضن البيوض)

امتد البعد المكاني من فوق انحناءات الغيوم، المكان المتخيل الى مكانية الأعشاش يتحول المسار المكاني الى زمان عبر فعل مضارع يعود مرتبطاً بالحب ذات الحيز الزماني، وذات الجوهر الزماني والعودة الزمانية بها شغف وإحساس أكثر مما يحققه المكان, نص حقيقي يتحد بالأشياء، ويتعامل مع المدركات بوعي قادر على الابتكار والخلق وتوليف الأشياء والربط بينهما بتشكيل اسلوبي يرتقي ويتجاوز السطح اللغوي الى العمق الرؤيوي من خلال اكتشاف المساحات التأويلية.

لازمة (الحين) جعلت منحى القصيدة زمانياً، ولها قدرة تحويل نتائج الظرف المكاني الى زمان لخدمة المنطوق الزماني، جمالية الاستهلال تتفاعل مع الإيحاء والتأثير في المقطع الثاني يستمر تأثير (الحين):

(الأطفال في ملاعبهم يمرحون)

الملاعب مكانية (الرجال في مخادع النساء)

مخادع مكانية تعني مكانة المرح الطفولي، يتحول الى المخادع والمخادع تشتغل على مفهومين: الأول انعكاس المرح مؤثر جمالي، أما الثاني يذهب الى مغزى الانماء من النمو بما أن التركيز على المرح استباقي، فمكان المعنى هنا اللهو والعبث في الجملة عند المنظور الدلالي:

(الشيوخ يسترقون الغناء)

هذا الاستراق يتدفق في حنايا التأويل معنى اللهو العابث بالنسبة الى تسامي الشيوخ، هنا منحى الهبوط الفكري وضياع الاتزان مع تعزيز المنحى الترفيهي لصيد الغزالات الشاردة من قبل الشباب, تلاحم الأنساق يصل بنا الى ختمة المشهد النصي بوصفه مرضاً شعورياً يتحول الى الواقع الزماني:

(في مثل هكذا قيلولة)

ختمة المشهد ترتقي الى ترابط (الحين) مع زمن القيلولة يمنح النسيج التكويني، وهذه مناورة ذكية تفتح مجالاً لنسق القصيدة وترسيخ المد الخبري, العشيرة تمنحه شرف رعي ابلها، الشرف منحى تهكمي غيّر معنى المنحى، واستثار الجمالية، عمل على تعميق المشهد عبر ممارسة الأعمال المؤثرة:

الحلب/ والاعتناء بصغار الابل/ وحراسة الزرائب في الليل...

مناورة فاعلة لتحريك النسق الشعري عبر ولادة معادلات (الحين) والقيلولة الى تنامي هذه (الحين) الى انساق متوالية:

(يوسمون ظهره بالسياط –حين- يحثونه على مواصلة الجري والدوران)

نسق تهكمي يعمق وجدان الصورة لترسخ في ذهنية المتلقي:

(يمازحونه بالشتائم المقرفة تعبيرا عن رضائهم عليه)

تصل فاعلية التناور الى ابراز المتغير الاسلوبي البالغ الاثارة، مغاير الأنساقالمضمونية، وتغيير نسيج القصيدة على منوال جديد عبر تلك (الحين):

(نحسها –وحين- يشتد اوار الحرب)

يبدأ النسق الثاني للمتغير للتحرك عبر أفعال المداهمة ونزع قيود غرورهم, متعة الإزاحة عبر هذا المتغير، يوصلنا الى مفهوم جديد الى رؤيا جديدة تغير الحال عبر طقوس جديدة يمارسونها مثل: (التملق, اغداق الألقاب, التخلي عن التيجان, ليّ الرقاب)

سمات كثيرة تعمق صورة انهيار الصلف العشائري امامه، حتى ان قوة (الحين) تعرش بقراءة المتلقي حتى في غيابها فهم:

(حين/ يتحلقون حوله كالصبية الصغار يلبسونه عباءة حامي الديار)

زخم دلالي يواكب التمظهرات/ وتسليف الفرس والسيف والعلم/ هذا يدلنا على ان المتغير الأسلوبي سعى لإصابة المرمى، أي غيّر دلالة البؤرة الني ارتكز عليها المضمون القصدي:

(هو في الحالين مستلب الارادة

يعيش كالأجير)

يعيش كلا الحالتين، إن كان ابن زبيبة او ابن الاطايب، إن كان في زمن السلم أو وقوع البلاء القضية ليست قضية تفسير، وانما متابعة التأجيج المضموني الدلالي، وتصل اثارة الصورة على مناورة موهوبة متوازية:

(يصغي لحوار قلبه النازف)

بصيغة يكشف أجزاء الحكاية لإثارة المرتكز القصدي لإسقاط المضمون التاريخي على الواقع ليصبح ابن زبيبة هو المواطن العراقي, بلاغة المقتضى الأسلوبي يثير التوترات وتناغم القصيدة:

(عندما تهدد عروشهم يذكرونك بالوطن)

يصوغ الشاعر عودة ضاحي التميمي الوعي الجمالي بالدرامية والتعبير عن الواقع الإنساني باعتبار أن القصيدة تعالج الواقع بقيمه المتنوعة وبطريقة تناول الواقع:

(يذكرونك بالوطن بعد ان زرعوا نسيانه فيك

وتركوك منسيا فيه

وما عليك إلا أن تموت من أجلهم)

للشاعر حضور وله صرخة مدوية في العالمين داخل النصي والواقع الخارجي؛ لما تمتلك من وعي درامي لوصف ابن زبيبة معادلاً موضوعياً لابن الواقع المعاش، قدرة استيعاب موقف الشاعر وسماته وقيمه.

ابن زبيبة ليس فرداً بل هو ظاهرة اجاد الشاعر استخدامها ليصهر بها تجربته الشعرية الدرامية لتعبر عن جوهر الظاهرة وتنامي الانفعال عبر اللازمة (الحين):

(وحين تغرق في دمك

يتفضلون عليك بحفرة تتوارى فيها

اذا لم يتركوا جسدك وليمة للذئاب)

لهذه (الحين) التي أدركت المعنى، فصيّرت برمزها قناعاً جماهيرياً صورة فنية احتوت كلية المشهد، فكانت تلك البذرة الاستهلالية (الحين) جوهر الصياغة لتعمق الموقف الدرامي:

(يا بن زبيبة، لن تكون ابن شداد

إلا حين يكون لك وطن يحررك من أصفاد الأمراء المنبوذين)

الراوي في القصيدة هو الشاعر الذي يحمل صوره خلال سياق الموقف الدرامي، أن يوضح الموقف، معاناة أبناء زبيبة حياة مجتمع وأمة في معالجة مسيرة حياة عنترة بن شداد تجاوزت سيرته الذاتية؛ لتطرح أنموذجه، يخاطب ابن زبيبة الذي هو ليس عنترة، بل هو المثل الأعلى للشاعر المواطن، ابن الجماهير، ابن العراق، فيرى موقفه نهضة شموخ، هو المنقذ الحقيقي الذي يقدر أن يسأل وأن يجيب:

(لن تكون حراً إلا حين تجتاح الضباب

تلج الشمس بخيلك، بصوتك

وترفض التغيب والغياب

تتنفس خارج الأقبية المملوءة بالأفيون

فيكون السؤال انت، وانت الجواب)

قدم لنا الشاعر عودة ضاحي التميمي نصاً درامياً تنامى تجادله مع السياق التراجيدي للواقع، قصيدة هي صرخة وعي لاستنهاض الأمة الى حريتها من أجل غد عراقي ينعم أبناء زبيبة بما يستحقون من حياة.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


علي حسين الخباز
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2021/11/16



كتابة تعليق لموضوع : قراءة في... (قصيدة ابن زبيبة) للشاعر عودة ضاحي التميمي
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net