صفحة الكاتب : محمد جعفر الكيشوان الموسوي

مجالس التوابين ـ الجزء الأول 
محمد جعفر الكيشوان الموسوي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.


نهتم بمقدمات الدعاء ومستحباته فنسبغ الوضوء على أتم وجه ونتصدق على الفقراء والمحتاجين بما في وسعنا ثم نلبس الثياب الطاهرة النظيفة ونستقبل القبلة فيرن جرس الموبايل في الاثناء، إنه صديقنا الحميم يخبرنا أن حركة السوق هذا المساء (ليلة الجمعة) ليست على ما يرام وعليه فسوف يلتحق بنا للمشاركة في إحياء دعاء كميل شعاره في ذلك "حشرٌ مع الناسِ عيد". نكذب حتى على الحق سبحانه وتعالى فنقول في المقام "وعلى جوارح سعت إلى أوطان تعبدك طائعة". أية جوارح طائعة أيها المحترم؟! لولا حركة السوق لإنشغلت بالرزق عن الرازق وبالنعمة عن المنعم. لقد قضينا الوقت ونحن نعيش خارج دائرة الدعاء الحقيقية فالقلب مدبر واللسان متذمر والخلق سيء لكننا في دائرة الدعاء الوهمية والخيالية. مجلس إحياء دعاء كميل هو أحد أهم مجالس التوابين التي لا ينبغي الإستخاف بها. نعم لا ينبغي الإستخفاف بها فقد وصلنا إلى أعلى درجات الإستخفاف بتلك المجالس الروحانية فلا همّ لنا سوى الحضور (المبارك) وما بعد الحضور لا يختلف كثيرا عما كان قبله. نجيد تطبيق قول مكانك سر فنتحرك دون ان نمشي خطوات وان خطونا فإلى الوراء متقهقرين، نعيش الأحباط  تلو الإحباط فلا يصدر منا سوى التذمر من الأقوياء وبعدها التنمر على الضعفاء، التسلط والتكبر مدفون في العقل الباطن يظهر متى ما تهيأت الظروف لظهوره ويستتر متى ما شعر بالهزيمة والإنكسار. هذا ليس تحقيرا لمقامنا ولا تكذيباً لصدقنا وليس نكرانا لحسن صنيعنا بل هو وصفٌ لحالنا وجردة حساب بسيطة لسلوكياتنا مع من نقف بين يديه ندعوه لكشف الضرّ عنا تبين لنا كم يتناقض ظاهرنا مع باطننا. إنتبه أيها المحترم فالوقت يمر خاطفا كالبرق وعليّ وعليّك إصلاح الحال قبل فوات الأوان، أذكّرك وتذّكرني واصبّرك وتصبّرني والله يحب التوابين.
النيّة في العمل..
سألني أحد المحترمين عن كيفية التوفيق للحج والعمرة فقلت له : أعقد النيّة فسوف توفق للحج ان شاء الله تعالى. إبتسم وكاد يقهقق مما أثار دهشتي فلم أقل ما يستوجب ذلك، ثم أردف قائلا: وحقك فقد عقدت النيّة منذ مدة طويلة لكن لم أوفق للحج. قلت : أيها المحترم.. ماذا تعمل عندما تنوي؟ قال : لا شيء أنتظر أن أذهب للحج فقد نويت. قلت : أنت نويت ولكنك لم تفعّل النيّة، تماما كما تفعل عندما تضع (سيم كارت) داخل الموبايل، عليك تفعيل ذلك (الكارت) كي يعمل بشكل صحيح. النيّة كذلك بحاجة إلى أن تفعلها وليس ان تجمدها، نيتك جامدة غير متحركة. عليك عندما تنوي أن تعد العدة فتترك ما أمرّ الله بتركه وتهجر المنكر والفسوق ومعصية الخالق السبحان وتأتي بالواجبات التي أمرك تعالى بها وتنتهي عما نهاك عنه وتحسن كما أحسن الله إليك وتكون برّا بوالديك وشفيقا رحيما على أولادك وعيالك وتحرص أن لا تذنب ذنبا ولا تأتي حوبا ولا تظلم أحدا كائنا من يكون وكائنا ما يكون وبعدها تسأل الله تعالى وتلح عليه بالمسألة  وعليك أن توفر الفائض من النفقة قدر استطاعتك كما عليك ان تكون جادا في الذهاب الى الحج وبلهفة وشوق كبيرين. أن الله تعالى هو الذي يدعوك للحج بل يلزمك بذلك ان استطعت إليه سبيلا. ما عليك إلاّ عقد النيّة بصدق وإخلاص وان تعزم وتعقل وتتوكل والباقي ييسره المولى تعالى فعليه الزاد والراحلة وكذلك الهدايا للأولاد. فقط كن صادقا مع ربك ولا تكذب فسترى عطاءه. إسأله بصدق من فضله وسترى عطاءه المذهل حقا وسنقصص القصص عاجلا وآجلا ان شاء الله تعالى. وقصصت عليه قصة صديقي الشاب. 
قصة صديقي المؤمن..
كان صديقي قد نوى زيارة المولى أمير المؤمنين عليه السلام فرفع يديه بعد الانتهاء من دعاء كميل وقد سالت الدموع على وجنتيه وقال : اللهم ارزقني زيارة مولى الموحدين عليه السلام بأمن وأمان وعافية وسعة رزق يا كريم. لم يكتفِ صديقي بالنيّة والدعاء وحسب. بل فعّل تلك النيّة، كانت نيتّة صادقة مما أثار إنتبهاي فلم أعيش تلك الروحانيات التي كان يعيشها ذلك الشاب الواعي والمؤمن الصادق. كان واعيا ومخلصا وصادقا فقد فعّل نيته وجعلها متحركة ويعيش أجواءها ويتفاعل معها صباح مساء. كلّما إلتقيته حدثني عن شوقه لزيارة أمير المؤمنين عليه السلام، ويختم حديثه بالبكاء شوقا لزيارة مولاه، تخنقه العبرات فلا يقوى على مواصلة التحدث بشيء ثم ينصرف عني ويسألني الدعاء فأتساءل : هل مثلي أنا القاصر المقصر يدعو لهذا الشاب المؤمن الواعي والصادق الواثق. كنت يوما في خدمته فصادف أن مرّت في السماء طائرة فأسرع إلى الموبايل ليرى وجهتها من خلال تطبيق مجاني يعقب حركة الطائرات ثم قال لي : تبين هذه الطائرة قادمة من برشلونه وقد كنت أظنها قادمة أو ذاهبة إلى النجف الأشرف ثم يخاطب تلك الطائرة: متى أكون على ظهرك لتذهبي بي إلى زيارة أمير المؤمنين صلوات الله عليه؟! يذهب صديقي كل أسبوع إلى متكب الطيران فيسأله عن أرخص رحلة إلى النجف ثم يعود (يكسّر حسابه) لقد وفّرت نصف المبلغ المطلوب والحمد لله ثم يرفع يديه الى الحنّان المنّان : اللهم إجعل البركة في ذلك المبلغ وأعني على توفير ما تبقى بلطفك الخفي وبكرمك وجودك يا كريم.. إنه يسأل الله من فضله كما أمره سبحانه. لولا خشيتي من الإطالة التي قد تسبب الملل وتجلب النعاس للقاريء الكريم لسردت قصة صديقي بحذافيرها فقد كنت شاهدا على جلّ فصولها. لم يمضِ وقت طويل وإذا بصديقي يخبرني انه سيكون هناك في النجف في الثالث عشر من رجب الأصب ذكرى ولادة أمير المؤمنين عليه السلام. لقد نوى ذلك الشاب العقائدي الخالص وعمل بإخلاص فنال ما أمّل.
في معية الحق سبحانه..
لا مسافات فاصلة بين العبد وسيده ومولاه تعالى فهو أقرب إلينا من حبل الوريد. إن دنونا منه شبرا أو فترا يدنو منا ميلا. عجيب واللهِ!! أيّ رحمة هذه التي نفرّط بها ولا نلتفت إليها. ننزعج إذا لم تقدم لنا دعوة  لحضور حفل زفاف فلان الفلاني أو حفل ختان المحروس ابن فلان، لكن هناك من يدعونا ليغفرلنا خطايانا ويتوب علينا ويرحمنا ويعفو عنا ويرزقنا ويدفع عنا البلاء ويشفينا من المرض والداء ويقيل عثراتنا ويستجيب دعواتنا.... فنعرض بوجوهنا عنه وكأننا نحن أصحاب المن والفضل " كأنَّ لي التطول عليك " ولأنه كريم يحب العفو ولأنه محسن مجمل لم يمنعه ذلك من التفضل علينا بجوده وكرمه. ومرّة أخرى عجيب واللهِ!! ما بالنا أيها الأحبة نكتب ولا نعمل، نسمع ولا نعمل ، نرى ولا نعمل ونردد بكل وقاحة في صلواتنا " حيّ على خير العمل". أقولها وللأسف الشديد أن ثقافتنا أصبحت وأضحت وأمست هي الشكوى لغير الله والإستعانة بغيره. لقد البستنا الإستعانة بالمخلوق دون الخالق لباس الذلّ والضَعة فلا يهابنا احد ولا يحترمنا أحد ولا يقيم لنا وزنا أحد لأننا طلاّب دنيا من الطراز الأول فهي وجهتنا التي نولي وجوهنا شطرها ونطلب منها الجاه والوجاهة والغنى والثروة ولا نسأل الله العافية ولا نرجوا رضاه ولا نخاف حسابه ولا نخشى لقاه ولا نحب في الله ولا نبغض في الله، نتملق لأضعف الخلق وأقلهم شأنا وأحقرهم مقاما ونغفل عن الزراق ذو القوة المتين " إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ". فايّ حالٍ أسوأ من حالنا وأيّ منقلب سيكون غدا منقلبنا ونحن قد حالت الدنيا وهمومها وزخرفها ومقاماتها وحجاراتها وترابها وأبراجها وقصورها قد حالت بيننا وبين مجالس التوابين.
التعلق بالدنيا وسوء الخاتمة..
كنت في إحدى السفرات ذاهبا لزيارة سيدتي ومولاتي زينب الحوراء عليها السلام، والليلة هي ليلة ولادتها فنبارك لكم جميعا الذكرى العطرة للولادة الميونة ورزقنا الله وإيّاكم زيارتها كلّ حين أن شاء الله. نعم.. كنت في الطائرة متوجها الى الشام لزيارة السيدة الطاهرة صلوات الله عليها فتعرفت على أحد كبار السن وكان متوجها الى العراق فسألني عن وجهتي فقلت له بأني اريد زيارة السيد زينب عليها السلام فقال : وكيف تستطيعون أن تجلسوا لساعات في مقامات أهل البيت دون الإكتئاب. أنا أشعر بأن قلبي ينقبض كلما دخلت حضرتهم؟ واقعا كان سؤاله صدمة عنيفة لي فقلت في جوابه : " ولعلك رأيتني معرضاً عنك فَقَلَيْتني". هذا هو سوء المنقلب والعياذ بالله. لقد واصل ذلك الرجل رحلته الى العراق وبعد مدة وجيزة سمعت نبأ وفاته بسكتة قلبية وهو يشرب الأركيلة في إحدى المقاهي. واقعاَ تقشعر القلوب لهذه الحوادث ونسأل الله العافية. لم تنته القصة بعد فقد صادفت إبنه قبل عدة أيام فقال لي أين أن ذاهب في العطلة القادمة ان شاء الله؟ قلت أن وفقني الله لزيارة مولاي امير المؤمنين عليه السلام وبقية الأئمة الميامين فقال لي كقول أبيه من قبل :" ليس في النجف غير زيارة امير المؤمنين وما عدا ذلك فهي موحشه لا حياة فيها ولا (ونسه)  فكيف ستقضي فيها شهرا كاملا ياترى؟! الجواب معروف ولا نريد إثبات المثبت فأهل الدنيا ليس لهم نصيب من مجالس التوابين ونسأل الله ان يتوفقوا للتوبة والإنابة. الذي أريد قوله على عجالة هنا هو أن نحذر كثيرا فقد يكون أحيانا " فرخ البط عوّام" فتكون تركة ذنوبنا مضاعفة لأننا كنا سببا في ضياع أولادنا من حيث لا نشعر وأحيانا كثيرة من حيث نشعر ونتعمد ذلك. أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم ونسألكم الدعاء أيها الأحبة الكرام. 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


محمد جعفر الكيشوان الموسوي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2021/12/10



كتابة تعليق لموضوع : مجالس التوابين ـ الجزء الأول 
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net