صفحة الكاتب : محمد الحمّار

المطلوب تجفيف ينابيع الهيمنة الغربية على الوطن العربي
محمد الحمّار

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.


أنا متأكد أنّ كل تونسي وكل عربي آخر في قرارة نفسه يرغب في التفوق على الغرب علميا وحضاريا. كما أني متأكد أنه يرغب في الإفصاح عن ذلك. لكن العائق يتمثل في أنه غير قادر لا على الإفصاح و لا على الاضطلاع بالرغبة في التفوق. أمّا السبب فهو أنّ هذا المخلوق الذي في طريق المواطنة مازال يريد مَن يبيّن له أنه مسلم وأنّ المسلم مجبول على الاضطلاع وعلى التفوّق. مع هذا فإنه لا يفرق بين كونه ليس بحاجة لمن يُعلمه دينه وبين أنه بحاجة لمن يبيّن له أنه مسلم. وهنا يكمن الاحتقان. والحل أن يميّز بين هذا وذاك و يقبل بتلبية الحاجة الحقيقية. وإلا فسوف لن يقدر على درأ خطر السقوط في الإسلاموية ولا عى اجتناب خطر الانزلاق في ذرتها التطرف العلماني.

فمن الممكن أن نشرع في الوعي بأننا فعلا مسلمين ولسنا بحاجة لمن يعلمنا ديننا لمّا نواجه الواقع كما هو. لكن هذه المواجهة لا تكفي إن لم تكن مصحوبة بهدف يرمي إلى تغيير هذا الواقع نحو الأفضل. ومن جهة أخرى ليس من السهل أن نزعم أننا قادرون على مواجهة الواقع مع الحفاظ على حيوية لهدف. مع ذلك، لنحاول إنجاز التأليف المطلوب.

إنّ تونس اليوم، وكذلك مصر وليبيا وسوريا وأينما انتفض أو ثار الشعب العربي، تشهد منذ مدة صداما مكروها بين إسلاميين وعلمانيين. وهذا صنف من أصناف صراع الحضارات كما تنبّأ به صامويل هنتنجتون وكما طوره الألماني ستيفان فايدنر. وكنت منذ زمن أتوقع أن ينفجر الوضع في تونس ما بعد انتخابات 23 أكتوبر 2011 ليفرز هذه الحالة الغريبة والهجينة التي تشهده الساحة السياسية والإيديولوجية الآن. على أية حال، هل صحيح أن مجتمعاتنا منقسمة؟ هذا هو السؤال. صراحة أعتقد أن الوقت قد حان للتصدي لشرٍّ مدسوس في نفوس الناس في داخل المجتمع الواحد، ما جعلنا نتناطح مع بعضنا البعض، بل ونقتل بعضنا البعض في بعض الأحيان، لكأننا أعداء بعضنا لبعض.

لستُ ممن يفكرون بآليات المؤامرة، إلا أنّ المؤامرة جزء من التاريخ ويخطئ من لا ينتبه إلى ملابساتها وإلى مخلفاتها الخطيرة. وللتوقي منها أعتقد أن الوقت قد حان لنتسلح بأكثر صبر وبإيمان في إمكانياتنا وفي مستقبل مُشرق. وهذا لن يتحقق إلا بالتوصل إلى التحلي بفكرة تلبي حاجتنا للتحرك الفعال على الصعيد العالمي. فتخلف مجتمعاتنا أمر واقع، وتفوّق الغرب وبلدان أخرى علينا أمر واقع. لكن رغبتنا في التفوق أمر واقع أيضا ومشروع. لكن هذه الرغبة مغشاة بعديد الطبقات الملوّثة لها، ما جعلنا في وضع مواجهة مستمرة في ما بيننا ونخشى أن نواجه الحقيقة. والحقيقة هي أنّ بؤرة الشرور كلها موجودة خارج بلداننا. هي في واشنطن وفي لندن وفي باريس وفي أي مكان آخر زاغت السياسة فيه عن المشاعر الإنسانية النبيلة مثل العطف ونكران الذات والغيرية. وإن لم نفعل شيئا في الإبان لمقاومة السلبية التي فينا والعنجهية التي فيهم فسوف تطل علينا قريبا موسكو و بكين ومثيلتهما وستتقلص حظوظنا في المقاومة بتوسّع دائرة الهيمنة . فالبطالة جاءت من المعسكر الغربي. والمديونية واحدة من أسلحتهم الفتاكة ضدنا بعنوان الشراكة والتعاون. ومناهج التعليم التي ننجزها في مدارسنا صادرة من عندهم، وإن لا تمس المضامين فهي ضالعة في تحديد أهداف تخدم الآخر المهيمن. والفساد المالي تلك هي منابعه. وصناعة أسلحة الدمار الشامل تأتي من هناك. وتقلبات المناخ متسبب فيها الإنسان الذي يعيش هناك. وصناعة الكثرة وعقيدة الوفرة ذاك هو مسقط رأسها.

نحن إذن أمام مجموعة متشابكة من الظروف. لكن ما من شك في أنّ نحن الشعوب العربية، ونخبنا وحكامنا، من يقع عليهم اللوم في المقام الأول. والظروف، كما يقول ألبار كامي، لا تبرأ الإنسان. ولسنا أبرياء ما لم نتوصل إلى مخرج من الأزمات المتعددة. أما الحل فيكمن في بديل التجاوز. ومن أسرار هذا البديل المنهجي أن التفكير في استحداث حلول للمشكلات و أدوية لمختلف الأدواء يستوجب وضع هدفٍ منتصب في مكانٍ ما خارج فضائنا الحياتي الداخلي. وأفضل مكان له هي تلك المجتمعات المتقدمة التي أنجزت الحضارة المعاصرة على حسابنا في عديد الأبعاد. والعمل المطلوب إنجازه بعد رسم الهدف واستبطانه هو تجفيف ينابيع الظلم والفساد والاستعمار والامبريالية. وهذا عمل من السهل جدا أن ينفذه المهاجرون العرب والمسلمين في الغرب وفي البلدان الآسيوية والأمريكية اللاتينية الصاعدة. لكن التخطيط له ينبغي أن يكون مندرجا ضمن السياسات والاستراتيجيات الداخلية لبلداننا.

تصوروا معي كيف يمكن أن تسير الأمور عندما يرسخ هذا الهدف الخارجي في أذهاننا. تنبئوا ببعض النتائج السلوكية المنجرّة عن الإيمان به. فلنعمل من أجل إزالة الضغط عن ذواتنا ومجتمعاتنا ثم لنحاول شيئا فشيئا ممارسة الضغط على زوايا وأجزاء البؤرة الفاسدة في عقائد الاقتصاد العالمي والسياسة الكونية. سنشعر حينئذ ربما باستهلال التحرر من السجن الذي حبسنا فيه أنفسنا ومن عقدة الدين.

محمد الحمّار
 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


محمد الحمّار
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2012/04/21



كتابة تعليق لموضوع : المطلوب تجفيف ينابيع الهيمنة الغربية على الوطن العربي
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net