صفحة الكاتب : الشيخ محمد مصطفى مصري العاملي

ليس عليٌّ (ع).. كمحمد (ص) !
الشيخ محمد مصطفى مصري العاملي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 بسم الله الرحمن الرحيم

يذهبُ الشيعة الكِرام إلى أنَّ علياً عليه السلام هو (نَفسُ محمدٍ) صلى الله عليه وآله، ويستدلُّون على ذلك بآية المباهلة، وقوله صلى الله عليه وآله ﴿وَأَنْفُسَنا﴾، ولم يكن من الأنفس حينها إلا هو وعليّ عليهما وآلهما السلام.

فصارَ عليٌّ في حقيقته وجَوهره وصِفاته وخِصَاله نفسَ محمدٍ (ص).

لكنَّهُم لمّا تأمَّلوا فيما جرى بعد وفاة النبيّ صلى الله عليه وآله، وعدم قيام أمير المؤمنين عليه السلام بالسيف لفقدان الناصر، مقابلَ تكليف النبيّ (ص) بالدَّعوة ولو مُنفَرِداً.. لزم عليهم أن يُبيِّنوا حقيقة الموقفين.

ثمَّ أوقفهم قولُ النبيِّ صلى الله عليه وآله لعليٍّ عليه السلام كما يرويه سليم في كتابه: يَا أَخِي إِنَّكَ لَسْتَ كَمِثْلِي !

فتأمَّلوا في دلالة النصين، ليجيبوا على السؤال: هَل مِن فرقٍ بين النبيّ والإمام ؟

أولاً: التقيَّة بين النبيِّ والإمام

لقد استدلَّ الشيعةُ على جواز التقيَّة بأدلَّةٍ قرآنية مباركة، ونصوصٍ شريفةٍ كثيرة.
والمهمُّ هو اتِّفاق كلمتهم أعزَّهم الله على أنَّ التقيّة لا تصحُّ على الأنبياء فيما لا يُعرف إلا منهم، فلو اتَّقى الأنبياء وأخفوا شيئاً من معالم الدِّين لامتنع على الأمة أن تُحيط به عِلماً.

وكذا لو انحصرت معرفةُ أمرٍ من أمور الشريعة بالإمام المعصوم عليه السلام، فإنَّ التقية لا تسوغ له، إلا أن يُعرَفَ ذلك الأمر من طريقٍ آخر، ولو منه عليه السلام في وقت وظرفٍ آخر، أو من إمامٍ آخر.

ولكن لمّا كان النبيّ هو المبتدئ بالشرع، كان بيانُ جُلِّ الأحكام منحصراً به، فما ساغت التقيَّة بحقِّه غالباً.
وكان حكم الإمام كالنبي فيما انحصر بيانه به، مفارقاً له فيما كان معلوماً من جهةٍ أخرى، لأنَّ تكليف الإمام حينها إجراء الأحكام لا بيانها بعد بيان النبيّ لها.

وقد بَيَّن السيد المرتضى رحمه الله هذه المعاني ببيانٍ واضحٍ جليٍّ فقال رحمه الله:
إن الإمام لا يجوز أن يتَّقي فيما لا يُعلم إلا من جهته، ولا طريق إليه إلا من ناحية قوله، وإنما يجوز التقية عليه فيما قد بان بالحجج والبيِّنات، ونصبت عليه الدلالات.. ثم لا يتقي في شيءٍ إلا ويدل على خروجه منه مخرج التقية.. ثم إن التقية إنما تكون من العدوّ دون الولي، ومن المتّهم دون الموثوق به (الشافي ج4 ص107).

ثانياً: اختلاف الظَّرف بين النبيِّ والإمام

إذاً ليس الاختلاف بين النبي والإمام من جهة التقيَّة في أصلها، بل في حيثيَّتها وظَرفها، فإذا انحصرت معرفة الحق بالنبي أو الإمام حَرُمَت التقيَّة عليهما معاً، وإذا عُرِفَ الحقُّ من طريقٍ آخر، جازَت لهما معاً..

لكنَّ ظَرف النبي من حيث كونه مؤسساً، وظرف الإمام من حيث كونه مُكَمِّلاً، يجعل التقيَّة غير سائغة غالباً في حق النبيِّ، وإن ساغت في جملةٍ من الموارد في حقِّ الإمام.

وقد أشار إلى هذا المعنى نبيُّنا صلى الله عليه وآله، حينما قال لعليٍّ عليه السلام:
يَا أَخِي إِنَّكَ لَسْتَ كَمِثْلِي !
إِنَّ الله أَمَرَنِي أَنْ أَصْدَعَ بِالحَقِّ، وَأَخْبَرَنِي أَنَّهُ يَعْصِمُنِي مِنَ النَّاسِ، وَأَمَرَنِي أَنْ أُجَاهِدَ وَلَوْ بِنَفْسِي، فَقَالَ: ﴿جَاهِدْ فِي سَبِيلِ الله لا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ﴾.. وَقَدْ مَكَثْتُ بِمَكَّةَ مَا مَكَثْتُ لَمْ أُومَرْ بِقِتَالٍ، ثُمَّ أَمَرَنِي الله بِالقِتَالِ لِأَنَّهُ لَا يُعْرَفُ الدِّينُ إِلَّا بِي، وَلَا الشَّرَائِعُ وَلَا السُّنَنُ وَالأَحْكَامُ وَالحُدُودُ وَالحَلَالُ وَالحَرَامُ.. (كتاب سليم ج‏2 ص767).

لقد بيَّن صلى الله عليه وآله في هذا النصِّ أنَّ الله تعالى لم يأمره في أوَّلِ أمره بالقتال، وفي هذا إشارةٌ إلى أن القتال ليس شرطاً في النبوّة ولا في الإمامة.. بل إنَّ الدين لا يؤخذُ القتال فيه شرطاً دائماً، إنما يوكل ذلك إلى الظَّرف بحيث قد يجب عندما يتوقَّف إزالة الموانع أمام انتشار الدين على القتال.

وقد أمر الله تعالى نبيَّه صلى الله عليه وآله بعد ذلك بالبلاغ والقتال ولو كان منفرداً، ولكن مع العصمة والضمانة من الله تعالى.
ولم يكن قتالُه (ص) موقوفاً على وجود النّاصر، لأنَّ معرفة الدين كانت موقوفةً على قتاله في ظَرفٍ، وهو ما لا بدَّ منه.

ولكن.. بعد أن انتشر الدين وعَمَّ، وعُرِفَت الشريعة وظَهَرَت أركانُها، وبلَّغَ النبيُّ أمرَ الولاية، ثم انتقلَ إلى ربِّه.. فما هو حال الإمام ؟

هل يجبُ على الإمام القتالُ كما وجبَ على النبي (ص) عندما أُمِر ؟
أم أن اختلاف الظرف يوجب سقوط القتال عن الإمام ؟

لقد بيَّنَ النبيُّ صلى الله عليه وآله الفرق بين الأمرين، فقال لعليٍّ عليه السلام:
وَإِنَّ النَّاسَ يَدَعُونَ بَعْدِي مَا أَمَرَهُمُ الله بِهِ، وَمَا أَمَرْتُهُمْ فِيكَ مِنْ وَلَايَتِكَ.. مُتَعَمِّدِينَ غَيْرَ جَاهِلِينَ.. فَإِنْ وَجَدْتَ أَعْوَاناً عَلَيْهِمْ فَجَاهِدْهُمْ، وَإِنْ لَمْ تَجِدْ أَعْوَاناً فَاكْفُفْ يَدَكَ وَاحْقُنْ دَمَكَ (كتاب سليم ج‏2 ص767).

وقال (ص):
إِنَّكَ يَا أَخِي لَسْتَ مِثْلِي، إِنِّي قَدْ أَقَمْتُ حُجَّتَكَ، وَأَظْهَرْتُ لهُمْ مَا أَنْزَلَ الله فِيكَ.. وَقُمْتُ بِأَمْرِكَ، فَإِنْ سَكَتَّ عَنْهُمْ لَمْ تَأْثَمْ.. وَالتَّقِيَّةُ مِنْ دِينِ الله وَلَا دِينَ لِمَنْ لَا تَقِيَّةَ لَه ‏(كتاب سليم ج‏2 ص768).

لقد صارَ أمرُ الإمامة أوضح من الشَّمس في رابعة النَّهار، ولم يَعُد الإستدلالُ عليها وبيانُها لازماً على الإمام، لأنَّ النبيَّ صلى الله عليه وآله قد أبانَها وجَلّاهَا، وأظهَرَها وحثَّ عليها، وأخذ البيعة لعليٍّ بها..

فليس على الوليِّ بعدَ ذلك أن يُقاتلَ الأمَّة إن خالفَت أمر النبيّ في ذلك، لأنَّ معرفة أمر النبي (ص) لا تتوقف على قِتاله.. بل يَعلَمُ ذلك كلُّ الأمة.
وإن لزم على الإمام البيان، اكتفى باللِّسان..

هكذا، لم يكن عليٌّ عليه السلام كمحمدٍ صلى الله عليه وآله.. فالنبيُّ صلى الله عليه وآله قد أَمِرَ بتبليغ أمر الإمامة مهما حصل، ولم يكن له أن يتَّقي في ذلك لانحصار بيانها به صلى الله عليه وآله، ولذا عَصَمَهُ الله تعالى من كَيد الكائدين كي يصدح بذلك: ﴿يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَالله يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ﴾ (المائدة67).

لقد روي عن الصادق عليه السلام: وَالله مَا بَايَعَ عَلِيٌّ حَتَّى رَأَى الدُّخَانَ قَدْ دَخَلَ بَيْتَهُ (تلخيص الشافي ج3 ص76).

إنَّها التقيَّة.. نَعَم.. ومِثلُ عليٍّ يتَّقي، مع بطولته وبأسه، فالتقية (مِنْ دِينِ الله)، والبطولة إنما تكون بطاعة الله تعالى، لا بمخالفة أمره.
وقد ورد في الحديث: إِنَّهُ مَنْ كَانَتْ لَهُ تَقِيَّةٌ رَفَعَهُ الله (الكافي ج2 ص217).

لقد رفَعَ اللهُ أمرَ عليٍّ لمّا أطاعه وأطاعَ رسولَه، وسيأتي عليه السلام ربَّه عزَّ وجلَّ يوم القيامة مظلوماً لا ظالماً.. فيكون الله تعالى هو المنتقمُ له..

عليٌّ إذاً.. نَفسُ محمدٍ.. في كلِّ كَمَالٍ ورِفعةٍ وشَرَف..

لكنَّ ظرفَ عليٍّ (ع) ليس كظرف الرَّسول (ص).. وكلَّما تغيَّرَ الظرف تَبِعَهُ الحُكم.. لذا كان ما كان من رسول الله (ص)، وصدر ما صدر من عليٍّ (ع).. وكلاهما في ذروة المجد والشرف الأصيل.. أئمة وسادة وقادة.. أنوار الله في سمائه، وحججه وخلفاءه في أرضه.

ثبَّتَنا الله على ولايتهم في الدُّنيا، وحشرنا معهم في الآخرة، إنه سميع مجيب.

والحمد لله رب العالمين.

السبت 25 جمادى الثانية 1443 هـ
29 – 1 – 2022 م


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


الشيخ محمد مصطفى مصري العاملي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2022/01/29



كتابة تعليق لموضوع : ليس عليٌّ (ع).. كمحمد (ص) !
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net