صفحة الكاتب : عبير المنظور

لصلاة العشق مؤذّن
عبير المنظور

  لصلاة العشق الالهي مقدمات كثيرة مادية منها ومعنوية، قد تطول فترة تهيئة تلك المقدمات، وقد تقصر للعامل لها لحكمة يريد الله تعالى بها رفعة ذلك العبد الساعي لتلك الصلاة، الصلاة التي تعرج بالروح الى بارئها وتنقل مصليها من عالم الإمكان الى عالم الوجوب مع أفواج الملائكة التي تحيط بإمام الزمان الذي يؤمّ المصلين، وتُختتم الصلاة بالشهادة بين يدي الحق تعالى.

 الحجاج بن مسروق الجعفي من خُلّص شيعة الكوفة، كان من أولئك المخلصين الذين تتوق أرواحهم لتلك الصلاة والساعين لها. 
قدّم لها المقدمات من الإخلاص وتهذيب النفس وتوطينها على حبّ آل محمد فصحب الإمام عليّا (عليه السلام) في الكوفة ينهل من مقدمات تلك الصلاة خلفه بأبي هو وأمي.
وامتدّ العمل لمقدمات تلك الصلاة لسنوات طوال حتى تناهى الى سمع الحجاج بأن الامام الحسين (عليه السلام) خرج من المدينة الى مكة، فانطلق من الكوفة برحلة عشق الى مكة والتحق بالإمام الحسين ومن هناك بدأت صلاة العشق حينما أصبح مؤذّن الحسين للصلوات الخمس(١).
 وأي صلاة عشق صلاها العاشقون في ذلك الركب الحسيني في مسيرة العشق تلك نحو عوالم الملكوت وابتدؤوها وختموها بأذان الحجاج .
 تملّك العشق جوانح الحجاج بن مسروق لإمام زمانه، وكأنه لم يكتفِ أن يتشرف بكونه مؤذن إمام زمانه، بل قيل إنّه كان يُمسِك للحسين الزمامَ إذا ركب الراحلة(٢(.
 مع الأخذ بنظر الاعتبار أهمية المؤذن في الاسلام، فعن رَسُولُ اَللَّهِ (ص) انه قال: «مَنْ أَذَّنَ مُحْتَسِباً يُرِيدُ بِذَلِكَ وَجْهَ اَللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَعْطَاهُ اَللَّهُ ثَوَابَ أَرْبَعِينَ أَلْفَ شَهِيدٍ وَأَرْبَعِينَ أَلْفَ صِدِّيقٍ، وَيَدْخُلُ فِي شَفَاعَتِهِ أَرْبَعِونَ أَلْفَ مُسِيءٍ مِنْ أُمَّتِي إِلَى اَلْجَنَّةِ أَلاَ وَإِنَّ اَلْمُؤَذِّنَ إِذَا قَالَ أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اَللَّهُ صَلَّى عَلَيْهِ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ وَاِسْتَغْفَرُوا لَهُ وَكَانَ يَوْمَ اَلْقِيَامَةِ فِي ظِلِّ اَلْعَرْشِ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ حِسَابِ اَلْخَلاَئِقِ وَيَكْتُبُ ثَوَابَ قَوْلِهِ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اَللَّهِ أَرْبَعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ)(٣(.
فكيف اذا كان المؤذن مؤذنا لإمام زمانه وبأمر منه.
وهو أيضًا رسول الامام الحسين (عليه السلام) الى عبيد الله بن الحر الجعفي بعثه برفقة يزيد بن مغفل الجعفي ليدعواه الى نصرة الامام الحسين فلنتأمل بكلماته التي تنمّ عن عقيدة راسخة في إمام زمانه حينما سأله ابنُ الحرّ عمّا وراءه، فأجابه الحجّاج: «هديّةٌ إليك وكرامة إن قَبِلتَها! هذا الحسينُ يدعوك إلى نُصرته، فإن قاتلتَ بين يَدَيه أُجِرت، وإن قُتِلتَ استُشهِدت»(٤(.
 واستمرت صلاة العاشقين طيلة فترة المسيرة الحسينية الى كربلاء بأذان الحجاج حتى يوم عاشوراء يوم صلاة العاشقين الأخيرة بإمامة إمام زمانهم، علا صوت الحجاج بالأذان الاخير بين السهام والنبال التي اخذت تتراشق على الامام الحسين وصحبه، وكأنها نثار عرسهم الملكوتي في زفة ربانية نحو معالم الشهادة وعوالمها .
استأذن من الامام الحسين للقتال فنزل الميدان وعنقه مشرئبة للشهادة فارتجز يقول:
 أتاكمُ الداعي أجيبُوا الداعي
بصارمٍ ماضي الشَّبا قَطّاعِ
فأبرزُوا نَحْوي بَني الرِّقاعِ
نحوَ غلامٍ بَطلٍ مُطاعِ(٥)
 قاتل قتال الأبطال حتى تخضب بدمه وعاد الى الامام الحسين وارتجز يخاطبه:
أقدِمْ حسينـاً هاديـاً مَهْديّـا
اليـومَ تلقـى جَـدَّك النبيّـا
ثـمّ أبـاك ذا النـدى عَلِيّـا
ذاك الـذي نعرفُـه وَصِيّـا
والحسنَ الخيرَ الرِّضى الوليّا
وأسـدَ اللهِ الشهيـدَ الحَيّـا
وذا الجَناحَينِ الفتـى الكَمِيّـا
وفاطمـاً والطاهـر الزكيّـا
ومَن مضى مِن قَبلِـه تقيّـا
فـاللهُ قـد صَيَّرنـي وَلِيّـا

وقيل إن أرجوزته كانت: 
فَدَتْك نفسي هادياً مهديّا
اليومَ ألقى جَدَّك النبيّا
ثمّ أباك ذا الندى عليّـا
ذاك الذي نعرفه وصيّا

فأجابه الإمام الحسين (عليه السلام): «نعم، وأنا ألقاهُما على إثرك»(٦).
 اختتمت سيرته المباركة بهذا الفضل العظيم والتشريف الكبير من قبل امام زمانه بل وحتى امام زماننا المهدي (عجل الله تعالى فرجه) حينما يسلم عليه في الزيارة: «اَلسَّلامُ عَلَى الحجّاجِ بن مَسروقِ الجُعفيّ»(٧).
 فهنيئا للحجاج بن مسروق فقد كان لإمام زمانه مؤذن، وإمام زماننا هل له من مؤذن من منتظريه؟!


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


عبير المنظور
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2022/03/03



كتابة تعليق لموضوع : لصلاة العشق مؤذّن
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net