صفحة الكاتب : الشيخ محمد مصطفى مصري العاملي

(1) وغاب نجم الإمام!
الشيخ محمد مصطفى مصري العاملي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 بسم الله الرحمن الرحيم

يتغنَّى الشيعة الإمامية الإثنا عشرية بإمامٍ ينسبون له كُلَّ كمال، وهو رَمزُ الإسلام، عليّ بن أبي طالبٍ عليه السلام، ثمَّ يتلوه الأئمة من ذرّيته، وآخرهم إمامٌ لا يُعلَمُ مَحَلُّه! غاب عنهم منذ قرون طويلة!

تُثيرُ هذه العقيدة التعجُّبَ أحياناً عند المخالف لهم، حيث ينظر إلى شِدَّةٍ ما يواجهونه في أمور الدين والدنيا، فيخاطبهم قائلاً:

تقولون أيها الشيعة أنّكم في زمن الغيبة الكبرى، فماذا تعني هذه الغيبة؟ هل غاب إمامكم عنكم فلا ترونه؟ أم ترونه وتكتمون الأمر فتبقونه سِرَّاً؟
لماذا غاب إمامكم؟ وكيف يكون كالشمس الطالعة وهو مُختَفٍ عن الأنظار؟

هل يخاف إمامكم أيها الشيعة؟ فعلامَ تقتدون بإمامٍ خائفٍ؟ وأيُّ فضلٍ له وأيُّ دور إن كان كذلك؟
ألا يكون عاجزاً عن حفظ نفسه؟ فكيف ترجون وتأملون أن يحفظكم ويرعاكم؟ أم أنَّ تكليفكم أنتم هو حفظه ورعايته؟

ما هو موقف الإمام منكم أنتم أيها الشيعة؟ هل يراكم شيعةً له حقاً وصدقاً؟

وما هو دوركم في أيام غيبته؟ هل تَسعَون للتمهيد له؟ هل تظنون أنكم ستوطؤون له سلطانه؟ هل ستُعِدُّون له رايةً يستلَّمُها منكم فور ظهوره؟ وتكون جيوشكم بانتظاره؟
أم أنَّ لكم دوراً آخر في أيام غيبته فلا يحتاجكم للتمهيد له؟

ثم ما الذي سيفعلُه إمامُكم بعد ظهوره؟
أيقدر على ما لم يقدر عليه كلُّ أنبياء الله تعالى وأوليائه؟ وفيهم خاتم المرسلين محمد صلى الله عليه وآله، وفيهم آباؤه وأجداده من الأئمة المعصومين عليهم السلام!

هل دعوة إمامكم ستكون بالتي هي أحسن؟ أم هي دعوة السيف والقَسوَة؟

هل تَعُمُّ العدالة في أيامه؟ فيقهر الكفار والمنافقين على الإيمان؟ فأيُّ فضلٍ لهم في إيمانهم؟
وإذا كان خِتام البشرية قَهراً على الطاعة فَلِم لَم يكن بَدؤها كذلك؟

هل يموت المهديُّ فتكتفي البشرية بما استفادته ثمَّ تكمل مسيرتها دون الحاجة لإمام؟

أسئلة كثيرةٌ يُغرِقُنَا بها المخالف تارة، ويتفكّر فيها الموالي أخرى ليزيد معرفةً بإمامه، ويكون على بيّنة من أمره وبصيرة في دينه.

لذا.. نتناول هذه الأسئلة وغيرها في سلسلة أبحاثٍ تحت عنوان (وغاب نجم الإمام!).

صفات الإمام

إنّ معرفة شيءٍ من صفات الإمام تصلُحُ لأن تكون (مَدخلاً) للإجابة على هذه التساؤلات.
لقد روى الشيخ الكليني رحمه الله في الكافي الشريف حديثاً عظيم الشأن عن ثامن الأئمة المعصومين عليهم السلام يصف فيه الإمام بقوله:

الإِمَامُ كَالشَّمْسِ الطَّالِعَةِ المُجَلِّلَةِ بِنُورِهَا لِلْعَالَمِ، وَهِيَ فِي الأُفُقِ بِحَيْثُ لَا تَنَالُهَا الأَيْدِي وَالأَبْصَارُ، الإِمَامُ البَدْرُ المُنِيرُ، وَالسِّرَاجُ الزَّاهِرُ، وَالنُّورُ السَّاطِعُ، وَالنَّجْمُ الهَادِي فِي غَيَاهِبِ الدُّجَى (الكافي ج‏1 ص200).

هكذا يعتقد الشيعة في الإمام، فهذه التشابيه والأوصاف الخمسة قد صدرت مِن معصومٍ باعتقادهم، وهم يرون أن للإمام بركاتٍ متكثّرةٍ عامةٍ وخاصّة، فمِن أوصافه:

1. الإِمَامُ كَالشَّمْسِ الطَّالِعَةِ

الإمام هنا في هذا الحديث (كَالشَّمْسِ الطَّالِعَةِ)، وهي التي تَصِلُ أشعَّتُها ونورُها إلى كلِّ العالم، ويستفيد منها كلُّ مَن على وَجه البسيطة، وهكذا الإمام، فإنَّ خيرَهُ يصل للبرّ والفاجر، والمؤمن والكافر، ويبلغ مَن أقر بوجوده ومن أنكر، بحيثُ يطلُع عليهم كلهم نورٌ من نوره، وقَبَسٌ من مُحَيّاه.

وهو في الوقت عينه كالشمس، من حيثُ كونه بَعيداً عن الأيدي والأبصار (وَهِيَ فِي الأُفُقِ بِحَيْثُ لَا تَنَالُهَا الأَيْدِي وَالأَبْصَارُ)، بحيثُ يُرى أثر الإمام، لكن لا تُدرَك حقيقته، حيث أنَّه أعظم من أن تصله أيدي المتناولين وأبصار الناظرين.

وما رآه الناس من الإمام وما يرونه هو بَعضُ نوره وليس تمامه وكماله وكنه حقيقته، فنحن لم ننل جوهره وكنهه كما لا تَنالُ الأيدي والأبصار الشمس، وبه يحفظ الله الأرض والعباد والبلاد، وبه يُرشَدون ويهتَدون.

إنَّ كلَّ مَن على الأرض من وَليٍّ ومؤمنٍ وعالمٍ وصِدِّيقٍ وعابدٍ، كلُّهُم يقتاتون على مائدة الإمام، ويتنعمون ببركته، ما منهم أحدٌ يزعم أنَّ له في الإمامة نصيباً أو يقرن نفسه بالإمام، إلّا ثلّة من قطّاع طريق العباد المؤمنين، يزعمون لأنفسهم مقاماً يجاورُ أو يجاوزُ مقام الإمام المعصوم، وهؤلاء شَرُّ خلق الله لأنَّهم تسمّوا بأسماء المعصومين عليهم السلام، وتلقَّبوا بألقابهم، وأخذوا أمكنتهم، وتأمَّروا في ممالكهم.

2. الإِمَامُ البَدْرُ المُنِيرُ

قد يتيسّر لنا أن نتلمَّسَ بعضاً من خصائص الإمام، ومن ذلك أنَّه عليه السلام أخذَ دورَ الشَّمس والقمر معاً، وهما يتبادلان الإنارة، فتُنير الشمسُ نوراً عامّاً في النهار، ولمَّا تغيب يأتي دورُ القَمَر، فلا تخلو الأرض من نورِ أحدهما.

وهكذا لا تخلو الأرض من إمامٍ يكون باباً للهداية في كلِّ حينٍ وظَرف، ليلاً كان ذلك أم نهاراً، سراً كان أم جهاراً.

3. السِّرَاجُ الزَّاهِرُ

قال الله تعالى في وصف خاتم الأنبياء: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً * وَدَاعِياً إِلَى الله بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُّنِيراً﴾ (الأحزاب 45-46).

فكان النبيُّ سراجاً مُنيراً في الآية، والإمامُ سراجاً زاهراً في الرواية، لأنَّ النبيَّ والإمامَ من نورٍ واحدٍ، هو أوَّلُ نورٍ خلقه الله سبحانه وتعالى قبل خلق الخليقة، وصار نوراً للهداية، يُشَبَّهُ تارةً بالشمس، وأخرى بالبدر، وثالثة بالسراج، فكم هو عاثر الحظ هذا الذي يتيه عن الشمس والقمر والسِّراج المنير، ويظلّ يعيش في ظلمات الجهل، ولا يتنعّم بنعمة النبوّة والإمامة، ولا ينهل من مَعين المعصومين عليهم السلام.

كم هي ملوّثةٌ تلك النفس التي أعرضت عن أبواب رحمة الله تعالى، فكان صاحبها ممن استحبَّ العمى على الهدى.

4. النُّورُ السَّاطِعُ

لقد تحدَّثَت آيات الكتاب الكريم عن النور، وسئل الباقر عليه السلام عن قوله تعالى: ﴿فَآمِنُوا بالله وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنا﴾.
فَقَالَ: يَا أَبَا خَالِدٍ، النُّورُ والله الأَئِمَّةُ مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ (ص) إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ، وَهُمْ والله نُورُ الله الَّذِي أَنْزَلَ، وَهُمْ وَالله نُورُ الله فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الأَرْض‏ (الكافي ج‏1 ص194).

5. وَالنَّجْمُ الهَادِي

في كلّ ظُلمَةٍ نَجِدُ نَجمَ الإمام هادياً، فليس في القِفَارِ والبحار مِن هادٍ كالإمام، والأئمة سلسلةٌ من النجوم الهداة، كما عن الباقر عليه السلام: إِنَّمَا نَحْنُ كَنُجُومِ السَّمَاءِ كُلَّمَا غَابَ نَجْمٌ طَلَعَ نَجْمٌ.
فلا تخلو سماء الهداية والمعرفة مِنهم، كلّما غاب إمامٌ طلع إمام، وكُلَّما غاب نجمٌ طلع نجم.

ولكن، أين إمامنا نحن؟ وماذا أصابنا عندما انتقل إمامنا الحادي عشر إلى جوار ربه؟

إِنَّمَا نَحْنُ كَنُجُومِ السَّمَاءِ كُلَّمَا غَابَ نَجْمٌ طَلَعَ نَجْمٌ، حَتَّى إِذَا أَشَرْتُمْ بِأَصَابِعِكُمْ، وَمِلْتُمْ بِأَعْنَاقِكُمْ، غَيَّبَ الله عَنْكُمْ نَجْمَكُمْ.. (الكافي ج‏1 ص338).

إنَّ الأئمة كالنجوم يتلو بعضهم بعضاً، فهم نجوم الهداية التي تأخذ بيد المؤمنين إلى طريق الحق، وهم باب الله الذي منه يؤتى، ولقد كانت الشيعة تنتظر إماماً يملأ الأرض قسطاً وعدلاً، وكان كثيرٌ منهم يُمَنُّون النَّفس بأن يكون إمام زمَانهم، الذي يعيش بين ظهرانيهم، هو الإمام الذي يجري الله تعالى ذلك على يديه، لكن الإمام كان ينفي ذلك، كما يروي عَبْد الله بْن عَطَاءٍ: قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي جَعْفَرٍ (ع): أَخْبِرْنِي عَنِ القَائِمِ (ع).

فَقَالَ: وَالله مَا هُوَ أَنَا وَلَا الَّذِي تَمُدُّونَ إِلَيْهِ‏ أَعْنَاقَكُمْ (الغيبة للنعماني ص169).

إنَّ مدَّ الأعناق هو نوعُ تَرَقٌّبٍ للإمام عليه السلام، بحيث كان الشيعة يتأمَّلون أن يكون إمامُ زمانهم هو الإمام الموعود الذي يملأ الأرض قِسطاً وعدلاً، لكنَّ الله تعالى جعله النجم الثاني عشر، ثمَّ شاء الله تعالى أن يغيب هذا الإمام عن الشيعة، فأوصى إلى سفيره قائلاً:

فَاجْمَعْ أَمْرَكَ وَلَا تُوصِ إِلَى أَحَدٍ يَقُومُ مَقَامَكَ بَعْدَ وَفَاتِكَ فَقَدْ وَقَعَتِ الغَيْبَةُ الثَّانِيَةُ «أو التامة» فَلَا ظُهُورَ إِلَّا بَعْدَ إِذْنِ الله عَزَّ وَجَلَّ (كمال الدين ج‏2 ص516).

ولكن، لماذا غاب الإمام فلم نَعُد نرى نَجمَنا؟

هذا ما نعرض له في البحث القادم إن شاء الله.

والحمد لله رب العالمين.

الثلاثاء 22 ذو القعدة 1441 هـ الموافق ‏14 - ‏07 - ‏2020 م.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


الشيخ محمد مصطفى مصري العاملي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2022/03/19



كتابة تعليق لموضوع : (1) وغاب نجم الإمام!
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net