صفحة الكاتب : مجتبى الساده

المسوغات الفكرية والركائز العقائدية لمعاداة الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) حالياً
مجتبى الساده

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

منذ انطلاقة الإسلام والأعداء يقودون حرباً لتشويه العقائد الإسلامية، ومنها بالخصوص العقيدة المهدوية، وقد مارس الأعداء الحرب ضد المهدوية منذ تاريخ طويل حتى قبل أن يولد الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) عام ٢٥٥هـ، فمارست الدولة الأموية تشويهاً فكرياً وثقافياً ضد المهدوية، وشنَّت السلطات العباسية حملة شعواء فكرية وأمنية ضد الإمام المهدي وآبائه (عليهم السلام)، واستمر هذا العداء متواصلاً مع مرور الزمن ولازال ثابتاً حتى يومنا هذا، وهذه المعاداة تأخذ أشكالاٌ مختلفة وبسياسات ومنهجيات متنوعة حسب ظروف المحطات التاريخية المتعاقبة، وهو حلقة من صراع دؤوب بين الخير والشر وبين الحق والباطل.

من هم الأعداء؟ .. كل من تتضارب مصالحه مع مبادئ العدل والقسط الإلهي، وكل من يخاف المنقذ الرباني تراه لا يتمنى خروجه، وكل من يحمل مبادئ وسلوكيات وأهدافاً تخالف ما يحمله المهدي يكنّ البغض والكراهية له، وكل من يعتقد أن زوال سلطته ونفوذه وحكمه على يديه تراه يعلن العداء للمهدي قبل ظهوره، ومن هنا يجب أن ندرك حقيقة النوايا وطبيعة الأهداف التي تميز العدو الحقيقي للإمام (عجَّل الله فرجه)، وأن نشخّص بشكل واضح ودقيق الطبيعة الشريرة للمعسكر المعادي، بالرغم من أن أئمتنا الأطهار (عليهم السلام) قد صرحوا مراراً بأن أعداءهم قد حاربوهم لأجل الدنيا والمصالح المادية.
لا يساورنا أدنى شك في أن أعداء الإسلام يقفون خلف مشاريع مناهضة المهدوية، وأن جميع المؤشرات والمعطيات في ملف الحرب السرية تشير إلى أن العدو الحقيقي والذي غايته الكبرى ومصلحته الرئيسية تتمثل في تقويض المهدوية والقضاء على الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) هي (الصهيونية)(1)، حيث جميع أحلامها وآمالها تتحطم على يديه، وهذا الذي يبرر وجود خطط سرية يجري رسمها وتحضيرها بين الصهيونية واليمين الإنجيلي الأمريكي، والذي جل أعضائه من (اللجنة الأمريكية الإسرائيلية للشؤون العامة) (الايباك(2) - AIPAC)كما أنهم من مؤيدي الكيان الصهيوني، ويعتبرون الدفاع عن وجوده وأمنه رسالة مقدسة للمسيحيين الأصوليين الأمريكيين وواجباً دينياً مقدساً، ومن أهم أهدافها التي صرحت بها: (الدفاع عن إسرائيل من أخطار الغد)، وبالتأكيد فإن المهدوية تشكل أكبر تهديد مصيري، وخطر وجودي على دولة إسرائيل في الحاضر والمستقبل، وكذلك مصدر الخطر الحقيقي على الحركة الصهيونية في العالم.
إن الرابط الأساسي لتشكيل الأعداء المناهضين للمهدوية بصورته الحالية، هو المتمثل بتركيبته المتمثلة في الصهيونية (المحرك والمنظِّر الأساسي للحرب) وتحالفه مع اليمين المسيحي المتصهين في الغرب (المنفذ لاستراتيجيات الحرب السرية)، فإن هذا الكيان تكوّن بناءً على تغيرات جوهرية ومفصلية في الرؤية المسيحية لليهود، فوفقاً للعقيدة الكاثوليكية، فإن الكنيسة المسيحية سابقاً (تأخذ بمنهج التفسير اللاهوتي المجازي وليس بالتفسير الحرفي للتوراة، وكانت ترى أن عودة اليهود إلى الأراضي المقدسة (في فلسطين) لا تنطبق على الفقرات الواردة في التوراة، لكونهم قد اقترفوا إثماً فطردهم الله تعالى من فلسطين إلى منفاهم في بابل، وعندما أنكروا أن يسوع هو المسيح المنتظر نفاهم الله تعالى ثانية، وبذلك انتهى وجود ما يسمى (الأمة اليهودية) إلى الأبد، وعلى أساس ذلك تميل الكنيسة الكاثوليكية إلى الفصل بين اليهود المعاصرين والعبرانيين القدامى، واعتبرت فلسطين الوطن المقدس الذي أورثه المسيح لأتباعه المسيحيين، وأن القدس هي مدينة العهد الجديد المقدسة وليست صهيون اليهودية)(3)، ولكن ما الذي حدث حتى وصلنا للوضع الحالي، ووجدت المسيحية الصهيونية؟ وكيف تغيرت نظرة ورؤية بعض المسيحيين ١٨٠ درجة؟
بعد عقود من جهود الماسونية والصهيونية في أوساط الكنائس المسيحية، وبعد ظهور حركة الإصلاح الديني (المسيحية) في القرن السادس عشر في أوربا(4)، استطاعت الصهيونية تجاوز هذه الإشكاليات بتبسيط القضية، وذلك بخلق وصنع نظرة جديدة عن الماضي والحاضر اليهودي، حيث تنكرت للاعتقاد الكاثوليكي التقليدي حول اليهود، ونجحت في بعث ونشر فكرة أن اليهود أمة مختارة مفضّلة في أوساط المسيحيين، فأعطت للمسيحية بعدها السياسي الأيديولوجي، وقد استغلت الصهيونية التزاوج بين المصالح الاستراتيجية لليهود وبين التطلعات المسيحية المستقبلية، فحققت نجاحاً واسعاً جداً عندما تسللت إلى عمق التفكير المسيحي البروستانتي(5)، وأخذته نحو منحى جديد من خلال تلازم تام بين قيام إسرائيل الكبرى ومعركة هرمجدون كمقدمة وشرط لعودة المسيح، وهذا أكبر وأخطر تأثير قامت به الحركة الصهيونية على الشعوب الغربية وبالخصوص على رجال السياسة منهم، وذلك بالاختراق الصهيوني لعمق معتقدات المسيحية ومفاهيمها، والأمر الأخطر من ذلك هو تحويلها إلى رسالة عالمية، وعلى أسس ومبادئ لم يثبت أنها آتية من السماء على الوجه القطعي.
وفي ضوء الثقافة الصهيونية المهيمنة اليوم، وانطلاقاً من رواسب النبوءات التوراتية، فإن اليمين المسيحي المتصهين، - وبناءً على مصالح سياسية ودوافع دينية - يقوم بدعم إسرائيل ويدافع عنها بشكل منقطع النظير، ويكنّ العداء الراسخ للمهدوية، ويواصل هجماته المحمومة على الإمام (عجَّل الله فرجه)، وليس غريباً أن نجد جميع دعاة النبوءات وحرفية الكتاب المقدس من زعماء اليمين المسيحي يربطون النبوءات ربطاً مباشراً بيهود اليوم وبدولة إسرائيل، ثم تطبيق هذه النبوءات وخطة الله تعالى بأكملها على الأحداث المعاصرة التي تتعلق بإسرائيل بالدرجة الأولى، ونتيجة لارتباط الأهداف الاستراتيجية أو المسوغات والركائز بقيام صهيون الكبرى، يصبح العداء للمهدوية صفة ملازمة للصهيونية، وذلك لأن المهدي يشكل عقبة في طريق الأهداف، ولا سيما أن تحقيق النبوءات التوراتية لا يعتمد فقط على الرغبة والخطة في تنفيذها، بل أيضاً على تجاوز العقبات التي تحيلُ دون تحقيقها، أخذين بعين الاعتبار حقيقة المهدوية وأهدافها، وأن بداية ظهوره سيكون من مكة المكرمة وسينطلق لتحرير المسجد الأقصى في القدس، وهكذا نجد الأعداء مازالت وستظل لفترة طويلة تضع المهدوية محل اهتمامها، وما انتشار هذا الكم الكبير من مظاهر العداء للإمام (عجَّل الله فرجه) والأساليب العديدة ذات المغازي المشبوهة إلّا دليل على ذلك، ومن جهة أخرى نستوعب أيضاً قدرة وسيطرة وتغلغل الماسونية والصهيونية في مؤسسات الهيمنة السياسية الغربية، ودفعها بشكل خارق لعداء الإمام (عجَّل الله فرجه).
بعد كل هذه الحقائق الفكرية والتاريخية الدامغة، فإن الجهة أو الكيان الذي يحارب الإمام (عجَّل الله فرجه) هي...، بالتأكيد الجواب تجده عند من له السطوة والتأثير في أروقة المؤسسات السياسية الأوربية والأمريكية، وتجده أيضاً عند حاخامات ودهاقنة سياسة ومال وإعلام، والذين يديرون الصراعات الدولية والأزمات العالمية خفْية من وراء الكواليس وفق مصالحهم وأهدافهم.
المسوغات والركائز للمعاداة:
قد يستند الفرد في الإجابة على سؤال: (لماذا يحاربون المهدي؟) إلى مسوغات فكرية أو دينية أو تاريخية أو سياسية أو فلسفية أو حتى سوسيولوجية(6)، ولا شك أن لكل واحدة منها شطراً من المصداقية في كشف الأسباب، إلّا أن الأكيد أن تظافرها سينتج إجابات أقرب إلى مطابقة الحقائق وفهم الواقع.
لقد احتلت معتقدات وتنبوءات آخر الزمان، والعودة الثانية للمسيح، والمخلّص المنتظر مكاناً بارزاً في السنوات الأخيرة في فضاء الثقافة لدى الشعوب الغربية، وقد نشأ عن هذه المعتقدات ميل مسيحي قوي للاعتقاد بأن قدوم المسيح ينتظر إنشاء دولة إسرائيل الكبرى(7) وبناء الهيكل ومعركة هرمجدون، ولكن الخطر الأكبر كان في الميل إلى استخدام القوة العسكرية في سبيل الوصول إلى النهاية، خاصة في تسوية النزاعات الدولية: مثلما منّى الرئيس الأمريكي (بوش الابن) نفسه (بأن الله هيأ له جميع الظروف لمعركة (هرمجدون) وقدوم المسيح)، وكان قد سبقه إلى هذا الحلم بامتياز الرئيس (ريجان) يوم اجتياح إسرائيل للبنان ١٩٨٢م حيث قال: (إن معركة هرمجدون بدأت علاماتها ليظهر المسيح)(8)، ولهذا ضاعفت الصهيونية نشاطها، ونجحت إلى مدى بعيد في كسب الأوساط المسيحية، واستطاعت أن توجه الكنائس الغربية بثقافتها التوراتية والتلمودية، وأن تحوّل الرؤية المستقبلية المسيحية بشكل جذري إلى اليهودية، وأن تتبنى الكنائس المسيحية الغربية وجهات النظر الإسرائيلية، حتى أصبح (العهد القديم)(9) هو المرجع الروحي للمسيحيين الغربيين بشكل عام، ولذا يعزى لقناعات مؤسسات السياسية الغربية ومواقفها، تمسكهم بالتوراة ونبوءاتها، بالإضافة إلى أن هناك عوامل ومفاهيم عديدة رفدت الفكر اليهودي والمسيحي على مر السنين، وقد استغلت الصهيونية هذه المفاهيم استغلالاً خبيثاً في الثقافة الغربية، وتحاول أن تلوي الحقائق لخدمة أهدافها، وسنشير في هذه الورقة البحثية إلى ثلاثة عوامل فقط كمسوغ ومرتكز قوي لمعاداة المهدوية:
* المفهوم التوراتي لأرض الميعاد: أي إن دولة إسرائيل الحديثة تصبح امتداداً لإسرائيل التوراتية(10) (الأرض المقدسة وأرض الميعاد وصهيون الكبرى).
* مسألة تزاوج المفاهيم ودمج الأهداف: من خلال عودة اليهود إلى أرض صهيون، وإعادة بناء الهيكل، ومعركة هرمجدون، كمقدمة لقدوم المسيح.
* مفهوم الإعداد للأحداث العظيمة المرتقبة: التعاون لتحقيق النبوءة التي تقول: يتم تأسيس الدولة (إسرائيل الكبرى) بعد سقوط الدجال (الذي يصورنه زوراً بأنه المهدي).
أي بمعنى آخر: تدعو للتكاتف لمواجهة كافة التحديات التي تقف عائقاً أمام قيام دولة اليهود الكبرى، والدعوة إلى إبادة المناهضين لذلك، كشرط من شروط تحقيق النبوءات المقدسة في خطة الكون.
بيد أن هناك نصوصاً عديدة في الكتاب المقدس بشقيه (العهد القديم والجديد) تقوّض هذه الأكاذيب من أساسها، إلّا أن الصهيونية تروّج لمفهومها وتفسيرها للنبوءات وتشجع على رسم الخطط لتحقيق هدفهم الرئيس (تأسيس إسرائيل الكبرى والسيطرة على العالم)، ونتيجة للتزوير الفكري الصهيوني لتفسير النبوءات، تسلل إلى العقلية الغربية ربط نزول المسيح بقيام إسرائيل، وربط تأسيس الدولة اليهودية الكبرى بقتل الدجال الإسلامي، ولهذا تروج الصهيونية في العقود الأخيرة لاندماج الأهداف وتسلسل خط سير النبوءات، واعتبار أن اليهود الموجودين حالياً شركاء لا غنى عنهم في الأحداث العظمى المقبلة قبل مجيء المسيح، وحرفت أيضاً في الفكر اليهودي والمسيحي كمسوغ أيديولوجي وسياسي، بأنه لم يعد المخلّص ملكاً يهودياً من نسل داود ننتظره، بل أصبحت إسرائيل الكبرى ننتظرها، كمقدمة لانبعاث المسيح المسيحي وليس المسيح اليهودي فقط، وهذا ما نلمسه هذه الأيام من الساسة الغربيين وسعيهم الدؤوب في تحقيق الخطط الصهيونية، والوصول إلى نبوءات توراتية أسطورية ضمن الخطط المرسومة في استراتيجيات الصهاينة، علماً بأن الهدف الرئيس والنهائي للماسونية والصهيونية قديماً وحديثاً، والسبب الأساس في نشأتهما هو: إقامة دولة إسرائيل (مملكة اليهود العظمى) وتتويج ملك اليهود في القدس (الذي هو من نسل داود)، ثم التحكم في العالم، وتسخيره لما يسمونه (شعب الله المختار)، على أن تكون بقية الأمم والشعوب الأخرى خدماً لهم.
بشكل عام وباختصار شديد، فإن الصهيونية قد أعلنت حرباً أيديولوجية على الغرب، وكان المستهدف هم المسيحيين وبشكل خاص (الإنجيليين) وذلك لجعلهم يؤمنون ويتبنون أفكارها، وعملوا كثيراً على التحريف في عمق معتقداتهم وآرائهم، وفي هذا السياق فإننا ندرك أن اليهود تعتقد: (أن المسيح لم يظهر بعد، وأن ظهوره سيتم في إسرائيل، ويعتقدون كذلك أن من علامات ظهوره وقوع محنة عالمية كبيرة، فيأتي المسيح لِيُخلّص الإنسانية ويجدد اليهودية التي تسود العالم)، مقابل ذلك، هناك فئة من المسيحيين (الإنجيليين) بدأت تؤمن: (بأن للعودة الثانية للمسيح شروطاً، ومن هذه الشروط قيام دولة صهيون وتجمّع يهود العالم فيها، ثم تتعرض الدولة اليهودية إلى هجوم من غير المؤمنين وخصوصاً من المسلمين بقيادة الديكتاتور والإرهابي (المهدي))، ثم بعد ذلك مباشرة ينزل المسيح إلى الأرض ليحكم العالم من القدس، بيد أن إيمان المسيحية المتصهينة بهذه الأفكار والمعتقدات، لا حباً باليهود بالضرورة، ولكن للمساعدة على تحقيق النبوءات التوراتية التي تمهّد لعودة المسيح.
وفي هذا الإطار، فإن القس الأمريكي (هال ليندسي) في كتابه واسع الانتشار (آخر أعظم كرة أرضية)(11) يعرض الأفكار التي تطرحها الحركة الصهيونية المسيحية في الولايات المتحدة الأمريكية، والمنظمات الدينية التي تعمل تحت ظلال كنسية للترويج للمنطلقات الفكرية للحركة، وتكوّن بالتالي ضميراً دينياً جماعياً بوجوب دعم إسرائيل تحقيقاً لنبوءات مستخرجة من التوراة، بما يتوافق مع الأهداف الاستراتيجية لإسرائيل، وفي كتابه ذائع الصيت يرسم ليندسي سيناريو معركة هرمجدون، وباختصار سنشير لتسلسل الأحداث كما يفترضها(12):
١ - قيام الدولة اليهودية الكبرى (صهيون) من النيل إلى الفرات.
٢ - عودة اليهود من الشتات إلى أرض الميعاد.
٣ - إعادة بناء معبد الهيكل في مدينة القدس.
٤ - تعرض إسرائيل إلى هجوم كبير من الكفار (المسلمين والحلفاء).
٥ - قيام ديكتاتور إسلامي (الدجال: المهدي) بتزعم القوات المهاجمة ويحشد ٢٠٠ مليون جندي.
٦ - خضوع معظم العالم لسيطرة هذا الديكتاتور لمدة سبع سنوات.
٧ - وقوع معركة هرمجدون النووية، ويقتل فيها مئات الملايين من البشر (ثلث سكان الأرض).
٨ - تشارك قبائل يأجوج (الصين) ومأجوج (روسيا) في المعركة مع المسلمين بقيادة الدجال.
٩ - نجاة المؤمنين بالمسيح بمعجزة إلهية، ورفعهم إلى الفضاء فوق أرض المعركة.
١٠ - نزول المسيح بعد سبعة أيام من انتهاء المعركة إلى الأرض ومعه المؤمنون به.
١١ - سيبقى ثلث اليهود فقط على قيد الحياة بعد المعركة، ويبادرون إلى الإيمان بالمسيح.
١٢ - يحكم المسيح العالم من القدس لمدة ألف عام بعدل وسلام حتى تقوم القيامة.
من هنا نجد أن مؤسسات الهيمنة السياسية الغربية تتسابق إلى تثبيت فكرة معركة هرمجدون بتفسيرها اليهودي (الصهيوني) لدى الشعوب الغربية للحصول على مكاسب سياسية، وتنفيذاً لمآرب الصهيونية العالمية وإرضاءً لدولة إسرائيل، وفي هذا السياق تقول الكاتبة الأمريكية (جريس هالسل) في كتابها النبوءة والسياسة ما نصه: (إن النبوءات التوراتية تحولت في الولايات المتحدة الأمريكية إلى مصدر يستمد منه عشرات الملايين من الناس نسق معتقداتهم، ومن بينهم أناس يرشحون أنفسهم لانتخابات الرئاسة الأمريكية، وكلهم يعتقدون قرب نهاية العالم ووقوع معركة هرمجدون، ولهذا فهم يشجعون التسلح النووي ويستعجلون وقوع هذه المعركة باعتبار أن ذلك سيقرّب مجيء المسيح)(13)، وفي هذا الصدد فإن العلاقة بين العمل (السياسي أو العسكري) والإيمان الديني بهذه النبوءات هي علاقة مباشرة، ذلك أن الصهيونية تروج وتنشر أن من واجب الإنسان المؤمن (يهودي أو مسيحي) أن يوظف كل إمكاناته وقدراته لتحقيق إرادة الله، وهذا يعني أن الإيمان بـ(هرمجدون) يتطلب خلق ظروف مؤاتية لمحاربة الديكتاتور (المعادي للمسيح) قبل ظهوره، والذي يؤمنون بوجوده حالياً وهو (المهدي) أي الدجال الإسلامي حسب زعمهم وتصورهم.
وما من شك بعد استعراض كل هذه الحقائق، فإن المتتبع للأحداث ولمظاهر العداء للمهدوية، يرى أن الصهيونية وزعماءها لهم اليد الطولى والمحرض الأساسي لتلك الأحداث، فبعد أن استيقنت الصهيونية من وجود وثبات دولة إسرائيل الحالية على أرض الواقع، وأصبحت معترفاً بها في أروقة المنظمات الدولية، ولكنهم يأسفون بأنه تكشّف وانجلى لهم بكل تأكيد: أن الخطر المحدق بها، وأن زوالها سيتم على يد القائد المسلم (المهدي)، وذلك من خلال التراث الديني (النبوءات التوراتية) والوثائق القديمة لديهم (مثل: كتاب الكابالا وتنبؤات نوستراداموس)، والتي أنبأت بأن حرب المهدي لليهود قادمة لا محالة، وأن مصيراً أسوداً ينتظرهم، وقد أكد ذلك القرآن الكريم (في سورة الإسراء)، مما خلق لديهم حالة من الرعب والقلق من كل ما له علاقة بالمهدي (عجَّل الله فرجه)، وهذا ما يفسر مساعيهم الدائمة لمعاداة المهدوية، ولذا قاموا بحملة إعلامية واسعة لنشر الفكرة والبدعة التي اختلقتها الصهيونية (محاربة المهدي) في جميع أرجاء الدول الغربية، وانتشرت الفكرة بسرعة وتبنتها الأقطار الغربية دون أن يحاول أحد مناهضتها، مما أدى إلى جعلها محوراً يلتف حوله الساسة في الغرب، وأن يبنوا عليها آمالاً لتحقيق النبوءات.
عندما يعمد الباحث إلى التعمق في دراسة المسوغات والركائز والأهداف التي لا زالت تؤدي إلى معاداة المهدوية يقف حائراً للأسباب الواهية التي يتبنونها وينطلقون منها، ويجد أنها أطماعاً استعمارية تحت جلد النبوءات الدينية، وبالرغم من أن كثيراً من قادة الدول الغربية يقدمون الدعم والمساندة في هذه الحرب الظالمة ولأسباب لا علاقة لهم بها، ولا يوجد لأيّ منهم مبرر قومي يجيز له الدخول أو المشاركة فيها، ولكن أملته معتقدات دينية مبنية على تنبوءات توراتية، وبتوجيه وضغط من الحركة الصهيونية والماسونية، وهكذا تهيأ ساسة العالم الغربي لخوض الحرب السرية ضد الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)، والمستفيد الوحيد منها اليهود فقط، وهنا نتساءل: أليس من الغريب من ساسة علمانيين توظيف نبوءات توراتية حتى تأخذ قراراتهم - ذات مظاهر عدوانية سرية - الشرعية والمصادقة عليها، والأمر الأعجب في هذه القرارات والإجراءات إضفاء ثقافة دينية عليها وإكسابها تصورات غيبية، بينما ترى الحياة في المجتمعات الغربية قائمة على العلم والموضوعية والمادية والعلمانية؟


############

الهوامش:
(1) حركة يهودية تنتشر حول العالم، تأسست عام ١٨٩٧م، ويعتبر اليهودي النمساوي ثيودور هرتزل مؤسس الصهيونية السياسية.
(2) الايباك: كانت تعرف سابقاً باسم: (اللجنة الصهيونية الأمريكية للشؤون العامة)، وقد تم تغيير الاسم عام ١٩٥٣م، حيث بدلت كلمة الصهيونية إلى الآسرائيلة، وتعتبر (ايباك) من أقوى وأقدم اللوبيات في أمريكا، وتسيطر تقريباً على القرار السياسي والعسكري الأمريكي وتجنده لمصلحة إسرائيل، وتصرح ايباك على موقعها الرسمي: أن مقابلاتها مع أعضاء الكونجرس الأمريكي تتجاوز ٢٠٠٠ مقابلة سنوياً، تقدم لهم خلالها تقارير ودراسات استراتيجية عن الشرق الأوسط والعالم.
(3) منقول بتصرف من كتاب: الإدارة الأمريكية المحافظة، وتسييس نبوءات التوراة لآخر الزمان - مروان الماضي: ص ١٢٧- ١٢٨.
(4) الإصلاح (الذي يُطلق عليه اسم الإصلاح البروتستانتي أو الإصلاح الأوروبي) هو حركة داخل المسيحية الغربية في أوروبا في القرن السادس عشر شكلت تحدياً دينياً وسياسياً للكنيسة الكاثوليكية الرومانية والسلطة البابوية بشكل خاص، اعتبر أنه بدأ مع نشر القضايا الخمس والتسعين التي كتبها الراهب الألماني (مارتن لوثر) في عام ١٥١٧م والذي دعا إلى إصلاح الكنيسة والحدّ من تجاوزاتها واضطهادها للناس، ولقد كانت المناداة بهذا الإصلاح مقدّمةً نتج عنها فيما بعد: فصل الدين عن ميدان الدولة والسياسة، وإقصاءُ كنيسة (روما) عن المشاركة في حكم أوروبا والحدّ من سيطرتها على حياة الإنسان الأوروبي والتدخّل في كلِّ تفاصيلها، والذي أوجد أرضاً خصبة لانتشار المسيحية اليهودية، حصل نزاع على نهاية عصر الإصلاح، أو أنه لم ينته أبداً بسبب وجود بروتستانتيين حتى اليوم.
(5) بعد حركة الإصلاح الديني في أوربا، أصبح العهد القديم المرجع الأعلى للاعتقاد البروستانتي، ومصدر المسيحية النقية الثابت، وجزءاً من طقوس العبادات والصلوات في الكنائس، والنبوءات المتعلقة بنهاية الزمان والعصر الألفي والمجيء الثاني للمسيح.
(6) مصطلح السوسيولوجيا: يعني دراسة المجتمعات الإنسانية وكذلك المجموعات البشرية والظواهر الاجتماعية، بالإضافة لدراسة أسباب التغيرات في السلوكيات وكذلك أصول الدول من الناحية السياسية والقانونية، والسوسيولوجيا اصطلاحاً هي كلمة نظيرة لعلم الاجتماع الذي يقوم بدراسة التغيرات والتطورات التي تؤثر على المجتمع والتنبؤ باتجاه تلك التغيرات.
(7) إسرائيل الكبرى أو أرض إسرائيل الكاملة، وهي عبارة تشير لحدود الدولة حسب التفسير اليهودي لكتابهم المقدس كما في سفر التكوين ١٨:١٥ - ٢١ حيث يذكر عهد الله مع إبراهيم: (في ذلك اليوم عقد الله ميثاقاً مع إبرام قائلاً: (سأعطي نسلك هذه الأرض من وادي العريش إلى النهر الكبير)، هذا الادعاء تشمل الحدود الجغرافية من النيل إلى الفرات، وهذا معنى الشرائط الزرقاء في العلم الإسرائيلي، التي تمثل نهري النيل والفرات.
(8) كتاب: الإدارة الأمريكية المحافظة وتسيس نبوءات التوراة لآخر الزمان - مروان الماضي: ص ١٢٢.
(9) الكتاب المقدس لليهود، وهو الجزء الأكبر من الكتاب المقدس ويحتوي على ٤٦ سفراً وهي عبارة عن جميع كتب اليهود ويعرف عندهم باسم التناخ، وهو يحتوي على أسفار موسى الخمسة (التوراة)، والأسفار التاريخية وأسفار الأنبياء والحكمة، كزبور داود.
(10) معلومة تاريخية مثيرة للاهتمام: كان زعماء الصهيونية في ١٩٤٨م يفكرون بإطلاق اسم (صهيون) على الدولة الجديدة، ولكنهم في النهاية قرروا تبني اسم (إسرائيل).
(11) The Late Great Planet Earth - Hal Lindsey , ١st ١٩٧٠ , Zordervan Co.
هو الكتاب الأكثر مبيعاً في الولايات المتحدة وأوروبا لعام ١٩٧٠م، وقد أعلنت صحيفة نيويورك تايمز (أنه أفضل كتاب غير خيالي مبيعاً في السبعينات)، حيث بيع منه أكثر من ٣٥ مليون نسخة بحلول عام ١٩٩٩م، وترجم إلى أكثر من ٥٠ لغة، وتم إنتاجه كفلم وثائقي عام ١٩٧٨م مدته ساعة ونصف.
(12) المصدر: كتاب (The Late Great Planet Earth - Hal Lindsey)، أي: آخر أعظم كرة أرضية، ملخص للصفحات من ١٦٢-١٧٠، ويتحدث عن الدمار في كل العالم، ولا يقتصر على ميدان المعركة فقط، ويقول في صفحة ١٦٨: مع بلوغ معركة هرمجدون ذروتها الرهيبة، ويبدو أن كل أشكال الحياة ستدمر على الأرض، في هذه اللحظة بالذات سيعود يسوع المسيح وينقذ الإنسان من الانقراض الذاتي.
(13) كتاب النبوءة والسياسة - تأليف: جريس هالسل، ترجمة: محمد السماك، الطبعة الثانية ١٤٢٤هـ، ٢٠٠٣م، دار الشروق - القاهرة.
 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


مجتبى الساده
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2022/04/05



كتابة تعليق لموضوع : المسوغات الفكرية والركائز العقائدية لمعاداة الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) حالياً
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net