صفحة الكاتب : مرتضى ابو حميدة

ليسوا قدوةً لكم..
مرتضى ابو حميدة

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 لسنا هنا بصدد مناقشة مفهوم (فقهي) أو (عَقَديْ) أو (ترجيح مداليل)..تلك قراءة المختصين، وما تؤول اليه قراءتهم الخاصة ، وبحسب المدارك والمطالب..
ما يهمنا آنياً ، هو مدى حاجتنا لقالبٍ من السلوكين الفردي والجماعي، في واقعٍ اجتماعي،  سجل ترهلاً مُلفتاً للنظر، فيما يتعلق بالمسؤولية التضامنية المجتمعية، والمحافظة على ملامح الانضباط..
ولَئِن كانت الأنظمة الإدارية متقاعسة او مترددة او غير مؤهلة، لضبط إيقاع الإدارة المجتمعية، فهل هذا يعطي المبررات لـ(ركوب أمواج التبعثر والتشظي في فهم الحقوق والواجبات؟؟).
الذائقة الاجتماعية ذائقةٌ نؤمن بسلامتها ورُقيها، ونحترم خصوصيتها ونقاء مشاربها، لكن هبوب العصف المفاجئ المحمل بكمٍ هائل ، من الإرباك والتشظي الذهني ، و تلاعب الأيادي الخفية هنا وهناك، مع محاولات محمومةٍ جادة لـ(طَرَسية) النظر والقرار..قد آتت أُكلها في خلق دافعية كبيرة في مخالفة (مرتكزات) تلك الذائقة العراقية الأصيلة، التي إحتفظت وثائق التاريخ بحقيقة َتَصَدُر بلاد الرافدين، موكب الحضارة الإنسانية في دولة المواطنة وٍسيادة القانون العام..
وبوقفة تأمل مع الذات : ففي الوقت الذي لا يتطلب الإفساد، والتخلي عن المسؤولية الوطنية والأخلاقية الى جهد كبير، فان مشروع الإصلاح وتصحيح المفاهيم يتطلب عناءً وجهوداً مضنية.. أي أن سهولة الإفساد يقابله صعوبة الإصلاح..
وما دام الارتباط بين (عراق الحضارة والإسلام) و(رمزية) (أمير المؤمنين علي) صلوات الله عليه، إرتباطاً مصيرياً وبكل التمظهرات والملامح الإنسانية و الرسالية  والحضارية، فلا غرابة أن نجد أنفسنا نتطلع الى (منهاج علي المرتضى) ومقاربته – ولو على نحو الجزئية البسيطة..ومن هذه الجزئيات، ثنائية (الحقوق والواجبات) كمرتكز مهم في إشاعة الكلمة الاجتماعية الهادفة ..وهذه الثنائية لو تنصل منها طرف ،لم يكن مسوغا لتنصل الطرف الآخر..فالأمر منوط بالتقوى التي تردع الانسان عن إقتراف مخالفة او إفساد مجتمع ..
نقول ذلك على مضضٍ وأسىً ، بعد أن فقدنا سلسلة الآمال، التي تجعلنا نرمقُ (راعٍ) صالحٍ يصلح به أمر (الرعية)، ولعل هذه السلسلة الطويلة الممتدة عبر الزمان، كانت ولاتزال تعيش (صراع الوجود)، لإحلال مجتمع تسوده روح العدالة الاجتماعية ، متجاهلةً في الوقت نفسه (ثنائية الإصلاح) ..
لقد وضع (أهل البيت) عليهم السلام، ضابطة مهمة جدا، تصون الإنسان وتحفظه من الانزلاق، في متاهات الشهوة والغريزة، وعلى الإنسان أن يسعى جاهداً للحفاظ عليها من الضعف والتلاشي.. وهذه الضابطة هي (التقوى).. يقول أمير المؤمنين عليّ (عليه السلام) "فَإِنّ‏َ تَقْوَى اللهِ مِفْتَاحُ سَدَاد، وَذَخِيرَةُ مَعَاد، وَعِتْق منْ كلّ مَلَكَة، وَنَجَاة مِنْ كلّ هَلَكَة، بِهَا يَنْجَحُ الطَّالِبُ، وَيَنْجُوا الْهَارِبُ، وَتُنَالُ الرَّغَائِبُ .. َإِنّ‏َ تَقْوَى اللهِ دَوَاءُ دَاءِ قُلُوبِكُمْ، وَشِفَاءُ مَرَضِ أَجْسَادِكُمْ، وَصَلاَحُ فَسَادِ صُدُورِكُمْ، وَطُهُورُ دَنَسِ أَنْفُسِكُم" .
وهنا يشدد (عليه السلام) على قوة (التقوى) في ضبط حركة الفرد الشخصية والإجتماعية ، وكَمْ هي مهمة في تعزيز (روح المواطنة) ، تلك الروح التي قد تفشل في خلقها و توجيهها القوانين والتشريعات  التي وُضِعَت ،لتنظيم حركة المجتمع دون جدوى!!  ولم تؤتِ الثمار المرجوّة ،لأنّ وظيفة القانون ترسيم الحدود ، لكنّ ثمرة وضع تلك الحدود لا تظهر، إلّا حينما يملك الناسُ الإرادةَ والقدرةَ على احترام تلك الحدود..
ولَئِن تنصل أصحاب المناصب عن مسؤولياتهم وقصروا بواجباتهم ، فليس ذلك مبرراً لكي يفعل المجتمع نظير فعلهم المُسْتَنْكَر!!
هل يحق لنا مقابلة فساد المسؤولين بفساد ضمائرنا؟
هل يحق لنا ترك النصيحة وبذلها لمن جهِل الخطأ، و وقع فيه؟
هل يحق لنا اشاعة فوضى التعدي على الشوارع والارصفة والاسواق والبناء كما يحلو لنا؟
هل يحق لنا هدر كرامة المواطن لاختلافه معنا في الرأي؟
هل يحق لنا التخلي عن ردع ثقافة الانحراف والهدم الاجتماعي بذريعة الوضع القائم؟
وهل ..وهل ..وهل؟؟؟ 
ومع ذلك ..علينا ألا نغفل، عن كون  المجتمع في حالة تحوّل وتغيّر وتبدّل،  وفي حالة انتقال من صورة إلى صورة، ومن مستوى إلى مستوى، فلا وتيرة ثابتة، ولا نسق ثابت، ولا حال ثابت ..
وما يعرف بالسيرورة الاجتماعية ، هو في واقعه مقدمة مهمة لتحقيق التحول الاجتماعي، وهو منطق قرآنيٌ أصيل، يربط بين الاسباب والنتائج ، والتي تفرض واقع تغيير الحال من سيء الى أصلحْ وبالعكس ..
يقول الله تبارك وتعالى : ﴿ ... إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ ﴾
ويقول عز شأنه في موضع آخر : ﴿ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَىٰ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَٰكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾.
ونُحيلُ النظر الى الجهة المقابلة، التي تتحمل المسؤولية الأولى، لنقول وبكل صراحة :
إن العواقب الوخيمة المتحققة لـ(فساد المسؤول والإدارة) هي مما يُعجل بهدم (روح المواطنة) وتضييع (الهوية الوطنية والأخلاقية) ،و ينسف جهود أجيالٍ من البناء والوعي ،بل ويُمهّد لخلق (أزمة فكر) كما دلَّت عليه وقائعُ الأيام ..
كما وصَّف سيد البلغاء والمتكلمين مولانا (أمير المؤمنين) صلوات الله عليه، حيث قال :" ينبغي لِمَنْ وَلِيَ أمرَ قومٍ، أن يبدأَ بتقويمِ نفسهِ، قبل أن يُشرعَ في تقويم رعيتهِ،  وإلا كانَ بمنزلةِ من رامَ استقامةَ ظلَّ العودِ، قبلَ أنْ يستقيمَ ذلكَ العود"، وقال (عليه السلام) "  إذا قَوِيَ الوالي في عملهِ، حَرّكتهُ ولايتهُ، على حسبِ ما هوَ مركوزٌ في طبعهِ من الخيرِ والشر".

 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


مرتضى ابو حميدة
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2022/04/08



كتابة تعليق لموضوع : ليسوا قدوةً لكم..
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net