العراق الماضي والحاضر وافاق المستقبل (13) الدور الاقليمي والدولي في العراق عبر التاريخ
السيد عبد الستار الجابري
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
السيد عبد الستار الجابري

تركيا
تركيا او بلاد الاناضول، وهي المنطقة الواقعة بين البحر الاسود والبحر المتوسط، كانت عبر العصور منطقة نفوذ الامبراطوريات المتصارعة فغزاها الحيثيون ثم ضمها الاسكندر المقدوني الى امبراطوريته، وقبل الفتح الاسلامي كانت تحت سيطرة الرومان، وحيث ان الرومان كانوا يعتنقون الديانة المسيحية قبل ظهور الاسلام فهذا يعني ان بلاد الاناضول كانت تدين بالنصرانية قبل دخولها الاسلام، وكان اول دخول لقوات المسلمين اليها في القرن الاول الهجري، ثم تعاقبت الغزوات فيها.
من هذا التاريخ يتضح ان منطقة الاناضول كانت تعيش مناخاً من الخضوع للقوى الكبرى الحاكمة في العالم فهي تارة تحت السيطرة الفارسية واخرى تحت السيطرة المقدونية وثالثة تحت السيطرة الرومانية ثم تحت سيطرة المسلمين، وكما هو الحال في الامبراطوريات المترامية الاطراف عند ضعف الدولة المركزية او تفككها فإن البلاد تتحول الى دويلات متصارعة حتى يتم السيطرة عليها من قبل قوة خارجية، كانت بلاد الاناضول كلما ضعفت الامبراطورية التي تحكمها تتحول الى دويلات متصارعة.
في الربع الاول من القرن الثالث عشر الميلادي الذي يصادف القرن السابع الهجري زحفت قوات المغول من بلادها - بعد ان احتلت شمال الصين واتخذت من بكين مركزاً لادارة امبراطوريتها في شرق العالم - لاسقاط الدولة العباسية، كان لابد للقوات الزاحفة ان تمر عبر الاراضي التي تقع بين مقرهم الاصلي في شرق اسيا حتى تصل الى بغداد مقر الخلافة العباسية، وكان من بين تلك البلدان تركستان التي تقع شمال ولاية خراسان حسب التقسيم الاداري للدولة العباسية انذاك، ففر العديد من المسلمين الى بلدان اكثر امنا ومن بين الفارين من جحيم المغول قبائل بدوية سكنت الجبال وكان عددها كبير جداً غادرت بلادها ثم استقرت في غرب ايران وبلاد القوقاس وشمال العراق وبلاد الاناضول، وكان من بين تلك القبائل قبيلة قايي التي يبلغ عدد ابناءها ما يقارب الاربعة الاف نسمة، الذين وصولوا الى بلاد الاناضول واستقروا فيها بعد عشر سنوات من التنقل المستمر اي ان وصولوهم بلاد الاناضول في حدود سنة 1230م في الوقت الذي كانت الدولة القونوية تحكم تلك البلاد، واتفق في ايام تواجدهم اندلاع حرب بين مملكة خوازم والممكلة القونوية المضيفة لهم فما كان منهم الا ان اشتركوا في الحرب الى جانب الدولة المضيفة وكانوا عنصراً مهماً في درء الخطر الخوارزمي عن مملكة قونويه السلجوقية، فاقطعهم الملك القونوي ثغراً على الحدود البيزنطية يقع في منطقة التقاء ولايات اسكيشهر وبيلاجيك وكوتاهيه في تركيا المعاصرة، فكانت تلك بذرة ظهور الدولة العثمانية التي تمثل اصل تركيا المعاصرة.
من ذلك الثغر الاناضولي قاد العثمانيون حروبهم في شرق اوروبا حتى حاصروا فينا عاصمة النمسا مرتين ووصلوا الى حدود فرنسا، وكان اقصى ما وصلت اليه دولتهم في عهد مراد الاول بعد الانتصار على الحملة التي دعت اليها الكنيسة الكاثوليكية للقضاء على العثمانيين واشتركت فيها جميع الدول الاوربية حتى قيل ان عدد المقاتلين في الجيش الصليبي كان 130 الف مقاتل الا ان النصر كان حليف الامير العثماني بايزيد الذي كان يرى نفسه تابعاً للخلافة العباسية التي كان مقر الخليفة فيها في القاهرة وارسل اليه كتاباً يخبره بالنصر فخلع عليه الخليفة الهدايا ونودي به سلطاناً، ولكن التمدد العثماني في اوربا توقف نتيجة هجمات العائلة التيمورية على بلاد الاناضول وهزيمة القوات العثمانية امام المغول التيموريين الذين سيطروا على بلاد الهند والصين وحتى بلاد الشام.
وبعد ضعف الدولة التيمورية تمكن العثمانيون من اعادة رص صفوفهم وفي عام 1453م تمكنوا من فتح القسطنطينة في عهد السلطان محمد الفاتح.
كان عهد السطان سليم عهد الصراع ضد المسلمين والتوقف عن التغلغل داخل اوروبا، بسبب عجز القوات العثمانية عن اختراق دول اوربا الكاثوليكية، فكانت اولى حروبه ذات صبغة طائفية محضة ابتدأها بإداة ابناء الطائفة العلوية في تركيا، حيث استصدر فتوى فيهم فافتي بجواز قتلهم فأبادهم وقتل منهم 40 الفاً ثم جهز حملة لمهاجمة الدولة الصفوية وانتصر عليهم في معركة جالديران، ولكن الصفويين بعد ذلك احرزوا عليه نصراً مهماً، ثم زحف بعد ذلك على بلاد الشام واحتلها، ثم توجه منها الى مصر واعلن انتهاء الحكم العباسي واعلن نفسه خليفة للعالم الاسلامي، كانت الثقافة العامة للمجتمع المسلم ان الخلافة لا تكون الا في قريش ولذا بعد انهيار الدولة العباسية ولجوء العباسيين الى مصر اصبحت القاهرة عاصمة الدولة العباسية بعد بغداد حتى سقوطها على يد السلطان سليم العثماني الذي سبق له ان تآمر على ابيه السلطان بايزيد وعزله عن العرش.
كانت الدولة العثمانية دولة طائفية وعنصرية بامتياز، خاضت ضد الصفويين حروباً كثيرة كانت في غنى عنها، ولم تتوقف تلك الحروب الا بعد القضاء على الدولة الصفوية وعلى الرغم من محاولة العثمانيين السيطرة على ممتلكات الدولة الصفوية الا انها فشلت في ذلك وتمكن الايرانيون من ازالة الاحتلال العثماني عن اراضيهم، وكانوا بالاضافة الى حروبهم مع الصفويين يخوضون حروباً ضد الاوربيين، وخاصة الروس منهم فضلاً عن حروبهم ضد الاسبان والبرتغاليين، ادت الحروب الطويلة الى انهاك الدولة التركية وانتصار الروس عليهم في المعارك التي دارت بينهم وبين العثمانيين في نهاية القرن التاسع عشر الميلادي، ثم قامت القوات الفرنسية باحتلال تونس والجزائر كما قام الفرنسيون والاسبان باحتلال المغرب وكانت مصر تحت سيطرة البريطانيين واما امارات الخليج فارتبطت بمعاهدات مع شركة الهند البريطانية، فلم يبق تحت السلطة العثمانية سوى الشام والعراق والحجاز، وما ان اندلعت الحرب العالمية الاولى سنة 1914 حتى لم يبق من الدولة العثمانية سوى تركيا الفعلية، وانتهت الدولة العثمانية الى الابد بانقلاب عسكري قاده مصطفى كمال اتاتورك ليعلن بعده قيام الجمهورية التركية في 29 تشرين اول 1923.
اتجهت الجمهورية التركية اتجاها علمانيا بحتاً في عهد مصطفى اتاتورك والحقبة التي تعبته، على الرغم من كون الشعب التركي شعباً مسلماً محافظاً ودخلت تركيا في العديد من الصراعات الاقليمية خاصة في جزيرة قبرص، وانضمت بعد الحرب العالمية الثانية على حلف الناتو لان لها عداء تقليدي مع روسيا وارمينيا كما اعترفت باسرائيل وتبادلت معها العلاقات الدبلوماسية التي لا تزال قائمة الى الآن.
تمكنت حركة الاخوان المسلمين من خرق الوضع التركي وظهرت فيها عدة حركات اسلامية باسماء متعددة وكان اول رئيس وزراء اسلامي منتخب نجم الدين اربكان، الذي تمت اقالته ومحاكمته غيابياً وهو خارج البلاد، ثم تمكن نجم طيب اوردغان من الوصول الى منصب رئيس الوزراء ثم منصب رئيس الجمهورية، وكان عهد اوردكان عهد التدخل السلبي في شؤون البلدان الاسلامية، فكان للمخابرات التركية دوراً سلبياً في تسهيل عبور الارهابيين من تركيا الى سوريا ومنها الى العراق، مضافاً الى التدخل التركي في الشؤون السياسية الداخلية للعراق الى جانب قطر كما اصبحت تركيا ملجأ للارهابيين العراقيين والهاربين من العدالة بعد 2003، وقد تجلى التدخل التركي في الشأن العراقي في استضافة القوى السنية ومحاولة تقريب وجهات النظر بينهم وكان من ابرزها التدخل الاخير في الضغط لتوحيد الصف السني والعمل على اضعاف المكون الشيعي الذي تسوده حالة عدم الاتفاق خاصة في قضية تشكيل الحكومة عام 2022م.
كما كان لتركيا دور سلبي في احداث سوريا التي ادت الى سيطرة الارهابيين على جزء واسع من اراضيها ولا تزال تحتل اجزاء كبيرة من الشمال السوري، على الرغم من تمكن الدولة السورية من بسط النفوذ على اغلب الاراضي السورية، كما كان لها ولا يزال دور سلبي كبير في الازمة الليبية حيث دعمت بالاضافة الى قطر رئيس الوزراء الليبي السراج الذي ينتمي الى حركة الاخوان المسلمين الليبية في صراعه الدامي ضد قوات حفر المدعومة من قبل السعودية ومصر والامارات في سبيل الحصول على امتيازات تنقيب النفط والغاز في المياه الليبية في ازمة كادت ان تشعل حرباً اقليمية مع اليونان التي سارعت فرنسا لارسال قطعات من اسطولها البحري الى البحر المتوسط – منطقة النزاع التركي اليوناني – كما رفعت امريكا عن اليونان حظر التسليح الذي كان مفروضاً عليها، وفي الازمة الاذربايجانية – الارمنية وفقفت تركيا الى جانب اذربيجان ثم حاولت بعد ذلك دفع اذربيجان لخنق ايران اقتصادياً عن طريق التضييق على حركة الشاحنات التي تمر عبر الاراضي الاذربايجانية ومنها الى ارمينيا ثم الى روسيا، الا ان الموقف الايراني الحاد اجبر السلطات الاذرية التي ترتبط بعلاقات وثيقة مع امريكا واسرائيل الى الرضوخ الى الضغوط الايرانية.
والخلاصة ان المحور التركي – القطري الداعم الاساسي للحركات الاسلامية السنية في العراق ومن خلالها تتدخل في الوضع السياسي العراقي مضافاً الى احتلالها الى مساحة واسعة من الاراضي العراقية للفصل بين اكراد العراق واكراد سورية للمنع من قيام تحالف بين اكراد البلدين، وللسيطرة على طريق التجارة العالمي – طريق الحرير – اذا كتب له ان يرى النور في العراق.
وتعتبر تركيا من الدول الاولى التي يستثمر العراقيون فيها اموالهم، مضافاً الى كونها الدولة الاولى في المنطقة من حيث حجم التبادل التجاري بينها وبين العراق، ويمر من خلالها انبوب النفط العراقي الذي يصدر من خلاله العراق نفطه عبر ميناء جيهان التركي.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat