صفحة الكاتب : الشيخ محمد مصطفى مصري العاملي

عليٌّ.. وأعظم الآيات
الشيخ محمد مصطفى مصري العاملي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 بسم الله الرحمن الرحيم
 
تعيشُ الأمَّةُ اليومَ في ظَلامٍ حالِكٍ، جَهلٌ وظُلاماتٌ وأحزانٌ وهمومٌ، لا تُفارِقُ الناس بحال.
 
كيف ما نَظَرتَ على وجه الأرض ترى ظُلماً وقَهراً واضطهاداً واستعباداً للعباد، حتى يكاد يصير بعضُهم عبيداً للظالم المقتَدِر، وقد جعلهم الله أحراراً.
 
ولا تشذُّ أمَّةُ الإسلام عن هذه الحالة المقيتة، وهي الأمة التي تؤمن بكتاب الله تعالى، كتاب الهدى والرشاد.
فأين الهدى الذي تدَّعيه هذه الأمة؟ وبين أيديها كتاب الله، معجزة الرسول، وفيه أخبار السماء والأرض وأحكام الله تعالى.
 
إنَّ كتاب الله نورٌ وهُدى، يأخذ بيد العباد، رغم ذلك لا نرى مصابيح نَيِّرَة في سماء المسلمين اليوم كما ينبغي! فأين مَكمَن الخلل؟!
 
الثقلان من أنوار الله !
 
يقول أمير المؤمنين عليه السلام وفي وصيته لأصحابه:
اعْلَمُوا أَنَّ القُرْآنَ هُدَى اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ: أي أنَّه هدىً في كل حال، فلا يخلو الوقت من أن يكون إما ليلاً أو نهاراً، وعلى كلا التقديرين يكون القرآن كتاب هداية فيهما، ثم يقول عليه السلام:
وَنُورُ اللَّيْلِ المُظْلِمِ عَلَى مَا كَانَ مِنْ جَهْدٍ وَفَاقَةٍ (الكافي ج2 ص216).
 
بالقرآن يسترشدُ المؤمنون، حيث ينتشلهم مما هم فيه من فاقةٍ وتَعَب.
 
والمؤمن يتوجَّه إلى الله تعالى داعياً طالباً: أَنْ تَجْعَلَ القُرْآنَ:
1. نُورَ بَصَرِي
2. وَرَبِيعَ قَلْبِي
3. وَجَلَاءَ حُزْنِي
4. وَذَهَابَ هَمِّي (الكافي ج2 ص561).
 
لكنَّ عمى البصيرة حَطَّ رحاله بين المسلمين، وخريف القلوب السوداء يسيطر عليهم، والأحزان والهموم لا تفارقهم.
 
أمير المؤمنين يقول عن القرآن بأنَّه: جَعَلَهُ اللهُ.. نُوراً لَيْسَ مَعَهُ ظُلْمَةٌ..
لكنَّ حَمَلَةَ القرآن اليوم في ظَلامٍ دامس!
 
ويقول أنَّ الله أنزل الكتاب: نُوراً لاَ تُطْفَأُ مَصَابِيحُهُ.
وأنَّه: لاَ تُكْشَفُ الظُّلُمَاتُ إلاَّ بِهِ.
ويأمر بالاستشفاء بنوره: وَاسْتَشْفُوا بِنُورِهِ فَإِنَّهُ شِفَاءُ الصُّدُورِ.
 
ولا يرى جُلُّ المؤمنين لهذا الأثر نوراً، فما السرُّ في ذلك يا تُرى؟!
 
في القرآن ﴿شِفاءٌ لِما فِي الصُّدُور﴾، لكنَّ صدور المسلمين لم تُشفى، وحاشى أن يخطئ الله تعالى في كلماته.
 
يبحث المؤمن عن السرِّ في ذلك، فالقرآنُ كتابٌ في غاية العظمة، به تُكشَفُ الظلمات لا بسواه، فلماذا لا تزال الأمّة في ظلمات الجهل وهي تتلوه ليلَها ونهارَها؟! لماذا لم تهتدِ بأنواره؟
 
إنَّ السرَّ في مكانٍ غَفِلَت عنه الأمة أو تغافلت، وعَمِيَت أو تَعَامَت.
 
إنَّ القرآن اليوم ليس حِكراً على فئةٍ من الناس، فكلُّ مَن على وجه البسيطة يقدرُ على الانتفاع به.
لكنَّ من استَنَارَ به واهتدى واسترشد هم أقلُّ القليل، ومَن أذهبَ القرآنُ همَّه هم قِلَّةٌ كالكبريت الأحمر.
 
فما السبيل إلى بلوغ تلك المنزلة؟ والحظوة بهذه المنقبة؟
لا ريب أن القرآن نورٌ للبصر، ان استرشدنا به واهتدينا.
 
ولكنَّ القرآن نفسه يرشد إلى نورٍ آخر.. هو الإمام، فمَن اهتدى به اتَّبَعَ النورين: نور القرآن ونور الإمام، ومَن جَحَدَ الإمام كان كمن أغمض عينيه عن نور القرآن.
 
إنّ القرآن يهدينا للإمام.. فكيف نتنوَّرُ به إذا ما رفضنا دلالته؟
 
إنَّ الأئمة في كتاب الله أنوارٌ أنزلها الله تعالى لتضيء للأمَّة ظُلُمَات الجهل، فقال تعالى: ﴿وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَه‏﴾ (الأعراف157).
وعن الصادق عليه السلام: النُّورُ فِي هَذَا المَوْضِعِ عَلِيٌّ أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ وَالأَئِمَّةُ (ع)‏ (الكافي ج1 ص194).
 
هم اثنا عشر إماماً، يمثِّلون الكمال المطلق في عالم الوجود، هم أنوارٌ إلهيةٌ تأخذ بيد الناس إلى الله تعالى، لكنَّ الناس أعرضَت عنهم!
قال تعالى: ﴿فَآمِنُوا بِالله وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنزَلْنَا﴾ (التغابن8).
وعن الباقر عليه السلام: النُّورُ والله الأَئِمَّةُ مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ (ص) إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ (الكافي ج1 ص194).
 
إنَّ على وجه الأرض اليوم نوران: نورُ القرآن، ونورُ الإمام.
والقرآن يأمر باتباع الإمام، فمَن لم يتَّبعه كان قد أغمضَ عيناً عن نور الإمام، ثم أغمض الأخرى بعدم اتباع أمر القرآن.. فصار في ظلامٍ دامس وجهلٍ مطبق.
 
شروط الهداية بالقرآن
 
كيفَ تسترشدُ الأمَّة بالقرآن ؟
سؤالٌ يطرحه العاقل فيقول: إذا كانت أمَّة الإسلام اليوم غير مسترشدة بالقرآن وهو بين ظهرانيها، فما السبيل إلى كشفِ الظلمات به؟ وجلاءِ الأحزان وذهابِ الهموم.. ما الطريق إلى حياة القلوب بالقرآن؟
 
لقد كشفَ النبي (ص)، حاملُ القرآن خريطةً لذلك، وأبان المنهج جليّاً، ومن ذلك أمورٌ خمسة:
 
1. اتخاذ القرآن دليلاً واتِّباعُه
 
قال (ص): فَإِذَا التَبَسَتْ عَلَيْكُمُ الفِتَنُ كَقِطَعِ اللَّيْلِ المُظْلِمِ فَعَلَيْكُمْ بِالقُرْآنِ.. مَنْ جَعَلَهُ أَمَامَهُ قَادَهُ إِلَى الجَنَّةِ، وَمَنْ جَعَلَهُ خَلْفَهُ سَاقَهُ إِلَى النَّارِ، وَهُوَ الدَّلِيلُ يَدُلُّ عَلَى خَيْرِ سَبِيل (الكافي ج2 ص599).
 
إنَّ شرط الاستفادة من القرآن هو أن نجعله أمامنا، أي أن نتَّبعه فيما يقول، لكنَّ الأمة جعلته خلفها، وأعرضت عنه وهو دليلُها إلى خير سبيل.
 
ولقد وروي نفس المضمون عن النبي (ص) في عليٍّ والأئمة من بعده عليهم السلام، فقال (ص):
تَعَلَّمُوا مِنْهُ وَمِنْ أَوْصِيَائِهِ، وَلَا تُعَلِّمُوهُمْ، وَلا تَتَقَدَّمُوا عَلَيْهِمْ، وَلَا تَتَخَلَّفُوا عَنْهُمْ، فَإِنَّهُمْ مَعَ الحَقِّ، وَالحَقُّ مَعَهُمْ لَا يُزَايِلُهُمْ وَلَا يُزَايِلُونَه‏ (الغيبة للنعماني ص72).
 
وقد حادَت الأُمَّةُ عنهما معاً، فأخَّرَت من قدَّمَ الله، وقدَّمَت من أخَّر الله، واستبدلَت أولياء الله بأعدائهم، فبايَنَت الحقَّ وحادَت عنه، وما اهتدَت بالقرآن الكريم.
 
ثمَّ وقعَ بعضُ المؤمنين بالأئمة عليهم السلام في هذا الشِّرك المُخيف، فتقدَّمَ بعضُهم على آل محمد وتخلَّفَ آخرون.
 
أما المتقدِّمُ، فهو المستعجل الذي يُريد بَعثَ دولة الحق قبل أوانها، وقد هلك المستعجلون وأهلكوا، حيثُ ينقلبُ فعلُهم زيادةً في مكروه الشيعة والمؤمنين، وكان حريَّاً بهم أن يمتثلوا أمر الإمام بِتَرَقُّبِ أمره عليه السلام، والجدَّ والورع والاجتهاد.
 
وأما المتخَلِّف، فذاك الذي يقول في الدين بهواه، وما أكثر هؤلاء اليوم، من القائلين في دين الله بغير عِلم، وكأنَّهم شركاء النبيِّ صلى الله عليه وآله في نبوته.
 
ولعلَّ منهم العصاة، حيثُ تخلَّفوا بأعمالهم عن آل محمدٍ عليهم السلام، وما أكثر المعاصي في أيامنا، بعدما انتشر الفسادُ في كلِّ مفصلٍ من مفاصل الحياة، وتَخَلَّفَ الناسُ عن أمر آل محمدٍ صلى الله عليه وآله باجتناب المعاصي.
 
فأنَّى يسترشد هؤلاء بأنوار القرآن والعترة؟ وأنّى لهم النجاة من الفتن المقبلة كقطع الليل المظلم، وهم لم يعملوا بالقرآن ولا امتثلوا أمر أولياء الأمر؟!
 
2. التعرف على القرآن وعلى أسراره
 
قال النبي (ص) في وصف القرآن:
فِيهِ مَصَابِيحُ الهُدَى، وَمَنَارُ الحِكْمَةِ، وَدَلِيلٌ عَلَى المَعْرِفَةِ لِمَنْ عَرَفَ الصِّفَةَ.
وفي بعض المصادر (النَّصَفَة).
 
فعلى الأول، يكون المراد أنَّ من يستفيد من القرآن كمصباحٍ ودليلٍ على الحق هو الذي يعرف صفة القرآن أو وصف القرآن للحقائق، أي من يتعرَّف عليه حقاً ليُدرك معانيه.
وعلى الثاني، تنحصر الإستفادة بالمنصِفِ لا المكابر.
 
ولعل المراد بالصفة صفة القرآن من حيث احتوائه على المحكم والمتشابه، والناسخ والمنسوخ، والعام والخاص، والتنزيل والتأويل، والظهور والبطون، وغير ذلك.
 
وعلى كل تقدير فلا تخلو العبارةُ من إشارةٍ إلى آل بيت العصمة، فربع القرآن أو ثلثه فيهم، وربعه في عدوهم.. فمن عرف الصِّفة منه عرفهم بها بلا ريب.
 
وكما غُيِّبَ آلُ محمدٍ عن الأمة، وجهلت الأمة قدرَهم، كذلك جَهِلَت حقيقة القرآن وما فيه من علوم ومعارف، حتى في مثل أوصاف الله تعالى، فكيف بسائر الصفات والعلوم؟
 
فَمِن مُشَبِّهَةٍ إلى مُجبِّرَةٍ ثمَّ متصوفةٍ وعُرَفاء يصفون الله تعالى بصفات المخلوقين، وغيرهم ممن جهلوا القرآن وزعموا القرب من الله تعالى.
 
3. التفكر بالقرآن والتعقُّل والتدبر
 
قال (ص):
فَلْيَجْلُ جَالٍ بَصَرَهُ، وَلْيُبْلِغِ الصِّفَةَ نَظَرَهُ يَنْجُ مِنْ عَطَبٍ.. فَإِنَّ التَّفَكُّرَ حَيَاةُ قَلْبِ البَصِيرِ.
 
لا تحصل الهداية بلقلقة اللسان، ولا بحفظ ألفاظ الكتاب وتضييع معانيه، بل بتدبُّر آياته والتفكُّر فيها، فإنَّ النظر والفكر هو طريق الله تعالى، وبه الخلاص من العَطَب والهلاك.
 
ولا يُصغى إلى من زعم أن لا دور للعقل في الدين.
 
إن العقل عقلان:
 
1. عقلٌ قطعي يُستدلُّ به على الله تعالى ورسله.
2. وظنونٌ وأوهامٌ تُنسَبُ للعقل، يبرأُ منها الفِكرُ السليم، وتنهى عن اتِّباعها شرائع السماء.
 
ومَن خَلَطَ بين الأمرين وزَعَمَ أنَّ العقل حجَّةٌ في ظنونه وقع في المحذور، وأسوأ منه من أخرَجَ أحكام العقل القطعيَّة عن دائرة الحُجَّة فأفقَدَ الإنسانَ رأسَ ماله، وسَلَبَهُ ثمرةَ العقل الذي به يمتاز عمّا سواه.
 
إنَّ من مصائبنا أنَّ غالبَ مَن في الأمَّةَ قد أوكَلَ أمر التفكير إلى سواه! فاتَّبَعَ مَن خالفَ القرآن، وأعرض عن التفكُّر فيه.. فمات قلبه بموت عقله!
حتى أنَّ رجلاً قال لأمير المؤمنين عليه السلام يوماً: إِنِّي قَدْ شَكَكْتُ فِي كِتَابِ الله المُنْزَلِ.. لِأَنِّي وَجَدْتُ الكِتَابَ يُكَذِّبُ بَعْضُهُ..
 
فقال له عليه السلام:
إنَّ كِتَابَ الله لَيُصَدِّقُ بَعْضُهُ بَعْضاً، وَلَا يُكَذِّبُ بَعْضُهُ بَعْضاً، وَلَكِنَّكَ لَمْ تُرْزَقْ عَقْلًا تَنْتَفِعُ بِهِ، فَهَاتِ مَا شَكَكْتَ فِيهِ مِنْ كِتَابِ الله عَزَّ وَجَل..‏ (التوحيد للصدوق ص255).
 
ولقد أجابه الإمام على كل شبهاته، في أبواب شتى، وأثبَتَ أنَّ الفكر السليم هو طريقُ فَهم القرآن، وأنَّ التعقُّل هو سبيل الاستفادة منه.
 
إنَّ من صفات الكتاب:
أَنَّ الكِتَابَ يُصَدِّقُ بَعْضاً، وَأَنَّهُ لاَ اخْتِلافَ فِيهِ، فَقَالَ سُبْحَانَهُ: ﴿وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً﴾.
 
وهكذا يتفكر المؤمن في الكتاب، وفي كلام العترة الطاهرة، فيُرجِعُ المتشابه من كلام الله وكلامهم للمحكم، ويتيقن أن كلامهم يصدق بعضه بعضاً، فيصيرُ من المهتدين.
 
4. عدم المغالاة في القرآن
 
لقد ابتُليَ القرآن الكريم كما العترة الطاهرة بقومٍ غالوا في حقيقته، فذهب بعضُهُم إلى أنَّ كلام الله أزليٌّ، كما ذهب النصارى إلى أن عيسى كلمة الله أزليٌّ.
فاشترك القرآن مع آل محمدٍ في أنَّهُ أحد أبواب الامتحان الإلهي، وقد زعم المغالون من العامَّة أنَّه غير مُحدَثٍ بل قديمٌ أزليٌّ كالله تعالى!
 
حتى قال الصادق عليه السلام:
إِنَّ القُرْآنَ كَلَامُ الله مُحْدَثٌ.. غَيْرُ أَزَلِيٍّ مَعَ الله، تَعَالَى ذِكْرُهُ وَتَعَالَى عَنْ ذَلِكَ عُلُوّاً كَبِيراً، كَانَ الله عَزَّ وَجَلَّ وَلَا شَيْ‏ءَ غَيْرَ الله ‏(التوحيد للصدوق ص227).
 
فمَن غالى بالقرآن الكريم ونفى عنه الحدوثَ خَرَج عن حقيقة التوحيد، لأنَّه زَعَم أنَّ القرآن قديمٌ كالله تعالى.
ثمَّ غالى قومٌ بالأئمة عليهم السلام كما غالى قومٌ في القرآن، ونسبوهم إلى الألوهيَّة وانتقصوا من الله تعالى.
فتبرَّأَ المؤمنُ من هؤلاء وهؤلاء، إذ لا ريب في أنَّ آل محمدٍ عبيدٌ لله تعالى، مخلوقون مربوبون.
 
5. الإقرار بعظمة القرآن
 
ثم إنَّ الفئة التي غالت من هذه الجهة بالقرآن الكريم انتقصت منه من جهاتٍ أخرى، فلم تقرَّ بعظمته، حيث جعلته ككلام البشر في التفسير والفَهم، ففسرته برأيها، لذا قال الإمام عليه السلام:
 
إِيَّاكَ أَنْ تُفَسِّرَ القُرْآنَ بِرَأْيِكَ حَتَّى تَفْقَهَهُ عَنِ العُلَمَاءِ، فَإِنَّهُ رُبَّ تَنْزِيلٍ يُشْبِهُ كَلَامَ البَشَرِ وَهُوَ كَلَامُ الله، وَتَأْوِيلُهُ لَا يُشْبِهُ كَلَام‏ البَشَرِ، كَمَا لَيْسَ شَيْ‏ءٌ مِنْ خَلْقِهِ يُشْبِهُهُ كَذَلِكَ لَا يُشْبِهُ فِعْلُهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى شَيْئاً مِنْ أَفْعَالِ البَشَرِ، وَلَا يُشْبِهُ شَيْ‏ءٌ مِنْ كَلَامِهِ كَلَامَ البِشْرِ.. فَلَا تُشَبِّهْ كَلَامَ الله بِكَلَامِ البَشَرِ فَتَهْلِكَ وَتَضِل‏ (التوحيد للصدوق ص265-266).
 
فإنَّ كلامَ الله تعالى وإن ترَكَّبَ مِن حروف كسائر الكلام، إلا أنَّه لا يُقاسُ به شيءٌ من كلام الناس، ولا يشبهه شيء منه.
والقرآن مع كونه حجَّةً في ظواهره، إلا أنَّ تفسيره بالآراء يخرجه عمَّا أراده الله تعالى منه.
 
ولقد انحرفت فئةٌ أوَّلَت كلام الله على هواها بعدما فسَّرته برؤاها، وغفلت عن أن بواطن القرآن لا تؤخذ إلا من معادن العلم والحكمة.
وكيف لها أن تأخذه من معدنه وقد ضَلَّت عنهم واستهانت بهم واستضعفتهم.
 
محاربة القرآن والعترة
 
لقد حاربت الأمَّةُ آيتين من آيات الله:
 
1. عليٌّ.. أعظم آيةٍ لله.
2. والبسملة.. أعظم الآيات في الكتاب الصامت.
 
لقد عَمَدَت الأمَّة إلى إخفاء أمرهما، وطَمسِ فضلهما، فعن الصادق عليه السلام:
ما لهم قاتلهم الله،‏ عمدوا إلى أعظم آية في كتاب الله، فزعموا أنها بدعة إذا أظهروها، وهي ﴿بِسْمِ الله الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ﴾ (تفسير العياشي ج‏1 ص22).
 
إنَّ البسملة جزءٌ من كلِّ سورةٍ في القرآن إلا (براءة)، لكنَّ أكثر أبناء هذه الأمَّة أنكروا ذلك، وجحدوا كثيراً من فضلِها.
إنَّ البسملة أعظم آيةٍ في كتاب الله، وأكرم آية فيه، لكنَّهم سرقوها!
وهي أقرب إلى الاسم الأعظم من سواد العين إلى بياضها.
إنَّ الجهر بها مستحبٌّ، لكنَّهم لم يجهروا بها، بل زعموا أن الجهر بها بدعة!
 
لقد نهاهم الشيطان عن الجهر بها، وعن قراءتها، فاستجابوا له خفافاً، فجلس على أعناقهم، ودلّى رجليه على صدورهم، وصار إمامَهم في صلواتهم حتى يفرغوا منها كما قال الصادق عليه السلام.
 
إنَّها الآية التي رنَّ إبليسُ لنزولها فحاربها، وهي الشفاء من كل داء، وهي الكافية لمن قرأها، والمعيذة فيما بين السماء والأرض.
إنَّها كنزٌ من كنوز الجنة، وبها يُطفأ لهب النار يوم القيامة، وتُنال البراءة من النيران، والفوز بالجنان.
 
لكنَّ لذلك شرطاً.. وهو الاعتقاد بولاية آل محمدٍ عليهم السلام.
إنَّ الشيعيّ يُمتَحَنُ بمكروهٍ إذا تركها لينتبه ويعود إليها، لأنَّ كُلُّ عملٍ دونها أبتر.
 
ومع كلِّ عظمتها، أخفى العامَّةُ كثيراً من فضلها، كما أخفوا كثيراً من فضل عليٍّ عليه السلام، وهو الآية العظمى.
 
لقد روي عنه عليه السلام أنَّه قال: مَا لله آيَةٌ أَكْبَرُ مِنِّي، وَلَا لله مِنْ نَبَإٍ عَظِيمٍ أَعْظَمُ مِنِّي‏ (بصائر الدرجات ج1 ص77).
وقلنا في زيارته: السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا آيَةَ الله العُظْمَى (المزار الكبير لابن المشهدي ص206).
هكذا جَحَدَت الأمَّةُ الآية العظمى، بعدما أنكرت كثيراً من فضل البسملة.
 
ولقد بلغَ الأمرُ بأعداء الله أن خَطُّوا صحيفةً مشؤومة، زَعَموا فيها أنَّ النبي (ص) لم يستخلف أحداً بعينه بعده، وأنَّ من نَسَبَ له الاستخلاف فقد أبطَلَ في قوله! وأنَّ من زعمَ أنَّها لا تصلح إلا لرجلٍ واحدٍ فقد كَذَب!
ثمَّ وجَّهوا سِهامَهم لصاحب الحقِّ بعد النبي (ص)، فقالوا أنَّ مَن زعمَ أنَّها له ولأولاده من بعده فهو مُدَّعٍ، ثمَّ اتَّفقوا على قتله! زاعمين أنَّ: فِي قَتْلِهِ صَلَاحاً لِلْأُمَّةِ (إرشاد القلوب للديلمي ج‏2 ص335).
 
لقد أرادوا قتلَ عليٍّ آية الله العظمى، كما أرادوا قتلَ البسملة أعظم آيات الكتاب الكريم.
 
وهكذا انحرفَت الأمَّة عن الثَّقلين، ولم تقرَّ بعظمتهما، ولم تتَّبعهما، ولم تأخذ عنهما، وغيَّبَتهُما عن حياتها، فصار أمرُها إلى سفالٍ.
 
وانحصر الحقُّ بفئة قليلةٍ مغلوبةٍ على أمرها، تنتظر فرج إمامها، ليعود الدين على يديه غَضّاً طرياً، ويعلو أمرُ الثقلين بظهوره، ويعزُّ الدين وأهله.
 
لقد امتحن الله تعالى العباد بالثَّقلين، بالنورين، بالقرآن الكريم والعترة الطاهرة: ﴿أَ حَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُون﴾‏ (العنكبوت2).
 
لكنَّ الأمَّة سَقَطَت في الامتحان، إلا قليلٌ من العباد الشكور، المؤمنون بعليٍّ والقرآن، المتَّبِعوُن والمسلِّموُن له، المطيعون لأمره، عقيدةً وسلوكاً، أولئك شيعة الله وأحبابه.
 
جعلنا الله منهم، وثبتنا على ولاية آل محمد، ووفقنا للاستشفاء بالقرآن والاستنارة بنوره.
 
والحمد لله رب العالمين.
 
2 شهر رمضان المبارك 1443 هـ الموافق 4-4-2022 م


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


الشيخ محمد مصطفى مصري العاملي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2022/04/28



كتابة تعليق لموضوع : عليٌّ.. وأعظم الآيات
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net