صفحة الكاتب : الشيخ محمد مصطفى مصري العاملي

عيدُ الأحزان.. لآل الرّسول !!
الشيخ محمد مصطفى مصري العاملي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 بسم الله الرحمن الرحيم
 
اللَّهُمَّ.. قَدْ غَدَوْتُ إِلَى عِيدٍ مِنْ أَعْيَادِ أُمَّةِ نَبِيِّكَ مُحَمَّدٍ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ .. وَ.. أَتَيْتُكَ خَاضِعاً مُقِرّاً بِذُنُوبِي (إقبال الأعمال ج1 ص280).
 
فقرةٌ من دعاءٍ عن الإمام الباقر عليه السلام، يُدعى به في (العيدين) والجمعة، وقد صار هذان العيدان: (الفطر والأضحى) أشهر أعياد أمّة النبي صلى الله عليه وآله.
 
ورغمَ أنّ للولاية والبراءة أعيادهما: كالغدير يوم الولاية، والغدير الثاني يوم البراءة وفرحة الزهراء، والجمعة الذي جمع الله الخلق فيه لولاية آل محمد، إلا أنّ الله تعالى جعل لآل محمدٍ في كلّ عيدٍ نصيباً وصِلَة، حتى الفطر والأضحى.
كيف لا! وهم أبواب رحمته إلى الخلق، وأبواب الخلق إليه تعالى.
 
يتجلى ذلك في جهاتٍ ثلاثة:
 
أولاً: عيدُ أولياء الله !
 
العيدُ في الإسلامِ يومٌ عظيمٌ، وقد ورد أنّه (يَوْمٌ مُبَارَكٌ مَيْمُونٌ).
 
وَإِنَّ هَذَا يَوْمٌ حُرْمَتُهُ عَظِيمَةٌ، وَبَرَكَتُهُ مَأْمُولَة (من لا يحضره الفقيه ج‏1 ص520).
 
وكيف لا يكون كذلك.. وهو عيد أولياء الله تعالى!
ففي دعاء الإمام زين العابدين عليه السلام في وداع شهر رمضان: السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا شَهْرَ اللَّهِ الْأَكْبَرَ، وَ(يَا عِيدَ أَوْلِيَائِهِ).
 
وسواءٌ أراد عليه السلام بعِيد أولياء الله عيدَ الفطر وكان الأضحى قرينه، أو أرادَ به شهرَ الله حيثُ صارَ عيداً لأولياء الله حين لا يعصون الله فيه، فقد دلّ الدليل على أنّ العيدَ مختصٌّ بأولياء الله الّذين يقبل الله منهم أعمالهم.
 
فعن أمير المؤمنين عليه السلام في نهجه الشريف: إِنَّمَا هُوَ عِيدٌ لِمَنْ قَبِلَ اللَّهُ صِيَامَهُ، وَشَكَرَ قِيَامَهُ، وَكُلُّ يَوْمٍ لَا يُعْصَى اللَّهُ فِيهِ فَهُوَ يَوْمُ عِيدٍ !
 
فصارَ العيدُ عيدَ مَن قَبِلَ الله صيامه، وهم أولياء الله.
وآل محمدٍ هم أولياؤه حقاً وصِدقاً، وهم سادة الأنام الذين لا يقبل الله تعالى عَمَل عاملٍ إلا بولايتهم، فكانَ العيدُ عيداً لهم قبل سواهم.. بل ما صار عيداً لغيرهم إلا ببركتهم، فلا طاعة لله إلا بعد معرفتهم وموالاتهم.
 
ثانياً: العيد..  والشفاعة !
 
لمّا كان النبيُّ محمدً وآله عليهم السلام هم الوسيلة إلى الله تعالى، والشُّفعاء إليه.
ولمّا كان العيدُ عيداً لهم قبل سواهم.
اقترن طلبُ الشفاعة من الله تعالى في العيد بهم..
 
فالعيدُ عيدُهم، والأمر من الله إليهم، فصار المؤمن يدعو الله تعالى في عيد الأضحى قائلاً:
فَإِنِّي لَمْ آتِكَ ثِقَةً مِنِّي بِعَمَلٍ صَالِحٍ قَدَّمْتُهُ، وَلَا شَفَاعَةِ مَخْلُوقٍ رَجَوْتُهُ إِلَّا شَفَاعَةَ مُحَمَّدٍ وَأَهْلِ بَيْتِهِ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمْ سَلَامُكَ !
 
ويدعو بعد صلاة الفجر يوم الفطر:
اللَّهُمَّ إِنِّي تَوَجَّهْتُ‏ إِلَيْكَ بِمُحَمَّدٍ أَمَامِي، وَعَلِيٍّ مِنْ خَلْفِي وَعَنْ يَمِينِي، وَأَئِمَّتِي عَنْ يَسَارِي، أَسْتَتِرُ بِهِمْ مِنْ عَذَابِكَ، وَأَتَقَرَّبُ إِلَيْكَ زُلْفَى !
 
فالنجاةُ والعافية والسِّتر والقربى كلُّها موقوفةٌ على شفاعتهم لنا.
فاتّخذ الشيعة العيد.. اليوم المبارك الميمون، الذي عظّم الله حرمته، وأنزل البركة فيه.. اتخذوه باباً للتقرُّب إلى الله بالأئمة الأطهار، ونيل الشفاعة بهم عليهم السلام.
 
ثالثاً: العيد.. والخلفاء المقهورون !
 
لقد جَعَلَ الله تعالى العيد للنبي صلى الله عليه وآله: (ذُخْراً وَمَزِيداً) !
أو: (ذُخْراً وَشَرَفاً [وَكَرَامَةً] وَمَزِيداً).
 
والذُّخر هو ما يختاره الإنسان ويتّخذه لنفسه ويحفظه ويبقيه.
والمؤمنون يسألون الله تعالى أن يصلي على محمدٍ وآله بحق هذا اليوم الذي صارَ يومَ حِفظٍ للنبي (ص), وأن يدخلهم في كل خيرٍ أدخل فيه محمداً وآله عليهم السلام.
 
وقد صيَّرَ الله تعالى ما أكرَمَ به نبيّه لآله الأطهار من بعده، فصاروا خلفاء الله في أرضه.
 
لكنّ الأمّة ما حفظَت النبي (ص) في آله ! ولا جعلت ذريّة النبي (ص) ذُخراً وذخيرةً لها !
 
يقول الإمام زين العابدين في عيد الأضحى:
اللَّهُمَّ إِنَّ هَذَا الْمَقَامَ لِخُلَفَائِكَ وَأَصْفِيَائِكَ، وَمَوَاضِعَ أُمَنَائِكَ، فِي الدَّرَجَةِ الرَّفِيعَةِ الَّتِي اخْتَصَصْتَهُمْ بِهَا، قَدِ ابْتَزُّوهَا: فأينَ حِفظُ الأمّة لآل الرسول الذي جعل الله تعالى له العيد (ذُخْراً وَمَزِيداً) !
 
أينَ مَزيدُ الإحترام من المسلمين لعترته الطاهرة ؟! أصحاب المقام الرفيع المخصوص من الله ؟!
 
هل أمركم الله بأن تبتزوهم وتسلبوهم حقَّهم ؟! هل رَعَت الأمَّةُ المتعوسةُ أمرَ الله فيهم ؟!
 
يقول عليه السلام:
 
حَتَّى عَادَ صِفْوَتُكَ وَخُلَفَاؤُكَ مَغْلُوبِينَ مَقْهُورِينَ مُبْتَزِّينَ !
يَرَوْنَ حُكْمَكَ مُبَدَّلًا، وَكِتَابَكَ مَنْبُوذاً، وَفَرَائِضَكَ مُحَرَّفَةً عَنْ جِهَاتِ أَشْرَاعِكَ، وَسُنَنَ نَبِيِّكَ مَتْرُوكَةً !
 
هكذا صارَت أعيادنا !
خيرُ خَلقِ الله فيها مقهورون ! وأحكامُ الله تعالى صارت فيها شرعةً لكلّ وارد ! وحُرِّفَت الفرائض وَنُبِذَ الكتاب، وعَصَت الأمّة الله تعالى في أحبّ الأشياء إليه !
 
أين هو اليومُ الذي لا يُعصى الله فيه كي نتّخذه عيداً ؟!
 
لقد صارَ العيدُ سَليباً !
سلبوهُ لُبَّه وأساسه !
أما قال النبي (ص) يوماً: أَسَاسُ الْإِسْلَامِ حُبُّنَا أَهْلَ الْبَيْت‏ ؟!
 
لَقَد سَلَبَ اللُّعناءُ وأتباعُهم العيدَ رونَقَه عندما ابتزّوا آل محمدٍ عليهم السلام حقَّهم.. وحقُّهم أمرُ الله وخلافته ! ثمَّ قتلوهم وشرّدوهم.. فما مِنهم إلا مقتولٌ أو مسموم !
 
لا عَجَبَ إذاً أن يقول الإمام الباقر عليه السلام:
 
مَا مِنْ عِيدٍ لِلْمُسْلِمِينَ أَضْحًى وَلَا فِطْرٍ، إِلَّا وَهُوَ يُجَدِّدُ لآِلِ مُحَمَّدٍ فِيهِ حُزْناً !! .. لِأَنَّهُمْ يَرَوْنَ حَقَّهُمْ فِي يَدِ غَيْرِهِمْ (الكافي ج4 ص170).
 
حَقُّ آل محمدٍ حَقُّ الله.. فالإمامٌ منصوبٌ منه تعالى، وهو خليفةٌ له عزّ وجلّ، فكأنّ الجاحدَ للإمامة رادٌّ على الله تعالى.
 
هكذا صارَ العيد مُجَدِّداً.. للأحزان !
ينتظرُ الناس العيد ليفرحوا، ويُجَدِّدُ العيد أحزان العترة الطاهرة !
فسَلام الله عليكم يا آل محمدٍ.. أيها المظلومون المقهورون المحزونون !
 
أيُّ عِيدٍ ستنعم به أمة الإسلام بعدَ هذه المعاصي ؟! وأيُّ فلاحٍ ونَجَاحٍ سَتَنَالُه وقد ولَّت أمرها من أَخَّرَ الله ؟! وهذا أمرُها  قد رجع سفالاً.. وعادَ أكثر أهلها إلى مِلَّة عَبَدَة العجل !
 
اللهم: أَنْتَ الْمُقَدِّرُ لِذَلِكَ، لَا يُغَالَبُ أَمْرُكَ: فما عَن عجزٍ سلبوا حقّ أوليائك، ولكن ليتمّ تدبيرك.
 
أمهَلتَهم إلى يومِ وليِّك الغائب، ونسألُك أن تُنعم علينا به، وندعوك في العيد كما دعاك حجّتك في أرضك، الإمام الباقر عليه السلام في عيده:
اللَّهُمَّ إِنَّا نَرْغَبُ إِلَيْكَ فِي دَوْلَةٍ كَرِيمَةٍ تُعِزُّ بِهَا الْإِسْلَامَ وَأَهْلَهُ، وَتُذِلُّ بِهَا النِّفَاقَ وَأَهْلَهُ !
 
السلام عليك يا صاحب الأمر، ها عيدُك قد أتى مشوباً بالأحزان مُجدِّداً لها، وهو عيدك يا إمام الزمان.
 
اللهم ألهِمنا الصَّبرَ على ما نرى من سَلبِ حقِّهم، وتضييع أمرهم، وحُزنٍ يتجدَّد عليهم وعلى شيعتهم في أعيادهم، حتى تُخرجَ الطالب بالثار، فتقرَّ بذلك عيوننا مع أئمتنا الأطهار..
اللهم زيّن بطول بقائه الأرض، واقصم به رؤوس الضلالة.. واجعلنا في زمرته.. إنك سميع مجيب.
 
والحمد لله رب العالمين


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


الشيخ محمد مصطفى مصري العاملي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2022/05/02



كتابة تعليق لموضوع : عيدُ الأحزان.. لآل الرّسول !!
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net