يعرف علماء الاجتماع الأسرة بأنها اللبنة الأولى أو المؤسسة الاجتماعية الأولى التي يرتكز عليها أي مجتمع والتي بصلاحها يصلح ويزدهر ويتقدم، هذه الشركة الأسرية، من البديهي ستنجب أبناءً وبناتًا، وسترتب على الوالدين الاجتهاد في تربيتهم وتأديبهم وتعليمهم بشكلٍ يحقق لهما - الأهل والأطفال - السعادة والهناء.
وفي عصرنا هذا باتت التربيةُ - نوعًا ما - مسؤوليةً عظمى، لا يمكن الاستهانةُ بها، في ظل التحديات التي تستهدف المجتمع، يقول الإمام أبو عبد الله الصادق (عليه السلام): "أكرموا أولادكم، وأحسنوا آدابهم يُغفرْ لكم"، وفي حديثٍ آخر: "لئن يؤدِّب أحدكم ولده خير له من أن يتصدّق بنصف صاعٍ كلّ يوم".
إذن، فالتربيةُ تشريفٌ وتوفيقٌ بل استثمارٌ لا بد من حسن استغلاله وحمايته، ليكون ثمره إذا أينع عظيمًا ومباركًا، فالأبناء والبناتُ نعمةٌ وليس نقمة، وهم سبيلُ الأهل بل رصيدهم لنيل الجنة، فمن المؤسف أن يقلل بعض الآباء والأمهات من شأنية وبركة وجود احباب الله بين أيديهم، وأن ترمَ متاعب الحياة على عاتق الأطفال، بمعنى أن بعضهم يحمل معه هموم ومشاغل الوظيفة الى الأسرة، فبدل أن يمنح أطفاله الحب والحنان والرعاية، يظهر عصبيته وغضبه وصراخه، فتتحول حياة الأسرة الى جحيم وتنتهك حقوق هؤلاء الأطفال وطهارة أرواحهم.
هنا نجد رأفة الرسول (ص) والأئمة (عليهم السلام) مع أبنائهم استثنائية ورائعة، كانوا يلاعبونهم ويمنحونهم كل سبل العطف والمحبة والتحنان، ومن الأحاديث المأثورة عن مولانا أمير العلم والفصاحة والبيان، الامام علي (عليه السلام) لولده الإمام الحسن (عليه السلام)، يخاطبه: "وجدتك بعضي، بل وجدتك كلّي، حتى كأنَّ شيئًا لو أصابك أصابني، وكأنَّ الموت لو أتاك أتاني".
واجباتنا اتجاه ابنائنا ليست بالمهمة المستعصية بل بالبركة والتوفيق، فما علينا سوى أن نتحلى بواسع الثقة ورحابة الصدر لننجح في إعداد هؤلاء الرياحين والبراعم ليكونوا للإسلامِ جندًا وفخرًا، يقول خامسُ الأئمة الصادق (عليه السلام): "أيّما ناشئ نشأ في قوم ثمّ لم يؤدّب على معصية، فإنّ الله عزّ وجلّ أوّل ما يعاقبهم فيه أن ينقص من أرزاقهم". ومن أهم هذه الواجبات أن نحسن تأديبهم على كافة الصعد، اجتماعيًا وأخلاقيًا وعلميًا وتحديدًا دينيًا، يقول أمير المؤمنين الاِمام علي (عليه السلام): "أدّب صغار أهل بيتك بلسانك على الصلاة والطهور".
تعتبر المراحل الأولى من عمر الطفل هي الأساس، فهو كالعجينة التي يسهل تشكيلها، ماذا لو كانت أمامنا الآن عجينة لينة سهلة طرية، ألا نسعى لتشكيلها بأجمل الطرق؟ ألا تزين ربّة المنزل كعكة العيدِ بأبهى حلة؟ ألا نرتب ونحسن ونهندس بيوتنا بأروعِ التصاميم؟ هكذا هي التربية، كلما تعبنا واجتهدنا كان الختامُ مسكًا وحسنًا. يقول الصادق (عليه السلام): "احمل صبيّك حتى يأتي عليه ستّ سنين، ثمّ أدّبه في الكتاب ستّ سنين، ثم ضمّه اليك سبع سنين فأدّبه بأدبك، فإن قبل وصَلُح وإلاّ فخلّ عنه".
التربية ليست بالمهمة المستحيلة او المستعصية التي تستوجب تذمرنا وتشكينا، فهي بدايةً فرضٌ واجب، والا لما ننجب؟ ثانيًا، التربيةُ توفيقُ السعداء، وهي ليست سوى التأديب والتعليم والحبّ. امنحوا أبناءكم الحب كل حين فضمُّ الطفلِ واشعاره بالحب والتقدير عبارة عن فيتامينات عاطفية تسهم بشكل فاعل في تنمية شخصية الطفل وتعزيز استقامة شخصيته واستقرارها.
الحب ثم الحب ثم الحب، هو كل ما يحتاجه الطفل، ولكن حذار من المزج بين الحبّ والدلال، فالأخيرُ يفسد شخصية الطفل ويجعله فردًا اتكاليًا فاشلًا، لا طموح لديه ولا هدف، لذا امنحوهم الحبّ شرط تعليهم وتدريبهم على تحمل المسؤولية وحسن الإدارة والحفاظ على قيمة الأشياء والشكر على النعم والقناعة والاجتهاد.
تركز المناهج التربوية لأهل البيت (عليهم السلام) على أهمية تعزيز ارتباط الطفل بالله سبحانه وتعالى وبالعبادات شتى؛ ﻷن تنمية وتشكيل الرادع الديني لدى الطفل منذ نعومة أظافره، يسهم - وبلا شكّ - في تعزيز سلوكه الديني واحترامه لواجباته الدينية. يقول الامام علي (عليه السلام): "إنا نأمر صبياننا بالصلاة، إذا كانوا بني خمس سنين. فمروا صبيانكم بالصلاة إذا كانوا بني سبع سنين".
ولكن، لا بد من أن تكون هذه التربية الدينية واعية وعميقة وممنهجة وواقعية وأن لا تصوّر للطفل بأن التدين (وسيلة قمع) بل دربًا يحقق به الإنسان سعادته واستقراره، فيبتعد عن كل سلوك سيء كالكذب والسرقة وأذية الناس واهلاك النفس.
علموا أبناءكم بأن التدين يمنحنا استقرارًا لا مثيل له، نحترم حقوق انفسنا وحقوق غيرنا، ويشعرنا دائمًا بلطف ورأفة وقرب الله منا في كل المواقف، وإياكم واستعمال أسلوب التخويفُ والترعيب بل أسلوب تحبيب الطفل بالله تعالى الذي يحبنا ويرعانا ويحرسنا ويمنحنا النعم والأمان.
وأخيرًا، احرصوا على تعليم أبنائكم وحثهم على وجوب طلب الطلب والاجتهاد والنجاح الذي يحقق لهم في المستقبل الشهادات العالية والمراتب المرموقة، يقول الاِمام علي (عليه السلام): "لا كنز أنفع من العلم"، وفي حديثٍ آخر: "العلم أشرف الأحساب". إياكم والتقليل من شأنية التعلم أو استخدام أسلوب ينفِّر الطفل من المدرسة، على الأهالي وبالتعاون مع المدرسة بأن يعوا بأن للأطفال قدرات الأطفال متفاوتة وبأن الأداء المدرسي يتطور في مراحل مختلفة عند الأطفال، فقد يكون الطفل ضعيفًا في الصفوف الابتدائية ثم يتقدم في صفوف أخرى.
إياكم ونعنهم بعبارات التحقير كـ(كسول، راسب، فاشل)، بل قوموا بتحفيزهم ودعمهم وتقدير كل جهد مبذول منه، كل طفل قادر، وكل طفل موهوب، ولكل طفل جانب من جوانب الإبداع، مهمتكم اكتشافها وتحفيزها، أطفالنا أمانة، يطول الحديث، وتبقى الخلاصة لي ولكم: "لنجتهد في العناية بهؤلاء الزهورِ لتزهو وتزدان حديقةُ حياتنا".
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat