ينساق مفهوم (الازاحة الجيلية) الى القدرة المعرفية التي يولدها الجيل الجديد الى التمكن من تبوأ مكان الجيل السابق في عملية انسيابية تجري بتراتبية تعبر عن الاستحقاق الزمني والفارق العمري بين الجيلين.
وان كان مفهوم (الازاحة الجيلية) يعبر بشكل واضح عن حالة السخط والاستياء التي تصيب الدماء الجديدة في الحركة الاجتماعية والسياسية الا انها بطبيعة سياقها الواقعي هي حالة تمرد حركي وسلوكي وتنظيمي يمارسها الجيل الجديد مع الجيل السابق بكل ما يحمل من مقومات فكرية او الفوارق العمرية بين الجيلين.
تظهر مدلولات هذه الازاحة في العمل الحزبي السياسي وتظهر معالمها مع ظهور حالة الفشل السياسي والحزبي التنظيمي الذي يصاب بالشيخوخة التنظيرية والفكرية والجمود على قوالب تعيق الانتقال الى مستجدات الاحداث وتطورات الزمان التي يراها الجيل الجديد حسب وجهة نظره التي تحمل في طياتها جزءا مهما من الصواب، سيما فيما يتعلق بآلية التفكير وادوات العمل والفئة المستهدفة ومدى تناغمها مع الطروحات التي ينتجها الجيلين التي تلاقي القبول والرفض.
الا ان ما يعيق هذه الانتقالة هي السطحية والفقر الممارساتي في التعامل مع الاحداث وان كانت بعض الحركات قد حصلت على ثمرة نتيجة مؤقته الا انها وقعت في الاستنساخ السلوكي لجيلها السابق حينما استخدمت الديكتاتورية والاقصاء والعنف والتمرد وحساب المغانم والاستحواذ على الامتيازات وتقمصت بذلك نفس الدور الذي كانت تسعى لتغييره وإصلاحه بل انها دشنت سلوكا حركيا بني اساسه على الاستحواذ لكل ما يمكن الاستحواذ عليه من مغانم السلطة واعاد احياء التيارات الشعبوية الشعاراتية التي تتمسح وتدعي الروح الثورية ضد السلطة وفساد الطبقة الحاكمة، واستخدمت عملية القفز على المراحل واختزلت سلم الصعود بدرجة واحدة والغت بذلك انتقاله مهمة للتراكم المعرفي والانتقال المنظم للخبرة والتراتبية في الاستحقاقات الوظيفية فكانت عملية التسامي في الانتقال والازاحة فكان من ابرز ظواهرها انها انتجت كيانات تنظيمية سطحية هزيلة سواء على مستوى التنظيم الحزبي او بناء مؤسسات الدولة ومنها كابينة الحكومة وهيأتها.
مثلت احتجاجات تشرين/اكتوبر ٢٠١٩ أحد الاسقاطات العملية على فكرة (الازاحة الجيلية) ومثلت شعاراتها مادة دعائية دسمة لخداع النخب التي تعيش على اطلال ذكريات عقود الثورات في الخمسينيات والستينيات والسبعينيات من القرن الماضي وكذلك على الشباب الذي أفرغ طاقته في عنف الشوارع والانجرار حول نشوة الثورة حتى قطفت ثمارها قبل موسم الحصاد عبر مناصب ومغانم وقتية سرعان ما تحولت الى هدف سهل امام فريق متنوع من المتضررين الذين توحدت صفوفهم ضد طبقة غير متجانسة دخلت مركز القرار السياسي.
فالفكرة بمجملها تعرضت للتجارة الفكرية والتنظيرية واستهلكت من قبل اغلب الاطراف العاملة في الساحة العراقية ومثل طرحها والتنظير لها فرصة مناسبة كآلية عمل سيما للأحزاب والحركات التي تعاني التوريث العائلي والحزبي لكنها خسرت تلك الفرصة مما ادى الى موتها في مهدها وفي أحسن حالاتها عادت الى سباتها السابق لعلها تحظى بمن يقدر قيمتها فيبعثها من جديد.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat