صفحة الكاتب : سماهر الخزرجي

وَهُم رَاكعُونَ
سماهر الخزرجي

لم يتمكن من إداء الفرض بتمهل، فالجوع لا يرحم، باتت بطنه خاوية، وحوله صبية يتضورون شوقاً لقرص شعير لا لسواه..!
تجاذبه نفسه أطراف الحديث، وتحثه السؤال لهم: هل يسكب ماء وجهه؟ كيف يواجه هذا الافتنان الذي يكابده؟ تمر أحاديث الرسول (ص) أمامه، فيخفض رأسه خجلاً، لكنه يعاني من فقر مدقع، وحديث الرسول الكريم ينطبق عليه: «إن المسألة لا تحل إلا لفقر مدقع، أو غرم مقطع»(١).
جمع اشلاء أفكاره المتناثرة، ونهض مسرعاً إلى مسجد الرسول(ص) وقد انصهرت الهواجر كانصهار فؤاده لصبيته.
دخل المسجد النبوي الشريف، الناس في صلاتهم وقد شرعوا بالنوافل.
أجال ناظريه فيهم، همهم بصوت ضعيف تخنقه العبرات:
- أعطونا من مال الله...
ما من مجيب..!
رفع صوته:
- أما من مسلم يكفّ أفواه جياع، وأجوافاً خاوية!...
هناك في ذلك الركن القصي يصلي شخص يشبه القمر الزاهر، والفرات الزاخر، والربيع الباكر، أشبه من القمر ضوئه وبهائه.
أشار إليه بخاتمه وهو راكع.
يا الله.. إنه خاتم عقيق يماني أحمر..!
ما أجمل ما ينتقي الله نخبة من البشر، وما هذه المحبة الإلهية التي ملأت وجوده وشغلت قلبه من منظره وحسن سمته..!
علت الهمهمة في المسجد، هذا الذي ينقطع عن الدنيا وما فيها في حال الصلاة؛ كيف سمع صوت سائل؟! خرج الرجل وهو يعي أن ما فعله ذلك الذي يزهر كالمصباح في الليلة الداجية، قد جمع بين عبادتين.
وفي الزمن ذاته وفي مكان آخر، كان هناك رهط من اليهود اسلموا، وبدت لهم مسائل، فراحوا يطرحونها على ابن عمه:
- يا نبي الله، إن موسى أوصى إلى يوشع بن نون، فمن وصيك يا رسول الله؟ 
ومن ولينا بعدك؟ 
في تلك الأثناء، كانت هناك تحفة نازلة من السماء تحيطها تلك الأنوار الإلهيّة «إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ»(٢).
امتلأ وجه ابن عمه نوراً، (نور على نور)، وغلبته الفرحة، فقال وهو يلملم رداءه:
- قوموا.
فتبعه من معه إلى المسجد، كان السائل خارجاً وهو يقلب الخاتم بين يديه وقد امتلأ جوفه فرحاً، سأله النبي(ص):
- هل أعطاك أحد شيئاً؟
- نعم، هذا الخاتم.
- من أعطاكه؟ 
- أعطانيه ذلك الذي مثلك يزهر بينهم.
- على أي حال أعطاك؟ 
- كان راكعاً.
فكبّر ابن عمه، وكبّر معه من كان في المسجد جميعاً.
- إنه وليكم بعدي.
- رضينا بالله رباً، وبك نبياً وبه ولياً.
ولم يكن شيء أحزن من ذلك الخاتم وهو يفارق يد الوصي.
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) بحار الأنوار
(2) سورة المائدة: آية: ٥٥.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


سماهر الخزرجي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2022/06/13



كتابة تعليق لموضوع : وَهُم رَاكعُونَ
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net