صفحة الكاتب : هاشم الصفار

(التدقيق اللغوي وأهميته في صياغة النص) القسم الثاني
هاشم الصفار

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

مفهوم التدقيق اللغوي:
  مفهوم التدقيق اللغوي واسع وموسوعي، ويدخل في كثير من محاور اهتماماتنا الفكرية والثقافية والدراسية، والفصحى وحرصنا عليها وعلى كونها أداة ربط بين تاريخنا وحاضرنا، صار لزاماً وأمراً حتمياً علينا كعرب ومسلمين ومهتمين بكل متعلقات ديننا ونصوصنا الإبداعية منذ فجر التاريخ العربي، أن نسعى للحفاظ على لغتنا من كل شائبة وتداخل للمفردات الأجنبية والاصطلاحية معها، ومن كل ما يشوبها من لحن ولهجات عامية دخيلة.

أهمية التدقيق اللغوي:
 كثيراً ما تنصرف أذهاننا إلى وجود خطأ ما في النص، صرفياً أو نحوياً، أو حتى خلل في التراكيب والأبنية اللغوية، فضلاً عن استعمال المفردات العامية أو المستهجنة، وهي حالة طيبة أن نستشعر الخطأ، فلا تتقبله ذائقتنا اللغوية والبلاغية والجمالية، فنعمد إلى تصحيحه وتغييره قدر الإمكان، حتى وإن لم نكن مصحّحين مختصين، وهي مَلَكة يتحلى بها الكثير من القراء والأدباء بمختلف مستوياتهم الثقافية.
 وكم لاحظنا انهيار موضوعية النص وفكرته وأسلوبيته جراء كثرة أخطاء النص التي باتت تشكل هاجساً مقلقاً مغيّباً لمعالم النص وجماليته، وحتى أهدافه التوصيلية.
 يقول الروائي المصري يوسف زيدان: «حضرنا جلسة بحثية أدبية، وكنا منبهرين بروعة الباحث وأفكاره التنويرية غير المطروقة، ورصانة البحث وجزالته، غير أني تفاجأت بعد خروجنا من القاعة بأحد الزملاء وهو يشير إلى خطأ الباحث في مورد نحوي، متناسياً البحث وموضوعيته وفكرته العميقة..!!».
 وهذا يلخص أهمية التدقيق اللغوي ودوره الفاعل في حياتنا الثقافية عموماً، فهو يشذب خياراتنا التدوينية، وينقح أفكارنا وأسلوبنا، فاللغة وعاء الفكر، وعلينا العناية بذلك الوعاء ذائقة وجمالاً، بحيث يخرج نصنا ونتاجنا المعرفي مُعافى إلى درجة ما من الخلل الصرفي والنحوي وحتى البلاغي في مراحل متقدمة.

 صلاحية المدقق في معالجة النصوص: 
  هناك فهم قاصر يبتني على الوظيفة الروتينية للرقيب اللغوي في معالجة النصوص إملائياً وصرفياً ونحوياً، دون تدخل جراحي منه إن أحسّ بجمود النص أمامه، وفتوره وموته سريرياً..!! لذلك ينبغي على المصحح اللغوي أن يتحلى بروح الموضوعية في معالجة النص المتأتية من سعة اطلاعه على كثير من النصوص، ولا يقتصر فقط على معاينة الخطأ الذي يصيب المفردة دون رؤية النص كوحدة متكاملة، وملء فجواته والمواطن التي أخفق فيها الكاتب في اشباع الفكرة.
 وهي مرحلة متطورة ربما يبلغها الرقيب اللغوي إن أتيحت له الحاضنة الإبداعية التي ترعاه، وتوجهه نحو سلّم النجاح في ميدان التدقيق، وميدان الإسهام التدويني الفاعل والمؤثر.
فما الضير إن قام المدقق باختيار عنوان أجمل، أو مقدمة أدبية جميلة، أو خاتمة مناسبة، وحذف تراكيب واضافة أخرى، دون المساس بالمحور العام لفكرة الموضوع؟
 هناك من الكتّاب والأدباء من لا يرغب بذلك، لاعتداد ما في نفسه، ويرى أن نصّه متكاملاً، ولا يجوز لأحد تغيير أي ركن فيه، بل ويذهب بعيداً إلى مجادلة المصحح في معالجته لبعض المفردات الخطأ، أو تلك التي تحتمل أكثر من وجه نحوي، متكئين على كثرة الآراء النحوية، حتى ذهب الدكتور إميل بديع يعقوب في كتابه (فقه اللغة العربية وخصائصها) نقلاً عن ابن مضاء القرطبي: «إن مشكلة كثرة الآراء وتضاربها، لا يكاد يسلم منها أي باب نحوي، حتى أنك تستطيع في معظم الأحيان، عندما ترى رأياً، أن تقول: إن هناك رأياً آخر يناقضه، من غير أن تكلّف نفسك مشقة الاطلاع والجري وراء هذا النقيض، وحتى أصبحت حجة النحاة مثلاً يُضرب على الضعف والهزال، فقيل: أوهى من حجة نحوي».
 وهناك صنف آخر يترك له مطلق الحرية في التصرف بالنص، وهذا نابع من ثقته بالمؤسسة التي ينشر فيها، والرقيب اللغوي الحريص على سمعة مؤسسته وإصداره، والمنظومة الفكرية والثقافية لانتمائه بشكل عام.

التطور اللغوي للكاتب:
  قراءة القرآن الكريم تصقل الموهبة اللغوية للكاتب، وتشذب تعابيره بنمط بلاغي رصين،  وكذلك الشعر العربي، وعموم الأجناس والنوادر الأدبية، وكثرة مطالعة الكتب النحوية مثل: النحو الواضح، وجامع الدروس العربية، وحتى المناهج المدرسية بطرحها البسيط، والمعاجم المختصرة مثل: مختار الصحاح، والتركيز على القضايا الأساسية للغة إملائياً وصرفياً ونحوياً، دون التشعب في القضايا الخلافية، والمذاهب اللغوية التي ذهبت بعيداً في نظريات العامل والاشتغالات والعلل النحوية، وقراءة نصوص منوعة في المجلات والصحف، ومراجعة أي مفردة أو تركيب جملي تستشعر فيه الغموض والخطأ، فالحرص والمثابرة على السلامة اللغوية من قبل الكاتب، تؤديان بالنتيجة الى اعتماده على نفسه، نتيجة ما تكوّن لديه من خزين لغوي معتد به.
كيفية تعليم الدارس رصد الأخطاء الاملائية، وتحبيب الفئات العمرية الشابة للغتهم العربية:
  أفضل طريقة هي عرض مجموعة من النصوص المغلوطة، ثم تصويبها، فالمناهج اللغوية ركزت على القواعد (صرفه ونحوه) دون التركيز على المطالعة التي تعد البوابة الأفضل لتمكين الطالب من القراءة الصحيحة، ومعرفة مكامن الخطأ من الصواب، ونلاحظ في الأسئلة الامتحانية كثيراً ما يرد سؤال: اعرب ما يأتي؟ الطالب لا يتجاوب مع هذا النوع من الأسئلة بنسبة كبيرة، التشويق الأكثر تحبيباً لنفسه هو السؤال عن: اضبط النص الآتي بالشكل، أو أعد صياغة العبارات التالية مصحّحاً ما فيها من أخطاء، أو أكمل النص بما يناسبه من بين الأقواس، وتدريجياً سيمتلك الطالب حتى بعد تخرجه ملكة التصحيح اللغوي الجيد.
 
الأخطاء اللغوية تقلل من قيمة النص:
    تتهاوى قيمة النص إن كثرت فيه الأخطاء، وانحرف المعنى المقصود عن مبتغاه، فلا سبيل لنشر النصوص إلا بعد مراجعتها وتنقيحها لغوياً، فكثرة النشر مع ما فيه من أخطاء لا يصب في صالح الكاتب أبداً، بل مع الوقت يعزف عنه القراء، فالنفوس جُبلت على الجمال والكمال، والأخطاء نقص، وهي تمارس لعبة الغواية لصرف المتلقي عن غاية النص وفكرته الرئيسية البناءة.
 فالأخطاء اللغوية تسلب بريق النصوص وروعتها، وتشغل القارئ عن مضمونها الجمالي، ورصانة فكرته، وتصرفه للوقوف على ركة التعبير، وغياب الربط والتراكيب المساهمة في وحدة النص وجزالته، وكثرة أخطائه الإملائية والنحوية.
 لذا على الكاتب أن يشذب لغته من الأخطاء أولاً، ليتفرغ بعدها للنواحي الإبداعية للنص، ويشبعه أهدافاً وموضوعية، فالأرض غير الصالحة لا تؤتي ثماراً، ولو سقيتها معيناً عذباً، كما الأرض الصلبة لا تشرب من الماء قطرة ولو كان سيلاً.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


هاشم الصفار
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2022/06/14



كتابة تعليق لموضوع : (التدقيق اللغوي وأهميته في صياغة النص) القسم الثاني
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net