البائعة.. تمتهن التسول
سندس الكوفي 

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 تحمل ابنتها ذات الثمانية أشهر، وتهرب مسرعة إلى البيت وهي تلتفت يميناً وشمالاً؛ خوفاً منه، بعد أن توقف أمامها رجل كبير بالسن يقود سيارة فاخرة، حاول إغراءها بالمال ومساومتها وقد همس بأذنها: "هل تبيعيني ابنتك الصغيرة؟" الأمر الذي افزعها ومنعها من الخروج من منزلها للعمل لمدة تسعة أشهر .

تقول دعاء 27عاماً: "كانت والدتي تبيع الحناء وبعض الأعشاب على الوفود والزائرين للعتبات الدينية في المدينة القديمة، طرحت عليها إحدى النساء أن تعمل بمهنة التسول؛ لأن لديها أطفالاً وتحتاج إعالتهم، وإن ما ستحصل عليه من اموال اكثر من بيع الأعشاب."
وتضيف: "كان عمري 7سنوات عندما اخذتني امي معها في اول يوم للتسول، حينها كنت تلميذة في الصف الأول الابتدائي، فأجبرتني على ترك المدرسة والخروج معها انا واخواتي للتسول؛ بسبب احتياجنا للمال، فنحن نسكن في بيت ايجار وكانت أمي مطلقة من زوجين، لم يكن احد منهما يعطينا اي دينار لنعيش".
التسول ظاهرة عالمية تنتشر في كل مدن العالم، فالنجف تعتبر من المدن المهمة المعروفة بسياحتها الدينية التي يتوافد عليها ملايين الزوار من داخل وخارج العراق، مما جعل منها محط استقطاب للمتسولين من محافظات أخرى، منهم فقراء حقاً، واخرون تابعون لشبكات تسول وعوائل صغيرة تنتشر بالكامل في الشوارع لغرض جمع المال، وبعضهم من دول إسلامية يدخلون كزوار، وهم يحملون جنسيات مختلفة يتحججون بفقدان أموالهم.
لا توجد إحصائيات دقيقة رسمية من قبل الجهات المعنية في المحافظة عن اعداد المتسولين الموجودين في المدينة، ولكن بعد سؤال عينات منهم من الموجودين حول المراقد والمزارات، تبين أن عدداً قليلاً منهم من النجف، والعدد الأكبر من محافظات اخرى.
تضيف دعاء: "بقيت اعمل مع والدتي لحين زواجي وانا بعمر 15 سنة ورزقت بأبناء، ولم يكن عمل زوجي كافياً حين ذاك ما اضطرني للخروج إلى التسول مرة أخرى دون علمه، وعندما كنت اتأخر عن العودة كانت اخت زوجي تغطي على خروجي بإخباره اني ذهبت لإحضار بعض الحاجات من السوق إلى أن علم زوجي بخروجي للتسول عن طريق الصدفة عندما وجد عندي مبالغ مالية اثناء بحثه عن مستمسكات له في الغرفة، فأخبرته بالحقيقة لأبعد شكه بي، وبينت له انها أموال جمعتها من التسول لأساعده في العيش وكنت خائفة جداً من ردة فعله، لكنني اندهشت حينما سكت لأستمر بالتسول".
الباحثة الاجتماعية الاختصاص في العلوم التربوية والنفسية فاطمة حاكم مهدي تقول: "هناك أربعة اسباب للتسول منها: الضعف، فهم ليسوا مستعدين للبحث عن بدائل للعمل الذي يكفل كرامتهم ويجنبهم استعطاف المارة، فالمال يدر عليهم بوفرة وفي وقت قصير. كما تلعب الحالة النفسية: كالشعور بالحرمان والنقص دورا في جنوح البعض نحو التسول، ولعل الحالة الاجتماعية في عدم الاختيار الصحيح او عدم وجود التفاهم بين الزوجين والطلاق والتفكك الأسري وسوء التربية وعدم الرقابة الكافية من قبل الأهل على الأطفال يؤدي بهم إلى التوجه للتسول.
كذلك الحالة الاقتصادية السيئة للفرد او للبلد والتي تظهر بصورة البطالة المتفشية وعدم وجود مصدر للعيش يؤدي بالبعض الى اللجوء للتسول".
 مشيرة الى: "دراسة اجتماعية اجريت في عام ٢٠١٢ اظهرت ان البطالة شكلت نسبة  46.25 بالمائة من أسباب التسول".
ويرى المختصون بعلم النفس أن الإنسان الصحيح نفسياً يكون لديه سمة تقدير الذات عالية، تدفعه للبحث عن حياة كريمة فهي عامل مؤثر في الصحة النفسية للفرد. 
ويرى علماء الاجتماع أن المتسول، يعتاد على المشاكل والإهانة التي يتعرض لها، ما يؤدي إلى التقليل من ذاته، وهذا الأمر يؤثر اجتماعياً على المتسول، ويقلل من تفاعله مع المجتمع وإظهار العداء له بعض الأحيان، وخصوصاً اذا كان غير متزوج يحول دون تكوين أسرة والتي تعتبر حقاً من حقوقه كإنسان اجتماعياً.
 أما إذا كان متزوجاً ولديه عائلة سوف يتسبب بمشاكل اجتماعية ونفسية لأسرته وسوف يحرم افراد الأسرة من أبسط حقوقهم في العلاقات الاجتماعية وأهمها حرمان أولاده من الزواج.
كما تلعب القوانين والتشريعات دوراً في الحد من التسول اذ ينص قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 69 المعدل على معالجة هكذا حالات مسؤول الشرطة المجتمعية، كما بيّن من النجف ضياء زوين: "القانون العراقي في المواد القانونية 390-391 اذ تعتبر هذه المادتين ان التسول جنحة لا يسجن بسببها المتسول دون سن 18 بل يلزم بتوقيع تعهد من قبل ولي أمره".
 لم تستطع دعاء ان تترك التسول برفقة اصغر أبنائها أو تحصل على عمل كما تقول وخصوصاً بعد أن سجن زوجها، تبرر تسولها بالقول: "انا لا أمتلك اي مؤهلات تجعلني امتهن مهنة محترمة ولم اكمل دراستي، ولدي خمسة أبناء اعيلهم خصوصاً بعد ان سجن والدهم بعد مشاجرة مع احد الرجال في عمله، وتلفيق تهمة له حكم على اثرها بالحبس 15عاماً، وما احصل عليه من مال عن طريق التسول أسهل واكثر بكثير من اي عمل عادي اعمل به".
صادق عمره 9 سنوات، هو الآخر كان يقف قرب السوق الكبيرة ليتسول، ولكنه كان يتكلم معي بحزن بأن: "لديه أحلاماً أولها ان يترك التسول وان يكمل دراسته ليكون طبيباً -كما يقول- إلا أن والدي يمنعني من ان اعود للمدرسة، فأنا شاطر وأحب المدرسة كثيرا، ووالدي يجبرني على الخروج إلى التسول وإحضار المال لإعالة أهلي مع العلم ان والدي عمره 55 سنة وهو بصحة جيدة، ولا يعاني من اي عجز او مرض، لكنه لا يريد ان يعمل". 
وترى الباحثة فاطمة حاكم: ان هناك معالجات على الحكومة ان تقوم بتطبيقها وهي: توفير فرص العمل والخدمات بما يضمن حصول جميع شرائح المجتمع على العمل الذي يليق بهم ووفقا لتخصصاتهم، وبذلك سوف تقوم بالقضاء على البطالة التي تعد المسبب الرئيسي والعذر الأكبر للتسول".
مضيفة القول: "يجب تظافر الجهود للجهات ذات العلاقة والقيام بدراسة ومسح ميداني للمتسولين خصوصاً فئة النساء والأطفال، اخذ نماذج حية والعمل عليها ودراسة حالاتهم فضلاً عن تحجيم وتقليص هذه الظاهرة؛ لأنها تعتبر ظاهرة غير محببة في المجتمع"  .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
هذا العمل من نتاجات مشروع (التربية الإعلامية) الذي تم تنفيذه بواسطة:
 (MICT) الأكاديمية الألمانية للإعلام بالتعاون مع:
(IOM) منظمة الدولية للهجرة سنة 2020 .


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


سندس الكوفي 

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2022/06/21



كتابة تعليق لموضوع : البائعة.. تمتهن التسول
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net