مع طلائع الفجر الندي، وزقزقه عصافير الحي، هنالك خلف ستار تلك النافذة المهشم زجاجها، يمكث رجل وظله المتعب خشبة يابسة ما عادت تقوى على حمل شيء تلك الاكف البالية ففي راحتها نقش الطابوق اثره القاسي، وكأن كفه سطح ارض ملتوية تارة منبسطة، واخرى فجج قد غار عليها ماء السماء، فانبتت اشواكا لا حصاد لها.
ذراعان برزت اوردتها كأنهما رافدان ينبضان حيوية رغم مشقة ما يحملانه من اثقال وما ترك من اثر يهيج الجروح.
هكذا كان رجلاً يواجه مرارة العمل بقلب اسد ولا يكاد يفرغ من عمله فيسعى جاهداً الى خدمة كل محتاج، فحين ينتهي يومه يعود ومعه قوت عياله، يبتسم رغم غبار معمل الطابوق الذي كان يترصد شبابه فكل يوم يقطف من اغصان عمره غصنا ورديا لم يزل زاهرا بعد.
وحين بشر بحمل زوجته ما عادت اساريره الا مبتسمة مبتشرة وكأنه يعلمه امر مكنون في غياهب العمر القادم.
وذات ظهيرة جمعة حيث اجتمع مع اسرته تناول لقمته وهو ينصت بكل ولاء لخطبة الجمعة، اذا كبر بعد ان سمع نداء الفتوى، خرج ينادي من باحة داره: لبيك وسعديك، اننا لها فو الله ما نرغد بعيش ولا نهنأ بقرب الاحبة وانت سيدي اطلقت فتوى الوجوب الكفائي، دخل مسرعا جمع بعض ما يحتاج اليه تأهب وتناول سلاحه بيده، نادته خلفه زوجته: الى اين يا قرة عين زوجتك.
قال: الى حيث احدى الحسنيين.
ضحك بصوت عال وأشار نحو السماء:
انظري الى السماء قد تزينت، فالجنة فتحت ابوابها على مصراعيها، واطلت الحور تنادينا.
اهتمي بما تحملين في احشائك، فقد سميته جهاداً؛ كي يكمل من بعدي ان انا فزت بالشهادة.
امسك طرفها ووضع كفها بين راحتي يده سرت حرارة كفيه في راحتها ترقرق الدمع وصمتا لبرهة، اخذت بيده وقالت: تلمس جنينك لعلك لا تعود مطلقا.
تلمسه بخفة ورقة ثم اطرق هنيهة ورفع راسه قائلاً: لا مجال للعواطف، الوطن فوق كل شيء، وهذا ديدن اهلنا واسلافنا.
ودعها وخرج، مضت ايام وتلت ايام أخر، كلما اتصلت به تسمع ازيز الرصاص قريبا منه، اخر اتصال: كم بقي على وضع المولود؟
قالت: القليل..
قال: اوصيك به خيرا، فإني ملتحق بركب الشهداء.
اغلق الهاتف..
 كان في المقدمة التقط منهم بسلاحه كل مرتزق، وكأن فوهة السلاح منقار طائر يلتقط وينقض على فريسته دون هوادة.
صوت قريب، ازيز قوي اجتاح شيئا ما صدره، حرارة غير معهودة.
حين وضع يده حيث موضع الحرارة فصبغ الدم كفه حمرة، تدفق بشدة وهي تجري وتترنم فوق زيه العسكري، وكأن دماءه تخبره ان تلك الرصاصة مهر الجنة، رفع كفه المدمى وشم رائحة الدم كانت زكية وكأنه نهر كوثر وليس سيل دم.
حبس انفاسه بعد أن خارت قواه فوقع ونظره نحو السماء ابتسم لعله رأى تلك الحور ينادين به: اقبل يطيب لك المقام.
تعالت الاصوات: عدنان، ابا جهاد، فقد رحل شهيدا سعيدا.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
مهداة الى روح الشهيد عدنان حسين البديري


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


سهاد الانصاري

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2022/06/24



كتابة تعليق لموضوع : لوحة شهيد
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net