صفحة الكاتب : ياسين يوسف اليوسف

دورُ المرأةِ البصريّةِ في النّهضةِ الحسينيّةِ  ليلى النهشليّة وماريَّة العبديّة أنموذجاً
ياسين يوسف اليوسف

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 مَا لا شكَّ فيه أنَّ للمرأةِ دوراً رئيساً وأساسياً في الحياة فهي الأمُّ والأختُ والزوجةُ ،والمضحيَّةُ، وهي الركيزةُ والدعامةُ الأساسيةُ للبيتِ ومنها تُصنَعُ الرِّجال وقد حفلَ تراثنا الإسلامي بالكثيرِ من النماذج لتلك النساء اللواتي كان لهن الدور الكبير والمؤثر في الساحة الإسلامية.
وتراثنا زاخر بالعطاء والتضحيات من تلك النساء المؤمنات وما يزال العطاءُ مستمراً والتضحياتُ قائمةً ببذل الأموال والأنفس من أجل الحفاظ على المقدسات والسير بثبات في ركب النهضة الحسينية وهذا ما سعى اليه الإمام الحسين عليه السلام في نهضته الإصلاحية التي ارتكزت في مبادئها وتحقيق أهدافها الإصلاحيّة على دعامتين وركيزتين اثنتين، الأولى: قيادة الإمام الحسين ودورهُ في النّهضة وتضحيته وتضحية الثّلّة المؤمنة معه بكلِّ غالٍ ونفيسٍ حتى بذلوا أرواحهم وكلّ ما يملكون في سبيل تحقيق أهداف النّهضة، والركيزةُ الثانية، هي المرأة ودورها الرَّئيس والإيجابي فيها، فقد أدّت أدواراً مهمَّةً وحيويَّةً ساعدت في انتشار الثّورة وتحقيق غاياتها، وممّا لاريب فيه أنَّ عقيلة الطّالبين زينب بنت علي بن أبي طالب (عليهما السّلام) كان لها الدّور الرّيادي والمشاركة الفاعلة في إنجاح النَّهضة الحسينيّة ونصرتها الإمامَ الحسين (عليه السّلام) فقد وقفت بكلِّ صلابةٍ ورباطةِ جأشٍ مُتدرِّعة بالصَّبر والإيمان والاستقامة صارخةً في وجه الظّلم والظّالمين في وقتٍ عزَّ فيه النّاصر من الرّجال، وتعدَّدت أدوارها بدءاً من حضورها مع الإمام (عليه السّلام) عند خروجه من المدينة وسيره نحو كربلاء في ظروفٍ ومواقعَ قلّما يصبر فيها الأشدّاء من الرّجال، خصوصاً عندما يعلمون بالواقع المحتوم الذي قُدر لهم، مروراً بتضحيتها بكلِّ ما تملك بين يدي إمام زمانها الحسين بن علي (عليه السّلام)، فضلاً عن أنّها وقفت مدافعةً عن الإمامة بعد شهادة سيّد الشّهداء الإمام الحسين (عليه السّلام) المتمثّلة بالإمام زين العابدين (عليه السّلام)، وكان لدورها الإعلامي الأثر البالغ في الدّفاع عن أهداف النّهضة الحسينيّة المباركة، واستمرَّ عطاؤها وصبرها وشجاعتها من خلال خطاباتها التي وجهتها إلى طغاة عصرها آنذاك يزيد بن معاوية وعبيد الله بن زياد، فكانت كلماتها استمراراً لجذوة النَّهضة وتمزيقاً لشموخ الطّواغيت وتبديداً لسرورهم بنصرهم المزعوم، ومع كلِّ هذه المواقف كانت صابرةً محتسبةً متَّزنةً غيرَ جزوعةٍ لمَّا نزل بها من البلاء والاختبار الإلهيّ على الرّغم من أنَّها امرأة تمتلك الرّقة والعاطفة، وهذا لم يحصل لامرأة على امتداد التّاريخ، ولم تفرّط زينب (عليها السّلام) بحجابها وعفّتها، حتى في أصعب المواقف التي مرَّت بها ، فذكرها المؤرّخون عندما قتل الحسين (عليه السّلام) جاءته وهي تتعثّر بأذيالها حالها في ذلك حال أمّها الزّهراء (سلام الله عليها)، وكانت تَرُدُّ سياط الظّالمين بيدٍ وتستر وجهها بالأخرى حفاظاً على العفاف والحشمة.
كما كان لنساءٍ كثيراتٍ مواقفُ عظيمةٌ وأدوارٌ مشرِّفةٌ يكلُّ اللسانُ عن وصفها، والقلمُ عن بيان حالها شاركنَّ في هذه  الملحمة الرِّسالية، والنهضة الإنسانية، منهنَّ على سبيل المثال لا الحصر "دلهم بنت عمرو زوجة زهير بن القين التي أثَّرت في زوجها لما كانت تحمله من عقيدةٍ وإيمانٍ راسخين بأهداف الإمام الحسين ونهضته فحمَلتهُ على الانخراط ضمن قافلة الرَّكب الحسينيّ، فكان له الدّور الكبير في انتصار الدّم على السّيف مع أنَّه كان بعيداً عن هذا الخطِّ، وأم وهب زوجة عبد الله بن عمرو الكلبيّ تلك الشّهيدة الصّابرة المحتسبة، وطوعة تلك المرأة الصّالحة التي عجز الرّجال أن يقوموا بما قامت به تجاه سفير الإمام الحسين (عليه السّلام) إلى الكوفة مسلم بن عقيل (رضوان الله عليه وعليها)، وغيرهن من النّساء اللاتي سطَّرن أروع صور البطولة والفداء وسجّلن أسماءهنَّ على صفحات التّاريخ بأحرف من نور.
ليلى النّهشليّة وموقفُها من نهضة الإمام الحسين (عليه السّلام):
ولم تكن نساء البصرة غائبةً عن هذه المعادلة، فقد برزت من  بينهنَّ ليلى بنت مسعود بن خالد بن مالك بن ربعي بن سُلم بن جندل بن نهشل بن دارم بن مالك بن حنظلة النَّهشليّة التّميميّة صاحبة الشّرف الأصيل  التي اختارها أمير المؤمنين علي (عليه السّلام) زوجة له عند دخوله البصرة، وقد عُرِفَتْ قبيلتُها بنو نهشل بالشّجاعة والشّهامة والكرم منهم أخوها يزيد بن مسعود النّهشليّ الذي حثَّ قومه وجهّز جيشاً لنصرة الإمام الحسين (عليه السّلام) ولم يعشُ عن نور الحق ويركن إلى الباطل، وهي إحدى الزّوجات الأربع اللّواتي بقين بعد استشهاد الإمام عليّ بن أبي طالب سلام الله عليه.
وقد شهدت واقعة الطَّفِّ وما جرى على آل الرَّسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) من مصائب ومحن، وشاركتهم في ذلك كلّه صابرةً محتسبةً ذلك في سبيل الله، وقدَّمت ولديها محمّداً الأصغر المكنّى بأبي بكر وعبيد الله فداءً لخطِّ الحُسين ونهضتِهِ، فكانت مثالاً للمرأة الصَّالحة المُساندة للنَّهج الحسينيّ، وحريٌّ بنسائنا بل برجالنا أن تقتدي بها.
مارية العبديّة وموقفُها من نهضة الإمام الحسين (عليه السّلام):
مارية بنت منقذ أو سعيد العبديّة – نسبة لقبيلة عبد القيس – والدها منقذ بن النعمان العبديّ أحد حَمَلَةِ رايات عبد القيس مع أمير المؤمنين في حربه في البصرة وهي من النّساء الورعات ولها مكانةٌ عاليةٌ ومن ذوات الشَّرف في البصرة، أرملةٌ لشهيدٍ وأمٍّ لشهداءَ قضوا نحبَهم في نصرة أمير المؤمنين (عليه السّلام) .
على الرّغم من أنَّ مارية فقدت زوجها وأبناءها في طريق الحق ودفاعاً عن الإسلام وفي ركب أمير المؤمنين إلّا أنّها بقيت مثالاً للصَّلابة والشَّجاعة ورباطة الجأش، فعندما علمت بخروج الحسين (عليه السّلام) واستنهاضه لضمير الأمّة ونهضته الإصلاحيّة وأنّه بعث رسالة إلى أشراف ورؤساء الأخماس في البصرة يستنهضهم القيام ويطلب منهم النّصرة، وعلمت تقاعسهم وتباطؤهم في نصرته، كان لها موقفٌ آخرَ مغاير، فبالإضافة إلى ثورتها الإعلاميّة الغاضبة وجلوسها على باب دارها صارخةً باكيةً غاضبةً للموقف المتخاذل من البعض، بذلت أموالاً لتسليح مَن اعتذر  بحجّة عدم المال والسّلاح.
واستجابت لدعوة الإمام الحسين (عليه السّلام) وفتحت دارها لتكون ملتقى أنصار الحسين (عليه السّلام) ومألفاً لشيعته وأتباعه في البصرة ، في خطوةٍ تُعدُّ معارضةً علنيّةً لأجهزة السُّلطة الأمويّة، متحدّيةً  بذلك كلَّ الأحكام المفروضة والظّروف القاهرة تحت سلطة الطّغاة في المدينة.
فكان يتردد على دارها شيعة الحسين ومُحبّوه، ويتدارسون الأوضاع السّياسيّة التي تمرُّ بها الأمَّة الإسلاميّة، ومن بيتها تُدار الحلقاتُ النّقاشيّة فكان مجلسُها مدرسةً لتخريج  الشُّهداء، إذ يذكر أنَّ مِن بين مَن كان يجتمع في دارها من الشّيعة التحق بالحسين ونال شرف الشَّهادة كيزيد بن ثُبيط العبديّ وولديه عبد الله وعبيد الله ومولاه عامر وسيف بن مالك والأدهم بن أميّة، فكانت أنموذجاً للمرأة المساندة للدّين ولنهضة سيّد الشّهداء (عليه السّلام) الإصلاحيّة.
وما زالت البصرة تلدُ من النّساء مَن لهن مواقف كمواقف ليلى النّهشليّة ومارية العبديّة وغيرهن من عظيمات الإسلام اللّواتي تسنَّمن قمم الخلود واخترنَ جانب الحقِّ والتحقنَ بركب الحُسين (عليه السّلام)، وكُنَّ أنموذجاً يُحتذى به، ولم تزل البصرة تُقدّم نماذجاً كمارية وليلى في التّضحية والوعي والفداء، فنرى في بصرتنا الكثير من المواقف المُشابهة لموقف هاتين المرأتين العظيمتين، فالكثير من نسائنا تحملّن جور وظلم الطّواغيت وقدَّمن الشُّهداء قرابينَ في سبيل الخطِّ الرِّساليِّ القويم، ونرى اليوم الكثير من مواكبنا ومآتمنا الحسينيّة البصريّة تُشرف عليها وتديرها نساءٌ بصريّاتٌ واعياتٌ بأهداف نهضة أبي الأحرار وسيّد الشّهداء الحسين بن علي (عليه السّلام)، وسائراتٌ على نهجه يبتغين فضلاً من الله ورضواناً.
ــــــــــــــــــ 

 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


ياسين يوسف اليوسف
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2022/07/06



كتابة تعليق لموضوع : دورُ المرأةِ البصريّةِ في النّهضةِ الحسينيّةِ  ليلى النهشليّة وماريَّة العبديّة أنموذجاً
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net