صفحة الكاتب : شعيب العاملي

الحُسَين.. شَهيدُ الهُدى.. والرَّشاد !
شعيب العاملي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

بسم الله الرحمن الرحيم

الولَدُ قُرَّةُ العَين، يأنَسُ بِهِ المؤمنُ في الدُّنيا والآخرة، حيثُ يُلحِقُ الله تعالى ذراري المؤمنين بهم يوم القيامة.

يسعى المؤمنُ لأداء حقوق وَلَدِه، ومِن ذلك ما قاله رسول الله صلى الله عليه وآله: تُحْسِنُ اسْمَهُ وَأَدَبَهُ، وَضَعْهُ مَوْضِعاً حَسَناً (الكافي ج6 ص48).

لقد قيل إن الموضع الحسن أن يُعَلِّمَه كَسباً صالحاً، أو يزوِّجه زوجةً موالية، لكن ليس من البعيد عمومُها لتشمل كلَّ جهةٍ من جهات حياته يقدرُ الوالدُ على نفعه فيها، سيَّما ما يكون له صلةٌ بحفظِ آخرته، وقد قال رسول الله (ص): رَحِمَ الله وَالِدَيْنِ أَعَانَا وَلَدَهُمَا عَلَى بِرِّهِمَا (الكافي ج6 ص48)، وذلك بتعليمه ووضعه موضعاً حسناً يساعدُهُ على بِرِّ والديه، وامتثال أمر الله تعالى فيهم وفي غيرهم.

لذا وَرَدَ عن الأئمة عليهم السلام الأمرُ بالإسراع في تعليم الأولاد ما يحفظُ دينَهم، فعن الصادق عليه السلام: عَلِّمُوا صِبْيَانَكُمْ مِنْ عِلْمِنَا مَا يَنْفَعُهُمُ الله بِهِ، لَا تَغْلِبْ عَلَيْهِمُ المُرْجِئَةُ بِرَأْيِهَا (وسائل الشيعة ج21 ص478).

فما إن يتعلَّم الولدُ علومَ آل محمدٍ عليهم السلام حتى يأنس بها، ويشبّ عليها، وتكون وقايةً له، وحفظاً ورِدءاً يدفعُ به شُبُهات المخالفين وسواهم، وقد قال أميرُ المؤمنين عليه السلام:

إِنَّمَا قَلْبُ الحَدَثِ كَالأَرْضِ الخَالِيَةِ، مَا القِيَ فِيهَا مِنْ شَيْ‏ءٍ قَبِلَتْه‏ (نهج البلاغة الرسالة31).

وهذا معنىً عظيم، يعني أنَّ الطِّفلَ يتشكَّلُ بأوَّلِ صُوَرٍ تدخُلُ إليه، تماماً كالأرض التي لَم تُزرَع من قبل، فما ألقي فيها من بِذارٍ تفاعَلَت معه وأنبتته: إن طَيِّباَ فطيِّب، وإن خبيثاً فكذلك.

وهذه القاعدة تسري إلى كلِّ ما يطرأ على بَالِ الطفل وذهنه مِن علومٍ ومعارف وتصاوير، بل حتى إلى الخيالات والأوهام!

وغالباً ما قامَ المؤمنون في الأزمنة السابقة بدورهم على أحسن صورةٍ، حينما وضعوا أولادَهم موضعاً حَسَناً وبادروهم بعلوم آل محمدٍ عليهم السلام.

ولكن..

ما حال المؤمن اليوم؟ وكيف يضعُ أبناءه موضعاً حَسَناً؟

هل يكتفي المؤمنُ بأن يُعلِّمَهم ما يحتاجونه ثمَّ يتركهم في هذه الدُّنيا المتلاطمة الأمواج، العاصفة بالأفكار والرؤى المتناقضة، التي يكادُ الحليمُ يضطرب لهولِ ما يحصلُ فيها، فما حال الأطفال حينها؟

إنَّ لهذا الموضوع جهاتٍ كثيرة، أحدُها أمرٌ في غاية الخطورة، وإن لَم يظهَر مقدارُ خطورته بشكلٍ جليّ..

ذاك ما يصحُّ أن نُسَمِّيه (قنبلةً موقوتةً) قد أودعناها في أيادي أطفالنا وفلذات أكبادنا، ذاك هو (المعلِّمُ) الذي يرافق الكثير من أبنائنا ساعاتٍ طويلة كلَّ يوم، فيصيرُ لهم (صديقاً ورفيقاً وأنيساً ومُسَليَّاً) بعد أن صار مُعلِّماً.

إنَّه (الهاتف) وزميله (التِلْفَاز) أو التلفزيون، ونظائرهما من سبل التواصل والمشاهدة واللعب وغيرها، التي غَزَت بيوتَنا، ففتحنا لها قلوبنا وعقولنا، لما رأينا لها من ثمرات وفوائد عظيمة، فاستفدنا منها كثيراً، حيثُ قرَّبَت لنا البعيد من العلوم والمعارف، وسهَّلَت لنا ما كان منها صعباً، وكشفَت لنا ما كان مُبهَماً وغامِضاً، واعتدنا عليها يوماً بعد يومٍ حتى صارت جزءاً من حياتنا.

لم يعُد بمقدور جلِّ الناس اليوم الاستغناء عن هذه الوسائل، فإنَّ في الإعراض عنها حرماناً من كثيرٍ من سُبُل التواصل والمعرفة.

ولكن..

هل تكفي هذه الفوائد لكي نُخلي بين هذه الوسائل وبين أبنائنا دون رقيب أو حسيب؟ هَل لهذه الأدوات جهاتٌ يُخشى منها على النفس والأسرة؟ سيَّما الأولاد؟

يُعرَفُ ذلك بمعرفة من تصدى لنشر المواد بهذه السُّبُل، فإنَّ كلَّ أحدٍ على وجه البسيطة قد اقتطع لنفسه حيِّزاً كبيراً منها، وهؤلاء مختلفون في الأديان والمذاهب والرؤى والأفكار: فمنهم أصحابُ الخُلُقِ العظيم، ومنهم أرذلُ خلق الله!

بل إنَّ أهل الشِّقاق والنِّفاق أقدَرُ على التحكم بهذه الوسائل، وبث أفكارهم وتطلُّعاتهم عبرها.

فهل يصحُّ أن يوكل أهلُ العقل والإيمان إلى أولادهم أمرَ التمييز بين الحقِّ والباطل؟ ويتركوهم في مُعتَرَكِ هذه الضوضاء ألعوبةً بيد أصحاب النفوس المريضة، الذين لا يرجون للمؤمنين خيراً.

لقد قال الله تعالى في كتابه مخاطباً نبيَّه صلى الله عليه وآله: ﴿وَلَنْ تَرْضى‏ عَنْكَ اليَهُودُ وَلاَ النَّصارى‏ حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُم‏﴾ (البقرة120).

فهل سيرضى عنّا هؤلاء دون أن نقتدي بهم ونتبِّعَ دينهم وفكرهم وثقافتهم؟ وَيَدُهُم اليوم هي العليا في العلوم الحديثة وسبل الترويج للأفكار فيها.

هل يصحُّ بعنوان الحريَّة أو الثقة بالأبناء أن يتخلى الأهلُ عن الرقابة على ما يواجهُ أبناءهم كلَّ يومٍ من ثقافاتٍ مختلفة؟

لا ريب أنَّ كثيراً من سبل الفساد تنتشر عبر هذه الوسائل، التي إن أحسنَّا استخدامها كانت خيرَ مُعينٍ لنا اليوم، وإن أسأنا أوقعتنا في مصائب جمَّة، بل كانت حقيقتها كارثةً علينا.

فلنأخذ التلفاز أنموذجاً.. حيثُ تشير بعض الدراسات إلى أن الطفل في العالم العربي (قبل أن يبلغ الـ 18 من عمره يقضي أمام شاشة التلفاز 22 ألف ساعة مقابل 14 ألف ساعة يقضيها في المدرسة)!

عدَّةُ ساعات من المشاهدة اليومية للتلفاز، صيفاً شتاءً، في أيام الدراسة وأيام العطلة، تجعلُ متابعته لهذه السُّبُل أكثر تأثيراً مما يتعلَّمه في المدرسة.

فكم يبقى للأهلِ من تأثيرٍ في أبنائهم؟ وما مقدار الاستفادة مما يزرعه الآباء والأمَّهات في ذهن الطفل من أفكارٍ أمام الآف الساعات التي يقضيها في المدرسة بعيداً عن رقابة الأهل، وأمام الشاشة بعيداً عن كلِّ رقابة؟!

إنَّ العاقل يتساءل: ما هو مصدرُ ما يُعرض على أطفالنا؟

ثمَّ ينظر فيرى أنَّ أغلبَ ما يشاهدُه الأطفال ويتفاعلون معه هو نتاج ثقافات غريبةٍ عنا، تختلفُ في عقيدتها وأفكارها، وتروِّجُ للحياة التي تعيشُها.

فيشاهدُ الطِّفلُ والشاب ترويجاً لِسِمات الحياة الغربية في كثيرٍ من صورها وألوانها:

سواءٌ على مستوى العقيدة حيث قد يُروَّجُ فيها لنظرية تعدد الآلهة أو نَفيها، أو السحر وأمثاله.

أو على مستوى الحالة النفسية التي تتميَّزُ بالأنانية والتكبُّر وحبِّ الذات.

أو على مستوى الأسرة حيث تتنافى مع كثيرٍ من قيمها كاحترام الأهل ونشر روح المودة والمحبة، حيث تروِّجُ للعنف والقوّة والقسوة مع الآخرين، وعدم الاكتراث بالضعفاء منهم.

أو على مستوى الأخلاق والسلوكيات الأخرى، وإسقاط الحواجز في العلاقات، وهو طامَّةٌ كُبرى.

ثمَّ يأنس الطِّفلُ بهذه الأفكار وغيرها، ويعتاد على استماع الغناء ومشاهدة الرقص والإيحاءات الفاضحة، ثم يغوصُ شيئاً فشيئاً طالباً المزيد حتى يقع في مهاوي ومستنقعات الرذيلة بأسوأ صُوَرِهَا، وقد بلغَ الأمرُ حدَّاً لا يتصوَّرُه أكثرُ الأهل من المؤمنين، يكادُ لهوله يخرج المؤمن عن طوره.

ولقد تمادَت الشركات والمؤسسات المنتجة لبرامج الأطفال، فصارت تعتمدُ في السنوات الأخيرة على تقنية الحركة السريعة، وتَتَالي المشاهد والصور بشكل سريعٍ جداً يفوق قدرة الذهن على تحليل هذه الصور والمشاهد والتفاعل معها، مع صَخَبٍ صوتيٍّ عالٍ، وتبايُنٍ في الألوان، ما يُجبرُ الطِّفلَ على المشاهدة كأنَّهُ مقيَّدٌ بالسلاسل.. ويسبِّبُ توتُّراً عند الأطفال، واضطرابات نفسية شديدة.

فيتأثر جسمُهُ أيضاً كما نومُه ونفسيَّته وتفكيره.

ثمَّ يعيشُ الطِّفلُ في عالمٍ خيالي خاص، فيؤثر ذلك على علاقته مع محيطه، ويتدنى مستوى تفاعله مع أسرته وأصدقائه، ويتوقف عن الحركة البدنية، ويبتعد عن القراءة والمطالعة، ويزداد عدوانية.. ووو..

وليس آخر آثارها هو تثبيط تطوُّر الدِّماغ، في مرحلةٍ حسّاسةٍ من حياته، هي مرحلة البناء والتأسيس.

فهل يُعقلُ أن لا يحرِّكَ كلُّ هذا غيرةَ الأهل على أولادهم؟!

إنَّ هذه بعضُ آثار هذه (القنابل)، وغيرها الكثيرُ مما يذكره المهتمُّون بهذا الشأن من العلماء.

ألا تستدعي هذه المسائل وقفةً جادَّةً من المؤمن الذي كلَّفَهُ الله تعالى بأن يضع ابنه (موضعاً حسناً)؟!

ولئن كان الزمَنُ قد سبقنا ولم يعُد بمقدورنا التحكم بهذه الأمور، أفلا ينبغي أن نعمل على إيجاد البدائل النافعة؟ وتطوير السُّبُل التي نجتذب بها الأطفال لتكون بديلاً صالحاً لما ينشره أصحاب الثقافات الأخرى؟

أليس علينا أن نكون السباقين في هذا المجال، فلا نكون عالةً على غيرنا، وليس أولئك من أهل الصلاح.

ألا ينبغي أن نضع قيوداً لأولادنا تحميهم من هذه الآثار؟

ألا ينبغي أن نسيرَ معهم خطوةً خطوة في طريق الحياة ومختلف مراحلها حتى يتجاوزوها بتعقُّلٍ؟

هل علينا الانتظار حتى يُدمنَ الأطفال على الهاتف أو التلفاز فنعجز عن التعامل معهم كما ينبغي؟

إنَّ مشاهدة بعض أصناف الكارتون، أو العمل عبر بعض برامج الهاتف الاجتماعية، يؤدي إلى تحفيز الدماغ لإفراز كميّات كبيرة من هرمون (الدوبامين – Dopamine)، الذي يقال أنه مسؤول عن مشاعر السعادة والراحة والاسترخاء، فيؤدي ذلك إلى إفراز هذه الكميات بشكل غير طبيعي، ما يسبِّبُ شعوراً كبيراً بالسعادة بشكلٍ غير مألوف وغير عادي، وسُرعان ما يزول، فيسعى الطِّفلُ أو حتى الكبير إلى تعويضه بمزيدٍ من المشاهدة أو العمل، وهكذا يتكرر الأمر فلا يجد الطِّفلُ راحته إلا بتكرار الأمر بشكلٍ دائمٍ، حتى يصل إلى مراحل متقدِّمة من الإدمان، وقد تصيرُ حالته مرضيةً لا يمكن علاجها إلا بتدخُّلٍ طبيّ.

فهل علينا أن ننتظر وقوع أبنائنا في هذه المتاهة، أم علينا المبادرةُ:

1. على المستوى الفردي تارةً، لحفظ أُسَرِنا، باللّين تارةً، والشدَّة أخرى، بالإقناعِ تارةً، وبالمنع أخرى، لنوازن بين الفوائد والمضارّ، دون أن نفرِّط في مسؤوليتنا، فإنَّ رعاية أبنائنا من واجباتنا العظيمة، وسنُسأل عنها يومَ القيامة.

2. وعلى المستوى الجَمعيِّ أخرى، لإيجاد بدائل نوعيَّة، تُساهمُ في إيصال الأطفال إلى برِّ الأمان، سالمي المعتقد والسلوك، من باب الاهتمام بأمور المسلمين، ولأنَّ كلَّ واحدٍ من راعٍ مسؤول عن رعيَّته، وهو ما يستدعي تعاوناً صادقاً بين المؤمنين من أهل العلم والفهم والخبرة والقدرة والمال.

إنَّ على المؤمن أن يتوجَّه نحو الله تعالى صادقاً، ويعمل بما ينبغي طالباً من الله المعونة، فيستجيب له ربُّه ويسهل له أمره، ويستنقذه من الظُّلُمات، وقد قال الإمام الصادق عليه السلام: مَنْ أَرَادَ الله بِالقَلِيلِ مِنْ عَمَلِهِ أَظْهَرَ الله لَهُ أَكْثَرَ مِمَّا أَرَادَهُ بِه‏ (المحاسن ج1 ص255).

وقال تعالى: ﴿وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى الله فَهُوَ حَسْبُه‏﴾.

فالمؤمن بعد التوكُّل على الله: يقفُ على مفترقِ طُرُقٍ في كلِّ يومٍ من أيامه، فهو مُخيَّرٌ بين خيارين:

أوَّلُهما: أن يكون صاحبَ موقفٍ وتأثيرٍ ودورٍ كبير في رعاية أبنائه.

وثانيهما: أن يكون متفرِّجاً مُتلقِّياً مُهملاً لتكاليفه، مُفَرِّطاً بها.

لقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله قوله: إنّ الله يحبّ الشّاب الّذي يفني شبابه في طاعة الله (نهج الفصاحة ص316).

وعنه (ص) أنَّ الله تعالى يسأل العبد يوم القيامة: عَنْ عُمُرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ، وَشَبَابِهِ فِيمَا أَبْلَاه‏ (الأمالي للصدوق ص39).

وروي عن الصادق عليه السلام أنه قال: مَنْ قَرَأَ القُرْآنَ وَهُوَ شَابٌّ مُؤْمِنٌ اخْتَلَطَ القُرْآنُ بِلَحْمِهِ وَدَمِهِ، وَجَعَلَهُ الله عَزَّ وَجَلَّ مَعَ السَّفَرَةِ الكِرَامِ البَرَرَةِ، وَكَانَ القُرْآنُ حَجِيزاً عَنْهُ يَوْمَ القِيَامَة (الكافي ج2 ص603).

فبماذا يجيب أبناؤنا وشبابُنا ربَّهم يومَ القيامة عندما يسألهم عن عمرهم وأوقاتهم؟ وبماذا نُجيب نحنُ ربَّنا عزَّ وجل عن رعايتنا لهم؟

ما الذي يختلطُ اليوم بلحم أبنائنا ودِمائهم؟ هل يختلطُ بها القرآن الكريم وحبُّ آل محمدٍ عليهم السلام؟ أم عقائد المنحرفين الضالين الذين يروِّجون للفساد والرذيلة والانحطاط؟!

إنَّ كلَّ ما ذكرناه من مساوئ في غاية الخطورة، لكنَّ هذا الأمر من أخطرها وأشدِّها، ذاك أنَّ الشريعة المقدَّسة قد نَبَّهت قبلَ غيرها من خطورة (قاعدة الإلفة)، أو ما يُعرفُ اليوم ب (مبدأ الإلفة)، حيثُ ثبت عند علماء النفس الاجتماعي أنه (كلما زاد تعرض الأشخاص إلى أشياء معينة، زادت درجة تعلق الأشخاص بهذه الأشياء)..

ويجري هذا المبدأ في الأمور الأخلاقية والاجتماعية والدينية وغيرها.

ويفسِّرُ علماء الاجتماع ذلك بأنَّه يولدُ نوعاً من (التشابه) وينشئ أُطُراً تجمع بين (المُتَلَقي) أي (المتعرِّض) أي (المشاهد) وبين ما يراه.

فإذا تكرَّرَ ذلك مراراً صار الأمرُ مألوفاً ومحبوباً عندَ المشاهِد، وهكذا تتغيَّر ثقافات الناس وعاداتهم وطبائعهم، فكيف بالطفل وهو كالأرض الخالية، فإنَّهُ ينشأ على ما يرى ويُشاهد، ولا يرى بعدَ ذلك شيئاً مما ألفه واعتاد عليه مُنكراً.

ثم لما يكبر ويواجه المنكر حقاً، تجده قد صار مصداقاً لما روي عنهم عليهم السلام في ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهو أسوأ مراتبه، حيث يصل العبادُ إلى مرحلة: فَكَيْفَ بِكُمْ إِذَا رَأَيْتُمُ المَعْرُوفَ مُنْكَراً وَالمُنْكَرَ مَعْرُوفاً ؟! (الكافي ج5 ص59).

إنَّ العبدَ بوصوله إلى هذه المرتبة يخسرُ الدُّنيا أولاً، لأن الإمام يقول: لَتَأْمُرُونَ بِالمَعْرُوفِ، وَلَتَنْهَوْنَ عَنِ المُنْكَرِ، أَوْ لَيُسْتَعْمَلَنَّ عَلَيْكُمْ شِرَارُكُمْ فَيَدْعُو خِيَارُكُمْ فَلَا يُسْتَجَابُ لَهُم (تهذيب الأحكام ج6 ص176).

ولأنَّ مَن ترك الأمرَ بالمعروف: نُزِعَتْ مِنْهُمُ البَرَكَاتُ، وَسُلِّطَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ نَاصِرٌ فِي الأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ (تهذيب الأحكام ج6 ص181).

فكيف ينهى هؤلاء عن المنكر وقد رأوه معروفاً؟!

ثمَّ يؤول ذلك إلى خسران الآخرة أيضاً، يقول أميرُ المؤمنين عليه السلام: وَمِنْهُم‏ تَارِكٌ لِإِنْكَارِ المُنْكَرِ بِلِسَانِهِ وَقَلْبِهِ وَيَدِهِ، فَذَلِكَ مَيِّتُ الأَحْيَاءِ (نهج البلاغة ص542).

لقد قتَلنَا أبناءنا بأيدينا، حين أهملنا أمرهم، وتركنا تربيتهم لأعداء الله وأعداء رسوله، فلم يعُد المنكرُ عندَهم منكراً حتى بقلوبهم، فخسروا الدُّنيا والآخرة.

هكذا يكون الاستهتارُ والتخاذُل وضعف الهمم والجهل سبباً في خسران الدُّنيا والآخرة.. وهكذا يصيرُ الأهلُ سبباً في فساد أبنائهم، وباعثاً لهم على عقوقهم، وعصيان ربِّهم، وخسارة الدُّنيا والآخرة.

فلينظر مؤمنٌ لنفسه.. وليختر أيّ الطريقين.. بعدما هداه الله النجدين.

اللهم نسألك أن تجمع كلمتنا على الحقّ، وتأخذ بيدنا لنرعى أبناءنا نعم الرِّعاية، إنك سميعٌ مُجيب.

والحمد لله رب العالمين

الجمعة ليلة 5 شوال 1443، الموافق 6-5-2022 م


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


شعيب العاملي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2022/07/26



كتابة تعليق لموضوع : الحُسَين.. شَهيدُ الهُدى.. والرَّشاد !
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net