صفحة الكاتب : د . عبير عبد الرسول محمد

الاحتكار وخطورته من المنظور الاسلامي
د . عبير عبد الرسول محمد

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 الاحتكار وحرمته في الاسلام: 

 احتلت مشكلة الاحتكار حيزاً مهماً من سياسة الدولة التوازنية للدولة الاسلامية عصر النبوة؛ نظراً لمكانة السلع الاستراتيجية المُهمة والآمنة من جهة، وحفاظاً على توازن العرض والطلب من جهة ثانية، وما يتبع من توازن قوى التفاعل الطبيعي بين كميات السلع وأسعارها في الأسواق.
 فاحتكار البيع يكون عندما يتولى فيها مجموعة من الأفراد بيع سلعة أو عمل خدمة ليس لها بديل قريب، بأن لا توجد منتجات أخرى يمكن أن تؤثر أثمانها أو كمياتها المباعة منها بدرجة يمتد بها في الثمن الذي يبيع به المحتكر أو في الكمية التي يبيعها.
 وتمكن سيطرة محتكر البيع على العرض سيطرته على السعر، فإذا ما رفع سعره انخفضت المبيعات على حسب قانون الطلب، ولكن هذه السلع المبيعة لن تتوقف كلياً مثلما يحدث من حالة المنافسة التامة، فإذا خفض محتكر البيع سعره وهو ما لا يحدث في حالة المنافسة التامة، فإنه يتمكن من بيع كمية أكبر، أي أن عدد الوحدات التي يبيعها المحتكر يختلف اختلافاً عكسياً مع السعر الذي يفرضه، وبذلك فإن محتكر البيع يختلف عن البائع في ظل السوق التي تتصف بالحرية التامة والمنافسة السليمة، في أنه قادر على أن يفرض بعض السيطرة على العوض أولاً، وعلى السعر ثانياً، وأن يضع لنفسه سياسة سعرية ثالثاً، بينما لا يستطيع التاجر البائع في ظل المنافسة التامة أن يؤثر على مجموع الانتاج أو على السعر، فمحتكر البيع لا يواجه سعر سوق طبيعي (سعر المثل)، بل يستطيع أن يختار السعر ومقدار الانتاج الذي يعطيه أقصى ربح ممكن، فيكون صانعاً للسعر غير العادل، بخلاف بائع المنافسة الحرة يكون آخذاً للسعر الطبيعي العادل.
 وقد اختلفت المذاهب الإسلامية في تفسير الاحتكار، وكان اختلافهم هذا له عدة موارد، وبما أن عصور أئمة وفقهاء المسلمين متأخرة زماناً، وأن الذي يهمنا هو أصل سياسة رسول الله (ص)، وهو أصل التشريع الإسلامي الإلهي العادل، ولذا سوف نقوم ببحث مدى الاحتكار وشروطه في عصر الرسالة؛ لكي نقف على أساس قرآني حديثي تاريخي رصين، ونعرضه بصورة موضوعية علمية.
 ومن متابعة أحاديث الرسول الكريم في هذا الخصوص، نجد فيها حوادث تاريخية كثيرة، كانت أوامره ووصاياه فيها عامة في بعضها وتشمل حرمة الاحتكار بصورة عامة، وأخرى خاصة وتشمل بعض مصاديق الاحتكار من مراقبته وسيره في أسواق المسلمين وتدخله عند رؤيته معاملة خاطئة وباطلة شرعاً؛ كون سياسة الدولة الاقتصادية منعت كل طريق يجعل من ملكية الحال إدارة للظلم والاستغلال والإضرار بالنفس أو بالآخرين، وكذا أكل أموال الناس بالباطل وأخذها بغير وجه حق، وما يتركه هذا الفعل من أضرار فاحشة على السوق والباعة وأهل البلد من إثراء فاحش وكسب خبيث محرم؛ لافتقاره لشرط العمل الصالح، فإن المحتكر وإن كان ثراؤه أو اختزانه للمواد المحتكرة يمكن أن يُعَّد عملاً، إلا أنه غير صالح يؤدي الى الإضرار بالمصلحة العامة، ناهيك عن افتقاره للجهد، فليس له الانتظار حتى تحين الفرصة لاستغلاله حاجات الناس، والتحكم في أسعار السوق.
 حرّم رسول الله (ص) الاحتكار، ومنع وقوعه في أسواق المسلمين، وكان (ص) يؤكد على هذه الحقيقة قائلاً: ((لا يحتكر إلا خاطئ))، حتى أنه (ص) أخرج المحتكر من الإسلام بقوله: ((من احتكر يريد أن يتغالى بها على المسلمين فهو خاطئ، وقد برئت منه ذمة الله)).
 قال أمير المؤمنين علي (عليه السلام) في وصيته لوالي مصر مالك الاشتر المسلمين: ((واعلم أن في كثير منهم ضيقاً فاحشاً وشحاً قبيحاً واحتكاراً للمنافع، وتحكماً في البياعات، وذلك مضرة للعامة وعيب على الولاة، فامنع من الأحتكار، فإن رسول الله (ص) مَنَعَ مِنِهُ)). 
اجراءات دولة الرسول (ص) مع المحتكرين: 
 أما المسلك الذي قام به رسول الله (ص) هو تدخل الدولة المباشر في السوق لتأمين المصلحة العامة، فقد منع (ص) الاحتكار بصورة مطلعة، ويبدو أن هذا المبلغ في سياسة الرسول (ص)، أمران، إما كون الاحتكار حكماً من أحكام الإسلام التشريعية الواجب على الدولة تطبيقها في الأسواق، أو كونه حكماً مؤقتاً لسياسة الدولة الاقتصادية، منع فيه كل أشكال الاحتكار بصورة شاملة بغض النظر عن قصد المحتكر، وذلك لتأسيس قاعدة عريضة يفهمها المسلمون ويطبقونها أيضاً في أرض الواقع.
 عن أمير المؤمنين علي (عليه السلام)، قال: "إن رسول الله (ص) نهى عن الحكرة بالبلد))، فإن للدولة الحق في الحيلولة دون حصول الاستبداد بالسلع والتحكم فيها من قبل أفراد قلائل، ولها الحق في إصدار التشريعات بمنع هذه الممارسة بغض النظر عن نية الفرد.
وشدد رسول الله (ص) على هذا الأمر فيما يتعلق بالطعام فمنع من خلاله أي حبس للطعام سواء بنية الأرض والتضييق بدون هذه النية، وأصدر (ص) قرارات سياسية تحول دون تمكن أي فرد من الاستبداد بالطعام والتحكم في الأسعار، روي عنه (ص) أنه نهى أن يحتكر الطعام،  وقال (ص) يقول: ((من احتكر على المسلمين طعاماً ضربه الله بالجذام والإفلاس))، وقال(ص) : ((من احتكر طعاماً أربعين ليلة فقد برئ من الله تعالى وبرئ الله تعالى منه، وإيما أهل عرصة أصبح فيها امرؤ جائع فقد برئت منهم ذمة الله تعالى)).
 كما أن الدولة الإسلامية اتبعت لمكافحة الاحتكار وخطره على الأسواق نوعين من الإجراءات: إجراءات وقائية، تعمل على منع الاحتكار قبل ظهوره تتمثل في النهي عن لقي الركبان، والنهي عن بيع الحاضر للبادي، وإجراءات أخرى علاجية لمحاربة الاحتكار في حال فتوره في السوق الإسلامية، تتمثل في تعزيز المحتكر، وكف يده عن التصدق من ماله، وتأديب متلقي الركبان، والحاضر الذي يبيع للبادي، والتدخل لإعادة السعر الطبيعي وسعر المثل إلى وضعه، وإلزام المحتكر ببيع السلعة المحتكرة، وفي حال امتناعه عن البيع وإنهاء حالة الاحتكار، فإن الدولة تقوم ببيع السلعة المحتكرة بنفسها، وبتأديب متلقي الركبان والحاضر الذي يبيع للباري، وذلك لدفع الضرر الحاصل على عوم الناس؛ بسبب ذلك الاحتكار.
 ومن إجراءات الدولة أيضاً، أنها قامت بتوسيع دائرة الإنتاج بالحث عليه تارة، وتوزيع بعض الأراضي لاستغلالها على أن تبقى رقبتها ملكاً للدولة في السوق على إنتاج ما هو ضروري لعامة الناس تارة أخرى، إذا ما افتقروا إليه وامتنع أهل الصنائع عنه.

 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . عبير عبد الرسول محمد
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2022/07/27



كتابة تعليق لموضوع : الاحتكار وخطورته من المنظور الاسلامي
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net