صفحة الكاتب : السيد عبد الستار الجابري

بناء المجتمع في دولة امير المؤمنين عليه السلام - الحلقة التاسعة  المطلب الثاني: مشروع الاصلاح المجتمعي عند امير المؤمنين (عليه السلام) 
السيد عبد الستار الجابري

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 عند مراجعة ما تقدم في ثنايا البحث نجد ان المجتمع المسلم قبل  تولي امير المؤمنين (عليه السلام) منصب الخلافة في 18 ذي الحجة عام 34 للهجرة النبوية المشرفة يجد الباحث ان المجتمع الاسلامي مر بمرحلتين، المرحلة الاولى هي مرحلة بناء المجتمع المسلم على ضوء هدي القرآن الكريم، والمرحلة الثانية هي مرحلة تشويه البناء الاجتماعي التي انطلقت بعد رحلة النبي (صلى الله عليه واله) في الثامن والعشرين من صفر سنة 11هجرية.
تولى امير المؤمنين (عليه السلام) ادارة الدولة سنة 34هجرية في ظرف اجتماعي حرج، حيث ان المجتمع الذي تربع على عرش ادارته (عليه السلام) تغيرت فيه العديد من القيم والمباني الاجتماعية التي اسس لها الدين الحنيف واصبح ابناء المجتمع يعتقدون ان ما وصل اليهم هو الدين الحق، فالمشكلة التي كانت تواجه امير المؤمنين (عليه السلام) في اعادة بناء المجتمع المسلم اعقد من اصل بناء المجتمع، حيث ان المجتمع في عهد النبي (صلى الله عليه واله) كان يرى انه لابد ان يبنى على اساس القيم الاسلامية التي يبينها له رسول الله (صلى الله عليه واله) فما اقره رسول الله (صلى الله عليه واله) فهو مقبول وما رفضه مرفوض، ولا توجد قيم موازية لما يأتي به النبي (صلى الله عليه واله)،  اما في عهد امير المؤمنين (عليه السلام) فان الامر منعكس تماماً حيث اصبح المجتمع بعد ثلاثة عقود يعتقد ان ما بين يديه قيم اسلامية، وعلى العكس من مجتمع الدولة النبوية المطهرة الذي كان ابناؤه يرون ان المرجعية المطلقة لرسول الله (صلى الله عليه واله) لم يكن المجتمع الجديد يرى امير المؤمنين (عليه السلام) بنفس تلك العين بل ينظر اليه كحاكم له حق طاعة الحكام، فامير المؤمنين (عليه السلام) امام مجتمع سيرة من تقدم من  ضمن مرجعياته الفكرية وعاد للقيادات القبلية دورها في التأثير على صعيد المواقف السياسية والاجتماعية.
ومما تقدم يمكن اجمال العناصر الرئيسية في حرف البنية الاجتماعية في:
1.  الغاء مرجعية اهل البيت (عليهم السلام) بعد النبي (صلى الله عليه واله).
2.  اضافة مرجعيات في عرض مرجعية الكتاب العزيز والسنة النبوية المطهرة.
3.  تعديل جملة من الاحكام بما تناغم مع رغبة السلطان او طريقته في ادارة الدولة وان كان ذلك مخالفاً للكتاب والسنة النبوية.
4.  دعم المرجعيات الثقافية التي تمتد جذورها الى الفكر التوراتي لسد الفراغ الذي خلفه منع تدوين الحديث ومنع رواية السنة النبوية والاقتصار في الثقافة القرانية على التلاوة فقط.
5.  اعتماد التمييز الطبقي على اسس قبلية وقومية بديلاً عن مبدأ المساواة القرآني.
وهذه الامور الخمس الاساسية التي يتفرع عليها العديد من الامور التي نمت وترعرت في وسط اجتماعي بلغ من العمر ما يقارب 25 سنة أي ان المولود في سنة 11 هجرية بلغ عمره 25 سنة وهو يتلقى من خلال القنوات المؤثرة في البنية المجتمعية معلوماته وثقافته، وكذلك الحال فيمن دخل الاسلام بعد وفاة النبي (صلى الله عليه واله)، وهذه الاجيال ترى ان مفاهيم الاسلام وقيمه هي التي تلقتها عن الاجيال التي عاصرتها، أي انها تعتبر ان ثقافتها ثقافة اسلامية حقة، لا ان ما بين ايديها عبارة عن خليط من الاسلام ومن اراء تستند الى اذواق شخصية واختيارات سياسة ومنهجية اقصائية لمن جعلهم الله تعالى امناء على ايصال احكام دينه الى الامة ولذا فان التعاطي مع هذا الواقع الاجتماعي يمر بظروف ومنعطفات غاية في الصعوبة.
ان من يراجع نهج البلاغة يكتشف مدى التحديات التي كان يواجهها امير المؤمنين (عليه السلام) في اصلاح الواقع الاجتماعي بعد التشوية الذي تعرض له في الفترة الممتدة بين وفاة النبي (صلى الله عليه واله) حتى تصديه للخلافة، ويمكن القول ان الاصلاح الاجتماعي مر بمرحلتين، المرحلة الاولى مرحلة بناء القاعدة المؤمنة والمرحلة الثانية مرحلة تصحيح الخلل في البنية الاجتماعية بعد توليه الخلافة.
المرحلة الاولى: بناء القاعدة المؤمنة
جرى امير المؤمنين (عليه السلام) في بناء القاعدة المؤمنة على النهج النبوي في بناء لبنات الدعوة الى الاسلام، فكانت جهوده (عليه السلام) موجهة في تلك الفترة الى من يتوقع فيهم الخير والصلاح من ابناء المجتمع المسلم وكان يسانده في ذلك خلص اصحابه وهم الاركان الاربعة سلمان وابو ذر والمقداد وعمار (رضوان الله عليهم)، وكانت ساحة نشاطهم الاولى الانصار، لانهم عاصروا الفترة النبوية وادركوا الخطأ الفادح الذي وقوعوا فيه نتيجة لموقفهم في سقيفة بني ساعدة وخذلانهم امير المؤمنين (عليه السلام)، وبعد الحصار الاقتصادي الخانق الذي فرضته السلطة القرشية على امير المؤمنين (عليه السلام) توجه (صلوات الله عليه) الى عملية احياء الاراضي واستعمار البساتين لتوفر مردوداً مالياً يمكنه من توفير النفقات المالية التي يحتاجها في حركته الاصلاحية، وعمد (عليه السلام) الى العمل على بناء مجتمع جديد لا تمتد اليه يد السلطات بسهولة من خلال بنائه فكرياً وعقائدياً وتعليمه اسس الدين وقيمه بعيداً عن تشويهات السلطة فكان (صلوات الله عليه) يشتري العبيد ويعلمهم ويعتقهم بعد ان يوفر لهم من الامكانيات المالية ما يمكنهم من الحياة بكرامة وتشير الروايات الى انه (عليه السلام) اعتق الف عبد، أي انه (عليه السلام) بنى في تلك الفترة الف اسرة مؤمنة بقيم الرسالة النبوية التي تلقيت من معين نبعها الصافي، كما كان لصوت ابي ذر (رضوان الله عليه) الداعي بكل قوة الى ضرورة الاصلاح الاجتماعي والعود الى سنة النبي (صلى الله عليه واله) تأثير كبير في واقع المجتمع الذي عانى الامرين من سياسات ما بعد النبي (صلى الله عليه واله) والتي بدا تأثيرها واضحاً في مركز العاصمة فاضطرت السلطة الى نفي ابي ذر (رضوان الله عليه) الى الشام وحاول معاوية كسبه بكل طريق فلم يفلح فكتب الى عثمان يطلب منه ابعاد ابي ذر (رضوان الله عليه) عن الشام لان دعوته بدأت تؤثر في نفوس الشاميين فأعيد الى المدينة، كما كان لسلمان الفارسي (رضوان الله عليه) دور مهم في التصحيح الاجتماعي في المدائن وتبعه على ذلك حذيفة بن اليمان الانصاري صاحب سر رسول الله (صلى الله عليه واله)، وكان لعثمان بن حيف الانصاري (رضوان الله عليه) ومن معه دور مهم في التصحيح الاجتماعي في البصرة، وكان لعمار(رضوان الله عليه) وجماعة من الانصار والقبائل الشيعية اليمانية في الكوفة كمذحج والنخع دوراً مهماً في الكوفة، ثم الدور الكبير لعمار ومحمد بن ابي بكر ومحمد بن ابي حذيفة (رضوان الله عليهم) في مصر، ففي سنوات الانفراج النسبي عن حركة المهاجرين والانصار تمكن المؤمنون بنهج امير المؤمنين (عليه السلام) من العمل على اعادة ثقافة الامة الى المنهاج الصحيح الذي يؤمن بمرجعية اهل البيت (عليه السلام) وضرورة العودة الى احكام الشريعة الحقة في جميع الشؤون الاجتماعية والسياسية والفكرية، وقد اسهم ذلك كثيراً في رفض المجتمع المسلم الانقياد الى الانحراف الاموي، ومنهجية التأسيس للامبراطورية الاموية، والتي كانت اول بوادرها العصيان المدني ضد الممارسات الظالمة لولاة عثمان من الامويين، والتي توجت ببيعة امير المؤمنين (عليه السلام) خليفة على المسلمين ليعود مسار الامور الى الاتجاه الصحيح.
فالمرحلة الاولى من مراحل الاصلاح كانت تعتمد بناء القاعدة المؤمنة، والتي تبنت التصحيح في حدود دائرة محدودة توسعت شيئاً فيشئاً حتى اصبحت واقعاً اجتماعياً يتنبى الدعوة الى مرجعية اهل البيت (عليهم السلام) والعودة الى القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة ونفي مرجعية ما عدا الكتاب وعدله والسنة النبوية المطهرة، ورفض سياسية قريش في الهيمنة على مقاليد الامور، وحيث ان السلطة القاهرة كانت بيد القرشيين فإن الحركة الاصلاحية لم تتبن المواجهة المسلحة، بل تبنت الاصلاح على الصعيد الفكري والاجتماعي والسياسي، وقد اتت تلك الحركة الاصلاحية التي اتخذت من المنهج النبوي في بناء المجتمع والفرد منهجاً وحيداً لها ثمارها بوصول من نصبه الله تعالى اميناً على تطبيقات احكام الدين وبيان شريعة سيد المرسلين.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


السيد عبد الستار الجابري
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2022/07/31



كتابة تعليق لموضوع : بناء المجتمع في دولة امير المؤمنين عليه السلام - الحلقة التاسعة  المطلب الثاني: مشروع الاصلاح المجتمعي عند امير المؤمنين (عليه السلام) 
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net