صفحة الكاتب : علي علي

غراب الشؤم
علي علي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

   لايختلف إثنان -سويان حصرا- على الكم الهائل من السلبيات التي ترافق عمل مؤسسات الدولة في عراقنا الجديد، عراقنا الذي كتبت له الأقدار أن ينفذ من حكم ملكي تحت السيطرة البريطانية، نهاية خمسينيات القرن المنصرم الى حكم جمهوري عراقي صرف، انفتحت حينها أسارير الفرح والأمل الكبير أمام الشعب المكبوت والمقهور، لكن غراب الشؤم مافتئ يحلق في سماء العراقيين، وكأني بلسان حالهم يسألونه:

ألا يا غراب البين هيجت لوعتي

            فويحك خبرني بما أنت تصرخ

ولم يفسح مجالا أكثر من أربعة أعوام وبضعة شهور فقط، حتى انقض على أحلام العراقيين ليطويها تحت جنح الظلام الحالك أربعة عقود بالتمام والكمال. وكما قيل: "دوام الحال من المحال" فـ "طار صدام" وكان من المفترض أن تطير معه غربان الشؤم والشر من غير عودة، لكن الأرضية كانت خصبة ومهيأة لتناسلها وتكاثرها، فحصل ماحصل ومازال يحصل -ويبدو أنه سيبقى يحصل- مادام المرتع والمربع وافرا غنيا دسما بما يناسب عيش تلك الغربان.

   أما شماعة الإخفاقات والتلكؤات والفشل الذريع المتكرر، فهي الأخرى تتناسل وتتكاثر دواعي تعليق اللوم عليها، فبعد أن كان النظام الملكي وانضواء سياسته تحت لواء بريطانيا العظمى، وعمالة نوري السعيد وعبد الإله والفيصلين ومن بينهما شماعة السابقين، كذلك الحال اليوم، فمن أخفق من ساستنا في أداء واجبه، او فشل في تحقيق تقدم في مستوى مؤسسته، او تهاون في سد ثغرات الفساد المتفشي فيها، او قصر في تلبية مطالب المواطنين فيما مطلوب منه، نجده سرعان مايستحضر بمهارة فائقة شماعة نظام صدام، وهي جاهزة لكل من هب ودب ونط وحط وصال وجال منهم، فيروح يعلق عليها أسباب تأخره وتلكئه وعدم سيطرته على جموح السلبيات في مؤسسته.

وكلنا يذكر عام 2003 إذ الجميع هلل واستبشر خيرا بالتغيير الجذري الذي حصل فيه، وخال بعضنا أن العراق سيسابق الريح، ويعدو وسط أمم العالم المتحضرة ليكون أولها، كما كان قبل أربعة آلاف عام أولها. وأول بشائر ذاك الإحساس هو كمّ الحرية الهائل الذي أمطرته علينا سماء (عام السعد). كذلك شكل الحكومة وآلية انتقاء الحكام وانتقال الحكم فيها، هي الأخرى كانت كلها نقلات نوعية مميزة للعراقيين بعد سني القمع والدكتاتورية.

    إلا أن الرياح لم تكن لتأتي بما يشتهي الشعب، فبعد ان صار أمر الحكومة والرئاسات انتخابيا، حصل ما لم يكن يحصل في زمن الدكتاتور، إذ تلبست نعمة الحريات الممنوحة للمواطن العراقي بلبوس النقمة والوبال عليه، ولم يعد يرى من خيرها غير كثرة الاتصالات وأبراج الشبكات بمسمياتها العديدة، بين عنكبوتية وإلكترونية، ومن الفضائيات هلّت عليه من على شاشات تلفازه قنوات ماكان يراها في عالم الخيال، ومن الأجهزة المنزلية ما يسد عليه كل حاجاته وحاجات ربة بيته وأولاده، وكذلك من المركبات والعجلات والسيارات موضات وماركات يحار في عدّها.

   ولكن في حقيقة الأمر كانت هناك مأساة تغرق فيها البلاد والعباد، أودت أخيرا الى مآل لايسر أي عراقي ينتمي لأرض العراق واسم العراق روحا وهوية وكيانا ووجودا، فالأرض احتلها أوباش، والعرض هتكه رعاع، والمال سلبه قراصنة، والدين لوثه انتهازيون، والرموز هدمها سارقون، والحريات اغتصبها معتوهون لايعرفون معنى الإنسانية والتحضر.

  هو نداء الى ساسة العراق، فلتشكل لديكم هذه المصابات والانتكاسات والتداعيات جميعها صعقة توعوية منشطة، تشحذ فيكم طاقة العمل الدؤوب والنيات الخالصة، لحل المعضلات وفك العقد التي أصابت الجسد العراقي، لإعادة أمجاده وإنقاذه مما وصل اليه، وكفاكم شماعات وإلا فالعاقبة وخيمة على الجميع حكومة وشعبا.

aliali6212g@gmail.com


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


علي علي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2022/08/10



كتابة تعليق لموضوع : غراب الشؤم
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net