* في نهاية حربنا العظيمة مع داعش .. أصبحت لشيعة العراق مهابة في النفوس .. وارتفع منسوب الثقة والاعتزاز إلى أعلى مستوياته..
> سواء في الداخل وبين أبناء الوطن .. حيث أيقن المتشككون بصدق ووفاء العراقيين وعلموا أنهم أهل ثبات في نصرة العقيدة وطاعة للمرجعية ..
> أو في الخارج حيث شاهد العالم إنسانية الشيعة وحبهم لبقية المكونات ودفاعهم عنهم .. ولم تستطيع ألف راية إعلامية شيطانية أن تشوه حقيقة الدم الذي بذله الشيعة دفاعاً عن السني والمسيحي والايزيدي.
* بعد ذلك حصلت أربعة أمور غيرت شكل الأوضاع وأفقدتنا الكثير من مكتسباتنا .. وأعلم أني لو ذكرت كلمة هوية لن تتفاعل معها .. ولو قلت أن الأمر كله صراع هويات لاستغربت كلامي ..
* لكن إليك الأمور الأربعة التي غيرت تلك المهابة وضيعتنا :
أولاً : هوية الحشد
لم تستطع _ حتى اليوم _ أي جهة استغلال الحشد كافراد وقوات وتوجه معنوي .. لكن قراره السياسي والإعلامي كان منذ التأسيس رهيناً لأحزاب السلطة والمتحالفين معها .. فلا موقف سياسي ولا إعلامي يصدر .. إلا وهم يمسكون بخناقه ولا يسمحون له بالانفصال عنهم ..
ولم يستطع الشهيد المهندس تخليصه من قبضة هؤلاء "الأصدقاء" .. وجعل هويته كما أراد فعلاً .. هوية حيادية محضة وأبوية خالصة على الطريقة السيستانية.
* لقد كان لاستغلال الحشد سياسياً أثر سلبي عظيم وشعور عميق بالانكسار المعنوي لدى كل الشيعة الذين قدموا أولادهم في هذا الطريق .. كما أظهر أن الأحزاب السياسية وبعد كل هذه الدماء التي نزفت .. لم تتغير طريقة تفكيرهم الانتهازية التي لاتتورع عن استخدام أي مقدس !
* كان هذا أوضح مؤشر على نية الأحزاب تجاهل توصيات المرجعية وعدم الخضوع لها مادام هناك جمهور يمكن اللعب على وتره العاطفي ..
* وخلاصة هذه المرحلة كانت حقيقة مركبة من ثلاثة ركائز :
١) أدى التأسيس إلى بقاء الحشد وما يحمله من زخم معنوي أسيراً لهم .
٢) أدى ذلك إلى شعورهم بالقوة وعدم الحاجة للمرجع الأعلى.
٣) أدى ذلك إلى تجاهل رأيه رغم شدة وضوحه وصراحته في منع استغلال الحشد سياسياً وأنه سيؤدي إلى خسارة كل شيء .. السلطة .. ومنعة الحشد .. ودعمه الجماهيري.
ثانيا : هوية تشرين
* كنت وما زلت أقول أن الاحتجاجات كانت ( حق ) ولا يمكن أن أندم يوماً على دعمي لتظاهرات عام 2019 .. فقد كانت مطالبها مشروعة ومن نزل فيها وهتف في الساحات كان أصحاب المواكب والشهداء قبل العلمانيين والمتأمركين.
* وجدت أمريكا أن هذا النصر المبارك لرجال الفتوى تم تصنيفه كنصر لإيران الحليف الأبرز للعراق في تلك الحرب .. وليس لأمريكا التي تسوق نفسها مخلصاً للعراقيين .. وخشي الأمريكان أن يتم الاستيلاء على المؤسسة الأمنية العراقية من قبل الإيرانيين وعبر نافذة الحشد .. ولذا رمت واشنطن بثقلها في التظاهرات لتكون موجهة ضد إيران في المقام الأول .. وليس لتحسين أوضاع العراقيين.
*وهكذا برزت لدينا هوية جديدة على الساحة وهي ( تشرين ) زادت من انقسام الشارع أكثر مما هو فيه ( وأجدني مضطراً للتكرار أن التظاهرات حق لا ريب فيه وستعود .. لكن الحديث عن هوية سياسية جديدة بوصفها الليبرالي المتطرف ضد الخط الديني ).
* وكانت هذه الهوية التشرينية إفرازاً لثلاثة أمور أساسية .. لو قارنتها بالركائز الثلاثة التي ذكرتها في النقطة الأولى ستجدها متطابقة من حيث المقدمة والنتيجة :
١) حاولت أحزاب السلطة الاحتماء بالحشد واستخدام جمهوره في صد ورد التظاهرات إعلامياً واجتماعياً .. ليشتبك الإخوة والأهل فيما بينهم بدون أي مبرر لذلك سوى حماية السلطة.
عد إلى الركيزة الاولى في أولاً ستجد سبب ذلك الاستحواذ على قرار الحشد .. وإلا فمتى كان الحشد ( الشعبي ) ضد الشعب ومدافعاً عن السلطة ؟!!
٢) تطرف أحزاب السلطة في قمع التظاهرات واتهامها بأبشع التهم منذ بدايتها وقبل أن يتضح دور المتأمركين والمندسين .. ولم تكن هناك أدنى رغبة في التفاهم معهم وكلهم أولادنا.
عد إلى الركيزة الثانية ستجد أن سبب هذا القمع كان الشعور بالقوة.
٣) مع انسحاب الخط الديني من التظاهرات بسبب صراع أمريكا والأحزاب المتحالفة مع إيران .. والتجاهل التام لتوصيات المرجعية في احتواء المتظاهرين ووصفهم بالأحبة .. لم يبق في الساحة إلا خط ليبرالي متطرف استطاع احتواء الشباب المحبط لتكون لدينا هوية جديدة تزيد من عمق الانقسام.
ثالثاً : هوية التيار
* عرف التيار الصدري منذ تأسيسه هوية واحدة وهي ( مقاومة المحتل ) .. وبعد نهاية هذه المرحلة شهد التيار تحولات كبيرة كان خلالها باحثاً عن هويته الخاصة وسط هذه الامواج .. ولأنه _ حتى اليوم _ لم يعثر على هوية واضحة فقد كان الولاء لزعيمه والسمع والطاعة هو المعيار الأساسي في رسم دائرته الاجتماعية.
* وهذا البحث عن الهوية واضح في حقيقة بسيطة أضعها بين قوسين وهي (( التيار لا يمر بخط من الخطوط ويختلط معه لفترة إلا ويفقد بعض عناصره لصالح هذا الخط )).
* مثلاً كان التيار في بداية تأسيسه تحت جناح إيران .. وعندما قرر الخروج عنها ترك خلفه مجموعة من قياداته وأفراده الذين رفضوا مغادرة الجناح الإيراني ..
* وكذلك .. عندما تحالف التيار مع جهات علمانية وليبرالية لفترة من الزمن .. ثم قرر الانفصال عنها .. ترك خلفه أيضاً مجموعة من قياداته وأفراده الذين راقهم البقاء مع التيار المدني .. وبعضهم ترك عمامته.
* ولك أن تتخيل حجم التحولات خلال أربعة أشهر فقط من عمر التيار .. حيث كان قبل تشرين 2019 جزء من السلطة ( الأحزاب الإسلامية ) .. وعندما لم يشعر بالاندماج معها _ سواء في الأيديولوجية أو المصالح _ تحول في تشرين 2019 لصالح التظاهرات .. ثم لم يجد فيها ما يحقق استقراره .. فعاد وتركها لوحدها .. حتى قرر أنه لن يكون جزءاً من مشروع أحد وسيكتفي بنفسه وجمهوره .. فشارك في الانتخابات لوحده .. وأراد تشكيل الحكومة لوحده _ شيعياً _ وانسحب لوحده .. ونزل إلى الشارع لوحده.
* وهو اليوم إذ يعتصم في الخضراء .. فإنه يعتمد على نفسه رغم علمه بصعوبة ذلك .. ورغم طلبه الصريح باكثر من طريقة بأن ينضم الآخرون إليه سواء خط ديني أو ليبرالي .. لكن هذه المرة .. هو صاحب المشروع الذي يطلب من الآخرين اتباعه .. فلا يعقل أن يكون للآخرين هوياتهم .. ويبقى هو في مهب التغيرات.
* هذا الأمر عقد المشهد وجعل إقناع التيار بالحوار صعباً للغاية .. ولست أدري سيستقر على أي حال.
رابعاً : ماهي هويتنا
* لاشك أن الهويات الثلاث التي ذكرتها تضم غالبيتها أفرداً جيدين ومؤمنين بوطنهم .. ولكن المشكلة أن كلاً منهم يريد الوطن بشرط هويته ولا يفكر بالتنازل عنها.
* وما دام هناك حلم أسود تعيشه كل هوية بأنها ستبتلع الأخرى .. فسيبقون يتصارعون إلى ماشاء الله.
* وما دمنا لم نعثر على هويتنا الوطنية التي تجمعنا _ وطالما ركز المرجع الأعلى على أن هذا مفتاح الحل _ فلا نتوقع صعود دماء جديدة وانتهاء هذا الصراع .. وسنبقى عاجزين متفرجين لأننا ببساطة لانعرف .. سنتحرك من أجل ماذا ؟.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat