صفحة الكاتب : مسلم عباس

محلل سياسي أم مداح للسلطة؟
مسلم عباس

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

قبل تشكل حكومة السيد مصطفى الكاظمي طلبني أحد الأصدقاء لأذهب معه إلى السوق لشراء بدلة جديدة تليق بعمله الجديد، قال إنه سيكون ضمن فريق حكومة السيد الكاظمي وهي وظيفة رسمية كان يتمناها منذ مدة طويلة.

قلت له: أليست التعيينات متوقفة الآن بسبب برنامج التقشف الحكومي؟

أجاب: لكنني حصلت على ضمانات بالتعيين وسوف يصدر الأمر الرسمي في أقرب وقت.

بعد مدة شاهدت الرجل في وسائل الإعلام كمحلل سياسي، وهو ذات عمله المعتاد منذ سنوات، والفرق أنه بدأ يظهر بشكل مكثف وغير مفهوم، يخرج من قناة ويدخل في أخرى، يكاد يكون ظهوره في جميع النشرات الإخبارية للقنوات الفضائية.

التحليل السياسي بالنسبة له صار وظيفة رسمية يستعرض فيها سياسات الحكومة ويدافع عنها، لم يعد محللاً سياسياً بل متحدثاً رسمياً غير معلن، بمعنى آخر أصبح ناطقاً سياسياً وهمياً تعرض الحكومة آرائها من خلاله مع مجموعة المحللين الآخرين.

وقد تقوم الحكومة بدفع رواتب للمحللين، بأشكال مختلفة، فالمهمة التي يقومون بها ليست بسيطة، وهم الواجهة الفعلية لحكومة السيد الكاظمي، وتناسل عدد المحللين السياسيين وظهرت أسماء جديدة للساحة، بينما برزت أسماء قديمة بكثافة غير معهود وبآراء بعيدة عن التحليل السياسي وقريبة من الدفاع المستميت عن الحكومة.

ومن المفيد استذكار ما قاله الخبير القانوني الراحل طارق حرب في أحد البرامج التلفزيونية، بأن الكاظمي هو الذي أخرجه للتلفزيون، ويقصد بأن رئيس الحكومة هو من ساعده في الظهور التلفزيوني بهذه الكثافة التي تحولت إلى ظهور يومي في أغلب البرامج التلفزيونية مدافعاً شرساً عن الحكومة، على نفس طريقة صديقي المحلل الذي ذكرته في المقدمة.

وفي إحدى حلقات برنامجه الحواري تطرق الإعلامي أحمد ملا طلال بشكل عرضي إلى هذه الظاهرة، وحسب ما قال إن السياسيين ونواب البرلمان يتكبرون على وسائل الإعلام، لذلك اضطرت هذه المؤسسات للاستعانة بالمحللين السياسيين لتعويض الفراغ الذي أحدثه غياب السياسيين.

لكن التفسير الذي ساقه ملا طلال ليس هو السبب الوحيد لاحتلال المحللين السياسيين النشرات والبرامج التلفزيونية، إنما الدور الجديد المناط بهم، فالحكومة تريد استغلال سمعتهم باعتبارهم اطرافاً محايدة، وعن طريق هؤلاء المحللين الذين يعتبرون محايدين يمكن تمرير الرسائل السياسية.

وللمحللين السياسيين اليوم وظيفة أخرى جديدة، وهي استخدامهم كخطوط دفاع أولية، فهم لا يخجلون من الدفاع عن خطوات حكومية خاطئة، والحجة أن هذا جزء من تحليل الواقع الراهن.

وليست حكومة الكاظمي وحدها من استخدمت المحللين السياسيين، فمن سبقها لم يكن أقل حيلة، لكن الفرق بالكثافة غير المعهودة بعدد مرات الظهور للمحلل السياسي الواحد، محتلين شاشات التلفزيون، ومسيطرين على خطاب موحد يرتكز على "المدح والتبجيل".

حاولت الأحزاب تصدير محللين لمواجهة محللي الكاظمي، يدافعون بشراسة عن متبنيات أحزابهم، وانتشروا عبر الفضائيات، وربما كانوا يعادلون محللي الكاظمي عدداً، فكل برنامج فيه محلل للكاظمي تجد المحلل المضاد من الأحزاب المخاصمة له.

المشكلة بالنسبة لمحللي الأحزاب أن الخطاب الذي يدافعون عنه مستهلك وغير قابل للهضم الجماهيري، ويسبب الاستفزاز في كثير من الأحيان، فهو خطاب ضيق الأفق وسطحي، وقد لا يتماشى مع الواقع الجديد الذي صنعه محللوا الكاظمي.

وفي هذا الصراع السياسي الشرس، لم يعد للتحليل السياسي العلمي مكان في وسائل الإعلام العراقية، ففقدنا الرأي السديد الذي يسهم في بناء رأي عام مقتدر على فهم الأحداث الجارية، وعلى هذا الأساس لم يعد وضع محللين منحازين من اتجاهين مختلفين علامة على التوازن الإعلامي، فالتوازن الحقيقي هو باستضافة محللين سياسيين ينحازون للحقيقة فقط، وليس بجلب أشخاص يسبقون أسمائهم بدال الدكتوراه ويمدحون أخطاء القوى المسيطرة (حكومة وأحزاب متنفذة).


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


مسلم عباس
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2022/08/23



كتابة تعليق لموضوع : محلل سياسي أم مداح للسلطة؟
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net