صفحة الكاتب : سالم مشكور

الفساد الوقح محصن
سالم مشكور

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

كثيرٌ من المفردات والتوصيفات الجميلة تفقد قيمتها عندما تستخدم عكس مضمونها. مثلا، صدع النظام السابق رؤوسنا بشعارات الوحدة والحرية، لكن الأداء كان عكس ذلك تماماً. الحرية لم يعرفها كل من ولد أو ترعرع في عهد البعث، بل كان الحديث عنها يجلب الملاحقة والتصفية في السجون أو الشارع، والوحدة كانت غطاءً لسياسة تفتيتٍ لنسيج هذا المجتمع، من خلال سياسة التمييز والاقصاء التي تمت لمكوناته بما فيها المكون الأكبر عدداً.

نتيجة تلك السياسة كانت، بعد زوال ذلك النظام، نزعات انفصالية عند مضطهدين سابقين، كالكرد، ومتخوفين من الانتقام بفعل معادلة الحكم الجديدة. النتيجة الأخرى هي أن تلك السياسات أساءت لمفردات الوحدة والحرية، وأفسدت معناها في وعي الناس. الشيء نفسه يحدث في موضوع الحديث عن الفساد ومكافحته.

منذ التغيير ونحن نسمع شعارات مكافحة الفساد وعنتريات مكافحته يرفعها من هم معروفون بالفساد، أو من يتضح لاحقاً أنهم غارقون فيه، وما نعيقهم ضده سوى للتغطية على فسادهم، فهم كالعاهرة التي تحاضر عن العفة والشرف.

ما فعله هؤلاء هو تسفيه الحديث عن محاربة الفساد وزرع الشك في عقول الناس، حيال من يسلك طريق محاربته بصدق وإخلاص، خوفاً من أن يتضح لاحقاً أنه جزء من الفاسدين. الحصيلة ستكون في صالح الفاسدين عندما لا يجد الكشف عن فساد صدى في النفوس.

في برلماننا الحالي عددٌ محدودٌ من نواب يتصدون لكشف عمليات فساد كبيرة، لكن الملاحظ أن كثيرا من الناس بدأ يشكك بهم، وهذا ما يسعد الفاسدين وسرّاق المال العام، الذي يغيب عنه، أن تسفيه الحديث عن الفساد يشكل غطاء لاستمرار الفاسدين، الذين يجهدون في ابتداع أساليب التبرير والتقليل من أهمية صفقات الفساد.

أحد هذه التبريرات ما قاله برلماني سابق و"محارب سابق" للفساد ومتهم رئيس بصفقة فساد القرن الحالية، من أن مبلغ الملياري دولار المسروقة من أمانات الضرائب هي ليست سرقة مال الشعب، إنما هي أمانات للشركات النفطية.

وعلى افتراض صحة كلامه فإنه يقول هنا إن سرقة مال الشركات أمر مباح. ما يقوله النائب السابق الذي طالما ملأ فضاء الاعلام ضجيجا وكشفا لصفقات فساد، غير صحيح أبداً. الأموال الطائلة المسروقة من مديرية الضرائب هي أمانات تضعها الشركات، ليتم حسم مبالغ الضريبة المستحقة عليها لاحقا، أي أن جزءاً كبيرا منها هي ضرائب تعود للخزينة وما يتبقى منها يعاد إلى الشركات.

في حالة السرقة الكبرى الحالية فان الشركات ستقاضي وتسترد ما يتبقى من أماناتها بعد حسم الضرائب، فتدفع الحكومة ذلك مجبرة، أما ما يتعلق منها بالاستحقاق الضريبي، فيكون مال الشعب الذي تمت سرقته.

الفساد بلغ مرحلة من الانتشار والتوغل العميق لدرجة أنه لا يتم فردياً، إنّما عبر شبكات تشترك فيها أكثر من جهة، كي تضمن لفلفة الموضوع عند انكشافه


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


سالم مشكور
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2022/10/28



كتابة تعليق لموضوع : الفساد الوقح محصن
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net