صفحة الكاتب : ماجد عبد الحميد الكعبي

الاستشراق (المعرفة الخطرة ) و التحكم في توجيه الصراعات المذهبية
ماجد عبد الحميد الكعبي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
لم يزل ادورد سعيد وطروحاته في الاستشراق يثيران الجدل الواسع ولا زال مشروعه يتعرض لانتقادات كثيرة هدفها الحد من خطورة النتائج والتحليلات المهمة التي افرزها مشروعه النقدي لحركة الاستشراق وارتباطاته المعرفية بالاستعمار والامبريالية ، واذا كان كتابه ( الاستشراق )  الصادر عام 1978 قد شكل بداية المشروع فان كتابه ( تغطية الاسلام ) الصادر عام 1981 م يأتي ليعزز كثيرا من تلك الافكار المطروحة في كتابه الاول ولاسيما  التركيز على الاسلام وكيف تم تمثيله في الاعلام الامريكي ، ويبدو لي ان الكتاب الثاني اكثر قربا في تحليله للخطاب الغربي ودوره في تفكيك المنظومة الثقافية والفكرية الاسلامية من اجل السيطرة والهيمنة السياسية والتي ستتبعها بالنتيجة المصالح الاقتصادية ، لكن الكتاب لم ينل عناية الدارسين العرب اما  لكون مادته – في معظمها -  مركزة على تجربة الثورة  الاسلامية الايرانية بوصفها نموذجا معبرا عن الخطاب الاسلامي الشيعي وصراعه مع الهيمنة الامريكية - الغربية ، او بسبب ان الكتاب لم يترجم الى العربية إلا مؤخرا وبالضبط في عام  2006م مقارنة مع كتاب الاستشراق الصادر بالعربية عام 1981م .
ولا يخفى ان سعيد  قد ربط  بين الاستشراق بوصفه معرفة والقوة الاستعمارية ربطا جدليا مستفيدا من تنظير فوكو في المعرفة والقوة على الرغم من ان الربط الاصطلاحي بين الاثنين معروف في زمن ابعد من ذلك ، فقد ورد في سفر الامثال من العهد القديم من الكتاب المقدس  المثل القائل ( المعرفة قوة ) ، تقول : ( الرجل الحكيم في عزّ ، وذو المعرفة متشدد القوة ) ، وفي عام 1620م قال فرنسيس بيكون : ( المعرفة نفسها قوة ) وهناك مثل انكليزي مستمد من قول الشاعر الكسندر بوب يقول : ( المعرفة القليلة شيء خطر ) ، وفي رده على كتاب الاستشراق الف روبرت ارفن المستشرق البريطاني المعاصر ( وتلميذ المستشرق الامريكي المعروف برنارد لويس ) كتابا بعنوان : ( المعرفة الخطرة : الاستشراق و الساخطون عليه ) بطبعته الامريكية (2008 )  الذي قد  طبع  قبل ذلك في لندن  تحت عنوان : (من اجل شهوة المعرفة : المستشرقون وأعداؤهم ) (2006 ). 
اذن الاستشراق معرفة خطرة تولّد الاعداء وتكثر من الخصوم ، ولا اريد بهذه العجالة ان اخوض بالخطورة وباسبابها ، لذا ساكتفي بالاشارة الى بعض الامثلة التي تبين تلك الخطورة والتي يمكن ان يوظفها الاستشراق في اثارة الصراعات المذهبية والعرقية من اجل الهيمنة على الشعوب وخاصة العربية الاسلامية .
   في مقابلة مع الكاتب المعروف محمد حسين هيكل ورد ذكر المستشرق الامريكي ( برنارد لويس ) في اكثر من مرة اثناء الحديث عن ثورات الربيع العربي ، ولا شك في ان هيكل لم يرد التفصيل في اهمية اراء ( برنارد لويس)  الخفية في ادارة الصراع في المرحلة المقبلة ، لكن الاشارة الى المؤسسة الاستشراقية ممثلة بأبرز اعلامها يعيد ما طرحه سعيد من قبل الى الاذهان  حول النوايا الخفية للاستشراق  ويضع مقاصده على طاولة البحث والنقاش . ونتيجة لذلك يترشح السؤال الاتي :
هل ستسهم المؤسسة الاستشراقية مرة اخرى في اعادة  تشكيل الشرق الاوسط الجديد ؟ 
واستنادا الى ما يبدو من مشاهد  لطلائع الاحداث الجارية في العالم العربي ستكون الاجابة عن السؤال : نعم . والشاهد على ذلك قول هيكل : ( ان الاعتراف الامريكي والغربي بالاخوان المسلمين لم يجئ قبولا بحق لهم ، ولا تقديرا تجلت دواعيه فجأة امام المعترفين ، ولا اعجابا  ولا حكمة ، لكنه جاء – ولو جزئيا – بنصيحة عدد من المستشرقين بينهم ( برنارد لويس ) – ايضا – فقد تطلب مددا يستكمل عزل ايران في العالم الاسلامي والعربي بالفتنة المذهبية و ما حدث انه في بداية القبول بنصائح برنارد لويس ان السياسة الامريكية حاولت توظيف قادة وزعماء من العرب ،-  سواء في ذلك - امراء السعودية من الملك فهد وغيره او رؤساء دول عربية مؤثرة مثل مبارك – لتحقيق المطلب !)
 ويتابع هيكل كلامه عن نصيحة اخرى قدمها لويس بعد ان  فشلت ( جهود الامراء والرؤساء وهم يحاولون تغيير طبيعة الصراع الرئيسي من كونه (عربيا – اسرائيليا) حتى يصبح (عربيا – فارسيا ).. لذلك  تجددت نصيحة الاستشراق بان الافضلية هي فاعلية المواجهة لتصبح اقوى من كونها حكومات امام حكومات لكي تصبح مجتمعات ضد مجتمعات ، اي انه بدلا من مواجهة بين السعودية وايران ، فلتكن المواجهة بين المذاهب الاسلامية ، فذلك عداء مباشر واعمق نفاذا ، تجمعات جماهيرية من السنة تواجه تجمعات جماهيرية من الشيعة ).
هذه ليست انشائيات الذين يؤمنون بنظرية المؤامرة ، فلم يكن سعيد معروفا باتجاهه القومي مثل هيكل بل كان يساريا ، وقد استشرف ذلك الواقع منذ نهاية السبعينات وما بعدها وكان يرى نتائجه تتحقق الواحدة بعد الاخرى بدلالة انه لم يضف شيئا على ما كتبه في ( الاستشراق) و(تغطية الاسلام ) شيئا سوى بعض الايضاحات في مقدمات طبعاته ، لذلك قال روبرت ارفن في سبب تأليف كتابه - المعرفة الخطرة - : ( لم يكن هذا الكتاب موجودا لولا كتاب الاستشراق لسعيد ) مستغربا من ان سعيدا لم يعدل عن ارائه التي طرحها في بداية الثمانينات الى حين وفاته ، لذلك جاء في 2006 م  ليرد ويفند الاراء التي تبناها سعيد في المعرفة الخطرة غير واع او مدرك لا بل يبدو لي كان متغافلا ومتعاميا  طيلة تلك المدة من الزمن عن مصداقية ما تحقق وما يتحقق من تنبؤات سعيد وتحليلاته لخطاب الاستشراق ، واذا اراد ارفن ان يكون موضوعيا فعليه ان يعدل هو عن ارائه في سعيد بعدما اصبحنا نلمس تدخل الاستشراق وبقوة في تعديل وتحويل وجهات الصراع في البلاد العربية ، ففي 2006م وما قبلها كانت البدايات وما بعد 2010م اصبحت الامور واضحة وغير خافية إلا على الذين عميت بصائرهم قبل ان تعمى ابصارهم ، تلك وقائع معاشة ونشاهد بوادرها الان في اكثر من بلد عربي . 

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


ماجد عبد الحميد الكعبي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2012/05/18



كتابة تعليق لموضوع : الاستشراق (المعرفة الخطرة ) و التحكم في توجيه الصراعات المذهبية
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net