صفحة الكاتب : د . فاضل حسن شريف

الافك و أفاك و المؤتفكات في القرآن الكريم (ح 3)
د . فاضل حسن شريف

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

تكملة للحلقة الثانية قال الله تعالى عن كلمة افك ومشتقاتها "يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ ۚ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ۚ لَا إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ ۖ فَأَنَّىٰ تُؤْفَكُونَ" ﴿فاطر 3﴾ فأنى تؤفكون اي فكيف تصرفون عن توحيده مع إقراركم بأن الله هو الخالق الرازق، و "ذَٰلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ لَّا إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ ۖ فَأَنَّىٰ تُؤْفَكُونَ" ﴿غافر 62﴾ فأنى تؤفكون اي فكيف تصرفون عن توحيده، و "كَذَٰلِكَ يُؤْفَكُ الَّذِينَ كَانُوا بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ" ﴿غافر 63﴾ يؤفك اي يصرف، و "وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ ۖ فَأَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ" ﴿الزخرف 87﴾ فانى يؤفكون اي فكيف يصرفون عن عبادته، و "قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَأْفِكَنَا عَنْ آلِهَتِنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ" ﴿الأحقاف 22﴾ فاستعملوا الإفك في ذلك لما اعتقدوا أن ذلك صرف من الحق إلى الباطل، فاستعمل ذلك في الكذب، و "وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ ۖ وَإِن يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ ۖ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ ۖ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ ۚ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ ۚ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ ۖ أَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ" ﴿المنافقون 4﴾ أنى يؤفكون اي كيف ينصرفون عن الإيمان وهم يشاهدون براهينه، و "وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كَانَ خَيْرًا مَّا سَبَقُونَا إِلَيْهِ ۚ وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هَـٰذَا إِفْكٌ قَدِيمٌ" ﴿الأحقاف 11﴾ افك قديم اي من كذب الأولين، و "فَلَوْلَا نَصَرَهُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ قُرْبَانًا آلِهَةً ۖ بَلْ ضَلُّوا عَنْهُمْ ۚ وَذَٰلِكَ إِفْكُهُمْ وَمَا كَانُوا يَفْتَرُونَ" ﴿الأحقاف 28﴾ افكهم اي أثر كذبهم في اتخاذها آلهة، و "وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَىٰ" ﴿النجم 53﴾ المؤتفكة هي قرى قوم لوط او المنقلبات‌، و الافك‌ الكذب‌ لأنه‌ قلب‌ المعني‌ ‌عن‌ جهة الصواب‌، و "وَجَاءَ فِرْعَوْنُ وَمَن قَبْلَهُ وَالْمُؤْتَفِكَاتُ بِالْخَاطِئَةِ" ﴿الحاقة 9﴾ والمؤتفكات: الواو حرف عطف، ال اداة تعريف، مؤتفكات اسم، المؤتفكات أي أهلها وهي قرى قوم لوط.
انتصر موسى عليه السلام على السحرة الذي وصفه القرآن بيوم الزينة "قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى" (طه 59). وفصلت هذه الحادثة في سورة الاعراف الايات 104-120 منها "وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ * فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانْقَلَبُوا صَاغِرِينَ * وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ " وهي احدى انتصارات موسى عليه السلام على فرعون. ‌قال‌ الشاعر: و أنت‌ عصي‌ موسي‌ ‌الّتي‌ ‌لم‌ تزل‌ تلقف‌ ‌ما يأفكه‌ الساحر.
جاء في التفسير القراني للقران لعبد الكريم يونس الخطيب: قوله تعالى: "ذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ" (غافر 62) فى الإشارة إلى الله سبحانه وتعالى، إلفات لهؤلاء الغافلين عنه، المشركين به، العاكفين على عبادة ما يعبدون من أوثان وغير أوثان، مما صنعت أيديهم، أو تصورت أوهامهم، فالله سبحانه هو خالق كل شىء، وما يعبده هؤلاء المشركون من معبودات، هى مخلوقات لله، والمنطق يقضى بداهة بألّا تكون عبادة إلا للخالق وحده سبحانه وتعالى، وأن عبادة غيره سبحانه، ضلال مبين. وقوله تعالى: "فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ" استفهام إنكارى، ينكر على هؤلاء المشركين أن يولوا وجوههم إلى غير الله الواحد، الخالق لكل شىء. والإفك: العدول عن الحق إلى الباطل، وعن الهدى إلى الضلال. قوله تعالى: "كَذلِكَ يُؤْفَكُ الَّذِينَ كانُوا بِآياتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ" (غافر 63). أي بمثل هذا الإفك، والافتراء على الله سبحانه بنسبة الشركاء إليه، يأفك ويفترى كل من يجحد بآيات الله، ولا يعرف ما فيها من دلائل الكمال والجلال لذات الله سبحانه وتعالى. إن آفة الضالين والمشركين، هى جهلهم بآيات الله، وعدم وقوفهم عليها، الأمر الذي ينتهى بهم إلى إنكارها، ثم إلى إنكار الله.
جاء في الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله للسيد جعفر مصطفى العاملي: يقول اللّه تعالى: "إِنَّ اَلَّذِينَ جٰاؤُ بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ" (النور 11) و إذا لاحظنا معنى العصبة في اللغة، فسنرى أن معناها: الجماعة المتعصبة المتعاضدة. فيكون مفاد الآية: أن ثمة جماعة قد تعاضدت و تعاونت على صنع قضية الإفك، و المجيء به وافترائه. . و إلا لعبر بكلمة: جماعة، أو طائفة، أو نحو ذلك. مع أن الأمر في قضية الإفك على عائشة لم يكن كذلك، لأن روايات الإفك على عائشة تفيد: أنها لما قدمت مع صفوان مرت معه على ابن أبي فقال: امرأة نبيكم باتت مع رجل حتى أصبحت. أو قال: «فجر بها و رب لكعبة» و العياذ باللّه. . ثم صار يجمع، و يستوشي الأخبار. و هذا معناه: أن بدء الإفك كان من رجل واحد و بشكل عفوي، من دون اتفاق و تعاضد مسبق. كما أن ظاهر الآية: أنهم جاؤوا بالإفك معا، لا أن أحدهم جاء به، ثم تبعه آخر و صدقه، و قذف متابعة له. عصبة منكم: ثم إن قول أم رومان: إن الإفك كان من الضرائر، لعله يقرب: أن المراد من قوله في الآية "عُصْبَةٌ مِنْكُمْ": أن بعض نساء النبي صلى اللّه عليه و آله قد اشترك في قضية الإفك، بشكل رئيسي و فعال بحيث يصح نسبة ذلك إليهن من قبل أم رومان. و قد انضم إليهن أقرباؤهن أو من له اتصال بهن بسبب أو نسب. . حتى صاروا عصبة و لذا قال تعالى: مِنْكُمْ . و لكنه صرح بكلمة اَلْمُؤْمِنُونَ في قوله: "ظَنَّ اَلْمُؤْمِنُونَ" مما يعني: أن ثمة تمايزا من نوع ما بين من يطلب منهم الظن الحسن، و الذين جاؤوا بالإفك. . و لو كان المقصود ب‌ منكم أي من المؤمنين، لكان اللازم أن يقول: ظننتم بأنفسكم خيرا ليتحد السياق و ينسجم الكلام. ثم إن عددا من روايات الإفك قد صرّح في تفسير كلمة عصبة منكم بأن المراد هو: أربعة منكم . و هذا هو ما تذكره غالب روايات الإفك فإنها لم تذكر أزيد من أربعة أشخاص، هم: ابن أبي، مسطح، حسان، حمنة. و زاد بعضهم: عليا، و عبد اللّه بن جحش، و عبيد اللّه بن جحش. و زاد بعضهم: زيد بن رفاعة. و قد ذكرنا: أن تهمة الثلاثة الأواخر لا تصح تاريخيا، و يبقى الأربعة الأوائل. و قد برأت عائشة حسان أو برأ نفسه، و برأه عدد من المؤرخين، و أنكر مسطح أيضا: أن يكون ممن خاض في الإفك. و علي أيضا: ذكروا أنه برأها. و برأه الزهري. و لم يبق على الساحة سوى ابن أبي، و حمنة بنت جحش. إذا عرفنا هذا. فلنعد إلى النص القرآني حول قضية الإفك، لنجده يقول: "إِنَّ اَلَّذِينَ جٰاؤُ بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ" (النور 11) و العصبة لغة: هي الجماعة من العشرة إلى الأربعين و فسرها في أقرب الموارد بالعصابة، و فسر العصابة بالجماعة من الرجال، و من الخيل، و من الطير، و قيل: العشرة، و قيل: ما بين العشرة إلى الأربعين. و قال العسقلاني: العصابة بكسر العين الجماعة من العشرة إلى الأربعين. و لا واحد لها من لفظها. و يؤيد ذلك: أن عروة قال: لم يسم من أهل الإفك غير عبد اللّه بن أبي، و حسان، و حمنة، و مسطح في آخرين، لا علم لي بهم، غير أنهم عصبة. مما يعني: أن العصبة هم أكثر من ذلك. و عليه. . فلا يمكن أن نصدق ما نسب إلى ابن عباس من تفسير العصبة بالأربعة فقط. فإن ذلك خلاف اللغة و العرف. و ابن عباس من البلغاء الفصحاء، لا يصدر عنه مثل ذلك. و على كل حال. فإن السبعة أو الثمانية لا يصدق عليهم: أنهم عصبة. فكيف بالاثنين أو الأربعة. سواء أفسرنا العصبة بالعشرة. أو فسرناها بما بين العشرة و الأربعين. و مجرد إفاضة الناس في أمر الإفك. لا يعني أن هؤلاء الناس هم الذين جاؤوا بالإفك. كما هو ظاهر. فأين ذهبت أسماء بقية العصبة؟ و كيف غفل الناس عن أمر هام كهذا الأمر؟ نعم لا بد أن يكون ذكر أسمائهم مضرا بمصالح الذين يهتمون برواية حديث الإفك على هذا النحو الذي ذكرناه. و لعل هذه النقطة تجعلنا أكثر يقينا في القول: بأن الرواية تنطبق على مارية. حيث اشترك في الإفك عليها من لا يجمل بنا التصريح باسمه و كانت السياسة تقضي بمحو كل الآثار الدالة على حقيقة الإفكين و لربما يأتي بعض ما يدل على ذلك.
جاء في الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل للشيخ ناصر مكارم الشيرازي: ال‍ "المؤتفكات" جمع مؤتفكة من مادة ائتفاك بمعنى الانقلاب، وهي هنا إشارة إلى ما حصل في مدن قوم لوط، حيث انقلبت بزلزلة عظيمة. والمقصود ب‍ ومن قبله هم الأقوام الذين كانوا قبل قوم فرعون، كقوم شعيب، وقوم نمرود الذين تطاولوا على رسولهم. ثم يضيف تعالى: "فَعَصَوْاْ رَسُولَ رَبِّهِمْ فَأَخَذَهُمْ أَخْذَةً رَّابِيَةً" (الحاقة 10). لقد خالف الفراعنة موسى وهارون عليهما السلام وواجهوهما بمنتهى العنف والتشكيك والملاحقة. وكذلك كان موقف أهل مدينة سدوم من لوط عليه السلام الذي بعث لهدايتهم وإنقاذهم من ضلالهم. وهكذا كان أيضا موقف أقوام آخرين من رسلهم حيث التطاول. والتشكيك والإعراض والتحدي.
جاء في بحار الأنوار للعلامة المجلسي: بيان قال البيضاوي: المؤتفكة: القرى التي ايتفكت بأهلها أي انقلبت. وقال في النهاية: في حديث أنس (البصرة إحدى المؤتفكات) يعني إنها غرقت مرتين فشبه غرقها بانقلابها. وقال الجوهري: داء عضال أي شديد أعيى الأطباء.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . فاضل حسن شريف
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2022/11/14



كتابة تعليق لموضوع : الافك و أفاك و المؤتفكات في القرآن الكريم (ح 3)
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net