صفحة الكاتب : د . فاضل حسن شريف

الإبصار و البصائر في القرآن الكريم (ح 1)
د . فاضل حسن شريف

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

قال الله سبحانه عن الابصار في آيات قرآنية "وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ۚ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَـٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا" ﴿الإسراء 36﴾ وَالْبَصَرَ: الواو حرف عطف، ال أداة تعريف، بصر اسم، ولا تتبع أيها الإنسان ما لا تعلم، بل تأكَّد وتثبَّت، إن الإنسان مسؤول عما استعمَل فيه سمعه وبصره وفؤاده، فإذا استعمَلها في الخير نال الثواب، وإذا استعملها في الشر نال العقاب، و "أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا ۖ فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَـٰكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ" ﴿الحج 46﴾ أفلم يَسِر المكذبون من قريش في الأرض ليشاهدوا آثار المهلكين، فيتفكروا بعقولهم، فيعتبروا، ويسمعوا أخبارهم سماع تدبُّر فيتعظوا؟ فإن العمى ليس عمى البصر، وإنما العمى المُهْلِك هو عمى البصيرة عن إدراك الحق والاعتبار، و "وَهُوَ الَّذِي أَنشَأَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ ۚ قَلِيلًا مَّا تَشْكُرُونَ" ﴿المؤمنون 78﴾ وهو الذي أنشأ لكم السمع لإدراك المسموعات، والأبصار لإدراك المرئيات، والأفئدة لتفقهوا بها، ومع ذلك فشكركم لهذه النعم المتوالية عليكم قليل لا يُذْكَر، و "قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ۚ ذَٰلِكَ أَزْكَىٰ لَهُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ" ﴿النور 30﴾ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ: يخفضوا أو يصرفوا النظر عن المحرمات، قل أيها النبي للمؤمنين يَغُضُّوا مِن أبصارهم عمَّا لا يحلُّ لهم من النساء والعورات، ويحفظوا فروجهم عمَّا حَرَّم الله من الزنى واللواط، وكشف العورات، ونحو ذلك، ذلك أطهر لهم. إن الله خبير بما يصنعون فيما يأمرهم به وينهاهم عنه، و "وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ" ﴿النور 31﴾ وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن عمَّا لا يحلُّ لهن من العورات، ويحفظن فروجهن عمَّا حَرَّم الله، ولا يُظهرن زينتهن للرجال، بل يجتهدن في إخفائها إلا الثياب الظاهرة التي جرت العادة بلُبْسها، إذا لم يكن في ذلك ما يدعو إلى الفتنة بها، وليلقين بأغطية رؤوسهن على فتحات صدورهن مغطيات وجوههن؛ ليكمل سترهن، ولا يُظْهِرْنَ الزينة الخفية إلا لأزواجهن، و "أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِن جِبَالٍ فِيهَا مِن بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَن يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَن مَّن يَشَاءُ ۖ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ" ﴿النور 43﴾ بِالْأَبْصَارِ: الباء حرف جر، ال أداة تعريف، أبصار اسم، ألم تشاهد أن الله سبحانه وتعالى يسوق السحاب إلى حيث يشاء، ثم يجمعه بعد تفرقه، ثم يجعله متراكمًا، فينزل مِن بينه المطر؟ وينزل من السحاب الذي يشبه الجبال في عظمته بَرَدًا، فيصيب به مَن يشاء من عباده ويصرفه عمَّن يشاء منهم بحسب حكمته وتقديره، يكاد ضوء ذلك البرق في السحاب مِن شدته يذهب بأبصار الناظرين إليه، و "يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَعِبْرَةً لِّأُولِي الْأَبْصَارِ" ﴿النور 44﴾ لأولي الأبصار: لأصحاب البصائر على قدرة الله تعالى، ومن دلائل قدرة الله سبحانه وتعالى أنه يقلب الليل والنهار بمجيء أحدهما بعد الآخر، واختلافهما طولا وقِصَرًا، إن في ذلك لَدلالة يعتبر بها كل مَن له بصيرة.
جاء في مجمع البيان في تفسير القرآن للشيخ الطبرسي: والبصائر: البراهين والحجج، جمع بصيرة. والبصائر أيضا: طرائق الدم، قال الأشعر الجعفي: راحوا بصائرهم على أكتافهم وبصيرتي يعدو بها عتد وأي أو البصيرة: الترس، وجمعها بصائر، قال الزجاج: وجميع هذا معناه: ظهور الشئ وتبيانه. اللغة: البصيرة: البينة، والدلالة التي يبصر بها الشئ على ما هو به. والبصائر جمعها. والبصيرة: مقدار الدرهم من الدم. والبصيرة: الثأر والدية، قال الشاعر: جاؤوا بصائرهم على أكتافهم * وبصيرتي يعدو بها عتد أي: أخذوا الديات، فصارت عارا، وبصيرتي على فرسي أطلب بها ثأري. وقيل: أراد ثقل دمائهم على أكتافهم لم يثأروا بها. قال الأزهري: البصيرة: ما اعتقد في القلب من تحقيق الشئ والشقة تكون على الجنأ، والإبصار: الإدراك بحاسة البصر. والدرس: أصله استمرار التلاوة. ودرس الأثر دروسا: إذا انمحى لاستمرار الزمان به. ودرست الريح الأثر دروسا: محته باستمرارها عليه.
جاء في الميزان في تفسير القرآن للعلامة الطباطبائي: قوله تعالى "قالَ بَصُرْتُ بِما لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُها وَكَذلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي" (طه 96) قال الراغب في المفردات: البصر يقال للجارحة الناظرة نحو قوله: "كَلَمْحِ الْبَصَرِ" (النحل 77)، و "وَإِذْ زاغَتِ الْأَبْصارُ" (الاحزاب 10) وللقوة التي فيها، ويقال لقوة القلب المدركة بصيرة وبصر نحو قوله "فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ" (ق 22)، وقال "ما زاغَ الْبَصَرُ وَما طَغى" (النجم 17) وجمع البصر أبصار وجمع البصيرة بصائر، قال تعالى "فَما أَغْنى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلا أَبْصارُهُمْ" (الاحقاف 26) ولا يكاد يقال للجارحة: بصيرة، ويقال من الأول: أبصرت، ومن الثاني: أبصرته وبصرت به، وقلما يقال في الحاسة بصرت إذا لم تضامه رؤية القلب. والآية تتضمن جواب السامري عما سأله موسى عليه‌السلام بقوله "فَما خَطْبُكَ يا سامِرِيُّ" (طه 95) وهو سؤال عن حقيقة ذاك الأمر العظيم الذي أتى به وما حمله على ذلك ، والسياق يشهد على أن قوله "وَكَذلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي" (طه 96) جوابه عن السبب الذي دعاه إليه وحمله عليه وأن تسويل نفسه هو الباعث له إلى فعل ما فعل وأما بيان حقيقة ما صنع فهو الذي يشير إليه بقوله "بَصُرْتُ بِما لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ" (طه 96) ولا نجد في كلامه تعالى في هذه القصة ولا فيما يرتبط بها في الجملة ما يوضح المراد منه ولذا اختلفوا في تفسيره. ففسره الجمهور وفاقا لبعض الروايات الواردة في القصة أن السامري رأى جبريل وقد نزل على موسى للوحي أو رآه وقد نزل راكبا على فرس من الجنة قدام فرعون وجنوده حين دخلوا البحر فأغرقوا فأخذ قبضة من تراب أثر قدمه أو أثر حافر فرسه ومن خاصة هذا التراب أنه لا يلقى على شيء إلا حلت فيه الحياة ودخلت فيه الروح فحفظ التراب حتى إذا صنع العجل ألقى فيه من التراب فحيي وتحرك وخار.فالمراد بقوله "بَصُرْتُ بِما لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ" (طه 96) إبصاره جبريل حين نزل راجلا أو راكبا رآه وعرفه ولم يره غيره من بني إسرائيل ، وبقوله "فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُها" (طه 96) فقبضت قبضة من تراب أثر جبريل أو من تراب أثر فرس جبريل والمراد بالرسول جبريل فنبذتها أي ألقيت القبضة على الحلي المذاب فحيي العجل فكان له خوار. وأعظم ما يرد عليه مخالفة هذه الروايات للكتاب فإن كلامه تعالى ينص على أن العجل كان جسدا له خوار والجسد هو الجثة التي لا روح لها ولا حياة فيها، ولا يطلق على الجسم ذي الروح والحياة البتة. وتقرير الآية على ذلك أن موسى عليه‌السلام لما أقبل على السامري باللوم والمسألة عن الأمر الذي دعاه إلى إضلال القوم بالعجل قال :"بَصُرْتُ بِما لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ" (طه 96) أي عرفت أن الذي عليه القوم ليس بحق وقد كنت قبضت قبضة من أثرك أي شيئا من دينك فنبذتها أي طرحتها ولم أتمسك بها وتعبيره عن موسى بلفظ الغائب على نحو قول من يخاطب الأمير: ما قول الأمير في كذا؟ ويكون إطلاق الرسول منه عليه نوعا من التهكم حيث كان كافرا مكذبا به على حد قوله تعالى حكاية عن الكفرة "يا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ" (الحجر 6) ومن المعلوم أن خوار العجل على هذا الوجه كان لسبب صناعي بخلاف الوجه السابق. وفيه أن سياق الآية يشهد على تفرع النبذ على القبض والقبض على البصر ولازم ما ذكره تفرع النبذ على البصر والبصر على القبض فلو كان ما ذكره حقا كان من الواجب أن يقال: بصرت بما لم يبصروا به فنبذت ما قبضته من أثر الرسول أو يقال :قبضت قبضة من أثر الرسول فبصرت بما لم يبصروا به فنبذتها.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . فاضل حسن شريف
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2022/12/09



كتابة تعليق لموضوع : الإبصار و البصائر في القرآن الكريم (ح 1)
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net