فريق الـ بي بي سي.. مهمة سرية في مدن مقدسة
عادل الموسوي

 عشرة أشهر -إستغرقها إعداد تقرير سري- تنقل فيها فريق الـ "بي بي سي" في العراق بين الكاظمية وكربلاء ومدن أخرى، في مهمة سرية "تجسسية" غفلت عنها الجهات الأمنية العراقية..

كاميرات مراقبة خفيّة عبرت حواجز التفتيش..
فخاخ نصبت لرجال دين وجهت اليهم أسئلة عامة حول مواضيع معينة، وفبركت إجاباتهم لتتناسب مع أغراض خبيثة..

إضطرت -صانعة الأفلام وحاصدة الجوائز والصحافية والمراسلة اليمنية- نوال المقحفي لإتمام حبكتها بالإستعانة بممثلات، وأصوات، ومأجورين وسائق "تاكسي" إعتبرته من رجال الدين لمجرد إنه يلقب بـ "السيد"، وكان المحور الأساس في تحقيق تلك الأغراض وصناعة الأدلة لإثبات ما سعت إليه عميلة الـ "بي بي سي". 

لابد لبدلات السفر والإقامة والتنقل والطعام، والأجور والرواتب والمكافئات، وكل ما تستلزمه مهمة الفريق، وما قد يترتب على التقرير من تبعات كالتخصيصات المالية للتعويضات المترتبة على كسب الدعاوى القضائية المرفوعة ضد القناة او مراسليها -أن تحتاج الى ميزانية ضخمة توازي الأهداف المرجوة والنتائج المتوخاة والجدوى المؤملة من هذا التقرير..
إن تلك التقارير -الإستقصائية- تحظى بدعم دولي كبير.. فلابد للأهداف التي تحققها أن تكون كبيرة..

في صندوق الوصف لهذا المحتوى: إنه "تحقيق إستقصائي سري لـ بي بي سي نيوز عربي تم تصويره في بغداد وكربلاء، يكشف عن عالم سري من الإستغلال الجنسي للأطفال والنساء.. يقوم بعض رجال الدين المسلمين بإستدراج الفتيات الضعيفات، والمتاجرة بهن جنسياً مستخدمين ممارسة مثيرة للجدل ولا يسمح بها القانون العراقي هي زواج المتعة"..

يستهل "الفيلم" بمرقد الإمامين الجوادين، من جهة شارع باب المراد، وتستهل نوال المقحفي تقريرها وهي تقول: "أنا في الكاظمية، في وسط بغداد، أحد أهم المزارات الشيعية، يزور الملايين هذا الضريح ويأتي كثير من الرجال والنساء الى هنا للزواج.. 
يجب أن أكون حذرة خلال هذا التصوير، فنحن هنا للتحقيق في مزاعم تقول إن بعض رجال الدين، يستدرجون نساء للدخول في زواج المتعة بطريقة تشبه ما يقوم به ا ل ق و ا د و ن.."

المعادل الصوري: المرقد المقدس وصوت الأذان "حي على الصلاة"، زائرون: عوائل، رجال، نساء، أجواء زيارة حاشدة..
في إيحاء خبيث أن هذه الأفعال -التي ذكرتها المراسلة- تُمارس في ظل هذه البيئة..

تصوير بـ "الدرون" والذي لا يكون إلّا بترخيص من الجهات الأمنية..
كان من المفترض أن تتأكد -تلك الجهات- من طبيعة تقرير نوال المقحفي وأهدافه، فهو يتناول قضية مثيرة للجدل وحساسة، ومن الممكن جدا أن تكون منفذا سهلا للمطلوب إثباته.

إن محور تقرير نوال المقحفي كان عن الزواج المؤقت أو المنقطع أو المتعة وهو ما يفضله البعض في التسمية تشنيعا وإعابة..

إلتقت نوال في هذا التحقيق بالسيد فارس الموسوي، والشيخ عماد الأسدي، وعرضت قصص ذوات الأسماء المستعارة: رنا، منى، رسل، ريم بالإستعانة بممثلات، وإلتقى المراسل "الصياد" السري بالسيد حسين الموسوي، والشيخ سلوي، والسيد رعد، ونقداً للممارسات المزعومة إلتقت المراسلة مع ينار محمد -مديرة منظمة حرية المرأة في العراق- وغيث التميمي، وعرضت إستفتاء لها لمكتب السيد السيستاني..

الزواج المؤقت في الشريعة الاسلامية: عقد شرعي بين رجل وإمرأة أو وكيل عن أحدهما او كلاهما، يشتمل على ذكر المهر وكل ما يشترط في صحة العقد الدائم، ويختلف عنه في ذكر مدة الزواج كعدد السنوات أو الاشهر أو الأيام، لذلك سمي بالمنقطع أو المؤقت، ولا توارث أو نفقة واجبة إلّا إذا إشترط ذلك في العقد..
بعد إنقضاء الأجل هناك عدة، ويشترط في الزواج المؤقت كما في الدائم إذن الولي وهو الأب أو الجد، وأنه لا يصح للباكر الزواج دون إذن أحدهما.

لا خلاف بين المسلمين في أصل التشريع للزواج المؤقت بأدلة القرآن والسنّة، إنّما الخلاف في إستمرار الترخيص أو منعه، فذهب الشيعة إلى الحلّيّة وعدم النسخ والتحريم، وذهب غيرهم إلى غير ذلك، والمصدر الأساس في التحريم هو نهي عمر بن الخطاب إجتهاداً..

إن الإسلام لا يفرض الزواج المؤقت بل يرخص فيه، فإن أسيء التطبيق، او إلتفَّ البعض على التشريع - كما يلتف الكثير على القانون- وإجتهد بتفاصيل غير شرعية وإلحقها بالشرع كان متجنيا، آثما بالعمل ومتحملا وزر البدعة والمخالفة للشريعة.

أما الزواج المؤقت في ميزان القضاء العراقي فخلاصة ما ذهب اليه الدكتور عدنان محمد الزبر:
- ان القانون العراقي يعاقب على عدم تسجيل الزواج في المحكمة بالحبس أو الغرامة.

- لا عقوبة على عدم تسجيل الزواج المؤقت لعدم تعرض القانون له ولتفصيلاته.
- ينبغي على المحكمة أن ترجع في حالة غياب النص الى الشريعة الإسلامية والموقف الفقهي الذي يقلده الزوج والزوجة طبقا لمقتضيات الحل والحرمة، وبالتالي مصادقة العقد وتوفير الحماية القانونية له من حيث الحقوق والواجبات، فضلا عن إثبات النسب..
بخلاصة أدق ومعنى أوضح لما ذهب اليه الدكتور عدنان الزبر:
لا عقوبة على الزواج المؤقت أو عدم تسجيل العقد لعدم النص عليه، وبالتالي يمكن رجوع المحكمة إلى مذهب الزوج والزوجة ومصادقة العقد..

إنموذج من قصص نوال المقحفي:

نوال: بعد أن إستولى تنظيم داعش على مدينة الموصل هربت "رنا" الى بغداد، بعدها بوقت قصير تركها زوجها.
رنا: "فصادقت واحد علمود أحمي روحي، فراد يزوجني فگال: إنروح للكاظمية، أكو هناك يمسكون عقد".
نوال: "تقول رنا: إنها وثقت بزوجها الجديد ولم تقرأ عقد الزواج..
بعد عدة أيام أخذها زوجها للتسوق ثم إختفى دون سابق إنذار..
كانت تظن إن زوجها كان صادقا لكن في الحقيقة أنه خدعها بزواج مؤقت"..
رنا: "رحت كانت عندي نسخة من العقد گالوا هذا يسمونه زواج مؤقت"..
نوال: "عندما علمت عائلة رنا أنها تزوجت زواج متعة رفضتها.. ولعدم قدرتها على إعالة نفسها أصبحت مومسة.."
رنا: "السيد عدنه فد شي.. تكتشفين إنه لابس عمامة ولابس هذا وخداع، لا.."
وتعني أنها لم تكن تتصور إن سيدا معمما يكون مخادعا.
نوال: "تآمر الزوج مع رجل الدين لخداع رنا"

"رنا" إسم مستعار لضحية مزعومة قدمت قصتها ممثلة لم تتقن الدور جيدا، أو الأصح أن السيناريو الذي قدم لها لم يكن ذا حبكة جيدة..
ربما كانت شدة الرغبة بتسويق الهدف -ببيان خداع رجال الدين والسادة المعممين- قد حالت دون إعداد قصة متقنة، وكأن نوال إستعجلت النتيجة..

تقول نوال عن رنا: "ولعدم قدرتها على إعالة نفسها أصبحت مومسة.."
لقد كان الإستعداد للوقوع فيما وقعت فيه رنا موجودا..  
تقول رنا في بداية مشوارها المنحرف: "فصادقت واحد.." 
وتبرر إنحرافها بطرد الأهل لها وعدم القدرة على إعالة نفسها، وتجعل من الدين ورجال الدين سببا لتبعات ماحلّ بها.. 
لا خصوصية للزواج المؤقت في عملية الخداع، فالخداع ممكن في الزواج المؤقت أو الدائم، أي من الممكن للمخادع أن يحتال على إمرأة ويختفي بعد عقد دائم أيضا، والشواهد على ذلك كثيرة ملموسة.. 
لم تبحث نوال، ولم تتطرق رنا إلى الأسباب التي دعت زوجها السابق إلى تركها!! 
وكان معنى الترك مبهما، فهل يعني الطلاق أم الهجر؟ 
ربما كان الترك بمعنى الهجر اقرب! 
فإن كان كذلك.. فكيف تزوجت من "صديقها" وهي على ذمة رجل آخر؟!

إن ما تدعيه رنا من خداعها بزواج مؤقت
مما لم تتقنه نوال -أو من كتب القصة- فلا ينعقد العقد إلا بإيجاب وقبول، والمفترض إن من أركانه ذكر المهر والمدة، والمفترض أن يكون لفظيا وأنها سمعت الصيغة من الوكيل وكررتها بعده..  
أما كتابة العقد، فقد نسيت نوال أن رجال الدين -كما ذكرت في تقريرها- لا يكتبون العقد المؤقت حذرا من المتابعة والمسائلة.. 
تقول رنا أنها وثقت بزوجها الجديد فلم تقرأ العقد!
وتقول أنها ذهبت (لم تبين الجهة التي قصدتها) بنسخة من العقد "گالو هذا يسمونه زواج مؤقت"!!
رنا لم "تفقد ثقتها" بزوجها الجديد فلم تقرأ العقد حتى بعد أن إختفى!!
ان جهل نوال ببعض التفاصيل -التي لايعرفها الا أهلها- أوقعها في أخطاء غير محسوبة.

لكن كيف وصلت نوال الى تلك النساء.. رنا، منى، رسل، ريم؟!
يبدو أنهن من النساء اللاتي ترعاهن منظمة حرية المرأة في العراق، ووصلت إليهن نوال بواسطة مديرة المنظمة..

منظمة حرية المرأة في العراق: منظمة غير حكومية، أسستها ينار محمد وناسق أحمد ونادية محمود في ٢٠٠٣، دافعت عن العلمانية والمساواة الكاملة بين الجنسين، وحاربت الأصولية الإسلامية..
المقر الرئيسي بغداد، الأيديولوجيا علمانية، تنحدر أصول المنظمة من المنظمة المستقلة للنساء بكردستان العراق والتي تأسست في ١٩٩٢، تركز المنظمة في نشاطها على مجابهة الشريعة، وأشكال العنف ضد المرأة وجرائم الشرف، القضاء على إجبارية الحجاب وحماية حرية الملبس، والقضاء على الفصل الجنسي في المدارس على كافة المستويات..
استنكرت المنظمة أشكال العنف الواقع على المثليين في العراق..
تضم المنظمة الآلاف من الأعضاء، ولها شبكة من الدعم الخارجي، خاصة من الولايات المتحدة..

قد يكون جزء من قصة رنا حقيقيا، وكذلك زواجها المؤقت، إلا أن عدم علمها بذلك وإدعاء خداعها وتآمر رجل الدين عليها لابد أن يكون من إعداد نوال المقحفي، أو ربما ينار محمد!!

إعتمد تقرير الـ "بي بي سي" الإيحاء وخلق التصورات المريبة في التصوير.. 
الضوء والظل، دخان السيجارة ورمادها، وزوايا معينة هي عناصر مهمة في خلق إيحاءات سلبية لدى المشاهد تشير الى دناءة الموضوع وسوء الفعل، وتحريك المشاعر للإدانة..
الهدف.. إلصاق تلك الممارسات اللاشرعية، اللا أخلاقية بالدين.

نوال: "أردت التعرف على الرجال الذين يستعينون برجال دين لعقد زيجات متعة، ذهبت للقاء رجل مهني متزوج في الأربعينات من عمره، سنسميه علي..".
أخبرني "علي" شريطة عدم الكشف عن هويته، أنه يمارس زواج المتعة أحيانا لبضع ساعات..
المدعو بزاوية تصوير وبإنارة مريبتين وبيده السيجارة: "بعد الإتفاق على الفلوس.. إلّي عمرها ١٢ سنة موضوعها يختلف، سعرها يكون غالي.. يعني ٥٠٠ دولار ٧٠٠ دولار ٨٠٠ دولار هاي بس للشخص الوسيط للشيخ.."

نوال: "بدأت تتكشف لنا جوانب أكثر مأساوية لزواج المتعة.. رجال دين يجنون المال بمساعدة رجال يرغبون بالجنس مع فتيات صغيرات جدا..
المعادل الصوري: فتيات يلعبن بألأراجيح.. 
وإنتقالة من بيئة مريبة الى جو بريء.. في تعبير خبيث على إنتهاك البراءة..
إن تلك الممارسات -إن كان لها واقع- فهي مدانة ولا تمت الى الشرع بصلة.

لقد اجاب مكتب المرجعية الدينية عن أسئلة نوال المقحفي بمنتهى الدقة بما يدحض النوايا السيئة للقناة، إلا أن تقريرها الذي اعدته للطعن بالشيعة تناول تلك الأجوبة في ذيل التقرير بشكل سطحي.

إن المدعو الذي إختارت له نوال إسما مميزا ورمزت له بـ "علي" لا يتلائم دوره مع الرجل المتدين الذي يبحث عن الحلال، إن فلتات اللسان "المقصودة"، أو بالأحرى فلتات الإعداد والتلقين تكشف عن أهداف المُلَقِن..
كلمات مثل: "الفلوس"، "سعرها يكون غالي.."  "هاي بس للشخص الوسيط للشيخ.."، هي في الواقع فلتات مقصودة، واضحة الهدف، لا تصدر الا من متواطيء مع الهدف..

نماذج وقصص أخرى لنوال المقحفي عن منى، رسل، ريم.. وتفاصيل كثيرة دونتها، لكن عرضت عنها إختصارا لإتفاقها على نتيجة واحدة أراد التقرير تسويقها وهي: إستغلال رجال الدين للنساء الضعيفات والقاصرات بهدف التجارة الجنسية تحت غطاء شرعي..

من الإساءات التي تضمنها تقرير "نوال المقحفي":
- العنوان: "تجارة الجنس السرية في العراق" 
- الإستهلال بصورة لمرقد الإمامين الكاظمين، والإقران المستمر بين الحدث "السيء" -من وجهة نظر التقرير- مع المراقد المقدسة في إيحاء للمشاهد بأن ما يحدث هو في ظل هذه العتبات وهي رموز إسلامية شيعية، وهي تعبر عن الشرع الإسلامي، أي أن ما يحدث فهو مقنن في الشريعة الإسلامية..
- الإقران أيضا برجال الدين، فإختار التقرير رجل دين معمم، وآخر بزي سدنة المرقد، وآخر بلقب السيد، كما لم تنسَ نوال أن تعرض صورة للشيخ سلوي وهو يرتدي بدلة عسكرية، معلقة على ذلك بأن الشيخ ينتمي إلى إحدى الجماعات المسلحة، في إشارة وتلميح أن تلك الممارسات تصدر عن مثل هؤلاء المشايخ ممن ينتمون الى الحشد الشعبي..
- التصوير العام لأجواء الزيارة وتظهر فيه نساء زائرات ليس لهن علاقة بموضوع التقرير، والإساءة فيه هي الإنطباع والإقتران بين الموضوع وبين كل ما يظهر في التصوير من نساء ورجال..
- مساواة الزواج المؤقت بالفجور وفيه إساءة الى الشيعة والتشيع..   
- الإساءة إلى العراق والعراقيات والمناطق المقدسة في العراق وإختيار الكاظمية وكربلاء كأمثلة.
- إختراق سيطرات التفتيش بكاميرا المراقبة السرية.
- التصوير دون ترخيص للحصول على أدلة جرمية مزعومة.
- خداع بعض رجال الدين بتوجيه أسئلة عامة حول الزواج، ثم فبركة ومنتجة الأجوبة لتتناسب مع أغراض التقرير.
- بعض ما طرح وأعتبر من الأدلة كان بإتصالات هاتفية، وأقل ما يمكن في صناعة الأدلة المزيفة هو إستئجار الممثلين.
- بعض المشاهد إعترفت نوال المقحفي أنها كانت لممثلات أدّين دور الضحية بصورة متقنة..

لقد كان دور نوال المقحفي في تزييف الحقائق وتشويهها متقناً ايضا..
للأسف فإن المحتوى ليس حديثا فهو منشور منذ سنوات وحقق لغاية اليوم ١٤ مليون من المشاهدات والآلاف من التعليقات المسيئة في ظل سكوت عن الرد والمقاضاة، عدا دعوى يتيمة من أحد رجال الدين الذين تعرضت لهم المقحفي في تقريرها، وكانت الدعوى شخصية قدمتها محاميتان ضد نوال المقحفي ومدير القناة.. 
لقد كان مضمون الشكوى ضعيفا، ولم يكن كافيا للإدانة..  
كما أنكرت المحاميتان على لسان المشتكي بعضا مما أوقعه فيه "الصيّاد"، ونسبتاه الى "المنتجة" و"الفبركة"، إلا أن ذلك كان خلاف الواقع، فبعض مما وقع فيه المشتكي لم يكن ممنتجا..

إن ضعف دليل الإدانة يقوى دليل إفتراءات تقرير القناة وإساءاته..
كان لابد للدفاع أن يكون موضوعيا.. 
لابد للمشتكي التوضيح بأنه كان في معرض بيان الحكم الشرعي من الزواج المؤقت، فهو ليس من الجرائم التي يعاقب عليها الشرع او القانون كي يتنصل منه رجل الدين ويحاول إنكار الحديث فيه مع الجاسوس!

كان يفترض بالسلطات العراقية التأكد من طبيعة تقرير القناة ومضمونه، وأن توكل المهمة إلى جهة رقابية مختصة، كما كان لابد من إشتراط فحص التقرير قبل النشر، لا أن تكتفي بضمان سلامة الإجراءات الأمنية والتي لم تحرزها أيضا فقد تجاوزت الكاميرات المخفية سيطرات التفتيش، وهو ما إعترفت فيه نوال في تقريرها وهو دليل إدانة لها ولفريقها بخرق القانون..

يبدو إن نوال المقحفي وفريقها أتقنوا اللعبة، ويبدو -ايضا- أن المنهجية التي يتم بها إنتاج التقارير الإستقصائية ونشرها تعتمد حيلة "ابن اوى" في التربص والقنص والهروب بالصيد..
من زاوية أخرى..
ماذا عن الجهات العاملة والداعمة لهذا الشكل من الأشكال الصحفية (الصحافة الاستقصائية) في العراق؟

شبكة "نيريج": هي الشبكة الرائدة في مجال الصحافة الإستقصائية في العراق، أسسها مجموعة من الصحفيين الإستقصائيين المحترفين (محمد الربيعي، سامان نوح، دلوفان برواري، موفق محمد، خضر دوملي، دانا أسعد، ميادة داود، كورال نوري، باسم فرنسيس حنا، خلود العامري، عمار الصالح وعلي الغزي) عام ٢٠١١، تعمل على توفير الدعم التحريري والمالي والإستشاري للصحفيين الإستقصائيين العراقيين، لإنجاز تحقيقات وتقارير معمقة تستند الى البحث عن الحقائق الموثقة والمدعومة بالمصادر المتعددة وثيقة الصلة بالموضوع قيد الكشف.. أنجزت وبدعم من السفارة الفرنسية والأكاديمية الألمانية للاعلام ومنظمة دعم الإعلام الدولي (IMS) سلسلة مشاريع مع كليات الإعلام بالجامعات والمؤسسات الصحفية العراقية، من أجل تطوير إمكاناتها عبر تدريب الأساتذة والطلاب والصحفيين في مجالات كتابة التحقيقات الإستقصائية والتقارير المعمقة والقصص الصحفية..

وبحسب "نيريج" في التعريف عن نفسها: 
فهي تقدم ".. للصحفي العراقي مجموعة من الخدمات لإستكمال أي تحقيق معمق يستند إلى منهجية محترفة وقائم على كشف الحقائق للجمهور، ومن هذه الخدمات:-

- تحمل تكاليف إنجاز التحقيق من مصاريف تنقل وإقامة وفحوصات والحصول على الوثائق ودخول قواعد البيانات.

- تحمل أجور المشرفين على إنجاز التحقيقات الإستقصائية والتقارير المعمقة.

- تحمل أجور خبير قانوني لتقييم التحقيق من الناحية القانونية والتأكد من خلوه من أي تجاوزات قانونية قبل نشره.

- توفير الدعم القانوني للصحفي في حال تعرضه إلى أي مسألة قانونية بعد نشر التحقيق.

- ترجمة التحقيقات ودعم نشرها على عدة منصات صحفية إقليمية ومحلية.

لسنا بالضد -من حيث المبدأ- مع ما يمكن أن تقدمه الصحافة الإستقصائية كالكشف عن الحقائق والمعلومات التي ترتبط بقضايا تهم الرأي العام والتي تسعى جهات معيّنة إلى إخفائها عنه، والرقابة على المؤسسات العامة وأداء المسؤولين في دوائر السلطة والشخصيات العامة، والمساءلة النقدية وتحديد المسؤولية عن السلوكات الخاطئة والتصرفات غير السليمة خدمة للمصلحة العامة، ونشر المعلومات التي تحفّز الرأي العام وتدفع السلطة للإصلاح والتغيير. 

إلّا إن ما تقدمه شبكة مختصة بالصحافة الإستقصائية من تحملها لتكاليف إنتاج التقارير، وما تقدمه من دعم وتدريب للصحفيين، وكل ما تم من إنجازاتها المدعومة من السفارة الفرنسية والأكاديمية الألمانية ومنظمة دعم الإعلام الدولي..
يدعو الشكاكين الى وضع خطوط كثيرة تحت عناوين الجهات الداعمة.. إلاّ أن يكون الدعم "في سبيل الله" ولأجل "الثواب"!!

- هل.. نحن بحاجة الى إستراتيجية متوازنة للتعامل مع هكذا شكل من الأشكال الصحفية؟
- هل.. من الممكن أن تكون لنا صحافة إستقصائية عراقية مستقلة غير مدعومة أو متأثرة بجهة ما؟
- هل.. هناك وسائل وإجراءات للرد والمقاضاة للصحفيين -الإستقصائيين- المزيفين للحقائق؟
- هل.. سيتم التحقيق مع الجهات التي منحت التصاريح الأمنية وسهلت مهمة فريق "بي بي سي" في العراق؟
- هل.. سترفع دعوى "محترفة" ضد نوال المقحفي وقناتها، أم ستترك لتحصد مزيدا من الجوائز؟

الموضوع السابق كيفية التوبة ومراحلها؛ بقلم الشيخ حبيب الكاظمي

الموضوع التالي لماذا تؤكِّدُ المرجعيةُ الدّينيةُ العُليا على حفظِ الهويّةِ الثقافيّةِ لمُجتمعنا؟

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat