صفحة الكاتب : د . مصطفى يوسف اللداوي

الفائزون الأربعة في مونديال قطر 2022
د . مصطفى يوسف اللداوي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

انتهى المونديال وأسدل الستار على مبارياته، وأغلقت ملاعب قطر الكبرى أبوابها وأطفأت أنوارها، وخسرت فرنسا كأسها وتسلمته الأرجنتين وفريقها، ورحل المشجعون وغادر الرياضيون بغير الوجه الذي دخلوا فيه، فبعضهم غادرها سعيداً مبتهجاً وقد فاز فريقه، وبعضهم تركها حزيناً مبتئساً وقد خاب فريقه، لكنهم جميعاً غادروها وهم يشعرون بالنشوة والفرح والبهجة والسعادة، وقد خلفوا وراءهم في دوحة قطر قصصاً وحكاياتٍ، واحتفظوا برواياتٍ وذكرياتٍ، وسجلت عيونهم وعدسات هواتفهم مشاهد لن ينسوها، وصوراً لم يعهدوها، فقد هالتهم قطر ودوحتها، وفاجأتهم دولتها وحكومتها، ولفت أنظارهم ترتيبها وتنظيمها، ونظافة شوارعها وتنسيق مبانيها، ودماثة خلق أهلها وبشاشة وجه سكانها، وسرهم رحابة صدرهم والابتسامة على وجوههم، واستجلب استحسانهم جودهم وسخاؤهم، وكريم استقبالهم وحسن وفادتهم.

إلا أن الحديث عن مونديال قطر لن يتوقف بانتهاء المونديال، ولن تنتهي فصوله بخلو شوارعها من المشجعين وإغلاق ملاعبها أمام الرياضيين، بل سيبقى مونديال قطر 2022 الذي ملأ الدنيا صخباً وضجيجاً، وأشغل العالم متابعةً واهتماماً، علامةً فارقةً في تاريخ كرة القدم ومسيرة كأس العالم، وحديث العامة والخاصة، ومحل إعجاب المنظمين وإشادة المراقبين، وسيفرض نفسه على مدى العقود القادمة والدورات التالية، مثالاً يحتذى ونموذجاً للمقارنة، وسيتعب من بعدهم، وسيرهق من سيحاول أن يقلدهم أو أن ينظم مثلهم.

فقد أثبتت قطر أنها على قدر التحدي وأنها تستحق الاستضافة بجدارةٍ، وأن دوحتها الأصيلة لا تقل قدرةً وكفاءةً عن العواصم الكبرى التي سبق لها استضافة المونديال، بل بزتها وتجاوزتها، وتفوقت عليها وسبقتها، وتركت بصماتها المميزة وعلاماتها الفارقة، التي يصعب على الزمان مهما طال أن يشطبها أو يبهتها.

تلك كانت قطر، أول الفائزين الأربعة وأكثرهم سعادةً بالفوز وابتهاجاً بالنجاح، فقد تحدت العالم كله، ووقفت في وجه المتشككين، وأثبتت أنها تستطيع أن تقوم بأكثر مما قام به السابقون، وفضلاً عن النجاح الباهر الذي شهد به المحبون والشانئون، والمؤيدون والمنافسون، فقد نجحت في فرض الهوية العربية والثقافة الإسلامية على مونديالها، وأظهرت وجه العرب الأصيل وحضارة الإسلام العظيم، وسلطت الضوء على العادات العربية المميزة والمفاهيم الإسلامية المتنورة.

رفع العرب رؤوسهم عاليةً بقطر العروبة، واختال المسلمون فرحاً بالحضارة الإسلامية، وازدانوا أمام الضيوف والوافدين بدينهم وثقافتهم، وبلغتهم وهويتهم، واستعرضوا أمامهم أزياءهم وطعامهم، واختالوا بنظافتهم وباهوا بتنظيمهم، حتى غدا فوز قطر فوزاً عربياً إسلامياً نفخر به ونعتز.

أما الفيفا فقد كانت الفائز الثاني في مونديال قطر 2022، ولها ينسب الفضل في جوانب كثيرة تميز فيها المونديال وأبدع، فقد نجحت بالتعاون مع القطريين في تنظيم أول مونديالٍ في المنطقة العربية، وأثبتت أنها كانت على حق عندما صادقت على عقد المونديال في قطر، رغم حملات التشكيك والاتهامات التي تعرض لها مسؤولوها، إلا أن النتائج المبهرة التي رأوها، والتنظيم المهول الذي شهدوه، أثلج صدورهم وأسعدهم، وعوضهم عن مراحل القلق وشبهات الانحياز والاتهام.

أما الأرجنتين التي استعادت كأس العالم بعد ست وثلاثين سنة من آخر فوزٍ حققته عام 1986، فقد كانت ثالثة الفائزين وأول الكاسبين، وأكثر الفرق الرياضية فرحاً باستعادة اللقب وتحقيق النصر الذي عملوا كثيراً على تحقيقه، وتدربوا طويلاً على استحقاقه، وحق لهم أن يفوزوا ويفرحوا، وأن يحتفلوا ويخرجوا، فقد لعبوا بجدارةٍ، وقدموا صوراً في المباراة رائعة، وانتزعوا نصراً سريعاً وأظهروا تفوقاً لافتاً، وسجلوا في شباك الخصم أهدافاً مبكرة، وعندما هاجمهم الفريق الفرنسي وعدل النتيجة معهم، صمد اللاعبون الأرجنتينيون وقاوموا، وأصروا على الفوز ولو في الأشواط الإضافية أو الضربات الترجيحية، فتحقق لهم ما أرادوا، فاستحقوا الفوز والفرح والكأس.

أما الفائز الرابع الأكبر والمنتصر الأول فقد كانت فلسطين وقضيتها، وشعبها وأهلها، والمؤمنون بها والمؤيدون لها، والموالون لها والعاملون معها، فقد تميزت فلسطين في المونديال وسطعت في سماء الدنيا شمسها، وسما في ليالي الدوحة نجمها، ورفرف علمها، وانتشرت في شوارع الدوحة صور أبطالها ورموز مقاومتها، وعجز المناؤون لها والمعادون لشعبها في إسكات الصوت العربي الهادر، والتضامن الإسلامي الصادق، والتأييد الدولي اللافت.

ولعل ما حققته القضية الفلسطينية في ميادين الدوحة وملاعب المونديال يرقى إلى مصاف المقاومة ومدارج النضال، وهو ما أغاض العدو وأحزن حلفاءه، إذ ساءهم ما شاهدوا، وأغضبهم ما رأوا في شوارع الدوحة وملاعبها، والأعلام التي رفعت والكلمات التي صدحت، والمواقف التي عبر عنها اللاعبون والمشجعون، والمنظمون والمستضيفون.

ربما الفائزون في مونديال قطر 2022 أكثر مما ذكرت، وأشمل بكثيرٍ مما استعرضت، لكن الأربعة الذين سبقوا كانوا هم المتربعين على كأس العالم، وكانت القضية الفلسطينية شريك الفائزين والقاسم المشترك في يوميات المونديال، فهي الفائز الأول الذي صبغ المونديال بهويتها، وفرض مظلوميتها، ورفع مقام المؤمنين بها، وأخزى وجوه المعادين لها والظالمين لأهلها.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . مصطفى يوسف اللداوي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2022/12/19



كتابة تعليق لموضوع : الفائزون الأربعة في مونديال قطر 2022
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net