صفحة الكاتب : محمد قاسم الطائي

 العلامة الطباطبائي في السطور
محمد قاسم الطائي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 فتى دفعته رياح المقادير من مدينة تبريز إلى أرض النجف القابعة في حوزاتها الناهلة من أمير العلم والبيان، جاء هذا الفتى وفي نفسه حلمٌ وطالما أن الأحلام قتلت أصحابها أو شتتهم في عواصف الرمل القاحل هكذا هي أحلام العباقرة والكبار تورد روادها أحياناً موارد الهلكة أو تذقهم مواطن التشريد أو الحرمان القاسي بشتى صنوفه المرة أنها فتنة العبقرية والنبوغ اللعين! الذي يصر بعناد على اشعال فتيل الصراع - ذاك الصراع الذي لا ينفك عن سمات البشر العامة فما بالك وقد تقحمت أسواره مع خط السماء وجهاً لوجه فهل يقف أنصار الوحي مكتوفي الأيدي إزاء معركة حامية الوطيس تقتل حتى الطفل الرضيع في أحضان الأم؟! أجل أنها جدلية الصراع الطويل التي دفعت الفكر البشري نحو التأمل والتساؤل اللامحدود الذي لا يكف قصة عزاءه مع دين الرب حتى ولو جر ذلك لكسر النصال بشراسةٍ وتوسع اللهيب بشتى بقاع الأرض.

وإلى عصر النهضة وأساطيل الروم الذي استفاق على أزيز التجارب وعلى ايقاع مفكريه وفلاسفته ولم تنفع معه كل تعويذات الكنيسة وترهيبها، متوسمة الخطر القادم الذي يلف أرجاء أوربا ويبطل سحر أثنيا الذي دام لقرون في أروقتها، لم تكن هذه نبوءة حالم! إنما هي بوادر الاستيقاظ التي أخذت برجالها حيث المحك وحيث قلق السؤال ونحو دوافع النهوض

فمنذ القرن الرابع عشر ميلادي وعواصف التحول والتغيير بدأت تلوح في سماء أوربا من بعيد حيث انتشرت في انجلترا وفرنسا اتجاهات اطلقت على نفسها "نوميناليسم" الذي انكرت الكليات والتعقل وفي الوقت نفسه ساهمت في ركود التفكير الفلسفي بحسب رؤية بعض الباحثين، ومن ناحية أخرى فقد شن الهجوم المدجج بالنقد والتشكيك على طبيعيات أرسطو وطرحت تساؤلات هامة من قبيل : مسألة الانسجام بين العقائد المسيحية والفلسفة، والعلاقة بين العقل والعلم وهل بينهما تناقض أولا ؟ هذا من جهة وبين الصراعات المحتدمة بين رجال الدين المسيحيين من جهة ثانية. المتزامن مع ظهور المذهب" البروتستانتي" على الصعيد الاُوربي، وانهيار الامبراطورية البزنطية في أواسط القرن الخامس ميلادي. فيما راح القديس (أُغسطين) بشرح العقائد المسيحية حسب الأسس الفلسفية ولكن ذلك لم ينفع طويلاً أمام الأمواج العاتية التي طالت الكنيسة، ففي القرن السادس عشر ميلادي اشتد أوار التجارب والعلوم الطبيعية وكانت الاكتشافات التي قام بها كوبر نيكوس وكبلر وغاليلو الحظ الأكبر في زلزلة فلكيات بطلميوس وطبيعيات أرسطو، قوض كوبر نيكوس نظرية بطليموس الفلكية وكان سقوطها مدوياً بشظايا التشكيك بالثوابت المسيحية التي سيطرت على العقل الاُوربي لقرون وكانت الأمور شيئاً فشيئاً تحسم لصالح رجال العلم .ساد التشكيك في أرجاء أوربا ولم تنفع أجهزة البابا بتهدئتها ولا إيقاف التشكيك بل طالت الثوابت التي راهنت عليها وبات الانسان الاُوربي في حيرة من أمره .

جاء الفيلسوف (رينية ديكارت) الملقب بـ أب(الفلسفة الحديثة) جاء والاجواء مليئة بالتشكيك والاضطرابات الفكرية تدور من حوله، ومن ثمّ سعى لوضع أسس التفكير الفلسفي وقد تأثر بآرائه وأفكاره كثير من الباحثين الغربيين، وهكذا ساهم كثير من العلماء من بعده في تشييد الفلسفة الحديثة مثل (سبينوزا) و(ليبنتس) وغيرهم وفي القرن السابع عشر ظهر فلاسفة تجريبيون من الانجليز هم ( جون لوك )و ( باركلي) (دايفد هيوم) وهولاء عالجوا جملة من مسائل المعرفة امتدت على طيلة القرن السابع عشر وكذلك بالتحديد في القرن السادس عشر (فرانسيس بيكون) و تلاه (هوبز) الذي كانا من أنصار أصالة الحس والتجربة .

انفرد (دايفيد هيوم) بضربات موجعة للبرهان الاُرسطي وانكر فيه العليّة والعلاقة الوجودية الحتمية بين الأشياء، والذي مهد الطريق فيما بعد للفيلسوف الالماني (كانت) الذي يعد من أهم الفلاسفة المؤثرين في النهضة الغربية والأكثر سطوة في الثقافة الاوربية الحديثة .اُعجب "كانط" كثيراً بتحليلات هيوم وهو القائل " فإن هيوم هو الذي أيقظني من دعاة اليقين " ومن هنا صحّ القول أن الحكمة الغربية ألقت ثقلها منذ هيوم وكانت بخصوص نقد العقل وتحليلات المعرفة الانسانية .

امتدت شرارة النهضة نحو أرض الشرق وقد داهمت بيوت الاسلام على حين غفلةٍ من أهلها، ولذى وصولها دقت نواقيس الخطر لدى مؤمني هذي الديار، لم يفلح معربوها حين أرادوا لها أن تكتب بنفس التجربة والاستنساخ التي مرت بها فلم تحظى بالنجاح والمواصلة إذ أن الارض غير تلك الارض فلا الثقافة ولا التاريخ ولا العقلانية التي بشرت بها يسعفها بشيء من التطابق والصمود .

قرأ العلامة محمد حسين الطباطبائي حكمة الغرب بإمعانٍ وتسلّح بحكمة الشرق بكافة اتجاهاتها وسبر أغوارها لدى كبار الاساتذة ولم يغص في الحواشي والهوامش بقدر ما ذهب صوب المتون والانسياق نحو العمق والنظريات الأساسية، وبكل اقتصار : العلامة الطباطبائي واحدٌ من الاستثنائيين بكل ما للكلمة من معنى سواء في التفسير أو الحكمة أو في نظرية المعرفة أو الابحاث العقائدية والاخلاقية" عليه شآبيب الرحمة والرضوان وأعلى الله تعالى درجته مع النبيين والأبرار
 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


محمد قاسم الطائي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2022/12/22



كتابة تعليق لموضوع :  العلامة الطباطبائي في السطور
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net