صفحة الكاتب : السيد عبد الستار الجابري

البعد الروحي للطواف (29 ) البعد التربوي والروحي في استلام الحجر              
السيد عبد الستار الجابري

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 تاكيد تجديد العهد والميثاق بالله تبارك وتعالى من الجوانب التربوية والروحية لاستلام الحجر، فالحجر هو الجزء الحسي المادي المشير الى ما وراء المادة، حتى وصفته بعض الروايات بانه يمين الله في الارض التي يصافح بها عباده، وبعبارة اخرى ان تلك النصوص تشير الى الجانب الرمزي الذي له دور تاكيد الارتباط بين العبد وربه، فكما ان للكعبة المشرفة دور رمزي مهم في توثيق عرى الارتباط بين الانسان وعالم ما وراء المادة، فكذا الحال في الحجر الاسود الذي وضعه الله رمزا لتعاهد الميثاق واداء الامانة الالهية، حيث سيثير استلام الحجر مع ما يردده الناسك من قوله (امانتي اديتها وميثاقي تعاهدته لتشهد لي بالموافاة) التساؤل في نفسه عن ذلك الميثاق وذلك العهد وتلك الامانة، كي فيراجع مسؤولياته التي كلف بها.
ومما تقدم يتضح ان الله تعالى اولى للجانب الحسي كطريق معد للارتباط بما وراء الحس اهمية خاصة، ذلك لان الانسان بطبعه يتأثر بالمحسوس، والقابلية الذهنية التي وهبها اياه الله تبارك وتعالى تمكنه من الانتقال من الجانب المادي الى ما رواء المادة ومن عالم الجسد الى عالم الروح، فدور النبوات والتشريعات اثارة القدرات العقلية لنقل الانسان من جانبه المادي البحت الى الجانب المعنوي والروحي ليسموا ويتحرر من عبودية المادة، فيحقق بذلك كماله الانساني في اطار الحرية التي تترشح عن العبودية الحقيقية لله تعالى.
ومما تقدمت الاشارة اليه من دور العامل الاجتماعي في حفظ جملة من الحقائق الدينية او التاريخية التي قد تخفى جذورها الحقيقية، فان ذلك يستدعي العمل الجاد في البحث عن الجذور التي انبثق عنها ذلك العرف الاجتماعي المترسخ عبر الاجيال لدوره في كشف الواقع التاريخي لذلك العرف، وكمثال على ذلك انقسام المجتمع المسلم الى قسم متبن لمظاهر الحزن والعزاء في عاشوراء، وقسم يحتفل بالبهجة والسرور في ذلك اليوم، حيث نجد بعد البحث في الجذر التاريخي لهذه الظاهرة الاجتماعية ان اصولها في المجتمع الذي يتبنى مظاهر الحزن والعزاء احياءً لذكرى شهداء وسبايا الجريمة المروعة التي ارتكبها البلاط الاموي واذنابه ضد سيد شباب اهل الجنة (عليه السلام) والثلة المؤمنة التي معه، في اقسى واقبح جريمة عرفها تاريخ الاسلام بل  والانسانية، فالثابت تاريخيا ان النبي (صلى الله عليه واله) واهل بيته (عليهم السلام)  قد اهتموا كثيرا بقضية الحزن والبكاء على سيد شباب اهل الجنة (عليه السلام)، ومن هنا يتبين ان جذور ظاهرة الحزن الاحيائية لذكرى عاشوراء تستند الى سيرة النبي (صلى الله عليه واله) واهل البيت (عليهم السلام) وقد تناقلتها الاجيال بعد الاجيال وطورت فيها حتى وصلت الى المظاهر الموجودة اليوم.
وفي المقابل يجد الباحث ان الذي يعلن عن مظاهر الفرح والسرور في ذكرى عاشوراء يرتكز الى ردة فعل السلطات التي اتخذت العداء لاهل البيت (عليهم السلام) شعارا لها ومنهجا ثابتا منذ ايام بني امية ومن سار على نهجهم من بني العباس حتى بلغت اعلى مظاهر التركيز في ايام صلاح الدين الايوبي وحكام بلدان المغرب – التي حكمت بعد الدول الشيعية التي حكمت تلك البلدان  - فالجذور التاريخية لهذا العرف الاجتماعي ردة فعل سياسية تهدف الى تبييض صفحة من ارتكبوا اقبح المجازر في تاريخ الاسلام والانسانية .
ومن هنا يتبين اثر اخر من اثار بركة الكعبة المشرفة والحجر الاسود مضافا الى التاكيد على تجديد العهد والميثاق، وهو ضرورة دراسة الاعراف الاجتماعية وتتبع جذورها لتمييز العرف المستند الى واقع صحيح، مع ملاحظة ان التطور في الاداء الاجتماعي يتاثر بالظروف والاوضاع السياسية والثقافية والاقتصادية وكذلك لمعرفة جذور الاعراف الاجتماعية ذات الاصول الخاطئة البعيدة عن روح التشريع.
وهذه الدراسة بدورها ستكون شاهدا علميا على الواقع التاريخي والسياسي والاجتماعي لحقب طويلة حكمت العالم الاسلامي، وبها يتمكن الانسان المسلم من الانعتاق من فوضى التاثير السلبي الذي رسمته السياسات الجائرة في اوساط المسلمين, وهذا نحو من انحاء رعاية العهد والميثاق والامانة بين العبد وربه.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


السيد عبد الستار الجابري
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2022/12/22



كتابة تعليق لموضوع : البعد الروحي للطواف (29 ) البعد التربوي والروحي في استلام الحجر              
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net