صفحة الكاتب : جمال الخرسان

هل يدفع العراق ثمن الانسحاب من حلف بغداد؟
جمال الخرسان

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

كان المعسكر الغربي بعيد نهاية الحرب العالمية الثانية وبداية الحرب الباردة يبحث عن جبهة في الشرق الاوسط تضم اضافة للبلدان العربية ايران وتركيا وباكستان، وبعد محاولات كثيرة نجحت بريطانيا وبتشجيع امريكي من تشكيل حلف بغداد الذي لم يلد الا بجهود استثنائية قام بها السياسي الابرز في تاريخ العراق نوري السعيد، حيث انه كان عراب ذلك الاتفاق. الحلف تشكل على اساس الاتفاق العراقي التركي الاستراتيجي المعلن رسميا من بغداد في يوم 24 شباط عام 1955 لانه كان بمثابة النواة الحقيقية واللبنة الاولى لحلف بغداد الذي انضمت اليه بعد ذلك رسميا كل من بريطانيا، ايران، باكستان واراد ان ينضم له آخرون.  

اهمية الحلف تكمن ليس في وقوفه ضد او مع معسكر بعينه بل تكمن اهميته في تشكيل تحالف دولي يربط مفصليا العلاقات الدولية بين منطقة الشرق الاوسط وما حولهامن جهة  وبين الغرب من جهة أخرى، ناهيك عن ان فكرة تواجد دولتان مثل تركيا وايران الى جنب حلف فيه العراق يخفف كثيرا من انعكاسات الجغرافيا السياسية والصراع التاريخي على العراق. 

مما يثار سلبيا حول ذلك الحلف أنه لم يكن بين اطراف متساوية التأثير بحكم اختلاف حجم المشاركين فيه، وهذه النظرة مبدئيا قد تكون منطقية لكنها تسري على جميع الاتفاقيات والمعاهدات الدولية بين الكبار والصغار فهل تنتفي الحاجة مثلا الى جميع التكتلات الدولية التي تضم بلدانا من احجام مختلفة؟! ناهيك عن امكانية اللعب على تناقضات الكبار في فترة تشكيل الحلف.

انسحاب العراق من الحلف كان واحدة من الاخطاء الكبيرة التي ارتكبها عبد الكريم قاسم رغم ان الانسحاب جاء وفقا لمبدأ منطقي في العلاقات الدولية وهو الوقوف على الحياد بين قطبين كبيرين.. لكن تلك الخطوة كلفت العراق كثيرا لانها جاءت في زمن لا يتحمل الحياد في منطقة مثل الشرق الاوسط، الحياد فيها يعني خسارة الطرفين. ولهذا فان الحياد لم يجنب العراق انقلاب 1963 كما ان الحياد لم يجنب العرب خسائر كبيرة في حروبهم مع اسرائيل. كما ان الاتحاد السوفيتي لم يقدم للعرب اكثر مما قدمه الغرب.. ذلك الحليف الاستراتيجي لاسرائيل! الملفت ان العرب يعتبون كثيرا على القوى الغربية العظمى بأنها تخلّت عنهم، لكنهم في اصعب ظروفهم لم يستجيبوا لاصوات الغرب في تشكيل جبهة على شاكلة حلف بغداد طالما نادت لها اوربا وامريكا في تلك الفترة!

لقد بقيت تركيا على تواصل متوازن مع الاخرين وحصلت على مساعدات عسكرية فوصلت الى ما وصلت اليه دون الحاجة للنفط، ورغم انها عضو في حلف الناتو فانها لم تخسر الاتحاد السوفيتي تماما ولم تفرط بروسيا لاحقا.

 ربما لو بقي العراق في حلف بغداد لتجنبنا الكثير من مضاعفات صراع النفوذ والمعارك السياسية والعسكرية الخاسرة.. وربما حافظنا على شط العرب. كما قال في حينها نوري السعيد الى الوفد المصري الذي حاول اقناع العراق بعدم الانضمام للحلف: (ان العراق حريص على استقلاله غير انه في حاجة الى صداقة تركيا خوفا على الموصل ونفطها، وعلى صداقة ايران كذلك اتقاءا لمطامعها في بعض المناطق على الحدود بين البلدين).

لقد طالما عارض عبد الناصر تحركات العراق السياسية واراده دائما رهنا لوجهات نظره.. ان عبد الناصر كان خصما لنوري السعيد في حلف بغداد منذ الارهاصات الاولى لتشكيل الحلف وقاد عبد الناصر حراكا سياسيا بالتنسيق مع السعودية لاتخاذ موقف من العراق، الملفت ان عبد الناصر ذاته اصبح ايضا بعد ذلك خصما لخصوم نوري السعيد وأولهم عبد الكريم قاسم الذي قرر الانسحاب من الحلف في 24/3/1959.

انتهت قصة العراق مع الحلف منذ 56 عاما، كما ان الحلف قد حلّ اساسا بعد سقوط الشاه.. ومن اجل الاستفادة من اخطاء الماضي ومن اجل ان لا نكتفي بالبكاء على اللبن المسكوب لابد من اعادة النظر او حتى العمل على تشكيل تكتل اقليمي ودولي بعيدا عن لعبة الممانعة والاعتدال او الارث العدائي بين العرب والفرس! ان ذلك الواقع يدفع بالعراق الى تشكيل محور ثالث ياخذ بعين الاعتبار خصوصية الحالة العراقية التي تختلف بعض الشيء عن كلا المحورين ويرتكز على الخطاب المرن المتوازن، خطوة وان كانت صعبة الى حد ما في ظل الارباك الذي تعاني منه الدولة العراقية الا انها  لو تحققت فانها تشكل للعراق وللمنطقة محورا اكثر توازنا من المحاور الموجودة.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


جمال الخرسان
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2022/12/27



كتابة تعليق لموضوع : هل يدفع العراق ثمن الانسحاب من حلف بغداد؟
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net