صفحة الكاتب : علي حسين عبيد

تحديات الموج الثقافي
علي حسين عبيد

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

من ظواهر عصرنا الراهن، انفتاح الكل على الكل، وتنافح الثقافات في حلبة واحدة، كلها في مواجهة بعض، متخذة أساليب المواجهة أحيانا، والمراوغة والمماطلة والخداع في أحيان أخرى، فهنالك الأساليب الناعمة حيث تصدّر ثقافة معينة نفسها في موج متلاحق ولكن في أسلوب ناعم يخلو من إعلان التحدي، ويبتعد عن المواجهة المباشرة مع الثقافة المستهدَفة.

لكن في كل الأحوال يبدو الهدف هو نوع من الغزو الثقافي للإطاحة بثقافة أضعف، فما هي تداعيات هذا الموج الثقافي الناعم، وكيف يمكن أن تتعامل معه الثقافة الأقل رسوخا وثباتا، ثم لماذا تخشى الشعوب والأمم من ذوبان تقاليدها وثقافاتها في تقاليد ثقافات أخر؟، الجواب واضح وصريح فالذوبان في ثقافة أخرى يعني إلغاء الشخصية الثقافية لأمة أو شعب معين.

ولكن لكل اكتشاف جديد جانب جيد وآخر مسيء، لا يوجد منتَج في عالم اليوم الصناعي، خالٍ من هذه الحقيقة، حقيقة كونه جيدا وسيّئا في نفس الوقت، هذا على الصعيد المادي، أما على الصعيد الفكري والثقافي فلا يُستثنى هذا الجانب من قانون الجودة والرداءة في عمق الأشياء المادية والثقافية وسواها.

التمايز بين الثقافات
الثقافة يمكن أن نعدّها منتَج غير ملموس، ولكن هذا المنتَج يتفوق في تأثيره على معظم المنتجات المادية الصناعية، فالثقافة هي التي تقود الناس، وترسم لهم طرق النجاح أو الفشل، لكن الصناعات المادية قد لا تمتلك قدرة الإطاحة بالإنسان كما تفعل الثقافة، لماذا هذا التمايز بين الثقافي والمادي الملموس؟

المادة ينحصر تأثيرها في شكل الإنسان، فإذا ارتديت ملابسَ جديدة قد يؤثر عليك هذا الملبس لساعات أو أيام، ثم ينتهي المفعول النفسي لهذا الملبس الجديد، ولكن تأثير الكلمة والفكر يدخل إلى أعماق الإنسان، ويغيّره من الداخل، ويبني شخصيته، ويتحكم بأفكاره ومن ثم بأفعاله ومبادئه، ولهذا قيل (إذا هزلت ثقافة الأمة، هزلت الأمة).

هذا يعني أن الموجات الثقافية الوافدة إلى العراقيين وغيرهم ليست وهما، ولا هي محض خيال، لاسيما أن وسائل التوصيل باتت معروفة وسهلة الاستخدام، كما أن قدراتها على العرض والتوصيل صارت مذهلة، بحيث في لحظات يمكن لأي شخص أن يرى العالم كله، ويطلّع على الثقافات وأنواع التفكير، من دون موانع ولا حواجز، كما كان يفعل مقص الرقيب في أيام المنع والقمع والمحاصرة.

حتى المنع الإلكتروني للمواقع العابرة للبلدان والأمم ليس مجديا، فكم مرة قامت بعض الأنظمة السياسية بقطع الإنترنيت عن شعوبها، لكن سرعان ما حصلت تلك الشعوب والأفراد على برامج لكسر التحديد والمحاصرة، وهناك أمثلة عديدة حول هذا الأمر، إذًا لم تعد عملية القص والمصادرة والمحاصرة نافعة للأنظمة التي تلجأ إليها.

التعامل مع الثقافات الوافدة
لهذا من الأفضل لنا جميعا أن نقرّ بحقيقة وجود الموجات الثقافية الوافدة، وعلينا أن نتعامل معها على أنها أمر واقع لا يمكن التخلص منه، وغالبا ما تكون مواجهة المشكلات هي الحل الأمثل لها، فإذا أقررنا بوجود الثقافات الوافدة، علينا أن نقرّ أيضا بقوة تأثيرها على عقولنا، وهذا هو الأخطر في هذه القضية التي يجب أن ننفي كونها وهما، بل هي حقيقة واقعة.

الثقافة الوافدة إحدى منتجات الاكتشاف المذهل لعصرنا هذا، وهو عملية التواصل المفتوح بين جميع سكان الأرض، ولا سبيل لمنع أو قمع أو قطع هذا التواصل بشكل كلّي حتى لو تم حبس الناس في حيّز مكاني اسمه وطن، هذه الحقيقة يجب أن تدفع الجميع إلى معطيات واضحة ومهمة، أول هذه المعطيات أن الثقافات لم يعد بالإمكان منعها أو صدّها.

ثاني المعطيات، أن نفهم هذه الثقافة الوافدة، وأن نعرف مغزاها وأغراضها، والثالث، هو الكيفية التي نتعامل فيها مع هذه الثقافات الوافدة، ليس بطريق الهروب وإنما بطريقة المواجهة، فالثقافات حقيقة وليست وهما، وإذا تم الإقرار بذلك من قبل أعلى المستويات، فإن الاستعداد للمواجهة يصبح ممكنا، وهو الحل الأهم والأفضل للتعاطي مع مشكلة الموجات الثقافية الوافدة، لاسيما الرديئة والمسيئة منها.

المعطى الأهم من جميع المعطيات، لا ينبغي أن نضعف أمام الموجات الثقافية الوافدة، ولا يجب أن نواجهها بالطرائق المتخلفة، بل علينا أن نثق بثقافتنا وتقاليدنا وأصولنا، وهذا يستدعي جهودا فكرية ثقافية كبيرة، على المعنيين تنظيمها وتوفيرها وتفعيلها، كي تكون المصد للثقافي الرديء في عصر التفاهة الذي هيمن على عالمنا بشكل مريع.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat

  

علي حسين عبيد
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2023/01/07



كتابة تعليق لموضوع : تحديات الموج الثقافي
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :



أحدث التعليقات كتابة :



  علّق محمد السعداوي الأسدي ديالى السعدية ، على العشائر الشيعية في ناحية "السعدية" بمحافظة ديالى العراقية تتصدى لهجوم تنظيم "داعش" الإرهابي : رجال بني اسد ابطال وين ماكان

 
علّق شیخ الحق ، على دور ساطع الحصري في ترسيخ الطائفية (الفصل السادس) - للكاتب د . عبد الخالق حسين : فعلا عربان العراق ليسوا عربا هم بقايا الكورد الساسانين و العيلامين. فيجب ان يرجعوا إلى أصولهم و ينسلخوا من الهوية المزورة العروبية.

 
علّق الحسن لشهاب.المغرب.بني ملال. ، على ضعف المظلومين... يصنع الطغاة - للكاتب فلاح السعدي : جاء في عنوان المقال: ضعف المظلومين... يصنع الطغاة، بينما الحقيقة الشبه المطلقة، هو ان حب و تشبث النخب العربية بأموال الصناديق السوداء و بالمنافع الريعية و بخلود الزعامة السياسية و النقابية ،و حبهم لاستدامة المناصب الادارية العليا و حبهم في الولوح الى عالم النخبة ,,هو من يصنع الطغاة بامتياز؟؟؟ بالاضافة بالطبع الى رغبة الغرب المنافق في صناعة الطغاة من اجل ردع و قمع الشعوب المسلمة ،المتهمة بالارهاب و العنف الديني,, و حتى و ان قرر الغرب بعد فضيحة فساد البرلمان الاوروبي ،التخلي عن الطغاة و التمسك بالقانون ، فانه و للاسف الشديد ،،النخب لم تتخلى عن هذه الطغاة,

 
علّق بهاء حسن ، على هل هذا جزاء الحسين عليه السلام ؟ - للكاتب سامي جواد كاظم : ماهو مصدر القصة نحن نعلم ان بجدل هو قطع الخنصر المقدس، لكن القصة وضيافة الامام له ماهو مصدرها

 
علّق محمد ، على هل يوجد قائم في المسيحية؟ - للكاتب إيزابيل بنيامين ماما اشوري : ما عید التقدمه؟ فحصت الانترنت و لم اظفر بشیء فیه

 
علّق ا. د. صالح كاظم عجيل علي ، على أساتذة النحوية في مدرسة النجف الاشرف* - للكاتب واثق زبيبة : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته الأخ الكريم استاذ واثق زبيبة المحترم هذا المقال هو جزء من أطروحة دكتوراه الموسومة بالدرس النحوي في الحوزة العلميّة في النجف الأشرف عام ٢٠٠٧ وكل الترجمات الموجود في المقال مأخوذة نصا بل حرفيا من صاحب الأطروحة فلا اعرف لماذا لم تذكر ذلك وتحيل الى كتب تراجم عامة مع ان البحث خاص باطروحة جامعية ارجو مراجعة الأطروحة مرة أخرى الباب الأول الفصل الأول من ص ١٥ الي ص ٢٥ فضلا عن المغالطات العلمية الواردة في المقال على سبيل المثال (مدرسة النجف النحوية!!!) تحياتي

 
علّق محمد ، على هل يوجد قائم في المسيحية؟ - للكاتب إيزابيل بنيامين ماما اشوري : ما عید التقدمه؟ فحصت الانترنت و لم اظفر بشیء فیه

 
علّق سليمان علي صميدة ، على هل يوجد قائم في المسيحية؟ - للكاتب إيزابيل بنيامين ماما اشوري : بارش بن حاسم احد صلحاء بني اسرائيل عاصر النبي موسى عليه السلام و حفظ تنبؤاته و منها : ( كل الدنيا سلام من جديد, وكل الدنيا دار الكخباد والمسـيح اراد ربه ان يعود) و الكاخباد كلمة عبرية المقصود بها القائم المهدي . الكثير من هذه التنبؤات مخبأة في دهاليز الفاتيكان .

 
علّق سليمان علي صميدة ، على الكخباد قادم يا أبناء الأفاعي - للكاتب سليمان علي صميدة : بارش بن حاسم احد صلحاء بني اسرائيل عاصر النبي موسى عليه السلام و حفظ تنبؤاته و منها : ( كل الدنيا سلام من جديد, وكل الدنيا دار الكخباد والمسـيح اراد ربه ان يعود) و الكاخباد كلمة عبرية المقصود بها القائم المهدي . الكثير من هذه التنبؤات مخبأة في دهاليز الفاتيكان .

 
علّق حسين ، على (غير المغضوب عليهم ولا الضالين)، هل صدق القرآن في ذلك؟ (1) مع الأب الأقدس القس مار يعقوب منسي. - للكاتب إيزابيل بنيامين ماما اشوري : السلام عليكم  حسب ما ورد من كلام الأخت إيزابيل بخصوص ( غير المغضوب عليهم ولا الضالين)كلامها صحيح وسائرة على نهج الصراط المستقيم . اريد ان اجعل مدلولها على الاية الكريمةالمذكورة أعلاه بأسلوب القواعد وحسب قاعدتي ؛ [ ان الناس الذين مارسوا أفعال وأقوال شريرة ضد دين زمانهم واشركوا بالله الواحد الاحد فهم في خانة المغضوب عليهم ان ماتوا ، وان كانوا بعدهم أحياء ولم تأتي قيامتهم أثناء الموت فهم في خانة الضالين عسى ان يهتدوا إلى ربهم الرحمن قبل موتهم فإن ماتوا ولم يهتدوا فتنطبق عليهم صفة المغضوب عليهم وهذه القاعدة تنطبق على كل البشر والجن ( والملائكة أيضا اذا انحرفوا كما أنحرف أبليس فصار شيطانا . ) اقول ان سورة الحمد وهي ام الكتاب حقا قد لخصت للجميع مايريده الله العلي العظيم .

 
علّق س علي ، على انتخابات الرجال زمن الرعب في النجف الاشرف - للكاتب الشيخ عبد الحافظ البغدادي : سلام عليكم شيخنا الجليل ممكن ان احصل على طريقة للتواصل مع الشيخ المطور جزاكم الله الف خير كوني احد بناء الذين ذكرتهم جزاكم الله الف خير

 
علّق مروان السعداوي ، على العشائر الشيعية في ناحية "السعدية" بمحافظة ديالى العراقية تتصدى لهجوم تنظيم "داعش" الإرهابي : عشيره السعداوي الاسديه متواجدة في ديالى وكركوك وكربلاء وبعض من اولاد عملنا في بغداد والموصل لاكن لايوجد اي تواصل واغلبنا مع عشائر ثانيه

 
علّق د. سندس اسماعيل محسن الخالصي ، على نطاق أرضية الحماية الاجتماعية في الإسلام - للكاتب مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات : مقالة مهمة ومفيدة بوركت اناملكم وشكراً لمدونة كتابات في الميزان

 
علّق حعفر البصري ، على كذبة علم الاجتماع العراقي ومؤسسه علي الوردي بحث مناقش / القسم الثالث - للكاتب حميد الشاكر : سلام عليكم لفض هذا الاشتباك بين كاتب المقال والمعلقين أنصح بمراجعة أحد البحوث العلمية في نقد منهج الدكتور على الوردي والباحث أحد المنتمين إلى عائلة الورد الكاظمية، اسم الكتاب علم الاجتماع بين الموضوعية والوضعية للدكتور سليم علي الوردي. وشكرا.

 
علّق محمد زنكي الاسدي الهويدر ، على العشائر الشيعية في ناحية "السعدية" بمحافظة ديالى العراقية تتصدى لهجوم تنظيم "داعش" الإرهابي : عشيره السعداوي الأسديه أبطال .

الكتّاب :

صفحة الكاتب : احمد محمد العبادي
صفحة الكاتب :
  احمد محمد العبادي


للإطلاع على كافة الكتّاب إضغط هنا

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net