صفحة الكاتب : مسلم عباس

لحظة تاريخية للعراق: من الصراع إلى التنافس
مسلم عباس

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

المتابع للتغطية الإعلامية لبطولة خليجي25 في البصرة يلاحظ نقطة تحول محورية جديرة بالمناقشة والتحليل، فالإعلام الذي كان يبحث عن الشيطان في أي مكان اختفى الآن، الكاميرات اليوم لا تصور إلا الأجواء الملائكية.

ما أسباب هذا التحول؟ وكيف يمكن للعراق أن يجعل منه نقطة تحول كبرى لخدمة بلاد الرافدين أولاً والمنطقة ثانياً؟

قبل الإجابة عن التساؤلين لا بد من الإشارة إلى مكاسب التغطية الإعلامية لخليجي25 في البصرة:

المكسب الأول للمُرْسِل: للصحفي نفسه حيث يحصل على جمهور واسع، وللقناة الفضائية الحاضنة للصحفي إذ ستجد من يتابعها، والدولة التي تقف خلف القناة الفضائية، سوف تتحسن صورتها في عيون الجمهور العراقي.

المكسب الثاني للعراق صاحب الضيافة، فقد أبرزت التغطية الإعلامية الجوانب المنيرة للشعب العراقي، وكأنها نفضت غبار الحرب الإعلامية الطاحنة التي كانت جارية لسنوات طويلة وضحيتها الأولى الشعب العراقي، إذ استعاد العراق موقعه كدولة لها مكانتها وشعب يحب الحياة، والأهم أنه يحب الآخرين بكافة ألوانهم وأشكالهم وجنسياتهم ودياناتهم.

لماذا هذا التحول في التغطية الإعلامية؟ أليس العراقي هو المتهم بالولاء لهذه الدولة أو تلك؟ ألم يكن العراقي متهم بالعداء لهذا الشعب أو ذاك؟ ما الذي تغير؟ هل الشعب تغير أم التغطية الإعلامية؟

الشعب العراقي هو ذاته، لم يتغير، هو الشعب المحب للحياة وللآخرين من أي مكان وأي جنسية، وجدت الدول التي تطمح بموطيء قدم لها بالعراق أن سياستها الإعلامية العدوانية تجاه العراق وحلفائه غير فاعلة، وأن تصيد الأخطاء ضد هذا البلد لا يجدي نفعاً للطرفين.

كان الخطاب الإعلامي يعتمد على نموذج الصراع السياسي الصفري، يقوم هذا النموذج على شيطنة الآخر المختلف بكل الوسائل الممكنة، مع تعظيم غير منطقي للذات، والهدف النهائي هو إلغاء الآخر والتسويق لنموذج جديد يحل محله، بمعنى آخر افتقد الإعلام إلى عنصر التواصل، وركز على حرب الوجود بين طرفين يجد كل منهما أن ضمان حياته مرهون بقتل ونفي الآخر من الوجود.

في النهاية لم يُقتل أحد من أطراف الصراع بشكل نهائي، ولم يُنفى من الوجود، المؤلم في قصة الصراع الإعلامي السابق أن جميع الأطراف المتصارعة خسرت الموارد المالية والبشرية والكثير من السمعة، ولم تربح سوى تشويه السمعة وفقدان المكانة المحلية والإقليمية والدولية، الجميع شعر بخطر الاستمرار في تسويق الخطاب العدائي الصفري.

نقطة تحول
الخطاب الإعلامي الجديد لدول الخليج مشجع جداً، ليس لأنهم يمدحون العراقيين وينشرون روح المحبة والسلام فقط، بل إن طريقة الخطاب مختلفة تماماً، فلم يعد الخطاب قائم على شتم هذا العدو أو ذاك، لقد اختفت اللغة العدائية تماماً خلال أيام البطولة الخليجية.

وبما أن الإعلام الخليجي هو انعكاس للاستيراتيجية السياسية للسلطة الحاكمة، نستنتج أن هناك توجهاً سياسياً خليجياً بالانتقال إلى نموذج التنافس في المجال العراق، ولشرح الفرق بين نموذج الصراع والتنافس نذكر النقطة المحورية في كل نموذج:

نموذج الصراع يسعى إلى إلغاء الخصم تماماً أو شل قدرته على الحركة، وينعكس ذلك على الخطاب الإعلامي من خلال بث أكبر قدر من الكراهية ضد الخصم، عبر البحث في سلبياته وطرح نموذج مغاير تماماً له.

نموذج التنافس لا يسعى إلى إلغاء الآخر بل يتعايش معه، وهنا جوهر الفرق، ففي المنافسة تبقى الطموحات موجودة في مد النفوذ لكن ليس بالضرورة عبر إلغاء الآخر، إنما عن طريق تجنب إثارته من جهة والبحث عن المشتركاترمن جهة أخرى.

وإذا استمرت الحالة الإعلامية نفسها التي نراها في خليجي25، سيكون من واجب العراق فهم المعادلة الجديدة، لأن التيار الجديد جارف وهائل، ومن يبقى على خطاب الصراع سوف يخسر جمهوره تدريجياً ويتنحى جانباً لأن الشعوب تحب التعايش والتقارب لا سيما وأن شعوب المنطقة قد سئمت الصراعات وفهمت كل وسائل الخطاب الإعلامي المعتمد على الكراهية وشيطنة الآخر.

وعلى بعض الدول التي ما تزال تبحث عن شيطان التفاصيل الصغيرة أن تعرف بأن السوق الإعلامي الجديد لا يحتمل الصراع الصفري، بل تصفير الأزمات أو تقليصها إلى أقصى قدر ممكن.

أرى أن العراق والمنطقة أمام فرصة تاريخية لو تم الانتباه لها، فالحرب تحدث بسبب شرارة بسيطة، لكنها قد تنتهي بمبادرة بسيطة أيضاً، دعونا نجعل من الخطاب الإعلامي الإيجابي في خليجي25 نقطة تحول لصالح العراق ودول المنطقة.

لننسى بعض الصراعات فهي لا تنتهي، لنتعلم العفو من نبينا الأعظم محمد صلى الله عليه وآله الذي أصدر العفو المشهور عند فتح مكة المكرمة، وعلى إثر ذلك تأسست أعظم دولة إسلامية.

ولنتعلم من دول الغرب التي تجاوزت حروبها العالمية المدمرة وتآلفت معاً لتؤسس قاعدة سياسية واقتصادية وصناعية هائلة ما تزال تسيطر على السوق العالمي.

بقدر تعقيدات المسألة فهي بسيطة، بدل شتم الآخر، لنبحث عن المشترك، وبدل إلغائه وشيطنته لنعترف بانسانيته وتميزه، لنترك الصراع ونتنافس كما يتنافس أبطال الرياضة، حيث يفوز الجميع ولا يخسر أحد. خليجي25 فرصة قد لا تتكرر.

 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat

  

مسلم عباس
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2023/01/17



كتابة تعليق لموضوع : لحظة تاريخية للعراق: من الصراع إلى التنافس
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :



أحدث التعليقات كتابة :



  علّق شیخ الحق ، على دور ساطع الحصري في ترسيخ الطائفية (الفصل السادس) - للكاتب د . عبد الخالق حسين : فعلا عربان العراق ليسوا عربا هم بقايا الكورد الساسانين و العيلامين. فيجب ان يرجعوا إلى أصولهم و ينسلخوا من الهوية المزورة العروبية.

 
علّق الحسن لشهاب.المغرب.بني ملال. ، على ضعف المظلومين... يصنع الطغاة - للكاتب فلاح السعدي : جاء في عنوان المقال: ضعف المظلومين... يصنع الطغاة، بينما الحقيقة الشبه المطلقة، هو ان حب و تشبث النخب العربية بأموال الصناديق السوداء و بالمنافع الريعية و بخلود الزعامة السياسية و النقابية ،و حبهم لاستدامة المناصب الادارية العليا و حبهم في الولوح الى عالم النخبة ,,هو من يصنع الطغاة بامتياز؟؟؟ بالاضافة بالطبع الى رغبة الغرب المنافق في صناعة الطغاة من اجل ردع و قمع الشعوب المسلمة ،المتهمة بالارهاب و العنف الديني,, و حتى و ان قرر الغرب بعد فضيحة فساد البرلمان الاوروبي ،التخلي عن الطغاة و التمسك بالقانون ، فانه و للاسف الشديد ،،النخب لم تتخلى عن هذه الطغاة,

 
علّق بهاء حسن ، على هل هذا جزاء الحسين عليه السلام ؟ - للكاتب سامي جواد كاظم : ماهو مصدر القصة نحن نعلم ان بجدل هو قطع الخنصر المقدس، لكن القصة وضيافة الامام له ماهو مصدرها

 
علّق محمد ، على هل يوجد قائم في المسيحية؟ - للكاتب إيزابيل بنيامين ماما اشوري : ما عید التقدمه؟ فحصت الانترنت و لم اظفر بشیء فیه

 
علّق ا. د. صالح كاظم عجيل علي ، على أساتذة النحوية في مدرسة النجف الاشرف* - للكاتب واثق زبيبة : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته الأخ الكريم استاذ واثق زبيبة المحترم هذا المقال هو جزء من أطروحة دكتوراه الموسومة بالدرس النحوي في الحوزة العلميّة في النجف الأشرف عام ٢٠٠٧ وكل الترجمات الموجود في المقال مأخوذة نصا بل حرفيا من صاحب الأطروحة فلا اعرف لماذا لم تذكر ذلك وتحيل الى كتب تراجم عامة مع ان البحث خاص باطروحة جامعية ارجو مراجعة الأطروحة مرة أخرى الباب الأول الفصل الأول من ص ١٥ الي ص ٢٥ فضلا عن المغالطات العلمية الواردة في المقال على سبيل المثال (مدرسة النجف النحوية!!!) تحياتي

 
علّق محمد ، على هل يوجد قائم في المسيحية؟ - للكاتب إيزابيل بنيامين ماما اشوري : ما عید التقدمه؟ فحصت الانترنت و لم اظفر بشیء فیه

 
علّق سليمان علي صميدة ، على هل يوجد قائم في المسيحية؟ - للكاتب إيزابيل بنيامين ماما اشوري : بارش بن حاسم احد صلحاء بني اسرائيل عاصر النبي موسى عليه السلام و حفظ تنبؤاته و منها : ( كل الدنيا سلام من جديد, وكل الدنيا دار الكخباد والمسـيح اراد ربه ان يعود) و الكاخباد كلمة عبرية المقصود بها القائم المهدي . الكثير من هذه التنبؤات مخبأة في دهاليز الفاتيكان .

 
علّق سليمان علي صميدة ، على الكخباد قادم يا أبناء الأفاعي - للكاتب سليمان علي صميدة : بارش بن حاسم احد صلحاء بني اسرائيل عاصر النبي موسى عليه السلام و حفظ تنبؤاته و منها : ( كل الدنيا سلام من جديد, وكل الدنيا دار الكخباد والمسـيح اراد ربه ان يعود) و الكاخباد كلمة عبرية المقصود بها القائم المهدي . الكثير من هذه التنبؤات مخبأة في دهاليز الفاتيكان .

 
علّق حسين ، على (غير المغضوب عليهم ولا الضالين)، هل صدق القرآن في ذلك؟ (1) مع الأب الأقدس القس مار يعقوب منسي. - للكاتب إيزابيل بنيامين ماما اشوري : السلام عليكم  حسب ما ورد من كلام الأخت إيزابيل بخصوص ( غير المغضوب عليهم ولا الضالين)كلامها صحيح وسائرة على نهج الصراط المستقيم . اريد ان اجعل مدلولها على الاية الكريمةالمذكورة أعلاه بأسلوب القواعد وحسب قاعدتي ؛ [ ان الناس الذين مارسوا أفعال وأقوال شريرة ضد دين زمانهم واشركوا بالله الواحد الاحد فهم في خانة المغضوب عليهم ان ماتوا ، وان كانوا بعدهم أحياء ولم تأتي قيامتهم أثناء الموت فهم في خانة الضالين عسى ان يهتدوا إلى ربهم الرحمن قبل موتهم فإن ماتوا ولم يهتدوا فتنطبق عليهم صفة المغضوب عليهم وهذه القاعدة تنطبق على كل البشر والجن ( والملائكة أيضا اذا انحرفوا كما أنحرف أبليس فصار شيطانا . ) اقول ان سورة الحمد وهي ام الكتاب حقا قد لخصت للجميع مايريده الله العلي العظيم .

 
علّق س علي ، على انتخابات الرجال زمن الرعب في النجف الاشرف - للكاتب الشيخ عبد الحافظ البغدادي : سلام عليكم شيخنا الجليل ممكن ان احصل على طريقة للتواصل مع الشيخ المطور جزاكم الله الف خير كوني احد بناء الذين ذكرتهم جزاكم الله الف خير

 
علّق مروان السعداوي ، على العشائر الشيعية في ناحية "السعدية" بمحافظة ديالى العراقية تتصدى لهجوم تنظيم "داعش" الإرهابي : عشيره السعداوي الاسديه متواجدة في ديالى وكركوك وكربلاء وبعض من اولاد عملنا في بغداد والموصل لاكن لايوجد اي تواصل واغلبنا مع عشائر ثانيه

 
علّق د. سندس اسماعيل محسن الخالصي ، على نطاق أرضية الحماية الاجتماعية في الإسلام - للكاتب مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات : مقالة مهمة ومفيدة بوركت اناملكم وشكراً لمدونة كتابات في الميزان

 
علّق حعفر البصري ، على كذبة علم الاجتماع العراقي ومؤسسه علي الوردي بحث مناقش / القسم الثالث - للكاتب حميد الشاكر : سلام عليكم لفض هذا الاشتباك بين كاتب المقال والمعلقين أنصح بمراجعة أحد البحوث العلمية في نقد منهج الدكتور على الوردي والباحث أحد المنتمين إلى عائلة الورد الكاظمية، اسم الكتاب علم الاجتماع بين الموضوعية والوضعية للدكتور سليم علي الوردي. وشكرا.

 
علّق محمد زنكي الاسدي الهويدر ، على العشائر الشيعية في ناحية "السعدية" بمحافظة ديالى العراقية تتصدى لهجوم تنظيم "داعش" الإرهابي : عشيره السعداوي الأسديه أبطال

 
علّق سنان السعداوي الاسدي ، على العشائر الشيعية في ناحية "السعدية" بمحافظة ديالى العراقية تتصدى لهجوم تنظيم "داعش" الإرهابي : الله حيوا رجال بني أسد في السعديه.

الكتّاب :

صفحة الكاتب : سرمد يحيى محمد
صفحة الكاتب :
  سرمد يحيى محمد


للإطلاع على كافة الكتّاب إضغط هنا

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net