صفحة الكاتب : شعيب العاملي

المسيح.. والإمام الظالم!
شعيب العاملي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 
بسم الله الرحمن الرحيم
 
ورد في الإصحاح السادس من إنجيل لوقا عن المسيح عليه السلام قوله: أَحِبُّوا أَعْدَاءَكُمْ، أَحْسِنُوا إِلَى مُبْغِضِيكُمْ، بَارِكُوا لاَعِنِيكُمْ، وَصَلُّوا لأَجْلِ الَّذِينَ يُسِيئُونَ إِلَيْكُمْ (لوقا6: 27-28).
 
وروي عنه عليه السلام ما يقرب من هذا اللفظ في بعض كتبنا أيضاً: أَحْسِنُوا إِلَى مَنْ أَسَاءَ إِلَيْكُمْ، وَاعْفُوا عَمَّنْ ظَلَمَكُمْ، وَسَلِّمُوا عَلَى مَنْ أَعْرَضَ عَنْكُمْ (تحف العقول ص503).
 
حُبُّ العدوّ، والإحسان إلى المبغض، ومباركة اللاعن، والصلاة للمسيء!
كلُّها مفاهيم برّاقة، عبر كلماتٍ في الإنجيل تدغدغ المشاعر لتفيض حباً وحناناً، ورحمةً وإحساناً على كلّ الخلق، فلا تستثني العدوّ! ولا المبغض الكاره!
 
أيُّ رفعةٍ هذه التي صبغت دعوة عيسى عليه السلام؟ وأيُّ تسامحٍ ومودةٍ غَلَّفَتْ كلماته؟!
 
ههنا قد يقول قائل:
إذا كان الدينُ عند الله واحداً، وكانت دعوةُ الأنبياء للتوحيدِ والمعرفةِ والأخلاقِ واحدةً رغم اختلافِ الشرائع، فكيف ساغ لكم أيها المسلمون أن تخالفوا دعوة الإلفة والمحبة التي نطق بها عيسى كما ينقل عنه إنجيلُ لوقا؟!
 
بل كيف ساغَ لكم أيها الشيعةُ أن تطرحوا مفهومَ (البراءة) ممن لم يوالي أئمتَكُم؟ وأنتم تدّعون أن دينَكم الإسلام هو دينُ الرحمة، وتبرؤون ممن تقولون أنّهم أرجاٌس منافقونَ شوّهوا صورته قديماً وحديثاً عندما أسسوا أساسَ الظلم والجور على أئِمتِكُم بزعمِكُم أيها الشيعة - يقول القائل-.
 
إنكم تعملون على ترسيخ مفهوم البراءة إلى جنب مفهوم الولاية، فأين هذا من تَسَامُحِ المسيح؟ أيُعقَلُ أن يخالفَ محمدٌ وعليٌّ المسيحَ؟!
 
أين البراءة في قول الله عن رسوله: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾؟
أيجتمع الخُلُقُ العظيم مع التَبَرِّي من العدوّ؟ أم أنَّ حُبَّ العدو كما في إنجيل لوقا هو الأفضل والأسمى والأكمل؟!
 
أسئلةٌ تستحق الوقوفَ عندها فعلاً.. ونحن نطرَحُها هنا بصيغةٍ أخرى ونوزعُها على محاور ثلاثة:
 
المحور الأوّل: هل يقول عيسى والنصارى بالبراءة أم لا؟
 
وهل يعتقدون بلزومها؟ ويتبرؤون من أعدائهم؟
وهل تدلّ كلمات عيسى المتقدمة المنسوبة إليه على لزوم حبّ كل عدوّ؟
وهل فيها نهيٌ عن البراءة من الأعداء؟ كلّ هذا على فرض صحة نسبتها لعيسى عليه السلام.
 
لعل الجواب هو في التمييز بين نوعين من العداوة:
1. العداوة الشخصية.
2. العداوة لله وفي الله.
 
فنقول:
إن نهى عيسى عليه السلام عن معاداة العدوّ فعلاً، فلا بدَّ من تخصيصه بالنوع الأول، أي العدو الذي يكون منشأ العداوة معه أمراً شخصياً، ولا يُمكن أن يكون نهيه شاملاً للعداوة في الله، ولا يُعقل أن ينهى عن معاداةِ أعداءِ الله، ولنا على هذا القول شواهد من الكُتُبِ المقدَّسة نفسها.
وقد يُفسَّرُ أمره بمحبَّة العدو هنا بِحُبِّ الهداية له، لا حب شخصه وأفعاله، لأنَّهُ قذرٌ في نفسه إن كان عدوا لله سبحانه، كما هو قذرٌ في أفعاله..
 
فإن قيل:
من أين فسرتم كلام المسيح بهذا المعنى؟
 
قلنا:
بما رد في الكتاب المقدّس نفسه، فهلُمَّ إليه لنرى ما فيه:
أما من التوراة، فبما ورد من لعن الذين لا يسمعون كلام عهد الله:
هكَذَا قَالَ الرَّبُّ إِلهُ إِسْرَائِيلَ: مَلْعُونٌ الإِنْسَانُ الَّذِي لاَ يَسْمَعُ كَلاَمَ هذَا العَهْدِ (أرمياء ٣:١١).
وهو واحدٌ من حوالي أربعين مورداً ورد فيها اللعن في التوراة، وهو هنا يشمل كلّ من لا يسمع كلامَ هذا العهد، أي من لا يؤمن بالتوراة، وهذا اللّعن نوعٌ من أنواع التبري، وفيه دعاءٌ بالطرد من رحمة الله تعالى.
 
أما في الإنجيل ففي سِفر رومية:
لأَنَّ غَضَبَ الله مُعْلَنٌ مِنَ السَّمَاءِ عَلَى جَمِيعِ فُجُورِ النَّاسِ وَإِثْمِهِمِ، الَّذِينَ يَحْجِزُونَ الحَقَّ بِالإِثْمِ (رومية ١٨:١).
يتنزَّلُ غَضَبُ الله إذاً ويُعلَنُ من السماء على كلّ فجورٍ وإثم، ولا يمكن أن ينزل غضب الله على أحدٍ ثم نواليه ونحبّه!
 
وأكثر من ثبت بحقهم هذا الفجور والإثم بحسب الإنجيل أيضاً، همُ الذينَ لا يُحِبُّون المسيح، كما في رسائل كورنثوس من الإنجيل:
إِنْ كَانَ أَحَدٌ لاَ يُحِبُّ الرَّبَّ يَسُوعَ المَسِيحَ فَلْيَكُنْ أَنَاثِيمَا! مَارَانْ أَثَا (الرسائل الأولى 16: 22).
وقالوا أنَّ كلمة: أناثيما اليونانية تعني أنّه (ملعونٌ) أو (محرومٌ) أي هالك.
 
وفي الإنجيل أيضاً:
مَكْتُوبٌ: «مَلْعُونٌ كُلُّ مَنْ لاَ يَثْبُتُ فِي جَمِيعِ مَا هُوَ مَكْتُوبٌ فِي كِتَابِ النَّامُوسِ لِيَعْمَلَ بِهِ» (غلاطية 3: 10).
 
اذاً كلُّ من أنكر التوراة هو ملعونٌ على لسان التوراة، وكل من لا يثبُتُ فيما وردَ في الإنجيل هو ملعونٌ على لسان الإنجيل.
فهل يلتزم النصارى بمنهج الولاية دون البراءة؟
وما هو موقفهم من آيات التوراة والإنجيل هذه؟
هل يبرؤون ويلعنون فئاتٍ من الناس ويذمُّونها كما فعل الكتاب المقدَّس؟ أم يلتزمون بمودة ومحبة كلّ الناس حتى أعداء الله؟
 
لمّا كان هذا اللعن والبراءة هو ما ينصُّ عليه كتابهم المقدس، فقد ذهب إليه كبار قساوستهم كالقديس يوحنا الدمشقي حين يقول أنّ كلّ من لا يعترف بعقيدة الثالوث هو مسيحٌ دجّال!
 
يقول: إنه لمسيحٌ دجّالٌ كل من لا يعترف أنَّ ابن الله قد أتى بالجسد، وأنّه إلهٌ كاملٌ، وأنه قد صار إنساناً كاملاً بعد أن كان إلهاً (المئة مقالة في الايمان الارثوذكسي ص273).
فهل وَصفُ المخالف له بالعقيدة أنَّه مسيحٌ دجالٌ هو نوع من التولي والتقرُّب إليه؟!
 
يبرأ النصارى إذاً ممن لا يعترف بتَجَسُّد الله في المسيح! وبصيرورة الإله الكامل إنساناً كاملاً!
فيجعلون هذه العقيدة المناقضة للتوحيد ميزاناً للتولي والتبرّي، وهذه كلمات واحدٍ من كبار قساوستهم، وهو القدِّيس يوحنا الدمشقي، وهو ابن سرجون، وما أدراك ما سرجون، فهو الذي أشار على يزيد بن معاوية بأن يولي الكوفة عُبيدَ الله ابن زياد لمّا علمَ بقدومِ الحسينِ عليه السلام نحوها.
 
والخلاصة أنّ البراءة منهجٌ نصراني كما هي منهجٌ إسلاميٌّ، لهج بها التوراة والإنجيل الّلذَين يؤمن بهما النصارى.
 
فيا أيها السائل.. إن كنت من النصارى أو ممّن ترى أفضليةً في الكتاب المقدس على ما في الكتاب الكريم، أجبناك سريعاً متمثّلين بكلام الكتاب المقدّس نفسه: لِمَاذَا تَنْظُرُ القَذَى الَّذِي فِي عَيْنِ أَخِيكَ، وَأَمَّا الخَشَبَةُ الَّتِي فِي عَيْنِكَ فَلاَ تَفْطَنُ لَهَا؟ (متى7: 3).
 
المحور الثاني: هل يقول النصارى بسقوط العقاب؟
 
ههنا تساؤل آخر:
على فرض صحة الإنجيل، وصحة نسبة ما فيه لعيسى عليه السلام، وأنَّه أمر بحب العدو، فهل أنه يمنع من الدفاع عن النفس؟ ويقول بسقوط العقاب للعاصي؟ فله أن يفعل ما شاء؟
إذ أنهم نسبوا له في الإصحاح الخامس من إنجيل متى أنّه قال: لا تُقَاوِمُوا الشَّرَّ، بَلْ مَنْ لَطَمَكَ عَلَى خَدِّكَ الأَيْمَنِ فَحَوِّلْ لَهُ الآخَرَ أَيْضاً (متى5: 39).
فهل هو نوعُ تشجيعٍ على استمرارية الظلم؟ وعدم مقاومة الظالم؟
 
نقول:
على فرض صحة كلمات عيسى المتقدمة، فلا ينبغي حَمُلها على سقوط العقاب، لِنَصّ الكتاب المقدس على ثبوت العقاب في الدنيا والآخرة.
أما في الدنيا، فلما ورد في سفر التكوين: سَافِكُ دَمِ الإِنْسَانِ بِالإِنْسَانِ يُسْفَكُ دَمُهُ (التكوين9: 6).
 
لقد أقرّ المبدأ الإنساني العقلائي بأنّ العين بالعين والسنّ بالسن، فسافِكُ دمِ الانسان بالإنسان يُسفكُ دمُهُ، لأنّ مَن أمِنَ العقوبةَ أساءَ الأدبَ ولأنّه ﴿لَكُمْ فِي القِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الالبَابِ﴾.
وهو مبدأٌ اتّفَقَتْ عليه الشرائعُ السماويةُ والبشريّة إلا ما شذّ منها وندر، وان اختلفت في كيفية تطبيقه، أما العنوان العام والقاعدة الكبرى فهي محل اتفاق بين العقلاء والأديان السماوية.
 
ولم يبق هذا الحكم نظرياً، بل طبقه موسى عليه السلام بحسب الكتاب المقدس حينما جمع بني لاوي، ففي سفر الخروج:
فَقَالَ لَهُمْ: «هكَذَا قَالَ الرَّبُّ إِلهُ إِسْرَائِيلَ: ضَعُوا كُلُّ وَاحِدٍ سَيْفَهُ عَلَى فَخْذِهِ، وَمُرُّوا وَارْجِعُوا مِنْ بَابٍ إِلَى بَابٍ فِي المَحَلَّةِ، وَاقْتُلُوا كُلُّ وَاحِدٍ أَخَاهُ وَكُلُّ وَاحِدٍ صَاحِبَهُ وَكُلُّ وَاحِدٍ قَرِيبَهُ».
فَفَعَلَ بَنُو لاَوِي بِحَسَبِ قَوْلِ مُوسَى. وَوَقَعَ مِنَ الشَّعْبِ فِي ذلِكَ اليَوْمِ نَحْوُ ثَلاَثَةِ آلاَفِ رَجُلٍ (الخروج32: 27-28).
نزل العقاب على من ظَلَمَ منهم على يد أخوته وأقربائه بأمرٍ من موسى عن الربِّ إله اسرائيل.
 
كذلك كان الله يُنزِلُ العقاب على يد الملائكة كما في سفر الرؤيا:
وَسَمِعْتُ صَوْتًا عَظِيمًا مِنَ الهَيْكَلِ قَائِلاً لِلسَّبْعَةِ المَلاَئِكَةِ: «امْضُوا وَاسْكُبُوا جَامَاتِ غَضَبِ اللهِ عَلَى الأَرْضِ» (رؤيا ١:١٦).
 
ليس غضبُ الله كغضب الإنسان، غَضَبُ الله يكشف عن عميقِ معصيةٍ أتى بها هذا العاصي، فتبرّأ الله سبحانه وتعالى منه حتى عاجَلَهُ بعقوبةٍ في الدنيا، ولم ينتظر به إلى يوم القيامة.
 
هي عقوبةٌ دنيويةٌ لا تدفع العقوبة الأخروية، ففي إنجيل متى:
هكَذَا يَكُونُ فِي انْقِضَاءِ العَالَمِ: يَخْرُجُ المَلاَئِكَةُ وَيُفْرِزُونَ الأَشْرَارَ مِنْ بَيْنِ الأَبْرَارِ، وَيَطْرَحُونَهُمْ فِي أَتُونِ النَّارِ. هُنَاكَ يَكُونُ البُكَاءُ وَصَرِيرُ الأَسْنَانِ» (متى13: 49-50).
 
للملائكة دورٌ في التمييز بين المحقّ والمبطل، ونحن نعتقد بذلك أيضاً وإن كنّا نقول بأنهم يميّزون بين المسلمين بناءً على ولاية عليّ ابن أبي طالب عليه السلام، فمن والاه دخل الجنة، ومن عاداه دخل النار.
 
فساغَ لنا بل وجب علينا أن نوالي وليّه ونعادي عدوه، وهذا منهجٌ قرانيٌّ توراتيٌّ إنجيليٌّ على فرض صحة الإنجيل والتوراة، ونحن نعتقد بصحة المعنى الذي دلّ عليه هذا النصّ وأمثاله لمطابقته لما في القران الكريم.
 
وصفوة القول: أنّه لا يصح بناءً على هذه النصوص تفسير كلام عيسى بنهيه عن مقاومة الشر مطلقاً، بل لا بد من تفسيره بنهيه عن مقاومة الشر بالشر، أي باستعمال الأساليب الملتوية، فَلَكَ أن تقاوم الشر بما أباحه الله سبحانه وتعالى لك، ولكن ليس لك أن تقابل الظالم بظُلمٍ إلا أن تأخذ حقاً بالعدل.
 
أو يُفسّر بأنه نهيٌ عن مقاومة الشرِّ للعاجز، فالعاجزُ حينما يرفعُ رأسَهُ في مقاومةِ الظالمِ قد يُسبِّبُ مزيداً من الضررِ لنفسِهِ، فيكون على وِزَانِ التقيةِ، أو غيرِ ذلك من المعاني.
 
وقد نَصَّ الإنجيل على أن الوُلاة بمثابة المرسَلين من الله للانتقام من فاعلي الشرّ: أَوْ لِلْوُلاَةِ فَكَمُرْسَلِينَ مِنْهُ لِلانْتِقَامِ مِنْ فَاعِلِي الشَّرِّ، وَلِلْمَدْحِ لِفَاعِلِي الخَيْرِ (1 بطرس ١٤:٢).
 
إذاً نخْلُصُ من هذا أنّ موقف المسيح والكتبِ السماويةِ المتقدِّمةِ موافقٌ لما وردَ في القرآنِ الكريمِ، من لزومِ التبري كلزومِ التولي، ومن لزومِ العقابِ للظالم في الدنيا والآخرة، وإن تعذَّرَ في الأولى فلا مفرّ من الأخرى.
 
المحور الثالث: ما هو موقف المسيح من الإمام الظالم؟!
 
السؤال الأخير:
إذا كانت البراءةُ منهجاً للمسيح عليه السلام أيضاً، فهل كان له موقفٌ واضحٌ من الظَّلَمة؟ ومن أئمتهم، ومن كلّ إمامٍ ظالمٍ طالما تبرأ منه الشيعة، الذين عَدُّوا البراءة منه جزءاً من دينهم.
 
ههنا نصٌّ عظيمٌ روي عن عيسى عليه السلام في تحف العقول، يقول فيه:
بِحَقٍّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ الحَرِيقَ لَيَقَعُ فِي البَيْتِ الوَاحِدِ فَلَا يَزَالُ يَنْتَقِلُ مِنْ بَيْتٍ إِلَى بَيْتٍ حَتَّى تَحْتَرِقَ بُيُوتٌ كَثِيرَةٌ، إِلَّا أَنْ يُسْتَدْرَكَ البَيْتُ الأَوَّلُ فَيُهْدَمَ مِنْ قَوَاعِدِهِ، فَلَا تَجِدَ فِيهِ النَّارُ مَعْمَلًا.
 
على عادته في سَرد القصص والتشابيه، وهي عادة الكتب السماوية والأنبياء والمرسلين، حيث تسرد القصص لتقريب المفاهيم والأفكار من عقول عموم الناس، يضرب عليه السلام مثالاً في بيتٍ يقع فيه حريقٌ، ثم ينتقل من بيتٍ لآخر فيحرق الكثير من البيوت، ولا مفرّ من ذلك إلا بهدم البيت الأول من قواعده حتى لا تجد له النار طريقاً، وإلا فإنه سيستمر في إحراق المزيد والمزيد من البيوت حتى يأتي عليها كلها.
 
يقول عليه السلام بعد ذلك كلمة ذهبية:
وَكَذَلِكَ الظَّالِمُ الأَوَّلُ: الظالم الأول كالبيت الأول الذي احتَرَقَ وأحرق البيوت التي تجاوره حتى أتى عليها كلها، والظالم الأوّل يبقى يُحرِقُ مَن حوله حتى يهدم بيته ونهجه وخطه، ويجتثّه من أساسه. والظالم الأول هو أوّل إمامٍ ظالمٍ.
 
ثم يبين عليه السلام بعد ذلك الطريق الأوحد للخلاص من ذلك فيقول عليه السلام:
لَوْ يُؤْخَذُ عَلَى يَدَيْهِ لَمْ يُوجَدْ مِنْ بَعْدِهِ إِمَامٌ ظَالِمٌ فَيَأْتَمُّونَ بِهِ!
 
لو أنَّ الأمّة قد أخذت على يد الظالم الأوَّل لما جاء من بعده ظالمٌ آخر، لما جاء إمامٌ ظالمٌ تأتمّ به الأمة، ولكان المجال مفتوحاً أمام أئمة الهدى والحق ليؤدوا دورَهم، ولانتظمت سلسلة الإمامة الإلهية، وظَهَرَت دُرَرُها وجواهِرُها، وعاش الناس في نعيمٍ الولاية في الدنيا قبل نعيم الآخرة.
 
لَوْ يُؤْخَذُ عَلَى يَدَيْهِ لَمْ يُوجَدْ مِنْ بَعْدِهِ إِمَامٌ ظَالِمٌ فَيَأْتَمُّونَ بِهِ، كَمَا لَوْ لَمْ تَجِدِ النَّارُ فِي البَيْتِ الأَوَّلِ خَشَباً وَالوَاحاً لَمْ تُحْرِقْ شَيْئاً (تحف العقول ص504).
 
من ههنا أُتِيَت هذه الأمة، حيث لم تأخذ على يد الظالم الأوَّل، فظهر بعدَهُ أئمةٌ ظَلَمةٌ، ولا يزال هذا المسلسل مستمراً، وسيبقى إلى أن يأمر الله وليه المهديّ المنتظر بالخروج، فيأتي خلفه عيسى بن مريم عليهما السلام، ليستدركا البيت الأول فيُهدم من قواعده ذلك اليوم.
 
تكون الأمّة قد قَدَّمَت مئات السنين، وتكون البشريَّة قد ضحّت بأهم ما أعطاها الله سبحانه وتعالى، وهم الأئمة المعصومون، وتكون خلافة الله في الارض قد سُلِبَت من أصحابها طيلة قرون، كلّ ذلك لأن الناس لم يأخذوا على يد الظالم الأول، فتوالت من بعده سلاسل الظَلَمَة.
 
‏هذا هو موقف المسيح من الإمام الظالم، وهو مطابقٌ لموقف النبي محمدٍ صلى الله عليه وآله، وللأئمة المعصومين عليهم السلام، وللشيعة الأطياب الأطهار المتّبعين لهم جميعاً.
 
ولعلّه لهذا حذّر المسيح ممن يسمونهم بالأنبياء الكذبة، ومنهم الإمام الظالم الضالّ، حيث قال بحسب إنجيل متى:
«اِحْتَرِزُوا مِنَ الأَنْبِيَاءِ الكَذَبَةِ الَّذِينَ يَأْتُونَكُمْ بِثِيَاب الحُمْلاَنِ، وَلكِنَّهُمْ مِنْ دَاخِل ذِئَابٌ خَاطِفَةٌ! مِنْ ثِمَارِهِمْ تَعْرِفُونَهُمْ. هَلْ يَجْتَنُونَ مِنَ الشَّوْكِ عِنَبًا، أَوْ مِنَ الحَسَكِ تِينًا؟ (متى7: 15-16).
 
فهل ظهر من أئمة الجور غير الشوك والحَسَك؟! ما رَأَينَا منهم سوى ذلك، لا عنباً ولا تيناً.. وهم يزعمون التنبؤ، ويأخذون دور الأنبياء، لكنّهم كَذَبة.
 
ليس ديننا دينُ الظُّلم أيُّها الأحبة، وقد أوصى نبينا محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله وصيّه أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام: وَائْتِنِي مَظْلُوماً، وَلَا تَأْتِنِي ظَالِماً (المسترشد ص610).
 
لقد وقع الظُّلم على محمدٍ وعليٍّ والأئمة عليهم السلام، ومِن بعدهم على شيعتهم، ولم يكن بيد الشيعة من موقفٍ إلا البراءة من الظالمين بعد التولي للأولياء المعصومين.
 
لكنَّ الظلم كلّ الظلم أن يُمنَعَ المظلومُ من البراءة ممّن ظلمه! فلا يُكتفى بسلبه حقه، وإيقاع الظلم عليه، بل يُلزَمُ بعدم البراءة من عدوه!
 
اللهم إنّا نبرأ إليك من كلّ ظالم، وممن أسس أساس الظلم على آل محمد، فإن المؤسسين هم أصحاب البيت الذي لا نَسلَمُ ولا تَسلَمُ الأمّة إلا بهدم قواعده، وستُهدَمُ على يد المنتظر إن شاء الله. عجل الله فرجه، وسهل الله مخرجه.
 
والحمد لله رب العالمين


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


شعيب العاملي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2023/01/30



كتابة تعليق لموضوع : المسيح.. والإمام الظالم!
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net