صفحة الكاتب : الشيخ حسين عبد الرضا الاسدي

على ضفافِ الانتظار(22)
الشيخ حسين عبد الرضا الاسدي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.



القرآنُ...إنّه من المُنتظرين

كُلُّنا، وكُلُّ المظلومين، والمُستضعفين، ومن ضاعتْ حقوقهم، ينتظرون ظهورَ المُخلِّصِ الموعود، فهل القرآنُ من المُنتظرين؟
الجواب:
بعد الالتفاتِ إلى أنَّ الإمامَ المهدي (عجل الله (تعالى) فرجه) سيُرجعُ الأمورَ إلى نصابها، وإلى الحقّ فيها، سيكونُ واضحًا جدًا أنَّ القرآنَ الكريم من المنتظرين.
والتفصيلُ أنْ يُقال:
أولًا: إنَّ القرآنَ الكريم ككتابٍ سماويٍ أنزله اللهُ (تعالى) لكي يُطبِّقَ الناسُ ما فيه من قوانين تشريعيةٍ على جميع المستويات: العقائدية، والشرعية، والثقافية، والاقتصادية، والأسرية، والشخصية، وغيرها.
فتعيينُ الخليفة بالنصِّ السماوي...
وإقامةُ الحدودِ على الجناة...
وضرورةُ طلبِ العلم مع التواضع...
وتعليمُ الناسِ الخيرَ والدين...
وحرمةُ الربا، وحليةُ البيع والتجارة...
وضرورةُ الإحسانِ المُتبادلِ بين الزوجين... وحرمةُ نشوزِ أحدهما على الآخر...
وحرمةُ الغيبة، والنميمة، والنظر إلى غير ذات محرم...
وغيرها كثير، كُلُّها أوامرُ أريدَ بها التطبيق العملي.
وباختصار: ضرورةُ قراءةِ القرآن مع تطبيقِ مضامينه تمامًا، هو الهدفُ من إنزاله، وتبليغه للناس؛ ولذا وعدَ اللهُ (تعالى) بحفظه عن أيدي المتلاعبين، فقال (عزّ من قائل): ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾
ثانيًا: إلا أنّ الذي جرى على القرآن الكريم هو شيءٌ يُدمي القلب ويُسهّد العيون، فلا طُبّقتْ مضامينه، ولا عُمِلَ بها، وقد خولفَ في الكثيرِ من تطبيقاته، الأمرُ الذي أدّى إلى:
عدمِ اتّباعِ من أمَر باتّباعهم...
وتعطيلِ كثيرٍ من حدوده...
وتفسيره بالرأي من دون مستندٍ ولا رجوعٍ إلى من يعلمون تأويله...
فلم يبقَ منه إلا رسمُه، وملأ الرفوفَ من دونِ قراءةٍ أو تطبيق...
وهو أمرٌ تنبّأتْ به النصوصُ الدينيةُ الحاكيةُ عن المستقبل.
قال (تعالى) حكايةً عن شكوى الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) يومَ القيامة: "وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآَنَ مَهْجُورًا"
روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه قال: "يأتي على الناس زمانٌ، لا يبقى فيه من القرآن إلا رسمُه، ومن الإسلام إلّا اسمُه".
وعنه (عليه السلام) أنه قال: "وإنّه سيأتي عليكم من بعدي زمانٌ، ليس فيه شيءٌ أخفى من الحقّ، ولا أظهر من الباطل، ولا أكثر من الكذب على الله ورسوله، وليس عند أهل ذلك الزمان سلعةٌ أبْور من الكتاب إذا تُلي حق تلاوته، ولا أنفق منه إذا حُرّفَ عن مواضعه، ولا في البلاد شيءٌ أنكر من المعروف، ولا أعرف من المنكر، فقد نبذ الكتابَ حملتُه، وتناساه حفظتُه، فالكتابُ يومئذٍ وأهله منفيان طريدان، وصاحبان مصطحبان في طريقٍ واحدٍ لا يؤويهما مؤوٍ، فالكتاب وأهله في ذلك الزمان في الناس وليسا فيهم، ومعهم وليسا معهم؛ لأنّ الضلالةَ لا توافق الهدى وإنْ اجتمعا"
ثالثًا: وبهذا، فهو –أيّ القرآن- أيضًا ينتظرُ مُصلحَ الأمور كُلّها ليُصلِحَ أمرَه أيضًا، فقد رويَ عنه (صلى الله عليه وآله) أنّه قال: "كائنٌ في أمتي ما كان من بني إسرائيل، حذو النعل بالنعل، والقذة بالقذة، وإنَّ الثاني عشر من ولدي يغيبُ حتى لا يُرى، ويأتي على أُمّتي زمنٌ لا يبقى من الإسلام إلا اسمه، ولا من القرآن إلا رسمه، فحينئذٍ يأذنُ اللهُ له بالخروج، فيُظهر الإسلامَ، ويُجدِّدُ الدين"
فالقرآنُ الكريم ينتظرُ الإمامَ المهدي (عجل الله تعالى فرجه) من أجل:
1- بيان تفسيره المطابق لما أريد منه واقعًا، وذلك يكونُ من خلالِ إخراجه (عجل الله (تعالى) فرجه) مصحفَ الإمام علي (عليه السلام) المرتّب حسب النزول، والمكتوب معه التفسير الذي أخذه (عليه السلام) من الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله)، بالإضافة إلى ما عنده من العلم الإلهي اللدنّي.
ولذا رويَ عن أبي جعفر (عليه السلام) أنّه قال: "إذا قامَ قائمُ آل محمد (عليه السلام) ضربَ فساطيط لمن يعلّمُ الناس القرآنَ على ما أنزلَ الله (جل جلاله)، فأصعبُ ما يكونُ على من حفظه اليوم؛ لأنّه يخالف فيه التأليف"
2- تطبيق الوعودِ الإلهيةِ التي جاءتْ في القرآن الكريم، حينما يعملُ الإمامُ المهدي (عجل الله (تعالى) فرجه) على تنفيذها على أرضِ الواقع، والتي منها وراثةُ الأرضِ للصالحين، واستخلافُ المُستضعفين فيها، ليظهرَ الدين على الدين كُلِّه ولو كرهَ المشركون.
رويَ عن أبي بصير قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام) في قول الله (عز وجل): ﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ المُشْرِكُونَ﴾ فقال: والله ما نزل تأويلها بعد، ولا ينزل تأويلها حتى يخرج القائم (عليه السلام)، فإذا خرج القائم (عليه السلام) لم يبقَ كافرٌ بالله العظيم ولا مشركٌ بالإمام إلا كره خروجه، حتى أنْ لو كان كافرٌ أو مشركٌ في بطن صخرةٍ لقالت: يا مؤمن، في بطني كافر، فاكسرني واقتله.
3/ إقامة الحدودِ الشرعية التي جاء بها القرآن، والتي أماتها الناسُ اليوم وأمس، وقد ذُكِرَ هذا المعنى وفي دعاءِ الندبة: «أَيْنَ المُؤَمَّلُ لإِحْياءِ الْكِتابِ وَحُدُودِهِ، أَيْنَ مُحْيي مَعالِمِ الدّينِ وَأَهْلِهِ».
وفي دعاء العهد: "واجعله اللهم مفزعًا لمظلوم عبادك، وناصرًا لمن لا يجد له ناصرًا غيرك، ومجدّدًا لما عُطّل من أحكام كتابك، ومشيدًا لما ورد من أعلام دينك وسنن نبيك (صلى الله عليه وآله)"
والخلاصة:
أنَّ عدمَ الالتزام بأحكامِ النكاح والطلاق والإرث... في صعيدِ المعاملة، أو عدمَ الالتزامِ بتوصياتِ القرآن الكريم حيال أولي الأمر من أهلِ البيت (عليهم السلام) في صعيد الموالاة العقائدية، أو عدمَ الالتزام بمبادئ السلوك الاجتماعي القاضي بعدمِ الغيبة والبهتان والنميمة والكذب والتنابز بالألقاب.. وغيرها كثير، هي ما يشكو القرآنُ من عدم تطبيقه، وهي ما سيقومُ الإمامُ المهدي (عجل الله (تعالى) فرجه) بإحيائه وإقامته.
وقد اختصرَ الإمامُ الصادقُ (عليه السلام) كلَّ ذلك في ما رويَ عنه في كلامه مع بريد بن معاوية حيث قال له:
"يا بريد، واللهِ ما بقيتْ لله حرمةٌ إلا انتُهكت، ولا عُمِلٌ بكتاب الله، ولا سنة نبيه في هذا العالم، ولا أُقيم في هذا الخلق حدٌّ منذ قبض الله أمير المؤمنين (صلوات الله وسلامه عليه)، ولا عُمل بشيءٍ من الحقّ إلى يوم الناس هذا.
ثم قال: أما والله، لا تذهب الأيام والليالي، حتى يحيي الله الموتى، ويميت الأحياء، ويردّ اللهُ الحقَّ إلى أهله، ويُقيم دينه الذي ارتضاه لنفسه ونبيه، فأبشروا، ثم أبشروا، ثم أبشروا، فوالله، ما الحق إلا في أيديكم.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


الشيخ حسين عبد الرضا الاسدي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2023/01/30



كتابة تعليق لموضوع : على ضفافِ الانتظار(22)
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net