صفحة الكاتب : الشيخ حيدر السندي

ضرورة التخصص الفقهي والعقلانية
الشيخ حيدر السندي

يروج البعض فكرة أن جعل الاستنباط مهمة المتخصص في الفقه ترجع إلى انكار دور العقل في إدراك المصالح والمفاسد و الحسن والقبح فقط ، وهذا الكلام غير صحيح ، فهناك عوامل متعددة ، ومنها ذلك ، مع أن دائرته خاصة ، وهي التعبديات ، المربوط حسنها بالمصالح والمفاسد ، كعدد الركعات وأشواط الطواف ، وكيفية الوضوء والمسح فيه ، فهل يمكن لعاقل أن يبين لنا مصلحة تحديد صلاة الصبح بركعتين ما لم يخبرنا المشرّع نفسه ؟!

ولكن هنالك عامل ، منها فهم اللغة و الاحاطة بالقرائن العرفية ، والشرعية اللبية ، كالاجماع ، و اللفظية ، كالخاص والمقيد ، و معرفة طريق النص المستنبط منه من حيث وثاقة الرواة و صحة نسخة الكتاب الناقل ، وكيفية علاج التعارض لو وجد بين المستندات ، وغير ذلك من العوامل التي تفرض التخصص.

ولكي تتضح الفكرة أذكر بعض الأمثلة :

١- لو علم المكلف بنقص ركوع أو سجدة من صلاته ، فهل لا يلتفت و يبني على صحة صلاته ولا شيء عليه أم يقضي سجدة و يعيد الصلاة أم يحكم بصحة صلاته و يقضي سجدة فقط؟

كيف يمكن لعامة الناس أن يحددوا وظيفتهم هنا مالم يحيطوا بقواعد الاستنباط عند الشك ؟!

٢- لو عجز المكلف عن جزء من واجب و اضطر إلى تركه ، كما اذا عجز عن القيام في الصلاة ، فعل يلزمه أن يأتي بالصلاة الناقصة و يكون عمله صحيحاً أم يرفع عنه وجوب الكل لعدم القدرة على بعضه فلا شيء عليه أم يسقط الأداء ويبقى القضاء ؟

كيف يمكن لعامة الناس أن يحددوا وظيفتهم هنا مالم يحيطوا بأدلة رفع الحكم عند العجز و يقفوا على مفادها وعلاقتها بسائر الأدلة ؟!

٣- لو اجتمع في مورد أمر ونهي ، كما لو صل شخص في أرض مغصوبة ، فهل نحكم بصحة صلاته أم بطلانها و إذا حكم بالبطلان هل يختص هذا الحكم بصورة العلم بالغصب أم يشمل الجهل والنسيان ؟

كيف يمكن لعامة الناس أن يحددوا وظيفتهم هنا مالم يحيطوا بمسألة جواز اجتماع الأمر والنهي و قاعدة التزاحم ، و إمكان تصحيح العمل حال سقوط الأمر بالتعارض .

لقد بعث الله تعالى نبيه ( صلى الله عليه و آله) بشريعة تشتمل على أحكام إلزامية ، ووظيفتنا العقلية تحتم طاعة الله تعالى ، و قد نقلت الشريعة بطرق بعضها قطعية و بعضها ظنية ، ومن الطرق الظنية ما نقله الثقات ، و الشارع بطريق قطعي ألزمنا بالعمل بنقل الثقات ، فلابد من العمل بمقتضى حق الله تعالى بالشرعية القطعية و الظنية التي نقلها الثقات ، ولا يجوز إهمال ذلك ، و الأخذ بالتشريعات الوضعية ، غير أن هنالك من يريد منا الخروج عنها ، ورفض السجود لما أمر الله تعالى بالسجود له ، بذريعة أن العقل يرفض سجود الإنسان إله هذا الزمان ولو كان طاعة لله تعالى خالق الخلق ومعطي الوجود ! فيتخذ ذرائع فاسدة ، منها أن المتشرّعة يلغون دور العقل فلا يجعلون فهم شرع الله شرعة لكل وارد !

و يتعمد هؤلاء وصف النهار بالعتمة ؛ لحرف محدودي الثقافة والبسطاء ، ويكون سعيهم ضمن مخصص حرف الناس عن الدين و أخذ معارفه من أهله ، لالغاء فاعليته في الأمة ، و إلّا قل لي بربك من يقبل من العقلاء طراً وفي أي قانون رسمي أن يشرع كل شخص لنفسه نظام معيشته ، وعلاقاته ، وفهم الدساتير والنظم و استنباط اللوائح ، خصوصاً عند توهم تعارض الأنظمة ، ولا يجعلون ذلك مهمة فقهاء القانون خاصة ولو كان القانون وضعياً؟!

وهل رفْض العقلاء جعل القوانين شرعة لكل وارد بسبب أنهم يرون العقل لا يدرك المصالح والمفاسد والحسن والقبح ؟! هذا يعني اتفاق العقلاء على انكار دور العقل ، وهو واضح الفساد .

ليس من التقدمية و الحداثة أن تصادر عقلك بحجة إكرام العقل ، فإن هذا قتل للعقل ثم إكرامه من باب إكرام الموتى ، فإن العقل يدرك أن من العقلانية إعطاء العلم والتخصص قدرهما ، ولكن من استخف بدينه استخف بالتخصص ودور العلم في فهمه .


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


الشيخ حيدر السندي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2023/02/08



كتابة تعليق لموضوع : ضرورة التخصص الفقهي والعقلانية
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net