صفحة الكاتب : د . فاضل حسن شريف

البعث و يبعثون و بعثنا في القرآن الكريم (ح 5)
د . فاضل حسن شريف

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.


تكملة للحلقات السابقة قال الله عز وجل عن البعث "ثُمَّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِم مُّوسَىٰ بِآيَاتِنَا إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَظَلَمُوا بِهَا ۖ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ" ﴿الأعراف 103﴾ ثم بعثنا من بعد الرسل المتقدم ذِكْرهم موسى بن عمران بمعجزاتنا البينة إلى فرعون وقومه، فجحدوا وكفروا بها ظلمًا منهم وعنادًا، فانظر -أيها الرسول- متبصرًا كيف فعلنا بهم وأغرقناهم عن آخرهم بمرأى من موسى وقومه؟ وتلك نهاية المفسدين، و "وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَن يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ ۗ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ ۖ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ" ﴿الأعراف 167﴾ لَيَبْعَثَنَّ: لَ لام التوكيد، يَبْعَثَ فعل، نَّ لام التوكيد، واذكر أيها الرسول إذ علم ذلك إعلامًا صريحًا ليبعثن على اليهود مَن يذيقهم سوء العذاب والإذلال إلى يوم القيامة، و "ثُمَّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِ رُسُلًا إِلَىٰ قَوْمِهِمْ فَجَاءُوهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا بِهِ مِن قَبْلُ ۚ كَذَٰلِكَ نَطْبَعُ عَلَىٰ قُلُوبِ الْمُعْتَدِينَ" ﴿يونس 74﴾ ثم بعثنا من بعده: أي نوح، ثم بعثنا من بعد نوح رسلا إلى أقوامهم هودًا وصالحًا وإبراهيم ولوطًا وشعيبًا وغيرَهم فجاء كل رسول قومه بالمعجزات الدالة على رسالته، وعلى صحة ما دعاهم إليه، فما كانوا ليصدِّقوا ويعملوا بما كذَّب به قوم نوح ومَن سبقهم من الأمم الخالية، و "ثُمَّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِم مُّوسَىٰ وَهَارُونَ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ بِآيَاتِنَا فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُّجْرِمِينَ" ﴿يونس 75﴾ ثم بعثنا مِن بعد أولئك الرسل موسى وهارون عليهما السلام إلى فرعون وأشراف قومه بالمعجزات الدالة على صدقهما، فاستكبروا عن قَبول الحق، وكانوا قومًا مشركين مجرمين مكذبين، و "قَالَ رَبِّ فَأَنظِرْنِي إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ" ﴿الحجر 36﴾ قال إبليس: رب أخِّرني في الدنيا إلى اليوم الذي تَبْعَث فيه عبادك، وهو يوم القيامة، و "أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ ۖ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ" ﴿النحل 21﴾ هم جميعًا جمادات لا حياة فيها ولا تشعر بالوقت الذي يبعث الله فيه عابديها، وهي معهم ليُلقى بهم جميعًا في النار يوم القيامة، و "وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ ۖ فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُم مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ ۚ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ" ﴿النحل 36﴾ ولقد بعثنا في كل أمة سبقَتْ رسولا آمرًا لهم بعبادة الله وطاعته وحده وتَرْكِ عبادة غيره من الشياطين والأوثان والأموات وغير ذلك مما يتخذ من دون الله وليًا، و "وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ ۙ لَا يَبْعَثُ اللَّهُ مَن يَمُوتُ ۚ بَلَىٰ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ" ﴿النحل 38﴾ وحلف هؤلاء المشركون بالله أيمانًا مغلَّظة أن الله لا يبعث مَن يموت بعدما بَلِيَ وتفرَّق، بلى سيبعثهم الله حتمًا، وعدًا عليه حقًا، ولكن أكثر الناس لا يعلمون قدرة الله على البعث، فينكرونه، و "وَيَوْمَ نَبْعَثُ مِن كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا ثُمَّ لَا يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ" ﴿النحل 84﴾ نَبْعَثُ فعل، واذكر لهم أيها الرسول ما يكون يوم القيامة، حين نبعث من كل أمة رسولها شاهدًا على إيمان من آمن منها، وكُفْر مَن كَفَر.
جاء في معاني القرآن الكريم: بعث أصل البعث: إثارة الشيء وتوجيهه، يقال: بعثته فانبعث، ويختلف البعث بحسب اختلاف ما علق به، فبعثت البعير: أثرته وسيرته، وقوله عز وجل: وَالْمَوْتَىٰ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ" ﴿الأنعام 36﴾، أي: يخرجهم ويسيرهم إلى القيامة، "يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا" ﴿المجادلة 6﴾، "زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَن لَّن يُبْعَثُوا ۚ قُلْ بَلَىٰ وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ" ﴿التغابن 7﴾، "مَا خَلْقُكُمْ وَلَا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ" (لقمان 28).
جاء في شبكة المعارف الاسلامية الثقافية : أشراط الساعة هي التّي تخبر عن دنوّها، وهي غير نفس القيامة، فإنها الأمور الكونية التي تدبّر النظام السائد، ليؤسس بعده نظام جديد لمحاسبة العباد، وجزائهم، وقد أكثر الذكر الحكيم من نقل وتصوير مشاهد القيامة في سوره القصار. وبعد تلك الحوادث المريعة، تتلا حق مواقف العالم الأُخروي إلى أن يرد الخلق إلى مثواهم الأخير، وفيما يلي نستعرضها واحدةً بعد الأُخرى: 1- انهدام النظام: تضافرت الآيات القرآنية على أن البعث لا يقوم على هذا النظام السائد، وإنما يقوم على نظام جديد، وهو لا يتحقق إ لا بتلاشي النظام الموجود وانهدامه. والقرآن يخبر عن مشاهد ذاك الانهدام الكوني العام فيحدّث عن انشقاق السماء وانفطارها، وتكوير الشمس، وانكدار النجوم وتناثرها، وامتداد الأرض، وتفجير البحار وتسجيرها، وتسيير الجبال حتى تكون كالعهن المنفوش، وغير ذلك من المشاهد المروعة للقلوب. 2- خروج الناس من القبور: ويستعقب ذلك مشهد آخر، ألا وهو خروج الناس من الأجداث. يقول سبحانه: "وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُمْ مِنَ الأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ * قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ" (يس51-52). وبعد ذلك يدعى الناس إلى الحساب، وموقف العرض، وهو مشهد أشدّ في النفس هولاً مما سبق، لعظم الحسرة والخوف الحاكمين على القلوب آنئذ، يقول سبحانه: "يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلَى شَىْء نُكُر * خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ * مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ يَقُولُ الْكَافِرُونَ هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ" (القمر 6-8)، و "لِكُلِّ امْرِئ مِنْهُمْ يَوْمَئِذ شَأْنٌ يُغْنِيهِ" (عبس 37). 3- إعطاء الكتب: وبعد خروج الناس من القبور وإحضارهم إلى موقف المحاكمة، ووقوفهم على صعيد الحساب، تنشر الصحف "وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَت" (التكوير 10). فيأخذ كلّ إنسان كتابه الذي دوّن فيه "بيد الحفظة من الملائكة" ما عمله من صغير وكبير، فمنهم من يتلقاه بيمينه، ومنهم من يتلقاه بشماله. يقول سبحانه: "فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ * فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا * وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا * وَأَمَّا مَنْ أُوتِىَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ * فَسَوْفَ يَدْعُوا ثُبُورا" (الانشقاق 7ـ11) وسيأتي بيان أوفى لإعطاء الكتب في الشهود. 4- الحساب والشهود: وبعد تناول الصحف يبدأ الحساب، وهو مشهد مروّعٌ للقلوب ومقطّعٌ للأرواح، إنّه مشهد القضاء على الناس بشهود لا يتطرق إلى شهادتهم ريب ولا يتّهمون بكذب. وهم بين شاهد خارجي كالله سبحانه، والأنبياء، والملائكة، والأرض، وداخلي كالأعضاء والجوارح حتى جلد البدن. وهناك نوع آخر من الشهود لا يشابه القسمين، وهو تجسّم أعمال الإنسان بوجود يناسب تلك النشأة وهذا نظير عرض صور الجريمة ووقائعها التي التقطت عند ارتكاب المجرم لها، أوبثّ الشريط الّذي سجل فيه كلام المعتدي بالسبّ والوقيعة، وإن كان هناك فرق بين الممثّل والممثّل له. وبذلك لا يجد المجرم لنفسه إلا الاعتراف بالذنب والتقصير والجرأة، لثبوت الجرم عليه بوجه لا يقبل الإنكار، وإليك عرض هؤلاء الشهود في ضوء آيات القرآن الكريم، مقدّمين الشهود الخارجيين على الداخليين.
جاء في الميزان في تفسير القرآن للعلامة الطباطبائي: قوله تعالى "يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِن مُّضْغَةٍ مُّخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِّنُبَيِّنَ لَكُمْ ۚ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ۖ وَمِنكُم مَّن يُتَوَفَّىٰ وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَىٰ أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِن بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا" (الحج 5) المراد بالبعث إحياء الموتى والرجوع إلى الله سبحانه وهو ظاهر، والعلقة القطعة من الدم الجامد، والمضغة القطعة من اللحم الممضوغة والمخلقة على ما قيل تامة الخلقة وغير المخلقة غير تامتها وينطبق على تصوير الجنين الملازم لنفخ الروح فيه، وعليه ينطبق القول بأن المراد بالتخليق التصوير. وقوله : "لِنُبَيِّنَ لَكُمْ" ظاهر السياق أن المراد لنبين لكم أن البعث ممكن ونزيل الريب عنكم فإن مشاهدة الانتقال من التراب الميت إلى النطفة ثم إلى العلقة ثم إلى المضغة ثم إلى الإنسان الحي لا تدع ريبا في إمكان تلبس الميت بالحياة ولذلك وضع قوله "لِنُبَيِّنَ لَكُمْ" في هذا الموضع ولم يؤخر إلى آخر الآية. قوله تعالى "وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُودا" (الاسراء 79) التهجد من الهجود وهو النوم في الأصل ومعنى التهجد التيقظ والسهر بعد النوم على ما ذكره غير واحد منهم، والضمير في "بِهِ" للقرآن أو للبعض المفهوم من قوله "وَمِنَ اللَّيْلِ" (الاسراء 79) والنافلة من النفل وهو الزيادة، وربما قيل : إن قوله: "وَمِنَ اللَّيْلِ" من قبيل الإغراء نظير قولنا: عليك بالليل، والفاء في قوله "فَتَهَجَّدْ بِهِ" نظير قوله "فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ" (النحل 51). والمعنى: وأسهر بعض الليل بعد نومتك بالقرآن وهو الصلاة حال كونها صلاة زائدة لك على الفريضة. وقوله "عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً" (الاسراء 79) من الممكن أن يكون المقام مصدرا ميميا وهو البعث فيكون مفعولا مطلقا ليبعثك من غير لفظه، والمعنى عسى أن يبعثك ربك بعثا محمودا، ومن الممكن أن يكون اسم مكان والبعث بمعنى الإقامة أو مضمنا معنى الإعطاء ونحوه، والمعنى عسى أن يقيمك ربك في مقام محمود أو يبعثك معطيا لك مقاما محمودا أو يعطيك باعثا مقاما محمودا.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . فاضل حسن شريف
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2023/02/26



كتابة تعليق لموضوع : البعث و يبعثون و بعثنا في القرآن الكريم (ح 5)
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net