صفحة الكاتب : احمد سالم إسماعيل

الحوزة العلمية في النجف الأشرف: أدوار ومدارس البحث الفقهي/الأصولي من منتصف القرن الخامس إلى القرن الثاني عشر الهجريين.
احمد سالم إسماعيل

صدر حديثاً عن مركز كربلاء للدراسات والبحوث التابع للعتبة الحسينية المقدسة، كتاب: الحوزة العلمية في النجف الأشرف: أدوار ومدارس البحث الفقهي/الأصولي من منتصف القرن الخامس إلى القرن الثاني عشر الهجريين. للسيد الدكتور عبد الهادي الحكيم.
لقد سعى المؤلّف في كتابه هذا سعياً حثيثاً إلى الوقوف على مراحل تطور مدارس البحث الفقهي/الأصولي في الحوزة العلمية في النجف الأشرف خاصة، منذ أن هاجر إليها الشيخ محمد بن الحسن الطوسي (ت460هـ/1068م)؛ فارّاً بدمه وجلده بعد هول فتنة الكرخ الطائفية الدموية، متخذاً من حِمى أمير المؤمنين (عليه السلام) وجواره ملجأً له، ومدرساً، وحوزة علمية، وموطناً، وذلك في منتصف القرن الخامس الهجري؛ مُفتتحاً أدوار المدارس العلمية فيها، ممثّلاً ومدرسته الدور العلمي الأول للبحث الفقهي/الأصولي في النجف الأشرف. ثمّ برزت من بعده خلال ثمانية قرون مدرسة تلو أخرى، وصولاً إلى زمن المرجع الشيخ أبي الحسن الفتوني ومن عاصره من المراجع الثلاثة في القرن الثاني عشر الهجري، حيث مثّلوا ومدارسُهم العلمية الدورَ السابع في مراحل البحث (الأصولي/ الفقهي) وتطويره، فكان هذا الدور آخر ما يتحدث عن المؤلف في هذا الكتاب.
لقد رتّب السيد المؤلف كتابه على وفق خطّة تتضمن -تبعاً لأدوار البحث الفقهي/الأصولي في مدرسة النجف الأشرف عبر القرون الثمانية- سبعة فصول، مسبوقة بتمهيد ومتلوّة بخاتمة.
تحدّث في التمهيد عن منهج تقسيم مراحل تطور البحث الفقهي/الأصولي في حوزة النجف الأشرف العلمية، مناقشاً مسالك من سبقه من الباحثين كأصحاب السماحة الشيخ محمد مهدي الآصفي والسيد محمد جعفر الحكيم والسيد منذر الحكيم وغيرهم، منتهياً إلى مسلك آخر مختلف عنها، مبيّناً مبرراته ودواعيه حسب قناعته، معتبراً أنّ العلاقة بين الفقه والأصول علاقة نظريةٍ وتطبيقها، وهو ما يؤكده تاريخ العِلْمَينِ على طول الخط، وتكشف عنه بوضوح دراسة المراحل التي مر بها البحث الفقهي والبحث الأصولي في تاريخ العلم؛ فقد نشأ علم الأصول في أحضان علم الفقه كما يقول الشهيد الصدر.
ولذلك فقد وحّد المؤلف مساريهما خلافاً لمن فصل المسارين عن بعضهما من العلماء الأعلام.
ثم إنّ الباحثين الذين فصلوا بين مساري تطور العِلْمَينِ الشريفين اختلفوا في عدد مراحل تطور كل منهما؛ ففي علم الأصول مثلاً ذهب الشهيد الصدر الأول إلى أنّه مرّ بثلاثة أدوار أو مراحل، وهو الشائع؛ وذهب بعضهم إلى أنّها خمسة؛ ورفعها آخرون كالشيخ محمد مهدي الآصفي فذهب إلى أنّها سبعة ابتداء من الطور الأصولي الثالث للشيخ الأنصاري وانتهاء بالسيد محمد تقي الحكيم في كتابه (الأصول العامة للفقه المقارن).
أما صاحب الكتاب فيذهب -بعد نقاشه لنظريات الباحثين الآخرين- إلى أنّ أدوار مسارات البحث الفقهي/الأصولي في حوزة النجف الأشرف خاصة وصلت إلى اثني عشر دوراً، تميّز كل دور منها ببروز مدرسة بحثية لمرجع أو عالم كبير، وهو ما طبع ذلك الدور بطابع بحثه الخاص به، فسمّاه الباحث باسم ذلك المرجع أو الفقيه المتميّز؛ كدور مدرسة الشيخ الطوسي، ودور مدرسة الشيخ الكركي، ودور مدرسة الشيخ الأردبيلي، وغيرها.
ثم بعد أن انتهى المؤلف من مناقشة آراء ونظريات العلماء الأعلام، واختط لنفسه رأياً جديداً؛ أعقب تمهيده بالفصل الأول، الذي تحدث فيه عن: (الدور الأول: دور مدرسة الشيخ محمد بن الحسن الطوسي وكبار تلامذته)، واقفاً على أهم طروحاته في مجال البحث الفقهي/الأصولي، ومعرّفاً بكبار رجالات مدرسته العلمية العريقة. 
تلاه بالفصل الثاني، متناولاً (الدور الثاني: دور الفتور العلمي في البحث الفقهي/الأصولي)، محلّلاً دواعيه وأسبابه، نافياً انتقال الحوزة من النجف الأشرف إلى خارجها خلاله كما ارتأى العديد من الباحثين ذلك، مؤكّداً أنّ حوزة النجف الأشرف مرّت بدور فتور نسبيّ خلال تقدّم الحلة أو كربلاء عليها في النشاط البحثي، إلّا أنّها بقيت مدرسة قائمة بعلمائها وإن ضعُفت، ثم سرعان ما عادت إلى صدارتها السابقة مرة أخرى.
بعد ذلك انتقل المؤلف إلى التعريف بعلماء تلك الفترة البحثية الفاترة نسبيّاً.
في حين تناول في الفصل الثالث من الكتاب (الدور الثالث: دور مدرسة الشيخ المقداد السيوري وكبار أساتذة الحوزة العلمية في عصره)؛ واقفاً على أهم طروحات هذه المدرسة في مجال البحث الفقهي/الأصولي، ومعرّفاً بكبار رجالاتها العلمية.
أما في الفصل الرابع فتعرض لــ(الدور الرابع: دور مدرسة الشيخ علي الكركي)، متناولاً ما أضافته زعامة الشيخ الكركي وتلامذته ونظرياته في البحث الفقهي/الأصولي من تطوّر ملحوظ.
وحسبُك ما نقله المحدث النوري عن المرجع الجواهري بأنّ من عنده كتب (جامع المقاصد) و(الوسائل) و(الجواهر) لا يحتاج بعدها إلى كتاب آخر للخروج من عهدة الفحص الواجب على الفقيه في آحاد المسائل الشرعية.
ويرى المؤلف بأنّ المحقق الكركي هو الممهد لدور التكامل في الفقه، والرابط له بالدور السابق عليه، وأنّه بكتابه (جامع المقاصد) قد ربط بين عصرين مهمين من عصور تطور الفقه الشيعي.
مؤكّداً أنّ اهتمام الشيخ الأنصاري بكتاب (جامع المقاصد) -كما يلاحظه المتأمّل في كتاب (المكاسب) للشيخ الأنصاري من حيث كثرة رجوعه إلى الكركي- يُعدّ دلالة مهمة على عمق ما في (جامع المقاصد)؛ فقد رجع إليه الشيخ الانصاري بأكثر من مئتين وخمسين مرّة مصرّحاً في رجوعه باسم الكتاب (جامع المقاصد) تارة، ومشيراً إلى مؤلفه بعبارة (المحقق الثاني) أخرى، أو (المحقق الكركي) ثالثة، أو غيرها ممّا يشير إليه رابعة.
ثمّ وصل المؤلف إلى الفصل الخامس ليبحث في (الدور الخامس: دور مدرسة الشيخ أحمد بن محمد الأردبيلي المعروف بــ"المقدس الأردبيلي" وكبار تلامذتها)؛ معرّفاً بها وواقفاً على مستجداتها العلمية، وكبار علمائها. مؤكّداً قبل أن ينتهي من التعريف بالدورين المهمين للمرجعين (الكركي) و(الأردبيلي) قوله: لقد أسّس كتابا (جامع المقاصد) للكركي و(مجمع الفائدة والبرهان) للأردبيلي بناءً معرفيّاً متيناً، وأرسَيا دعاماته. وبما انتهيا إليه من تطور استقرّ الخط العام للتأليف في الفقه الاستدلالي في المادة والمنهج وأسلوب العرض. معزّزاً رأيه بما ذكره صاحب كتاب (الموسوعة الفقهية الميسرة) بأنّ: كل ما أُلّف بعد (جامع المقاصد) و(مجمع الفائدة والبرهان) من الكتب المراجع في الفقه الاستدلالي لم يخرج عمّا سار عليه الكتابان المذكوران من الطريقة في التأليف الفقهي الاستدلالي، إلّا في الجوانب الفنية التي لا تمسّ الجوهر بتغيير أو تعديل.
ثم بعد أنْ انتهى المؤلف من ذلك كلّه بحث في الفصل السادس (الدور السادس: دور مدرسة الشيخ فخر الدين الطريحي)؛ متعرّضاً لأهم ما تمّ بحثه فيها من مسائل ومطالب.
واختتم فصول كتابه بسابعها، متناولاً فيه (الدور السابع: دور مدرسة الأعلام المتعاصرين: الشيخ أبي الحسن الفتوني - السيد صدر الدين محمد الرضوي النجفي - الشيخ محمد مهدي الفتوني - الشيخ محمد تقي الدورقي)؛ واقفاً على أهم طروحات هؤلاء العلماء الأعلام ونشاطاتهم في البحث الفقهي/الأصولي.
وأنهى السيد المؤلف كتابه بخاتمة مشيراً فيها إلى غنى وثراء وأصالة ما قدمته الحوزة العلمية في النجف الأشرف في غير مجالي علم الفقه وأصوله أيضاً من كتب ورسائل، وبحوث وتصانيف، وآراء ونظريات، في مجالات علمية وأدبية عديدة أخرى من العلوم الإسلامية الأخرى وغيرها؛ كالتفسير، والحديث، والفقه المقارن، وأصول الفقه المقارن، والرجال، والتاريخ، والتراجم، والسير، والفلسفة، والحكمة، والكلام، والأخلاق، واللغة وفقهها، والنحو، والصرف، والبلاغة، والنقد، والعروض، والأدب العربي بشعره الغزير ونثره، وغير ذلك من المعارف والعلوم الإسلامية واللغوية، بل في غيرها أيضاً كالفلك، والرياضيات والهندسة، والطب، والصيدلة، وأمثالها.
داعياً الباحثين إلى أن يتناولوا بالدراسة والبحث والاستقصاء ما قدّمته حوزة النجف الأشرف في كل ميدان من ميادين هذه العلوم على اختلافها في هذه المدة الزمنية التي درسها الباحث أو ما بعدها حتى عصرنا الحاضر، حيث تألّقت أكثر فأكثر وشعّ نورها وتوهّج أكثر فأكثر، كما تناوله في القسم اللاحق من كتابه عن الحوزة العلمية في النجف الأشرف المعنون (أدوار ومدارس البحث الفقهي/الأصولي من القرن الثالث عشر إلى القرن الخامس عشر الهجريين) مُسطّراً قائمة مصادر البحث في كتابه هذا بما يربو على سبعين مصدراً.
لقد بلغت صفحات الكتاب (257 صفحة)؛ بديباجته وتمهيده وفصوله السبعة وخاتمته ومصادره وفهرست محتوياته.
ول ا بدّ من كلمة في الختام: أحثّ فيها طلبة العلم بمَشرَبَيه -الحوزوي والأكاديمي- على قراءة هذا الكتاب، لِـما فيه من نقع علمي تأريخي للدارسين والباحثين من كِلا الـمَشربَين.

 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


احمد سالم إسماعيل
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2023/03/11



كتابة تعليق لموضوع : الحوزة العلمية في النجف الأشرف: أدوار ومدارس البحث الفقهي/الأصولي من منتصف القرن الخامس إلى القرن الثاني عشر الهجريين.
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net