صفحة الكاتب : بكر ابوبكر

أبوعمار و أولوف بالمه وابن المقفع في ثلاثية الاستماع والثقة والتأثير
بكر ابوبكر

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

كان الأخ حسن فرج مسؤول الشبيبة في حركة فتح يعرض فكرة في اجتماع له مع قيادة شبيبة جامعة بيرزيت، وأثارني سلاسة الطرح وسهولته.

ومع ذلك دقته، فهو حين تعرّض للمطلوب من الشخص الجاذب للآخرين قال ثلاث كلمات ذهبية إذ رأي ضرورة توفر: الشخصية والثقة بالنفس والتأثير.

ولأن هذه القيم الهامة فعلًا تعدّ عند العلماء من عوامل الجذب والاستقطاب والتأثير في الآخرين حاولت الإطلالة على بعض خبراتنا الثقافية الحضارية، والحركية والوطنية وعلى بعض الأقاويل لآخرين.

يقول الله تعالى في كتابه العزيز (يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرًا ونذيرا وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا-الأحزاب 45-46) فتكون هذه الأركان الخمسة من مميزات الشخصية المشعّة القادرة على إضاءة الطريق لكل الناس، وعلى رأسهم من سُدّت أمامهم المنافذ.

فهو عليه أفضل الصلاة والسلام شاهدٌ على أمته بالرسالة وخير العمل، وهو مبشّر ونذير كما هو (داعيًا الى لله) قولَا وعملًا، والأجمل أنه بذلك يصبح سراجًا منيرًا (أي شمسًا تستمد نورها من الله سبحانه) يشعُ على الدنيا فيتحلق الكل حوله فهو المنير[1]

من المهم الإشارة الى أن أهم سبل التأثير في الآخرين أمور عدة خبرناها، منها شخصيتك الظاهرة عبر مظاهر: اعتزازك بالله وعبادته والعمل لوجهه أولًا، ثم لفلسطين ضمن عقلية (الرسالية) وتشرفك بالانتماء لهذا البلد قولًا وفعلًا، وأن تكون خدمته هو همّك الدائم، ثم يأتي تمسكك بالقيم والأخلاق والاستقامة ضمن عقلية (النضالية)، وفي جانب الأخلاق والسلوك هذا فإنه يعدّ من أعظم ما يغري الآخرين باتباع منهجك وطريقتك، وقد قال الإمام الشافعي رحمه الله: من وعظ أخاهُ بفعله كان هادياً .

وفي لقاء تقييمي مع أحد مفكري الثورة الفلسطينية وهو أبونائل (عبد الفتاح القليلي) كان يركز على موضوعة الجدية –التي استفادها من فترة خدمته كسفير في فيتنام بعد انتصار الثورة الفيتنامية عام 1975م-التي تجعل الانجذاب للشخص أو المؤسسة بشخوصها كبيرًا، فيما كان المفكر الكبير هاني الحسن يرى في القيادة الأبوية كما كان يسميها والقدوة مجالًا جاذبًا عوضًا عما كان يقوم به من إبداء حسن الانصات والاحترام للأخرين مما خبرناه، وقدرته على تفويض الآخرين بالعمل ودعمه.

وفي أول لقاء لنا مع القيادة الاشتراكية في السويد أشاروا لحجم التأثير الذي أسقطته شخصية ياسر عرفات عليهم خاصة مع لقاء أبوعمار مع رئيس وزرائهم "أولوف بالمه" الذي تبيناه منذ العام 1974م حيث (كان للرئيس الجزائري الراحل هواري بومدين الفضل الكبير في جمع زعيم الثورة الفلسطينية وقائد منظمة التحرير الفلسطينية السيد ياسر عرفات مع السيد أولوف بالمه لأول مرة أثناء زيارته للجزائر بتاريخ 19 تشرين الثاني (نوفمبر) من عام 1974، خلال دعوة على الغداء)[2].

عن اللقاء مع أبوعمار يقول "أولوف بالمه" بمواجهة المعترضين الكُثُر آنذاك: (لقد تحدثت قليلاً مع ياسر عرفات، قائد منظمة التحرير الفلسطينية، وقلت بعدها للصحافة بأن عرفات شكّل لديّ انطباعاً بأنه ليس متطرفاً في أفكاره ومواقفه في كثير من الأمور التي تحدثت معه فيها.) فأصبح يرى(أنه يوجد هناك شعب فلسطيني، ولهذا الشعب حقوقه الوطنية…لذا وبطريقة ما، علينا الاتصال مع هذا الشعب)[3]

ما نستفيده هنا بالمجال وبجُملة أولف بالمه (شكّل لديّ انطباعاً) أن ياسر عرفات بشخصيته الساحرة وقدراته الجاذبة التي نعرفها وكتبنا عنها الكثير -إضافة للظرف المحيط آنذاك إثر توقفه بالجزائر إثر توجهه لإلقاء الخطاب بالامم المتحدة- قد تركت الأثر العميق، وبالتالي أحدثت التغيير الكبير، مما يجب أن نتبينه ونفهمه وندرسه.

في مثال آخر كان الرئيس باراك أوباما قد ذكر القِيَم التي رفعته وجعلته شخصية مؤثرة، ثم رئيسا للولايات المتحدة الامريكية فذكر بكتابه الضخم الأرض الموعودة أنها ]الصدق والعمل الجاد والتعاطف[[4] وبغض النظر عن رأينا السياسي بمواقفه تجاهنا كعرب وفلسطينيين فمن الواجب الاستماع والفهم والنقد.

يقول العلامة عبدالله والمفكر ابن المقفع[5] في التعامل والاتصال والتواصل مع الناس ما يسميها المجالسة، وما يستتبعها من تحقيق الأثر الإيجابي التالي:

1-أن يتعامل مع الناس بطريقة مثلى، تجمع بين الاحترام والمودة.

2-تحصيل أكبر قدر من المعرفة ؛ ليحصن بها نفسه من الضلال والوهم.

"فأما العلم فيزينك إليه – فيبلغك حاجتك ، وأما الصمت فيكسبك المحبة والوقار"

3-أن يلاقى الآخرين بما يودون أن يقابلوا به "لا تجالسن إمرأ بغير طريقته".

4-صعوبة هضم الآخرين لما لم يعرفوه أو يألفوه.

5- لا تشتم ولا تذم الآخرين

6-لا تذم الأسماء: “ولا تستصغرن من هذا شيئًا، فكل ذلك يجرح فى القلب، وجرح اللسان أشد من جرح اليد"

7-لا يكونن منك التكذيب ولا التسخيف لشىء مما يأتى به جليسك. ولكن إذا خشى الإنسان من أن يرسخ هذا القول الكاذب فى أذهان بعض الحاضرين، أو ينتشر من الناس عن طريقهم، فما عليه إلا أن يبين له ذلك

8-لا تجب على سؤال لم يوجه لك

9-ولا تسابق الجلساء في الرد على السؤال العام ، ولا تواثب بالكلام مواثبة

10-من فاتته المشاركة فى الإجابة، عليه الاكتفاء بمن تحدث قبله

11- عدم التعريض بأخطاء الآخرين وعيوبهم.

خلاصة ما نريد قوله إن معادلات حُسن التواصل والجذب والتأثير في الآخرين، لك، لأهدافك ومشاريعك وأعمالك، قد تكون كثيرة ومنها ما يمكن أن يتسق مع شخص ما ومنها مالا يتسق، وقد كتبنا بالموضوع كثيرًا.

ولربما تعرضنا لشخصيات عاشرنا منها القيادات التاريخية قليلًا او كثيرًا وتأثيرها أمثال الراحل الخالد أبوعمار وأبوإياد وأبوجهاد وخالد الحسن وهاني الحسن، وأبوالهول، وصائب عريقات وحكم بلعاوي، ولكل ميزة ولكل قدرة.

وفي جميع الأحوال فإن عُرِفَ الهدف وحُدّد أي جذب الآخرين وكسبهم والتأثير فيهم فلا بأس من التنويع للوسائل (الألحان) على ذات الوتر، أو بكلام آخر مهما تنوعت السُبُل أو الوسائل فلك الاختيار من بينها لتحقق الجذب في إطار القيم والأخلاق العربية والإسلامية والمسيحية المشرقية الأصيلة، وليست تلك القيم المادية الدعائية الاستغلالية الغربية خاوية الروح والمعنى القويم.

يتشكل الموقف التأثيري منك أنت، ومن الآخر أو الآخرين ومن ذات الموقف (العوامل الذاتية والخارجية) والثلاثة تؤثر ببعضها البعض.

لكن الأصل أن تبدأ بنفسك أنت وتؤثر وتفهم وتغير فيها، وهنا برأينا البداية الصحيحة وما كان الظرف أو العامل الخارجي بالمؤثر الأساس بل أنت/أنا.

(مثال قريب: أنظر لفوز شبيبة فتح بجامعة الخليل في شهر مارس 2023م، رغم الهجمة الشرسة والاتهامية التي شنّت على موقف السلطة المحسوبة على مواقف حركة فتح في اجتماع العقبة (مصر والأردن والإسرائيلي والسلطة)) لقد نظر الناس لبطولات شباب فتح في جنين ونابلس والخليل، يمكن أن نقول أن الطلاب لم يلقوا بالًا لسيوف الهدم والتشويه للحركة. لكن لتفهم أنك الأصل بقولك وفعلك (سراجًا منيرًا) مع الطلاب فأنت العامل الحاسم، وليس الموقف الخارجي على أهميته)

يمكننا أن نسأل في إطار تحديد الشخصية المؤثرة في الجامعة أو العمل أو التنظيم، او المجتمع؟

1-من الذي يستمعون له بإصغاء؟

2-من الذي يمتلك المصداقية، ويثقون به؟

3-من الذي يعجبون به أو يقدرونه، أو من هو محط الأنظار والإعجاب والجاذبية؟

كما يمكننا أن نتساءل مَن هو مثلك الأعلى سواء في التاريخ أو الدعوة أو التمثيل أو كرة القدم أو المطربين أو السياسيين أو الشخصيات العامة، ومثلك الأعلى أو نموذجك بمعنى من واحد أوأكثر من المعاني الخمسة التالية: تحبه، تقلده، تطيعه، هو مرجعيتك، تنقاد له.

سنقوم بطرح هذه الأسئلة على الطلاب، ونرى حجم الاستجابة والتفاعل والردود في إطار إيماننا بضرورة المصداقية والموثوقية وحُسن الإصغاء وإظهار الاهتمام وبان تكون قدوة ونموذجًا بالقول والفعل وفق ما نراه.


الحواشي


[1] يقول الشيخ السعدي في تفسيره: كونه (سِرَاجًا مُنِيرًا) وذلك يقتضي أن الخلق في ظلمة عظيمة، لا نور، يهتدى به في ظلماتها، ولا علم، يستدل به في جهالاتها حتى جاء اللّه بهذا النبي الكريم، فأضاء اللّه به تلك الظلمات، وعلم به من الجهالات، وهدى به ضُلَّالًا إلى الصراط المستقيم. فأصبح أهل الاستقامة، قد وضح لهم الطريق، فمشوا خلف هذا الإمام وعرفوا به الخير والشر، وأهل السعادة من أهل الشقاوة، واستناروا به، لمعرفة معبودهم، وعرفوه بأوصافه الحميدة، وأفعاله السديدة، وأحكامه الرشيدة. وقال الشيخ ابن عاشور: أرْسَلْناكَ كالسِّراجِ المُنِيرِ في الهِدايَةِ الواضِحَةِ الَّتِي لا لَبْسَ فِيها والَّتِي لا تَتْرُكُ لِلْباطِلِ شُبْهَةً إلّا فَضَحَتْها وأوْقَفَتِ النّاسَ عَلى دَخائِلِها، كَما يُضِيءُ السِّراجُ الوَقّادُ ظُلْمَةَ المَكانِ.

[2] زار الخالد ياسر عرفات (أبوعمار) السويد رسميا عام 1983م، واستقبله رئيس الوزراء السويدي أولوف بالمه. وتناولت وسائل الإعلام بكل أنواعها، المكتوب منها والمسموع والمرئي، زيارة ياسر عرفات على الصفحات الأولى ولعدة أيام، ومنذ التحضير لها وحتى الانتهاء منها ومن ردود أفعالها. وكان الشعب السويدي على المستويين الرسمي والشعبي منقسم إلى مؤيد ومعارض ومحايد.

[3] رشيد الحجة في دراسته لمركز الأبحاث الفلسطيني المعنونة: سيرة أولوف بالمه 1927 – 1986 ودوره في القضية الفلسطينية.

[4] باراك أبوباما، الأرض الموعودة، دار انطوان عام 2021م، ص32 من الكتاب.

[5] ملخصًا وبتصرف عن مقال أ.د.حامد طاهر، آداب المجالسة عند ابن المقفع.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


بكر ابوبكر
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2023/03/13



كتابة تعليق لموضوع : أبوعمار و أولوف بالمه وابن المقفع في ثلاثية الاستماع والثقة والتأثير
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net