بين يسوع الإنجيل وعيسى القرآن. رفض الإنجيل اسم (عيسى) ورفض القرآن اسم (يسوع).
مصطفى الهادي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
مصطفى الهادي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
في الأناجيل المسيحية الحالية الموجودة بين أيدينا فإن يسوع هو ربهم والههم ولكنهُ يأكل سمك مشوي مع شهد العسل. (قال لهم ـ يسوع ــ أعندكم طعام؟ فناولوه سمكا وشيئا من شهد عسل. فأخذ وأكل). (1) ويسوعهم يضع يده بيد إبليس فيدور به مخشوشا اربعين يوما. (أربعين يوما يُجرب من إبليس ولم يأكل شيئا ولما تمت جاع أخيرا). (2) وانجيلهم يصف يسوع بأنه صانع وشارب للخمور (جاء يوحنا لا يأكل خبزا ولا يشرب خمرا، فتقولون: به شيطان. جاء ابن الإنسان ـ يسوع ـ يأكل ويشرب، فتقولون: أكول وشريب خمر).(3) وباعتراف هذه الأناجيل فإن يسوع ليس اعظم من يوحنا وقد شهد يسوع نفسه بذلك (الحق أقول لكم: لم يقم بين المولودين من النساء أعظم من يوحنا المعمدان).(4)
وحسب وصف الإنجيل فقد كان يسوع جبّارا شقيا عاقا بأمه. نادتهُ أمه مرات كثيرة لتراه ، ولكنه رفض وقال غاضبا :(أمي وإخوتي هم الذين يسمعون كلمة الله ويعملون بها). (5) سبحان الله وهل يوجد في الأرض أكثر إيمانا والتزاما من امك مريم العذراء التي كانت قبل الحمل بك وولادتك على اتصال بالوحي ويتعهدها الأنبياء.(وكفلها زكريا ، يا مريم اقنتي لربك واسجدي واركعي مع الراكعين.. فتمثل لها روحنا).(6) في المرة الثالثة ، أصرت أمه لكي تراه وتطمأن عليه وعندما ألحت عليه خرج يسوع شبه مغضب وصرخ فيها وسط حشود الناس : (قال لها يسوع: مالي ولك يا امرأة؟ لم تأت ساعتي بعد).(7) ولكن القرآن يعطينا صورة مغايرة لذلك فيقول على لسان عيسى : (وبرا بوالدتي ولم يجعلني جبارا شقيا).(8) فعدّ عيسى كل من لا يبر والديه بأنه من الجبابرة الأشقياء فهل كان يسوع الإنجيل جبارا شقيا؟.
والاناجيل تصف يسوع بأنه سارق حمير (أرسل يسوع تلميذين قائلا لهما : اذهبا إلى القرية ، تجدان أتانا وجحشا مربوطة فحلاهما وأتياني بهما وإذا سألكما صاحبهما فقولا له : الله أرسلنا، فأتيا بالأتان والجحش ووضعا عليهما ثيابهما فجلس عليهما). (9) لا ندري كيف يجلس على أتان وجحش (معا) مرة واحدة فيركب حمارين في آن واحد؟ ثم كيف يتيقن صاحب الحمارين أن الله يحتاج إلى حمارين ، فهو يمتلك حمارا أبيض في الاساس ينزل عليه كل ليلة جمعة يطلب من الناس ان يستغفرونه.(10)
يسوع الإنجيل يحتاج إلى شخص مثل يوحنا ــ الصابئي ــ (11) يركسهُ في النهر ليُطهّرهُ من ذنوبه لكي ينزل عليه الوحي ويصبح نبيا. (جاء يسوع من الجليل إلى الأردن إلى يوحنا ليعتمد منهُ، فلما اعتمد وصعد يسوع من الماء انفتحت له السماوات فرأى روح الله نازلا عليه). (12)
اضافة إلى ذلك فإن الأناجيل تصف المسيح بأنه دجّال كاذب، تقول هذه الأناجيل بأنه أوصى تلاميذه قائلا : (إذا قال لكم أحدٌ هذا هو المسيح فلا تصدقوه. فسيظهر مُسحاء دجالون وأنبياء كذابون يصنعون الآيات والعجائب العظيمة ليُضللوا حتى الذين اختارهم الله).(13) المشكلة أن مسيح الأناجيل الحالية أيضا صنع آيات وعجائب عظيمة ، وسؤالي للمسيحيين كيف نعلم أن هذا هو المسيح الحقيقي الذي ارسلهُ الله؟ لماذا لا نقول أن مسيحكم أيضا من هؤلاء الدجالين الكذبة الذين يصنعون آيات كثيرة وعجائب؟ فإذا قلت لكم : ان هذا المسيح كاذب ومخادع ودجال ، فما هو دليلكم على أنهُ ليس كذلك ؟ وخصوصا أن أناجيلكم تؤكد بأن كثيرين جاؤوا باسم المسيح يصنعون عجائب وكتبوا أناجيل فهل نستطيع ان نعرف من بينهم السيد المسيح الصادق الذي ارسلهُ الله؟ وما هي علامة ذلك والجميع يصنعون آيات ومعجزات. هذا إذا عرفنا أن جميع الأنبياء حذروا اممهم من المسيح الدجال وأنهُ كائن لا محالة ، فعلى ضوء ذلك هل يبقى للمسيحية اي اعتبار.
هذه الاناجيل التي ارتبكت في رسم شخصية عيسى وكانت السبب في اثارت الشبهات حول شخصيته هي نفسها التي اخطأت في شخصية هيرودس التي زعمت الأناجيل بأنه هو الذي أعدم المسيح ، حيث يؤكد لوقا وجود هيرودس وأنه التقى بالسيد المسيح وحاكمه فيقول : (أما هيرودس فلما رأى يسوع سأله بكلام كثير فلم يجبه بشيء.فاحتقره هيرودس).(14)
هذا النص يؤكد بأن هيرودس كان حيا في زمن بعثة السيد المسيح الذي كان في عمر الثالثة والثلاثين عاما ، وحكم عليه بالإعدام نتيجة لطلب اليهود. بينما نرى إنجيل متى يؤكد بأن هيرودس هذا مات وحلّ مكانه ابنه أرخيلاوس وريثا للعرش وعيسى بعده في المهدي طفلا كما نقرأ (فلما مات هيرودس، ظهر ملاك الرب في حلم ليوسف في مصر قائلا: قم وخذ الصبي وأمه واذهب إلى أرض إسرائيل، لأنه قد مات الذين كانوا يطلبون نفس الصبي. ولكن لما سمع أن أرخيلاوس يملك على اليهودية عوضا عن هيرودس أبيه، خاف أن يذهب إلى هناك). (15) ففي هذا النص يخبرنا متى بكل وضوح ان هيرودس مات وخلّفه ابنه ارخيلاوس والسيد المسيح بعده طفل صغير يبحثون عنه لقتله. وهذا ما نراه وبكل وضوح في كل التفاسير المسيحية حيث تقول (بعد أن ظلت العائلة المقدسة حوالي سنتين في مصر، ظهر الملاك ليوسف وأعلمه بموت هيرودس وابنه أنتيباتر اللذين كانا يريدان قتل يسوع . من هذا النص يتبين لنا أن هيرودس مات وعمر يسوع سنتان فقط. وقد عاش يسوع المسيح في الناصرة بعد موت هيرودس حوالي 28 عامًا حتى بلغ سن الثلاثين).(16) ففي هذا النص تأكيد على أن السيد المسيح عاش بعد هلاك هيرودس (28) عاما فبلغ سن الثلاثين وهذا يعني أن السيد المسيح كان بعمر ثلاث سنوات عندما مات هيرودس.(17)
هذا التضارب العجيب في قضية هيرودس دفع اغلب المفسرين إلى انكار هذه القصة برمتها وقالوا بأن هذه اسطورة وضعها متى مستمدا فكرتها من مطاردة فرعون لموسى او من قتل هيرودس لأبنائه، ولذلك اعرض لوقا عنها في إنجيله ولم يذكرها.
يقول بول ماير، إن معظم مؤرخي حياة هيرودس ، ولربما غالبية علماء الكتاب المقدس يرفضون رواية إنجيل متى ويعتبرونها اختراعا من مؤلفه ، كذلك لم يرد ذكرها في الدمشقي، فهي ليست حكاية تاريخية بل هي أسطورة ويشير بيتر ريتشاردسون إلى أن الحدث كله مستوحى من قتل هيرودس لأبانه.(18)
ختاما فإن في الإنجيل لا توجد لطفولة السيد المسيح سيرة مميزة ولا حتى ذكر فقد اختفى بعد ولادته حتى سن الثلاثين عاما فجأة ظهر ليعلن نفسه نبيا فكل ما موجود عنه فقرتان.
الأولى : (فولدت ابنها البكر وقمطته وأضجعتهُ في المذود).(19)
والثانية : (ولما ابتدأ يسوع كان لهُ نحو ثلاثين سنة).(20)
فلا ذكر لتكلّمه في المهد ولا افحامه لكبار كهنة اليهود فلا سيرة ولا اخبار عنه أين ذهب ماذا فعل. بينما نرى أن لجميع الأنبياء عليهم السلام سيرة واسعة شاملة ناصعة شملت طفولتهم وشبابهم حتى مماتهم. فقد دوّن اتباعهما كل شيء عنهم. الغريب أننا نرى في نفس الإنجيل أن ليوحنا المعمدان (يحيى) سيرة في طفولته وكيف تكلم في المهد وكيف كان معجزة إلهية حتى أنه اخاف كل من في اليهودية بمعجزات طفولته ، فجردوا السيد المسيح من معجزة التكلم في المهد ونسبوها ليوحنا كما نقرأ : (فطلب ــ زكريا ــ لوحا وكتب اسم ابنه يوحنا، وفي الحال انفتح فمه ولسانه وتكلم وبارك الله فوقع خوف على كل جيرانهم، وتحدث بهذه الأمور جميعها في كل جبال اليهودية قائلين : أترى ماذا يكون هذا الصبي؟).(21) فعلوا ذلك بسبب ميلهم وحبهم ليوحنا اكثر من شخص السيد المسيح الذي نافسهم على لقب بنوة الله.
طفولة السيد المسيح التي سكتت عنها الإنجيل ذكر المسلمون جانبا مشرقا منها ، ففي القرآن حدّث ولا حرج حتى أن القرآن افرد سورة خاصة بأم السيد المسيح مريم العذراء عليهما السلام ، وأما في السيرة فإن السيد المسيح كان يتحدث مع امه مريم وهو في بطنها، وأنه تكلم في المهد وأعلن نبوته ورسالته وأنه عبد الله ورسوله. وسرد القرآن بأسلوب رائع أنواع المعجزات الباهرات التي جرت على يديه. وذكرت السيرة الإسلامية أنه كان في صباه يرعى الأغنام ، وهذا طبعا عمل جميع الأنبياء. موسى وعيسى ونبينا صلوات الله عليهم.
ولعل اكثر ما يُثير الدهشة هو أن الكنيسة لا تؤمن بنبي اسمه عيسى فلم يرد له ذكرٌ في الإنجيل ، ولا القرآن ذكر لنا أن الله ارسل رسول اسمه يسوع. فقد ذكر الإنجيل اسماء الكثير من الأنبياء ولم يختلف في اسمائهم حتى في الترجمات فقد ذكر آدم ولوط ونوح وابراهيم ويوسف ويعقوب وداود وموسى وغيرهم، ولكنه لم يذكر ان هناك نبيا اسمه عيسى مع أن المسيحيين يذكرون ذلك في تفاسيرهم ويطلقونه على اسمائهم. فلا تعجب إذا اختاروا اسم (يسوع) بدلا من (عيسى). لأن يسوع اصلها (سواع) وهو صنم كان قوم نوح يعبدونه ومن هنا رفض القرآن اسم يسوع وارجع الاسم الصحيح (عيسى) إلى مكانه وذكره اكثر من خمس وعشرين مرة وبيّن السبب فقال : (وقالوا لا تذرن آلهتكم ولا تذرن ودا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق ونسرا).(22) وسواع او يسوع هو الثور المعبود عند قوم نوح. وهو نفسه الذي حاول بني إسرائيل عبادته في التيه.
(وإذ قالت الملائكة يا مريم إن الله يُبشرك بكلمة منه اسمه المسيحُ عيسى ابن مريم وجيها في الدنيا والآخرة ومن المقربين). (23)
المصادر :
1- إنجيل لوقا 24: 42.
2- إنجيل لوقا 4 : 2 .
3- إنجيل لوقا 7 : 33.
4- إنجيل متى 11 : 11.
5- إنجيل لوقا 8 : 21.
6- سورة آل عمران آية : 43.
7- إنجيل يوحنا 2 : 4.
8- سورة مريم آية : 32.
9- إنجيل متى 21 : 2 ــ 7.
10- في منهاج السنة لابن تيمية الجزء 2 ص : 631 قال : (أن الله ينزلُ كل ليلة جمعة بشكل شاب أمرد راكبا على حمار، حتى أن بعضهم ببغداد وضع على سطح داره معلفا يضعُ فيه شعيرا وتبنا، فيشتغل الحمار بالأكل ويشتغل الرب بالنداء : هل من تائب ؟ هل من مستغفر؟).
11- كتاب عظمة النبي يحيى بن زكريا ترجمة واعداد أنيس زهرون الصابري نائب رئيس المجلس الروحاني الصابئي الأعلى. يقول : يعتبر الصابئة المندائيون يحيى بن زكريا أهم أنبيائهم وآخرهم، ويعتبرونه الشخص الذي أحيى هذه الديانة، له مكانة سامية جداً بهذه الديانة ويسمى يهيا يهانا مصبانا ويعني يحيى الصابئي، ويُنسب إليه كتاب يسمى تعاليم ومواعظ النبي يحيى، كما وردت فصول بكتاب ديانة الصابئة كنزا ربا يُنسب إضافتها للنبي يحيى.
12- إنجيل متى 3 : 14 ــ 17. في العقيدة المسيحية فإن التعميد ــ التركيس في الماء هو لغفران الخطايا فهل كان يسوع المسيح محتاجا ان تُغفر خطاياه؟
13- إنجيل متى 24 : 23.
14- إنجيل لوقا 23: 8 ــ 11.
15- إنجيل متى 2: 19 ــ 21.
16- شرح الكتاب المقدس - الموسوعة الكنسية لتفسير العهد الجديد: شرح لكل آية تفسير إنجيل متى 2.
17- تُجمع القواميس والتفاسير المسيحية على أن (هِيرُودِسُ أنتيباتر حاكم مقاطعة اليهودية كلها (ولد سنة (73) ومات سنة (2) ميلادية ، أي عندما توفى هيرودس كان عمر السيد المسيح عامان فقط.
18-دراسات كرونولوجية ودينية في ذاكرة راي سامرز. مطبعة جامعة ميرسر . ص 170 ــ 171 مطبعة جامعة ميرسر. ص. 170 – 171. و جرانت ، مايكل (1971هيرودس الكبير مطبعة التراث الأمريكي وريتشاردسون، بيتر 1996. هيرودس ملك اليهود وصديق الرومان. مطبعة جامعة نورث كارولينا. ص. 298. نقلا عن : ويكيبيديا الموسوعة الحرة، هيرودس الأول.
19- إنجيل لوقا 2 : 7.
20- إنجيل لوقا 3 : 23.
21- إنجيل لوقا 63 ــ 66.
22- سورة نوح آية : 23.
23- آل عمران 45.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat