صفحة الكاتب : حيدر الحد راوي

تاملات في القران الكريم ح28
حيدر الحد راوي

سورة البقرة

بسم الله الرحمن الرحيم

وَقَالَ لَهُمْ نِبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَن يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِّمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلآئِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ{248}

لا يزال بني اسرائيل يشككون او مرتابون او غير راضين  في اختيار طالوت ملكا عليهم , من قبل الله تعالى , في اية من ايات الله تعالى , يثبت لهم الاختيار الإلهي , وتختم الاية الكريمة بقوله عز من قائل (  إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ) .

يلاحظ المتأمل ذكر ثلاثة امور :

1-    التابوت : وهو صندوق خشبي , ما بداخله ايا ما كان , فأنه يوفر السكينة , فتشرأب اعناق المتأملين حبا لاستطلاع ما بداخله , فلدى المفسرون اراء كثيرة , مهما كانت اراء المفسرين مختلفة , فلابد ان يكون ما بداخله سر مكتوم , لا يعلمه الا الله والراسخون في العلم .

2-    بقية ال موسى : يروي بعض المفسرون ان ابرزها عصى موسى (ع) الشهيرة وغيرها من اشيائه الخاصة .

3-    بقية ال هارون : تكاد تكون نفسها بقايا ال موسى , مضافا اليها  عمامة هارون (ع) وبعضا من كسر الالواح وقليلا من المن الذي كان ينزل عليهم .

 

فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللّهَ مُبْتَلِيكُم بِنَهَرٍ فَمَن شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلاَّ مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بــيَدِهِ فَشَرِبُواْ مِنْهُ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمْ فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ قَالُواْ لاَ طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنودِهِ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاَقُو اللّهِ كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللّهِ وَاللّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ{249}

الملاحظة الاولى الجديرة بالذكر , ان بني اسرائيل قد طلبوا من الله عز وجل ان ينصب عليهم ملكا , كي يقاتلوا , فاعترضوا وجادلوا بعد ان اختير لهم طالوت , وفي هذه اللحظة خالفوا امر ملكهم الشرعي ايضا .

الملاحظة الثانية : ان الاية الكريمة في مورد الذم للاغلبية من بني اسرائيل , وفي نفس الوقت فأن الاية الكريمة تمدح الاقلية منهم , الذين ثبتوا مع طالوت .

 

وَلَمَّا بَرَزُواْ لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُواْ رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ{250}

هذه الاية الكريمة في مورد المدح للأقلية المؤمنة من بني اسرائيل , حيث انهم لم يغفلوا التضرع والدعاء الى الله عز وجل حتى في ساعة المعركة , فسألوا الله عز وجل ان يمن عليهم بثلاث امور هي من لوازم القتال :

1-    (  رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً ) : الصبر من اهم عوامل الانتصار في المعركة , فطلبوا من الله تعالى ان يمنّ عليهم به .

2-    (  وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا ) : الثبات في ساحة الحرب عامل مهم في حسم المعركة لصالح الطرف الصابر والمحافظ على ثباته , كما ان الثبات من غير صبر لا يمكن ان يكون .

3-    (  وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ) : بعد ما سألوا الله عز وجل ان يمن عليهم  بعاملا الصبر والثبات , لابد ان يسأل العباد ربهم النصر على عدوهم , وهذا النصر سيكون بمثابة ثمرة الصبر والثبات .                 

 

فَهَزَمُوهُم بِإِذْنِ اللّهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ وَلَوْلاَ دَفْعُ اللّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَـكِنَّ اللّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ{251}

في الاية الكريمة عدة ملاحظات , نذكر منها :

1-    ان الله عز وجل قد استجاب لدعوات المؤمنين , وايدهم بالنصر .

2-    قتل داود (ع) لجالوت قائد الكفار .

3-    تنصيب داود (ع) ملكا , وان الله عز وجل اعطاه عدة اشياء بعد موت النبي شمويل (ع) والملك طالوت وهي :

أ‌)       الملك .

ب‌)   الحكمة .

ت‌)   العلم : ومن اشهر ما عرف به (ع) صنعه للدروع ومنطق الطير .

ث‌)   جمع لداود (ع) النبوة والملك في ان واحد , ولم يجتمعا في احد قبله (ع) .

4-    (  وَلَوْلاَ دَفْعُ اللّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَـكِنَّ اللّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ ) , يشير هذا النص انه كلما كثر الكافرون , كثر معهم الفساد , لكن الله تعالى سوف يدفع بعباده الصالحين ليطهروا الارض من ادرانهم , الملاحظ اليوم , كثرة الفاسدين والمفسدين الذين يعيثون في الارض فسادا وخرابا , فلابد ان يظهر عباد صالحين لله عز وجل يطهروا الارض بفضله جل وعلا , وكلما كثر الفساد , اقتربت ساعة ظهور هؤلاء الصالحين , هؤلاء الصالحين لابد لهم من قائد , حكيم وعادل , وذو علم واسع , فلابد ان يكون هو المهدي (عج) .     

 

تِلْكَ آيَاتُ اللّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ{252}

تؤكد الاية الكريمة على امرين :

1-    (  تِلْكَ آيَاتُ اللّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ ) .

2-    (  وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ ) : توكد الاية الكريمة , على ان النبي  محمدا (ص) من المرسلين من قبله عز وجل , غير ان المتأمل يلاحظ سبب التأكيد , فلابد ان يكون هناك سببا لهذا التأكيد , في ذلك اشارة الى ان هناك من يتهم النبي محمد ( ص ) بأنه ليس مرسلا من الله عز وجل , ولابد ان يكون احد ثلاثة اطراف :

أ‌)       المشركون من العرب .

ب‌)   النصارى .

ت‌)   اليهود .

من الايات السابقة قد نفهم ان من اتهم النبي محمد (ص) بأنه ليس رسولا هم اليهود , كونها ركزت بشكل كبير على ذكر بني اسرائيل .

 

تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِّنْهُم مَّن كَلَّمَ اللّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَلَوْ شَاء اللّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِن بَعْدِهِم مِّن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَـكِنِ اخْتَلَفُواْ فَمِنْهُم مَّنْ آمَنَ وَمِنْهُم مَّن كَفَرَ وَلَوْ شَاء اللّهُ مَا اقْتَتَلُواْ وَلَـكِنَّ اللّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ{253}

التأمل في هذه الاية الكريمة يكون على وجهين :

1-    مقامات الرسل : فضل الله تعالى الرسل بعضهم على بعض , فمن مجموع 124 الف نبي ورسول , خمسة منهم فقط أولوا العزم , ومن هؤلاء الخمسة تفاضل عليهم النبي محمد (ص) بما نال من الدرجات الرفيعة .

2-    الاقتتال بعد الرسل : من المعروف ان جميع الرسل جاؤوا بنفس الرسالة , أي ان الهدف من رسالاتهم جميعا واحد ,  فجميعهم يدعو الى عبادة الرحمن , فلماذا يحدث الاختلاف من بعدهم ؟ , سبب حدوث الاختلاف , ان بعضا من اتباعهم بقوا على ايمانهم بالله تعالى , متمسكين بما جاء به أنبياؤهم ورسلهم , والبعض الاخر , حرف ما جاء به الرسل والانبياء , فكان هنا مورد الاختلاف , والتقاتل , فكل طرف ينسب الحق الى نفسه , ويدعي انه يسير بنهج الرسالة التي لديه .

 

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَنفِقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَّ بَيْعٌ فِيهِ وَلاَ خُلَّةٌ وَلاَ شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ{254}

الخطاب الالهي غالبا ما يحوي على اوامر , فرض اشياء او اجتناب اشياء اخرى , واحيانا يكون عاما لكل الناس , واحيان اخرى يكون خاصة بفئة معينة , في هذه الاية الكريمة الخطاب الالهي موجه للمؤمنين بصفة خاصة , و لعامة الناس بصفة عامة ( اياك اعني واسمعي يا جارة ) , من البديهي للمؤمن ان ينفق مما اتاه الله تعالى , ومن البديهي ايضا انه يخاف ذلك اليوم المقصود في الاية الكريمة , اذا يكون الخطاب موجه للمؤمنين بالصفة الخاصة من جهة الامتثال للامر الالهي كي يكونوا قدوة لغيرهم من الناس , او دعاة الى دين الله تعالى بالعمل , وايضا ارشاد وتنبيه حول يوم القيامة الذي هو لا ريب ات , حيث لا ينفع في ذلك اليوم شيئا سوى رضا الله تعالى , ويشمل الناس عامة من عدة محاور :

1-    تنبيه : الغرض منه الالتفات الى مستحقي النفقة ( موارد الانفاق ) كالفقراء والمحتاجين وابن السبيل ... الخ , فيكتشف الكافرون ان القران الكريم لا يأمر الا بما فيه الخير للفرد والمجتمع , حيث ان القرآن الكريم نصيرا للفقراء والمساكين , فكم من زعيم وقائد نالوا شعبية واحتراما واسع في ارجاء المعمورة , لا لشيء الا لنصرتهم ومطالبتهم بحقوق الفقراء والمساكين , فكيف هو الحال , اذا كان المطالب بتلك الحقوق هو الله عز وجل ! .

2-    تحذير : الغرض منه تحذير الناس من اليوم الموعود ( يوم القيامة ) , حيث ان الكافرين لا يصدقون به , فهم عنه غافلون , فييحذرهم القران الكريم من انه لا ريب فيه , ولا ينفع فيه شيء , الا من اتى الله بقلب سليم , ومن مواصفات ذلك اليوم انه :

أ‌)       ( لا بيع فيه ) : حيث تتعطل كل انواع المعاملات التجارية وغيرها .

ب‌)   ( ولا خلة ) : تعطل في ذلك اليوم كل علاقات الصداقة , الا علاقات الصداقة التي اقامها الشخص مع المؤمنين , فانها نافعة ذلك اليوم .

ت‌)   ( ولا شفاعة ) : الشفاعة يوم الحساب مورد اختلاف المذاهب الاسلامية , فمنهم من يرى انها موجودة , ويمتلكها اشخاصا ذوي مواصفات خاصة , والبعض الاخر يرى وجودها بشكل مضمحل وبشروط معقدة , ويرى اخرون اطلاقها ويرى انه من الممكن ان يملك الشفاعة العبد المؤمن او القران الكريم , او حتى اية خاصة فيه , وان هناك اماكن خاصة تشفع لروادها او حتى من الممكن ان يملك الشفاعة الملائكة (ع) , و هناك بعض الاشخاص ( فقهاء او علماء ) يرون انها غير موجودة وغير نافعة ! .         


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


حيدر الحد راوي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2012/06/02



كتابة تعليق لموضوع : تاملات في القران الكريم ح28
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net