صفحة الكاتب : الشيخ حسين عبد الرضا الاسدي

على ضفافِ الانتظار(28)
الشيخ حسين عبد الرضا الاسدي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.



ما الفرقُ بين دورِ النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) ودورِ الإمامِ المهدي (عجل الله (تعالى) فرجه)؟

لا شكَّ أنَّ كلًا من النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) والإمامِ المهدي (عجل الله (تعالى) فرجه) يسعيانِ إلى إقامةِ الحقِّ في هذهِ الأرض، حيثُ تحقيقِ الهدفِ الإلهي فيها.
رويَ عن عبد الله بن عطاء المكي، عن شيخٍ من الفقهاء - يعني أبا عبد الله (عليه السلام) - قال: سألتُه عن سيرةِ المهدي كيفَ سيرتُه؟ فقال: يصنعُ كما صنعَ رسولُ الله (صلى الله عليه وآله)؛ يهدمُ ما كانَ قبلَه كما هدمَ رسولُ الله (صلى الله عليه وآله) أمرَ الجاهلية، ويستأنفُ الإسلامَ جديدًا.
ولكنّ الواقعَ الذي حصلَ أنّ النبيَّ الأكرم (صلى الله عليه وآله) لم تُتَحْ له الفرصةُ لذلك؛ بسببِ عدم قيام الناس حوله بمسؤولياتهم المفترضة، ومن ثَمّ تأخّرَ تحقيقُ ذلك الهدف إلى يومِ ظهور الإمامِ المهدي (عجل الله (تعالى) فرجه).
وإنَّ طبيعةَ الظروفِ الموضوعيةِ المُحيطة، تقتضي اختلافَ الأدوارِ والآلياتِ التي من شأنها أنْ تُحقِّقَ ذلك الهدف، ولذلك نجدُ أنَّ هناك بعضَ الفروقِ في الآلياتِ التي كانتْ عند النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) والتي ستكونُ عندَ الإمامِ المهدي (عجل الله (تعالى) فرجه) حسبما بيّنته الرواياتُ الشريفة، بالإضافةِ إلى بعضِ الآليات المُشتركةِ بينهما، وعلى نحو الإجمالِ نقول:
لقد كانَ النبيُّ الأكرمُ (صلى الله عليه وآله) وحسب القرآن الكريم رحمة للعالمين، قال (تعالى): ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾ ؛ ولذلك فقد ورد في سيرته (صلى الله عليه وآله) أنّه كانَ لا يقتلُ المُدبر ولا يلحقُ الهارب، وهكذا كانَ أميرُ المؤمنين (عليه السلام).
أما الإمامُ المهدي (عجل الله (تعالى) فرجه) فهو وإنْ كانَ رحمةً للعالمين أيضًا، كما ورد وصفُه في حديثِ اللوحِ المشهور: (ثم أُكملُ ذلك بابنه رحمةً للعالمين، عليه كمال موسى وبهاء عيسى وصبر أيوب)
ولكن يظهرُ من الرواياتِ الشريفةِ أنَّ الظروفَ التي سيُعايشها، تقتضي أنْ يقضيَ على كُلِّ أذنابِ الانحرافِ على الأرض؛ ذلك لأنّ مهمّته تقتضي ذلك، وهذا ما وضّحته الرواياتُ الشريفة، تمامًا كما كانَ الرسولُ الأعظم (صلى الله عليه وآله) يفعل ذلك لو استلزم الأمر، حتى رويَ عنه أنّه قال: إنّما أُمِرتُ أنْ أقاتلَ الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله.
عن زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: قلت له: صالح من الصالحين سمِّه لي -أريدُ القائم (عليه السلام)-، فقال: اسمُه اسمي. قلت: أيسيرُ بسيرةِ محمدٍ (صلى الله عليه وآله)؟ قال: هيهات هيهات يا زرارة، ما يسيرُ بسيرته. قلت: جُعِلتُ فداك، لِمَ؟ قال: إنَّ رسولَ الله (صلى الله عليه وآله) سارَ في أُمّتِه بالمنّ، كانَ يتألف الناس، والقائمُ يسيرُ بالقتلِ، بذاك أُمِرَ في الكتابِ الذي معه أنْ يسيرَ بالقتلِ ولا يستتيب أحدًا، ويلٌ لمن ناواه.
وعن أبي عبد الله (عليه السلام) أنّه قال: إنَّ عليًا (عليه السلام) قال: كانَ لي أنْ أقتلَ المولي وأُجهِزَ على الجريح، ولكنّي تركتُ ذلك للعاقبةِ من أصحابي إنْ جرحوا لم يقتلوا، والقائمُ له أنْ يقتلَ المولي ويُجهِزَ على الجريح.
وعن الحسن بن هارون بياع الأنماط، قال: كُنتُ عند أبي عبد الله (عليه السلام) جالسًا، فسأله المُعلّى بن خنيس: أيسيرُ القائمُ إذا قامَ بخلافِ سيرةِ علي (عليه السلام)؟ فقال: نعم، وذاك أنَّ عليًا سارَ بالمنّ والكف؛ لأنّه علم أنَّ شيعتَه سيظهرُ عليهم من بعده، وأنَّ القائمَ إذا قامَ سارَ فيهم بالسيف والسبي، وذلك أنّه يعلمُ أنَّ شيعته لم يظهرْ عليهم من بعده أبدًا.
ولذلك كانَ واحدًا من أسماءِ الإمامِ المهدي (عجل الله (تعالى) فرجه) هو (المنتقم).
ولعلَّ السببَ في ذلك راجعٌ إلى أنَّ طبيعةَ المُجتمعِ الذي واجهه النبيُّ الأكرم (صلى الله عليه وآله) مُختلفةٌ تمامًا عن المجتمع الذي سيواجهه الإمامُ المهدي (عجل الله (تعالى) فرجه)، الأمر الذي بيّنته الرواياتِ الشريفة، فقد رويَ عن الفضيل بن يسار، قال: سمعتُ أبا عبد الله (عليه السلام) يقولُ: «إنَّ قائمنا إذا قامَ استقبلَ من جهلِ الناسِ أشدّ ممَّا استقبله رسول الله (صلى الله عليه وآله) من جهّال الجاهلية»، قلت: وكيفَ ذاك؟ قال: «إنَّ رسولَ الله (صلى الله عليه وآله) أتى الناسَ وهم يعبدون الحجارةَ والصخورَ والعيدان والخشب المنحوتة، وإنَّ قائمَنا إذا قامَ أتى الناسَ وكلّهم يتأوَّلُ عليه كتاب اللهِ يحتجُّ عليه به»، ثمّ قال: «أمَا واللهِ ليدخلنَّ عليهم عدله جوف بيوتهم كما يدخلُ الحرُّ والقرّ».
وفي روايةِ أبي حمزة الثمالي، قال: سمعتُ أبا جعفر (عليه السلام) يقول: «إنَّ صاحبَ هذا الأمر لو قد ظهرَ لقيَ من الناسِ ما لقيَ رسولُ الله (صلى الله عليه وآله) وأكثر».
وعن محمّد بن أبي حمزة، عن بعض أصحابه، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: سمعته يقول: «إنَّ القائمَ (عليه السلام) يلقى في حربِه ما لم يلقَ رسولُ الله (صلى الله عليه وآله)؛ لأنَّ رسولَ الله (صلى الله عليه وآله) أتاهم وهم يعبدون الحجارةَ المنقورةَ والخشبةَ المنحوتة، وإنَّ القائمَ يخرجون عليه فيتأوَّلون عليه كتاب الله ويقاتلون عليه»
ومن الفروقِ التي نجدُها في الرواياتِ في الآليات، هو أنّه كانَ الرسولُ الأعظم (صلى الله عليه وآله) يحكمُ بينَ الناس بالبينات، أي إنّه كانَ يتعاملُ مع الناس وفقَ الظاهر، ولا يتعاملُ معهم وفقَ علمه الباطن، فقد وردَ عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قالَ رسولُ الله (صلى الله عليه وآله): «إنَّما أقضي بينكم بالبيِّنات والأيمان...»
ولكن بعض الروايات تُشيرُ إلى أنَّ الإمامَ المهدي (عجل الله (تعالى) فرجه) سيتعاملُ مع الناس وفقَ علمِه الباطن، فقد وردَ عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنَّه قال: «... المهدي يحكمُ بحكمِ داود ولا يُريدُ بيِّنة»
وهذه أيضًا تابعةٌ للظروفِ التي يعيشُها الإمامُ المهدي (عجل الله (تعالى) فرجه).


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


الشيخ حسين عبد الرضا الاسدي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2023/03/27



كتابة تعليق لموضوع : على ضفافِ الانتظار(28)
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net